في مطلع الأسبوع الثاني من سبتمبر 2023، شهد بعضُ أحياء العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، ومحافظة لحج المجاورة، صدامات دامية بين مهاجرين إثيوبيين من عرقيتي الأمهرة والأورومو، تسبَّبت في وقوع العشرات بين قتيلٍ وجريح. وهذه هي المرة الأولى التي تدور فيها اشتباكات عنيفة، بهذا الاتساع والحصيلة الكبيرة في الضحايا، بين المهاجرين الأفارقة في اليمن، الذي يستضيف قرابة 200 ألف منهم، ولا يزال يستقبل أعداداً إضافية منذ سنوات طويلة، الأمر الذي يُعيد تسليط الضوء على ظاهرة الهجرة غير الشرعية من دول القرن الأفريقي إلى اليمن، وما طرأ عليها من تحولات؛ وتداعياتها المباشرة وغير المباشرة على مجتمع المهاجرين أنفسهم، وعلى البلد المُستَضيف.
الهجرة غير الشرعية من دول القرن الأفريقي إلى اليمن: اتجاهات جديدة
ظل اليمن، طيلة العقود الثلاثة الأخيرة، الوجهة الرئيسة للمهاجرين غير الشرعيين من دول القرن الأفريقي (إثيوبيا، وإريتريا، وجيبوتي، والصومال)، والذين يتطلعون إلى البقاء في اليمن أو للانتقال منه إلى محطاتٍ وجهاتٍ أخرى، وإن كانت الأغلبية منهم لم تعد ترى في اليمن خياراً مناسباً للمكوث والإقامة منذ اندلاع الحرب عام 2015، وبالتالي تحوَّل البلد إلى مجرد محطة على طريق الوجهة النهائية المتمثلة في دول الخليج، أو دول الغرب في بعض الحالات، حيث الظروف الاقتصادية وفرص العمل أفضل بكثير حتى بالنسبة إلى هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين.
وقد شهدت الهجرة غير الشرعية من دول القرن الأفريقي تحولات مهمة بعد عام 2015، لعل أبرزها ذلك المتمثِّل في هوية المهاجرين أنفسهم؛ فبعدما كان الصومال مصدر غالبيتهم العظمى منذ اندلاع الحرب الأهلية هناك في تسعينيات القرن الماضي (استقبل اليمن أكثر من مليون مهاجر ولاجئ صومالي منذ العام 1990)، بات الإثيوبيون يستحوذون على النسبة الأكبر ابتداءً من العام 2015.
ويُعتَقد أن تراجع أعداد المهاجرين الصوماليين يعود إلى تحسُّن أوضاع الصومال اقتصادياً وأمنياً خلال السنوات الأخيرة بموازاة التدهور المستمر في أوضاع اليمن بسبب الصراع وسلسلة الأزمات الإنسانية والاقتصادية والأمنية الناتجة عنه، وإن كانت الظواهر المناخية مثل الجفاف وأحداث العنف المتصلة بنشاط الجماعات الإرهابية في الصومال لا تزال تدفع نحو استمرار الهجرة غير الشرعية إلى اليمن لكن بأعدادٍ أقل.
أما التزايُد في أعداد المهاجرين الإثيوبيين فيمكن إرجاعه إلى عوامل متعددة سبقت الحرب الأهلية في هذا البلد (2020-2022)، وهي في مجملها عوامل اقتصادية، مثل غياب فرص العمل، وتأثير الجفاف على قطاع الزراعة الذي يضم معظم القوة العاملة في إثيوبيا (80% تقريباً)، لكن الحرب ساهمت في تزايد وتيرة الهجرة إلى اليمن في السنوات القليلة الأخيرة (انظر الخريطة رقم 1)، سواءً بسبب تنامي العنف والمصادمات بين القوميات/العرقيات الإثيوبية المختلفة، أو نتيجة التدهور الاقتصادي الذي أحدثته الحرب.
ويمكن التدليل على هذا الارتباط بين الهجرة غير الشرعية من إثيوبيا وبين الظروف الاقتصادية هناك، بوصفها الدافع الأهم والأبرز وراء هذه الظاهرة، وليس أعمال العنف والاقتتال الأهلي التي لا تزال بعض مظاهرها مستمرة وإن خفَّت حدتها بعض الشيء، عبر تتبُّع أعداد الواصلين إلى السواحل اليمنية من المهاجرين من دول القرن الأفريقي، وأغلبيتهم إثيوبيين، ومقارنتها تالياً مع معدل أحداث العنف وأعداد الضحايا بسببها في إثيوبيا خلال نفس الفترة.
وعلى سبيل المثال، فإن التقرير الأخير لمنظمة الهجرة الدولية، والخاص بالقرن الأفريقي وشرق القارة، يُفيد بأن أعداد المهاجرين غير الشرعيين من هذه المنطقة أخذت في التزايد بشكل مستمر منذ شهر أغسطس 2022، مُسجلةً زيادة قياسية في مارس 2023 مع وصول 20 ألف منهم (97% إثيوبيين) إلى السواحل اليمنية، قبل أن تتراجع تدريجياً في الأشهر اللاحقة إلى المستوى المألوف المُسجَّل في مطلع العام الجاري (سُجِّل وصول 13 ألف مهاجر في أبريل، و11 ألف في مايو، و10 آلاف في يونيو، و9 آلاف في يوليو، بالمقارنة مع 10 آلاف في كل من شهري يناير وفبراير). في حين أظهرت بيانات مرصد إثيوبيا للسلام (Ethiopia Peace Observatory) أن حوادث العنف وأعداد القتلى بسببها كانت في تراجع مستمر من بداية العام 2023 وحتى شهر مارس الذي سُجِّل فيه أدنى مستوى على الإطلاق منذ منتصف العام 2021، أي أن هذا التراجع القياسي لجهة أحداث العنف وأعداد الضحايا تزامَنَ مع طفرة قياسية في أعداد المهاجرين غير الشرعيين القادمين من إثيوبيا إلى اليمن.
إضافةً لما سبق، فإن بيانات منظمة الهجرة الدولية تؤكد أيضاً أن الدافع الرئيس وراء تدفق المهاجرين من إثيوبيا إلى اليمن اقتصادي في المقام الأول، سواءً قبل الحرب الأهلية الأخيرة أو حتى أثناء الفترة التي تلتها، وإن كانت هناك نسبة محدودة (17% لشهر يوليو، على سبيل المثال، بحسب التقرير المشار إليه آنفاً) يظل دافعها الرئيس للهجرة هو الفرار من الصراع والعنف والملاحقات.
وتكمُن أهمية هذه المعطيات في تأكيدها حقيقة أن أي محاولة للحد من هذه الظاهرة تستدعي معالجة العوامل الرئيسة التي تقف خلفها وليس الاكتفاء فقط بتطبيق إجراءات أمنية في حدود البلد المستضيف وسواحله فقط، كما أن دراسة هذه العوامل وحجم مساهمة كل منها يساعد في ترتيب الأولويات وتحديد المعالجات المناسبة عند العمل على مكافحة ظاهرة كهذه، يختلط فيها الاجتماعي بالسياسي، والأمني، والاقتصادي.
خريطة (1) مسارات الهجرة غير الشرعية من إثيوبيا والقرن الأفريقي إلى اليمن
معاناة المهاجرين الأفارقة بين البقاء والعودة
يخوض المهاجرون من دول القرن الأفريقي إلى اليمن تجربة صعبة وقاسية في طريقهم، بدايةً من وقوعهم تحت رحمة شبكات وعصابات التهريب التي تتولى ترتيب عملية نقلهم بمقابل مالي إلى السواحل اليمنية أولاً، ثم باتجاه الحدود اليمنية-السعودية، وعبرها إلى داخل المملكة في مسار تكتنفه مخاطر وتحديات جمَّة. كما أن شبكات وعصابات التهريب كثيراً ما تحتجز المهاجرين بهدف ابتزاز أسرهم لتدفع مبالغ إضافية مقابل إطلاق سراحهم أو استكمال نقلهم إلى داخل الأراضي السعودية.
في الواقع، ومع أن دول الخليج عموماً، والمملكة العربية السعودية بصفة خاصة، تظل الوجهة الأساسية (وليست النهائية بالضرورة) لجميع المهاجرين من دول القرن الأفريقي، فإن معظم هؤلاء يظلون غير قادرين على تمويل عملية تهريبهم إلى هناك بشكل مباشر، ويضطرون إلى البقاء في اليمن لفترات طويلة من أجل العمل وجني المال لتمويل الجزء الثاني من رحلتهم (دفع المبلغ المالي المطلوب من شبكات وعصابات التهريب لنقلهم عبر الحدود اليمنية-السعودية).
ويعيش المهاجرون من دول القرن الأفريقي ظروفاً قاسية جداً أثناء إقامتهم في اليمن في ظل وضع الحرب وتداعياتها التي أدت إلى تدهور الحالة الاقتصادية والمعيشية لليمنيين أنفسهم عدا عن غيرهم من المقيمين، وأيضاً بسبب عدم قدرة المنظمات الدولية والمحلية المعنية بالمهاجرين غير الشرعيين على تقديم المساعدة إليهم بالمستوى المطلوب بعد أن فاقت أعدادهم قدرتها الاستيعابية والمحدودة بحجم التمويل الممنوح لها؛ وإن كانت كفاءة هذه المنظمات ونزاهتها في استخدام التمويل الذي تتحصل عليه تظل محل تساؤلات كثيرة، في ظل العديد من المؤشرات والشواهد على وجود مشكلات واختلالات عديدة في هذا الجانب.
ووفقاً للبيانات الواردة في أحدث تقارير منظمة الهجرة الدولية حول تقييم الوضع في اليمن، فإن 48% من المهاجرين الأفارقة في اليمن ليس لديهم أي مأوى، و17% منهم يقيم في أماكن مؤقتة، كما يعتمد 42% منهم في مصدر دخله على أعمال موسمية، بينما يفتقد 35% إلى أي مصادر للدخل، غير أن المؤشر الأكثر دلالة على حجم المعاناة التي يعيشها هؤلاء ربما يتجلى عبر إشارة 56% منهم إلى المساعدات الغذائية باعتبارها أهم احتياجاتهم وأكثرها أولوية.
وتدفع الحاجة الشديدة إلى المال (من أجل تغطية نفقات معيشتهم، واستكمال رحلتهم إلى داخل الأراضي السعودية) بالمهاجرين الأفارقة في اليمن للموافقة على عروض عمل مُجحِفة في المزارع والقطاعات الخدمية، بل وتضطرهم أحياناً إلى الانخراط في أعمال خطرة وغير قانونية، مثل تسويق الممنوعات وتهريبها (المخدرات مثلاً)، أو حتى الالتحاق بصفوف مقاتلي جماعة الحوثي.
وينتهي الحال بالكثير من المهاجرين إلى عدم القدرة على الدخول إلى السعودية أو العودة إلى بلدانهم الأصلية، وبالتالي البقاء عالقين في اليمن في ظل أوضاع وظروف صعبة ومخاطر جمَّة، حيث تقف منظمة الهجرة الدولية عاجزة عن تسيير العدد الكافي من رحلات العودة الطوعية للاجئين الذين يرغبون بالعودة إلى بلدانهم الأصلية، وقد تكون أعداد اللاجئين العائدين عبر هذه الرحلات خلال عام كامل أقل من أعداد القادمين منهم إلى السواحل اليمنية في غضون شهر واحد.
وفاقَم من هذه المسألة إعلان منظمة الهجرة الدولية تعليق رحلات العودة إلى إقليمي أمهرة وتيغراي الإثيوبيين منذ بضعة أسابيع بسبب وجود مخاطر على حياة اللاجئين حال عودتهم إلى هناك، وهو القرار الذي أثار المصادمات الدامية بين المهاجرين من قوميتي الأمهرة والأورومو في كلٍّ من عدن ولحج، جنوبي اليمن، مطلع شهر سبتمبر الماضي، وسقط خلالها عشرات القتلى والجرحى، بسبب استياء المهاجرين من قومية الأمهرة مما يصفونه بـ”عرقلة متعمَّدة” لعودتهم إلى بلادهم، في حين سُمِحَ بعودة المهاجرين من قومية الأورومو.
وقد قادت قوات الأمن اليمنية حملةً واسعةً لاحتواء الصدام الدامي بين المهاجرين الإثيوبيين، وعملت على نقلهم وإعادة تجميعهم في مواقع محددة بهدف السيطرة على الموقف يومها، إلا أن المهاجرين سرعان ما عادوا وانتشروا في أحياء مدينة عدن ومحافظة لحج بعد أيام قليلة بسبب عدم قدرة الحكومة اليمنية أو المنظمات الدولية والمحلية على تغطية احتياجات ومتطلبات كل تلك الأعداد الضخمة، وإن كانت المصادمات بين المهاجرين قد توقفت منذ ذلك الحين ولم تتجدد حتى لحظة إعداد هذه الورقة.
التحديات الاقتصادية والأمنية
تخلق الهجرة غير الشرعية من دول القرن الأفريقي تداعيات وتحديات خطرة بالنسبة إلى اليمن، بوصفه بلد عبور أو استضافة للمهاجرين، يتمثَّل أهمها في الآتي:
من الناحية الاقتصادية، وعلى الرغم من حقيقة أن الحكومة اليمنية لا تتكفل بأي نفقات كبيرة لرعاية المهاجرين غير الشرعيين وتلبية احتياجاتهم الضرورية، فإن وجودهم في اليمن يفرض على الحكومة، وعلى المجتمع اليمني بصفة عامة، أعباء كبيرة. فعلى سبيل المثال، يُعجِّل هذا العدد الضخم من المهاجرين غير الشرعيين من استنزاف الدعم المحدود والشحيح الذي تقدمه الحكومة إلى المواطنين في مناطق سيطرتها، لاسيما في قطاعي الكهرباء (من خلال اعتماد تسعيرة تقل عن تكلفة الخدمة)، والطاقة (حيث تُباع المشتقات النفطية في بعض المحافظات بـما يعادل 15% من أسعار السوق العالمية).
وبمعزل عن النقاش الدائر عالمياً حول مدى الضرر الذي يلحقه المهاجرون غير الشرعيين بسوق العمل في الدول المُستضيفة، ووجود دراسات تُجادِل بأن هناك تأثيرات إيجابية لتدفق المهاجرين على النمو الاقتصادي في البلدان المُستقبِلة، فإن اليمن، في ظل أوضاعه الصعبة الراهنة، يمثل حالة مختلفة يُستبعَد معها أن يترك فيها المهاجرون غير الشرعيين تأثيراً إيجابياً بسبب الطابع شبه الريعي للاقتصاد المحلي، وآفاق النمو المحدودة، ناهيك عن تدهور الوضع الاقتصادي بسبب الصراع المستمر؛ وبالتالي فإن وجود المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين يضر بحظوظ اليمنيين في سوق العمل، ولا يُضيف أي ميزة أو مكسب اقتصادي يعوضان هذا الضرر.
كما أن وجود هذا العدد الضخم من المقيمين بشكل غير قانوني في اليمن يفرض على الحكومة اليمنية تخصيص نفقات إضافية للأجهزة الأمنية والعسكرية المسؤولة عن حفظ الأمن والاستقرار في البلد، وذلك بغض النظر عن مدى تورُّط المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين في الأنشطة الإجرامية داخل البلاد؛ فتزايد عدد السكان بحد ذاته يتطلب زيادة عدد رجال الأمن وغيرهم من الموظفين المكلفين بتطبيق القانون، وبالتالي يستدعي تخصيص موارد مالية أكبر للأجهزة الأمنية في الأوقات العادية، فضلاً عن أوقات الاضطرابات والأزمات بطبيعة الحال.
وإذا أمعنا النظر في التأثيرات الأمنية لمعضلة الهجرة غير الشرعية من بلدان القرن الأفريقي إلى اليمن، سنجد أنها تتسبَّب في تداعيات وتحديات أمنية أكثر خطورة تتجلى مع مرور الوقت، وذلك ابتداءً من اضطرار المهاجرين، بسبب الحاجة الشديدة للمال، إلى التورط والعمل مع عصابات تهريب المخدرات وغيرها من المواد الممنوعة إلى اليمن أو دول الجوار الخليجي والإقليمي، مروراً بالتحاق بعضهم بجماعة الحوثي وخوض القتال في صفوفها، وانتهاءً بالمصادمات الدامية بين المهاجرين أنفسهم على خلفية صراعات عرقية تدور في بلدانهم الأصلية، وهو أمرٌ ليس مُقتصراً على اليمن، بل أخذ أبعاداً أوسع مؤخراً، في ظل تمدُّد ظاهرة الاشتباكات بين مهاجرين من منطقة القرن الأفريقي (لاسيما الإريتريين) إلى العديد من دول العالم، كما حصل في إسرائيل، وسويسرا، وبلدان غربية أخرى.
ومع أن انخراط المهاجرين الأفارقة في تهريب الممنوعات أو في القتال في صفوف الحوثيين بدا محدوداً ويقتصر على نسبة قليلة منهم، إلا أن المصادمات الدامية الأخيرة بين هؤلاء المهاجرين في عدن ولحج، شاركت فيها مجاميع كبيرة منهم بشكل علني أثار فزع الأهالي والمجتمع المحلي في مناطق الاشتباكات. وعلى رغم أن الأضرار المباشرة لتلك الاشتباكات ظلت محصورة بالمهاجرين الإثيوبيين أنفسهم ولم تمتد إلى أي مكونات أخرى، فإنَّها تُنذِر بإمكانية انتقال الصراعات العرقية والسياسية الدائرة في القرن الأفريقي إلى الداخل اليمني، وربما وقوع جولات جديدة من تلك المواجهات مستقبلاً، على نحوٍ يُضفي المزيد من التحديات والضغوط على الوضع الأمني الهش في البلاد.
بالإضافة لذلك، فإن العلاقة المتنامية بين الجماعات الإرهابية في كل من اليمن ودول القرن الأفريقي، وتحديداً بين تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وحركة الشباب المجاهدين الصومالية، ما فتئت تُسلِّط الضوء على إمكانية استغلال الجماعتين ظاهرة الهجرة غير الشرعية لتطوير مستوى التعاون بينهما على جميع الأصعدة، لاسيما أن تقويض استقرار اليمن وتهديد أمن جيرانه الإقليميين يمثل هدفاً مُعلناً لهذين التنظيمين المتطرفين.
الاستنتاجات
يخلق تدفق المهاجرين غير الشرعيين من دول القرن الأفريقي إلى بلدٍ يُعاني من تبعات الصراع وآثار الهشاشة، مثل اليمن، تداعيات وتحديات خطرة على أكثر من صعيد. فعلى المستوى الاقتصادي، يدفع وجود هؤلاء المهاجرين إلى استنزاف الدعم المحدود والشحيح التي تُقدِّمه الحكومة اليمنية للمواطنين في مناطق سيطرتها، كما أن تنامي أعداد هؤلاء المهاجرين يُسهِم بشكل ملحوظ في تقليص حظوظ اليمنيين في سوق العمل المحدود والمنكمش أساساً.
ومن الناحية الأمنية، ثمة مؤشرات على تزايد انخراط بعض المهاجرين في العديد من الأنشطة غير القانونية مثل تهريب المواد الممنوعة عبر الحدود، ومنهم من التحق بجماعة الحوثي، وقاتل في صفوفها. فيما تُنذِر المصادمات الدامية الأخيرة، وغير المسبوقة، بين المهاجرين الإثيوبيين من عرقيتي الأمهرة والأورومو في عدن ولحج، بتبعات أمنية أشد خطورة، من بينها إمكانية تجدُّد هذه المصادمات على خلفية استمرار التوترات العرقية والصراعات الأهلية في دولةٍ مجاورةٍ مثل إثيوبيا، فضلاً عن المخاطر المحتملة الأخرى، من قبيل إمكانية استغلال تنظيمات إرهابية، مثل القاعدة وحركة الشباب، لظاهرة مُختلطة، ومتعددة الأبعاد، مثل الهجرة غير الشرعية، للمضي في تقويض استقرار اليمن، وتهديد أمن جواره الإقليمي، لاسيما منطقة الخليج العربي.
وعليه، فإن التعاطي مع ظاهرة كهذه يستدعي انخراطاً إقليمياً ودولياً أكبر في جهود مكافحتها، ومعالجة العوامل الرئيسة التي تتسبب بها، وفي مقدمتها الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة في دول القرن الأفريقي، بما فيها معالجة آثار الجفاف والتقلُّبات المناخية؛ وبالتوازي مضاعفة جهود الوساطة لإنهاء الصراعات العرقية والأهلية في بلدان المنطقة، أو التخفيف قدر الإمكان من حِدَّتها.
ومع استبعاد إمكانية التعامل مع ظاهرة الهجرة غير الشرعية أو مكافحتها من خلال الحلول الأمنية وحدها، أي باتخاذ إجراءات رقابية وأمنية على امتداد السواحل اليمنية، وحتى على امتداد سواحل الدول الأفريقية المجاورة نفسها، نظراً لطبيعة الظروف الراهنة التي تمر بها اليمن، وغيرها من بلدان المنطقة، فإن معالجة الجذور الحقيقية لمشكلة الهجرة غير الشرعية القادمة من بلدان القرن الأفريقي، ستظل التحدي الأهم الذي يتطلب استجابة دولية وإقليمية أوسع وأكثر استدامة.
.
رابط المصدر: