هذا ما يشاهده اطفالكم؟: براءة الماضي وعنف الحاضر

مصطفى ملا هذال

 

كابتن ماجد وجامبو جبار وساسوكي وغيرها من أفلام الكارتون لا تزال حاضرة في اذهان الأجيال، اذ تمكنت من نقش اغلب مشاهدها المؤثرة في ذاكرة الأطفال وظلت عالقة في مخيلتهم لم تفارقها مع تقادم الأيام وتراكم السنين، فلا يوجد جيل الا ويتكلم بشيء من الذكريات الجميلة والأوقات الممتعة التي تصاحب عملية المشاهدة.

لولا ما تتمتع به هذا الأعمال الكارتونية من جمال فريد بقى مترسبا في ذهن الأطفال لما بقيت اسماء الأبطال فيها تلهج بها ألسنتهم، فلا تمر مدة من الزمن الا وتناهى الى مسامعنا احد اسماء الشخصيات الكارتونية ما يدلل على أهمية ما تمثله تلك الأفلام بالنسبة لشريحة الأطفال المتابعين بشكل جيد في فترة من الفترات.

لم يتغير تأثير أفلام الكارتون بل قد يكون تضاعف بسبب انتشار اجهزة التلفاز، فصار بكل منزل أكثر من جهاز وفي احيان كثيرة أصبح في كل غرفة يتواجد الجهاز فارضا هيبته وكأنه رب الأسرة، فهو دون شك أصبح يمارس دور اشبه بدور الأبوين.

ذلك بعد تحكمه بأوقات الأكل والشرب والجلوس مع أفراد العائلة، وكذلك الخروج مع الأصدقاء، حيث قام بتنظيم الوقت وإعطاء الحصة الكبرى لمتابعة الأفلام والمسلسلات ذات المضامين المختلفة، والتي تكون في اغلب الأحيان محرضة على إثارة العنف وتنمية الروح العدائية في نفوس الأطفال، وبالنتيجة تقود الى المشاجرة المستمرة مع الاطفال من أقرانهم في المدارس والأماكن الأخرى.

عادة ما يُنظر الى الاطفال وكأنهم ارض خصبة تنجح في زراعة شتى المحاصيل، ما يعني انهم يتقبلون جميع الأفكار التي يتعرضون اليها سواء كانت افكار إيجابية ام سلبية، ولكون حديثنا مركز حول الآثار السلبية الناجمة عن متابعة مشاهد العنف من قبل الاطفال وتأثيرها على بناء شخصيتهم، سنكرس الجهود فيما يأتي بشكل بعيد نسبيا عن الأثر الإيجابي.

اذ يتعرض الكبار والصغار معا الى مئات البرامج والمسلسلات التي تحمل في مضمونها جانبا عدائيا، وغرس قيم غير التي تربى عليها الفرد في البيئة التي يعيش فيها، وبالنتيجة تُنتج لنا شخصية منعزلة غير متفاعلة مع الوسط العائلي مفضلة البقاء في الخيال الوهمي الذي تكون لديها بسبب البقاء لساعات طويلة امام شاشة التلفاز.

لا تراعي وسائل الإعلام المواد المقدمة عبر شاشاتها وما تُحدثه بالمتابعين، فنلاحظ بعض الاطفال لم يتمكنوا من مغادرة شخصياتهم المفضلة، حيث انسحبت هذه التصرفات على مجمل النشاطات اليومية، ففي المدرسة نشاهد بعض الاطفال يحاول تجسيد ما يراه بالشخصية التي تقمصها.

فيعمد الى ضرب زميله والاعتداء على الآخر، ويطلق أصوات مثلما سمعها في الفلم او المسلسل او الكارتون الذي يتابعه، وهنا تكمن المشكلة، فبمثل هذه الحالة يصعب على أولياء الامور التخلص من هذه الظاهرة والتي قد تلازم الفرد وصولا الى مرحلة المراهقة وما بعدها من مراحل.

للجلوس امام شاشة التلفاز لفترات طويلة نتائج سلبية كثيرة وفي مجالات مختلفة بالنسبة للأطفال، فهي تؤثر على الجوانب النفسية وتجعلهم يتمتعون بمزاج حاد الى حد ما، فضلا عن انشغالهم عن المواد الدراسية، فالمتابعة تضيع المزيد من الوقت وبالتالي يرافق ذلك إهمال واضح في الجانب العلمي وتأخر عن الأقران بصورة مؤكدة.

فقد اثبتت العديد من الدراسات التي اجريت في هذا المجال، ان الاطفال الذين يعيشون في منزل يكثر تشغيل التلفاز فيه يصاحب ذلك تراجع ملموس في التحصيل الدراسي، بينما الاطفال الذين يقضون أيامهم في عائلة تتابع التلفاز بصورة نادرة يُلاحظ تفوقهم بشكل واضح.

ومن بين الكم الهائل من الآثار السلبية هو قيام القنوات التلفزيونية تقديم المعلومات والأفكار بطريقة مضللة، تؤدي إلى تعليم الأطفال وسائل مبتكرة لارتكاب الجرائم يمكن تقليدها حتى ولو انتهى البرنامج بإدانة المجرم.

ويؤكد علماء النفس أن هناك علاقة ارتباط بين ازدياد البرامج المليئة بالسلوكيات الإجرامية وبين أعمال العنف والعدوان لدى الأطفال، ومن هنا ينبغي على البرامج أن تعتني بمحتوياتها، بحيث تبتعد عن الفزع والرعب وتشجيع الرذيلة، وأن تلتزم بالحفاظ على القيم الروحية والاجتماعية والتمسك بالدين والقيم الأصيلة.

فالتلفزيون بكل تأكيد يعد أداة إعلامية وتثقيفية وترفيهية لا يمكن الاستغناء عنها في عصرنا الراهن، ولكن انتشاره بشكل كبير يجعل من الصعوبة التحكم في ما يتم عرضه، لذلك ينبغي على الوالدين معرفة مسبقة بالبرامج التي تعرض في القنوات المختارة وأوقات عرض البرامج حتى يمكن معرفة مضامين ما يعرض وبالتالي مراقبة ما يشاهده الأطفال من هذه البرامج، والعمل على توضيح الغموض الذي يمكن أن يكتنف بعض الجوانب من هذه البرامج.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/mediareports/23164

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M