صلاح خليل
أعلنت الإدارة الأمريكية، في 8 من أغسطس 2022، وثيقة استراتيجية جديدة حول الشأن الإفريقي تحت اسم “استراتيجية الولايات المتحدة تجاه إفريقيا جنوب الصحراء”. الوثيقة حددت مدة خمس سنوات لتنفيذ عدة محاور رئيسية في القارة الأفريقية، تضمنت دعم المجتمعات، وتقديم مكاسب ديمقراطية وأمنية، والعمل على الانتعاش الاقتصادي بعد جائحة كورونا، وإتاحة الفرص الاقتصادية، ودعم الحفاظ على المناخ والتكيف معه.
وتزامن الكشف عنها من خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لبعض دول القارة الأفريقية، في الفترة ما بين 7 و12 أغسطس، تشمل ثلاث دول هي: جنوب أفريقيا، والكونغو الديمقراطية، وراوندا. وتسعى من خلالها واشنطن إلى أن تُثبت للقارة الأفريقية دورًا جيوسياسيًا باعتبارها شريكًا مهمًا لها، كما أن الزيارة جزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الأمريكية لإعادة بناء تحالفات وشراكة مع دول القارة الأفريقية، للحد من النفوذ الروسي والصيني المتنامي في القارة الأفريقية. ومع ذلك فإن الإعلان عن السياسة الجديدة للقارة بأكملها هو أهم تطور له تداعيات بعيدة المدى وقصيرة ومتوسطة، باعتبارها سياسة متوخاة ذات أهمية كبيرة في ظل التطورات الدولية الراهنة.
عودة إلى أفريقيا
آخر استراتيجية أمريكية شاملة تجاه إفريقيا صدرت في عام 2012 من قبل إدارة باراك أوباما. وقد أعطت تلك السياسة الأولوية لتقوية المؤسسات الديمقراطية، وتحفيز النمو الاقتصادي والتجارة والاستثمار، وتعزيز السلام والأمن، وتعزيز الفرص والتنمية من خلال المبادرات في مجالات الصحة والأمن الغذائي، وتغير المناخ وغيرها. وبينما تظل هذه القضايا ذات صلة بالعلاقات بين إفريقيا والولايات المتحدة في عام 2022، فإن الشراكة الاستراتيجية اتخذت أهمية خاصة في ظل ظروف سياسية واقتصادية وأمنية وجيوسياسية قد تغيرت بشكل كبير في أفريقيا والولايات المتحدة وحول العالم. وتعتبر هذه الجولة الثانية التي يقوم بها بلينكن إلى إفريقيا، بعد أن زار في نوفمبر 2021 من العام الماضي كلًا من نيجيريا والسنغال وكينيا.
وتبحث الولايات المتحدة إعادة التموضع بشكل عام في أفريقيا جنوب الصحراء، لمواجهة النفوذ والتمدد لكل من روسيا والصين، فضلًا عن إيجاد حلفاء لها في معركتها لمحاربة الإرهاب، خاصة في ظل انتشار وتمدد الجماعات الإسلامية المتشددة، بعد أن تمكن التنظيمان الدوليان (القاعدة، والدولة الإسلامية) من بناء تحالفات مع بعض الجماعات الإرهابية في أفريقيا. كما أن الإدارة الأمريكية الحالية تسعى إلى أن تؤسس لشراكة جديدة ثنائية وجماعية، من أجل تشكيل العلاقات عبر التجارة والاستثمارات والمشاركة السياسية، ومساعدة الدول الإفريقية من خلال مختلف الوكالات والمبادرات التنموية والعلاقات العسكرية، وذلك مع الحكومات الإفريقية والمجتمع المدني والشركات.
قلق حيال نفوذ روسيا
وجاءت الزيارة بعد وقت قصير من زيارة نظيره الروسي سيرجي لافروف إلى أفريقيا في يوليو 2022، والتي شملت مصر، والكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا، وأوغندا. وقد أظهرت الوثيقة الاستراتيجية الجديدة قلق الإدارة الأمريكية الحالية كثيرًا بشأن الدور الروسي. وتحذر الوثيقة من الشراكة العسكرية لشركة فاجنر الأمنية والأدوار الروسية السلبية التي تعمل من خلال رصد المعلومات الأمنية والاستخباراتية مع الدول الإفريقية، بالإضافة إلى إثارة حالة من عدم الاستقرار في السلام والأمن الدوليين والإقليميين بالمنطقة. وتحذر الوثيقة أيضًا من أن الشراكة العسكرية بين دول القارة وموسكو الغرض منها المنفعة الاستراتيجية والاقتصادية لصالح روسيا وليس لشعوب الدول الأفريقية، وأن موسكو تستخدم تلك العلاقات بهدف إيجاد وكسب تأييد وتقويض موقف الدول الأفريقية لتبرير غزوها لأوكرانيا. كما تشير الوثيقة الجديدة إلى خلق ادعاءات ومخاوف الإدارة الأمريكية ضد كل من روسيا والصين وسياستهما تجاه القارة الأفريقية.
وقد أظهرت الحرب الروسية الأوكرانية نفوذ روسيا المتزايد داخل القارة الإفريقية، خاصة أثناء التصويت في الأمم المتحدة لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، فمن إجمالي 54 دولة أفريقية صوتت 25 دولة لصالح القرار، بينما باقي الدول إما امتنعت أو لم تصوت على القرار. تلك الخطوة تمثل نقطة القوة في النهج المتبع لدى روسيا في علاقاتها مع دول القارة الإفريقية، حيت تتجنب موسكو إلى حد كبير الانخراط في السياسات الداخلية للدول الأفريقية، كما تقدم نفسها أيضًا على أنها تعمل مع الحكومات الإفريقية كشريك في المجالات المختلفة، وبضمانات، دون التلويح بأي قيود، وهو الأمر الذي وجد قبولًا لدى القادة الأفارقة.
وتبدو الوثيقة الجديدة تجاه أفريقيا غير كافية لمواجهة تحديات في عالم أصبح أكثر تنافسًا، كما أن الأدوات المقترحة التي قدمتها الوثيقة لا تناسب البلدان الإفريقية المضطربة التي تعاني من الصراعات ذات الخلفية الإثنية والقبلية والقومية، بالإضافة إلى العقوبات التي دائمًا تتخذها الولايات المتحدة تجاه بعض الدول الإفريقية. كما أن مشروع القانون الأمريكي الذي يسمى (قانون مكافحة الأنشطة الروسية الخبيثة) في أفريقيا، يشكل ضغطًا على الحكومات الإفريقية التي تعمل مع أي كيان روسي، ومن ثم بموجبه تخضع تلك الدول لعقوبات من قبل الإدارة الأمريكية. هذا التشريع وجد رد فعل عنيفًا من قبل الشعوب الإفريقية وحكوماتها.
ختامًا، يتمثل التحدي الأكبر للإدارة الأمريكية بعد الوثيقة الجديدة تجاه أفريقيا، في أن معظم الحكومات الإفريقية لا تحبذ الانخراط والتورط في حرب باردة بين كل من روسيا والصين من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها من جهة أخرى. ولكن السؤال الأهم يتعلق بمدى نجاح الولايات المتحدة في ممارسة ضغوطات على العديد من الحكومات الإفريقية للتنديد بالغزو الروسي لأوكرانيا. هذا ما ستكشفه القمة الأمريكية الأفريقية المشتركة التي سوف تنعقد في العاصمة واشنطن في ديسمبر 2022.
.
رابط المصدر: