هل تتعافى أسعار النفط بعد كبوة كورونا؟

عبد الامير رويح

 

تقلبات أسعار النفط في الاسواق العالمية، والتي تأثرت بشكل كبير بسبب وجائحة كورونا ماتزال محط اهتمام واسع، خصوصا في الدول المصدرة التي تعتمد بشكل كبير على النفط بشكل اساسي، والتي سعت الى اتخاذ بعض الاجراءات والقرارات الخاصة منها قرار تخفيض الانتاج وشهدت أسعار الخام تراجعا خلال أول موجة إغلاق ناجمة عن فايروس كورونا المستجد حيث تهاوت أسعار العقود الآجلة إلى ما دون الصفر، نتيجة انخفاض الطلب العالمي مع توقّف حركة الطيران وحتى التنقّل برا بالسيارات جرّاء الإغلاق.

ويرى بعض الخبراء ان اسعار النفط ومع تخفيف القيود في العديد من الدول، ربما ستشهد تحسناً تدريجياً لكنها لن تصل الى مستويتها السابقة، وخلص استطلاع أجرته رويترز في وقت سابق إلى أن أسعار النفط ستتماسك حول 40 دولارا للبرميل هذا العام، مع تعاف يكتسب زخما في الربع الرابع من العام وفي 2021 بدعم من تخفيضات إنتاج تقودها أوبك ومع خروج الاقتصادات ببطء من الإغلاق العام المرتبط بفيروس كورونا.

وتوقع المسح الذي شمل 45 محللا أن يسجل خام القياس برنت في المتوسط 40.41 دولار للبرميل في 2020 ارتفاعا من توقعات عند 37.58 دولار في مسح مماثل الشهر الماضي. وبلغ متوسط سعر خام القياس العالمي منذ بداية العام 42.10 دولار. ومن بين 37 مشاركا في كلا استطلاعي مايو أيار ويونيو حزيران، رفع 26 توقعاتهم لبرنت في 2020. وقال هاري تشيلينجيريان مدير أبحاث السلع في بي.إن.بي باريبا ”وتيرة التعافي ستظل متواضعة في الربع الثالث“. لكنه قال إنها سوف ”تتسارع في الربع الأخير في ظل تأثير كل من قيود طوعية من منتجي أوبك+ وتراجعات إنتاج يتسبب فيها وضع السوق وتعاف لاحق للطلب مع عودة النشاط الاقتصادي بدعم من إجراءات تحفيز نقدي ومالي“.

تخفيضات إنتاج النفط

قالت أربعة مصادر في أوبك+ إن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وروسيا ستخففان على الأرجح تخفيضات قياسية في إنتاج النفط بدءا من أغسطس آب، مع تعافي الطلب العالمي على الخام وصعود الأسعار من مستوياتها المنخفضة. واتفقت أوبك وحلفاؤها بقيادة روسيا، الذين يشكلون ما يعرف بمجموعة أوبك+، على خفض قياسي للإنتاج قدره 9.7 مليون برميل يوميا، أو 10 بالمئة من الطلب العالمي، من مايو أيار ولمدة شهرين ثم مددت فترة الخفض إلى يوليو تموز.

وقالت المصادر إنه لم تحدث أي مناقشات حتى الآن بشأن تمديد التخفيضات إلى أغسطس آب، وهو ما يعني أنها في الغالب ستتراجع إلى 7.7 مليون برميل يوميا. وقال مصدر بأوبك ”من غير المرجح أن يكون هناك مزيد من التمديد ما لم يحدث تحرك نزولي آخر للطلب.“ وسيجتمع وزراء بارزون من أوبك+ في منتصف يوليو تموز، في إطار اللجنة المعروفة باسم لجنة المراقبة الوزارية المشتركة، لتقديم توصية بشأن المستوى القادم للتخفيضات. بحسب رويترز.

وتعافت أسعار النفط إلى مستويات فوق 41 دولارا للبرميل من أدنى مستوى في 21 عاما، عندما نزلت عن 16 دولارا للبرميل في أبريل نيسان، بدعم من تخفيضات أوبك+ وتعافي الطلب مع تخفيف الحكومات إجراءات العزل العام. وتحرص السعودية، الزعيم الفعلي لأوبك، وروسيا على توازن دقيق في دفع أسعار النفط للصعود لتلبية حاجات الميزانية لكن مع عدم وصولها إلى مستويات شديدة الارتفاع لتفادي ظهور طفرة النفط الصخري الأمريكي مجددا. وقال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك هذا الشهر إن موسكو راضية عن السعر الحالي للنفط. وسجل إنتاج الخام الأمريكي هبوطا قياسيا بمقدار مليوني برميل يوميا، لكن توجد علامات على أنه يتعاف بوتيرة سريعة.

ضعف هوامش الربح

في السياق ذاته يقول متعاملون ومحللون إن أسعار النفط في السوق الحاضرة بدأت التراجع بعد زيادة استمرت لأسابيع، إذ استسلمت موجة الزيادة لحقيقة ضعف هوامش ربح مصافي التكرير وامتلاء صهاريج التخزين. وجرى خفض معدلات تشغيل المصافي في أوروبا والصين لإتاحة الوقت لبيع إمدادات المنتجات المكررة قبل معالجة الخام المخزن، والذي تتوافر مخزوناته بكثرة، مما يجعل شراء شحنات نفط جديدة أقل جاذبية.

في الوقت نفسه، تحسنت أرباح التكرير للمنتجات بشكل طفيف، لكنها لا تزال غير بعيدة عن أدنى مستوياتها في أوج الجائحة، إذ يواجه العالم تعافيا تكتنفه الضبابية. وقال أحد المتعاملين في النفط ”هوامش الربح ليست عند أدنى مستوياتها لكنها سيئة – لن يدعم ذلك الطلب. نلحظ هذه الزيادات المحتملة في كوفيد-19، والتي لن تدعم هي الأخرى الأمور…كانت السوق مغالى فيها وستحتاج إلى التراجع بما يتماشى مع الحقائق الآن“.

وقالت شركة تكرير ”لم نشتر أي شيء منذ عدة أسابيع مضت، إذ أن كل شيء مرتفع السعر للغاية. لا تزال أسعار سي.بي.سي هي أكثر أسعار معقولة، لكنها لا تزال تبعد بما بين 20 و30 سنتا عن المستوى الذي يحقق ربحية. و”قلص الكثير من المصافي في حوض البحر المتوسط التشغيل، لذا فالأمل في أن يدفع انخفاض الطلب فروق الأسعار للنزول“. بحسب رويترز.

وفي الولايات المتحدة، يستعيد منتجو النفط الصخري حاليا حوالي ربع الكميات التي أوقفوها مع تحسن الأسعار، مما يضغط على الأسعار في السوق الحاضرة في الحوض البرمي وحوض باكان. وجاءت أغلب الزيادة في الطلب على تسليمات الخام في السوق الحاضرة من الصين، لكن مصادر بالسوق تقول إن شركات تكرير مستقلة هناك عزفت عن الأسعار الأعلى، إذ قلصت معدلات التشغيل في ظل انتظارها لحصص جديدة من واردات الخام من الحكومة.

أزمة الطيران وطلب النفط

من جانب اخر قالت وكالة الطاقة الدولية إن الطلب على النفط يتعافى من أكبر انخفاض في التاريخ في 2020، لكن التراجع في قطاع الطيران بسبب المخاوف من فيروس كورونا يعني أن العالم لن يعود إلى مستويات طلب ما قبل الجائحة قبل 2022. وقالت وكالة الطاقة ”توقعاتنا الأولى للعام 2021 بأكمله تظهر نمو الطلب 5.7 مليون برميل يوميا، وهو ما يعني، عند مستوى يبلغ 97.4 مليون برميل يوميا، أنه سيكون دون مستوى 2019 بواقع 2.4 مليون برميل يوميا“.

وأضافت الوكالة التي مقرها باريس ”تراجع تسليمات وقود الطائرات والكيروسين سيؤثر على إجمالي الطلب على النفط حتى 2022 على الأقل… يواجه قطاع الطيران أزمة وجودية“. وقالت الوكالة إن السفر جوا بدأ يزيد قليلا في منتصف مايو أيار وإنه تسارع في يونيو حزيران مع تخفيف إجراءات احتواء الفيروس لكنه يظل أقل بنسبة 70 بالمئة عن مستويات 2019. ورفعت وكالة الطاقة توقعاتها للطلب على النفط في 2020 نحو 500 ألف برميل يوميا نظرا لواردات آسيوية أقوى من المتوقع.

وقالت الوكالة ”خروج الصين القوي من إجراءات الغلق العام أعاد الطلب في أبريل نيسان إلى مستويات العام الماضي تقريبا. وشهدنا أيضا انتعاشا قويا في الهند في مايو أيار، وإن كان الطلب مازال أقل بكثير من مستويات العام الماضي“. وأشارت الوكالة إلى هبوط في إمدادات النفط العالمية بمقدار 11.8 مليون برميل يوميا في مايو أيار، وقالت إن منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفاءها بمن فيهم روسيا، في إطار المجموعة المعروفة باسم أوبك+، خفضوا الإنتاج 9.4 مليون برميل يوميا. بحسب رويترز.

وهبط إنتاج دول لم تشارك في الاتفاق 4.5 مليون برميل يوميا منذ بداية العام، بحسب الوكالة، التي أشارت إلى أن إنتاج الولايات المتحدة سينخفض 900 ألف برميل يوميا العام الجاري و300 ألف برميل يوميا العام المقبل ما لم ترتفع الأسعار لتشجع على استثمارات جديدة في النفط الصخري. وقالت ”إذا استمرت الاتجاهات الحديثة في الإنتاج وتعافى الطلب، فستقف السوق على أساس أكثر استقرارا بنهاية النصف الثاني من السنة“. وتابعت ”لكن ينبغي ألا نستهين بأوجه عدم التيقن الهائلة“.

190 دولار

جدد بنك جي بي مورغان، توقعاته حول احتمال حدوث “دورة تصاعدية قوية” ستدفع بسعر برميل النفط ليقفز متخطيا حاجز الـ190 دولارا للبرميل العام 2025. وقالت جي بي مورغان في تقريرها المنشور في الـ12 من يونيو/ حزيران إن حالة الإشباع في أسواق النفط ستتحول إلى حالة “عجز في العرض الأساسي” بدءا من العام 2022، والسيناريو الأكثر ترجيحا هو ارتفاع سعر برميل خام برينت إلى 60 دولار لتحفيز الإنتاج العالمي، ملقية الضوء على أن الدول المنتجة خفضت انتاجاها للتعامل مع الوفرة في الأسواق ولكن الآن المؤشر يذهب بالجهة المعاكسة بعد الجهود المبذولة لتحفيز الصناعات النفطية.

هذا التوقع أعلنت عنه الشركة في مارس/ اذار الماضي ولكنها اليوم وبعد ما أصاب قطاع النفط العالمي من خسائر إثر تداعيات فيروس كورونا الجديد أو ما بات يُعرف باسم “كوفيد-19” جددت تنبؤاتها بأن “دورة تصاعدية قوية” تلوح في الأفق. كريستيان مالك، رئيس بحوث النفط والغاز في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط في جي بي مورغان، قال: “الواقع أن فرص صعود أسعار النفط إلى 100 دولار في هذا الوقت أكبر مما كانت عليه قبل 3 أشهر (انتشار فيروس كورونا)”. بحسب CNN.

وأضاف مالك أن توقعات جي بي مورغان السابقة بوصول سعر برميل النفط إلى 190 دولارا لا تزال قائمة، بل أن احتمال حدوث ذلك بات أكثر ترجيحا الآن. ويذكر أن أسعار خام برنت وصلت لأدنى مستويات في عقدين من الزمن بوصول سعر البرميل إلى 15.98 دولارا في ابريل/ نيسان الماضي، في حين هوت أسعار الخام الأمريكي لدون حاجز الصفر ووصلت إلى نحو -40 دولارا للبرميل، وذلك لأول مرة في تاريخها.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/economicreports/23790

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M