هل تنشب حرب بالوكالة بين واشنطن وبكين؟

 دومينيك تيرني

 

قال وزير الدفاع الأمريكي الأسبق “روبرت جيتس” في عام 2007″ إن الحروب غير التقليدية تُعَد أكثر الحروب التي يُرجَّح خوضُها في السنوات المقبلة”. ولعل هذه العبارة صحيحة فيما يتعلق بالمنافسة العسكرية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين الحاليَّة؛ ولذا من المُرجَّح أن يتخذَ أي تنافس عسكري في المستقبل بين البلدين نمط “الحرب بالوكالة”.

وفي هذا السياق، تُسلِّط دراسة “دومينيك تيرني” أستاذ العلوم السياسية في كلية “سوارثمور” الأمريكية، التي جاءت بعنوان “مستقبل الحرب بالوكالة الصينية – الأمريكية” الضوء على ديناميكيات “الحرب بالوكالة”، باعتبارها الشكل الجديد للمنافسة العسكرية بين واشنطن وبكين. ومن ثم، تنقسم إلى أربعة محاور رئيسية: يتناول المحور الأول المصطلحات الأساسية المتعلقة بالحروب، ويستكشف المحور الثاني الفكر الاستراتيجي للحرب في كل من الولايات المتحدة والصين، ثم يناقش المحور الثالث كيفية تغيير ديناميكيات الصراع العالمي التي أدت إلى تقليص الحرب بين الدول، وتنامي معدلات الحروب الأهلية. وأخيرًا، يؤكد المحور الرابع أن التدخل الصيني والأمريكي في الحروب الأهلية الخارجية، من المرجح أن يتخذ شكل صراعات بالوكالة.

الفارق بين الحرب التقليدية والحرب الأهلية

هناك تفرقة بين نمطين رئيسيين من الصراع؛ وهما: الحرب التقليدية، والحرب الأهلية؛ فبينما تشير الأولى إلى القتال المستمر بين القوات المسلحة النظامية لدولة ما ضد الدول الأخرى؛ تشير الحرب الأهلية إلى النزاع داخل الحدود الإقليمية لدولة ما. وربما يتطلب هذا النزاع تدخلًا مباشرًا أو غير مباشر من الدول الأخرى؛ وذلك إما لدعم فريق متمرد على حساب الطرف الآخر، أو لتعزيز حفظ السلام عندما يكون المُتدخِّل محايدًا في النزاع.

ويمكن للتدخل المباشر أن يأخذ أشكالًا عديدة، تبدأ من عملية سريعة من قبل القوات الخاصة، وصولًا إلى عملية كبرى تمتد لسنوات، كما حدث خلال تورط الولايات المتحدة الأمريكية في فيتنام. أما التدخل غير المباشر فهو محاولة للتلاعب بمسار الحرب الأهلية دون نشر القوات المسلحة، وَعَادَةً يأخذ أحد الأشكال الثلاثة: بناء القدرات، أو الحرب بالوكالة، أو صنع السلام.

في هذا الصدد، أوضحت الدراسة أن الولايات المتحدة والصين تخوضان حربًا بالوكالة في سوريا؛ فبينما تدعم بكين النظام السوري، تؤيد واشنطن بعض خصوم النظام. وفي هذه الحالة، تشارك واشنطن في حرب بالوكالة، وفي المقابل تشارك الصين في بناء القدرات.

العقيدتان الاستراتيجيتان الأمريكية والصينية

تركز العقيدة الاستراتيجية الأمريكية على الحرب بين الدول، باعتبارها المهمة الحقيقية للجيش الأمريكي، وتقلل من التركيز على مكافحة التمرُّد وبناء الدولة وأشكال التدخل الأخرى في النزاعات الأهلية الأجنبية، باعتبارها أنشطة هامشية.

وفي هذا السياق، يلفت “تيرني” الانتباه إلى أن استراتيجيات الدفاع الأمريكية أصبحت تركز على فكرة الصراع القائم على التنافس بين القوى العظمى. ولهذا، يتعين على الولايات المتحدة الرد على التهديد الصيني من خلال “إعادة تأسيس الهيمنة القتالية” في الحرب التقليدية بين الدول، التي تتطلب الاستثمارات في الأسلحة ومنصات الدفاع الصاروخي المهمة لتحسين الذخائر التي تعزز القدرة على القتال العسكري.

وبالمثل، يميل الفكر الاستراتيجي الصيني إلى التقليل من أهمية أي تورط في النزاعات الداخلية للدول؛ إذ يُعد مبدأ عدم التدخل من أكثر مبادئ السياسة الخارجية الصينية أهميةً؛ لكونه تبلوَرَ لدرء التدخل الخارجي في شؤون بكين.

وفيما يتعلق بنظرة الصين الاستراتيجية تجاه الحروب التقليدية بين الدول، فإنها ليست واضحةً مثل الولايات المتحدة في إعطاء الأولوية للحرب بين الدول. ومع ذلك، يمكن ملاحظة الأولويات الاستراتيجية الصينية الرئيسية في القتال والانتصار في حرب تقليدية من أجل الدفاع عن تايوان.

وباختصار، يقلل الفِكران الاستراتيجيان الأمريكي والصيني من أهمية التدخل في الحروب الأهلية الأجنبية، لكن الولايات المتحدة تعطي الأولوية للحرب التقليدية بين الدول، وتعتبر التدخل في الحروب الأهلية بمنزلة انحراف عن المهمة العسكرية الأساسية للقتال. أما بكين فتعتبر التدخل خطيرًا وغير شرعي، ومع كل هذا، فإن التحول في النظام الدولي من الحرب النظامية إلى الحرب الأهلية، يعني أن المنافسة العسكرية المستقبلية بين الصين والولايات المتحدة من المرجح أن تنطوي بشكل كبير على حروب بالوكالة.

انتشار الحروب الأهلية

تهيمن الحروب الأهلية الآن على الصراع العالمي؛ إذ إن ما يقرب من 90% من الحروب كانت حروبًا أهلية خلال حقبة ما بعد الحرب الباردة، وأوضحت بعض التقديرات أنه في عام 2019 فقط، كان هناك صراعان بين الدول، و52 صراعًا داخليًّا. ويعود ذلك إلى أن العوامل التي تمنع الحرب بين الدول – مثل الديمقراطية والأسلحة النووية – لا تمنع أو تقلل من معدلات العنف داخل الدول. ولهذا، فإن الأسباب الجذرية للحرب الأهلية – مثل الفقر، وفشل الحكم، والتوترات العرقية والدينية – لا تزال سائدة.

وعلاوة على ذلك، ساهمت العولمة والتطور التكنولوجي، في تسريع وتيرة الحروب الأهلية؛ وذلك من خلال مشاركة دول أخرى، عن طريق تجنيد المؤيدين والرعاة لنقل الأسلحة والمساعدات المادية الأخرى عبر الحدود؛ فالدول التي هاجمت منافسيها في الماضي بأسلوب مباشر، تسعى الآن إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية من خلال التدخل في الحروب الأهلية الخارجية.

وهناك عاملان وراء تراجع الحروب التقليدية والتحول نحو الحروب الأهلية، وربما يمكن ربطهما بمجال المنافسة الأمريكية–الصينية، إذ يتعلق العامل الأول باستمرار التدخل المفرط من قِبَل الولايات المتحدة؛ إذ ترى واشنطن أن الحروب الأهلية في الأراضي البعيدة ذات أهمية حيوية لأمن الولايات المتحدة أما العامل الثاني فهو تزايد التدخل الصيني عالميًّا؛ إذ يتضح أن التزام الصين بمبدأ عدم التدخل متناقض، إن لم يكن وهميًّا؛ فخلال الفترة الأخيرة، تآكلت هذه العقيدة على نحو مطرد.

دور صيني نشط

يرجع تغيُّر العقيدة الصينية بشأن التدخل إلى ستة أسباب تبرهن على قيام الصين بدور نشط في الحروب الأهلية الخارجية، أولها متعلق بحماية المصالح الصينية الأساسية بما يتوافق مع مبدأ الصين الواحدة، الذي ينص على أن تايوان جزء من الصين، إلى جانب حماية حدودها، وخاصةً في ظل مخاوفها من امتداد الصراع في ميانمار، والأمر الآخر مرتبط بتأكيد تنافسها الاستراتيجي مع الهند؛ إذ تزعم الأخيرة أن الصين تساعد المتمردين في شمال شرقها منذ فترة طويلة، وهو اتهام تنفيه بكين.

كذلك فإن أحد أسباب ذلك، يعود إلى المصالح الاقتصادية الصينية، والتي من شأنها أن تساهم في زيادة الاستثمار الصيني الخارجي، الذي ارتفع من 2,7 مليار دولار في 2002 إلى 196 مليار دولار في 2016، كما أنها تُعد المحفز الرئيس لمبادرة “الحزام والطريق”، جنباً إلى جنب مع انتهاج الصين التدخل كجزء من استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب؛ إذ تعبر عن قلقها بشأن مسلحي “الإيجور” على حد مزاعمها، وأخيرًا؛ يُعد التدخل الصيني جزءًا من حماية الشتات الصيني المتنامي في دول العالم.

شراكة أم حرب بالوكالة؟

أشارت الدراسة إلى نموذجين لفهم التفاعل بين الصين والولايات المتحدة في سياق الحروب الأهلية الخارجية؛ هما: الشراكة، والحرب بالوكالة؛ فعلى صعيد الشراكة، تتعاون الصين والولايات المتحدة في إدارة الحروب الأهلية الخارجية؛ حيث يشترك البلدان في مكافحة الإرهاب الدولي، وربما تكون عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة مجال اتصال مفتوحًا نسبيًّا بين الولايات المتحدة والصين، وغالبًا ما يتشاور البلدان بشأن القضايا الأمنية في إفريقيا؛ فعلى سبيل المثال، تتوافق أهداف واشنطن وبكين إلى حد كبير في جنوب السودان.

وعلى صعيد آخر، تشجع المنافسة الاستراتيجية بين البلدين – في ظل نظام أقرب إلى الثنائية القطبية الناشئة – على التصعيد المتبادل. ولعل نمط الحرب بالوكالة يتلاءم مع نموذج التنافس بين القوى العظمى؛ فمن غير المرجح أن تنطوي الحروب بالوكالة على تهديدات وجودية لواشنطن أو بكين؛ حيث ستكون المعارك المقبلة في دول مثل فنزويلا أو إيران أو كوريا الشمالية أو ميانمار أكثر من احتمالية حدوث المعركة في بحر الصين الجنوبي.

وفي ضوء حقيقة مشاركة الدولتين على نحو روتيني في التدخل الأجنبي، ومن ثم الحروب بالوكالة؛ قدم “تيرني” مجموعة من التوصيات للولايات المتحدة الأمريكية للتعامل مع واقع التنافس مع الصين؛ إذ يتعين على الجيش الأمريكي ومجتمع الأمن القومي توسيع نطاق التفكير حول المنافسة العسكرية مع الصين، وبالتبعية، تجاوز فكرة الانشغال بالحروب بين الدول إلى التفكير في سيناريوهات أكثر احتماليةً بكثير للحرب بالوكالة.

وختامًا، فإنه يجب على واشنطن إدراك مخاطر الصراع العالمي من منظور المنافسة مع القوى الكبرى، وكذلك إذا تدخلت الولايات المتحدة في حروب أهلية خارجية، فإن المنافسة الصينية الأمريكية الناشئة يجب أن تكون ذات أهداف محددة وقابلة للتحقيق، وبالإضافة إلى ذلك، يجب على واشنطن بذل الجهد لتوجيه التدخل الصيني نحو مجالات المصالح المشتركة.

.
رابط المصدر:

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M