د. رعد هادي جبارة
رئيس تحرير مجلة الكلمة الحرة
يبدو أن الأحداث التي تشهدها منطقةالقوقاز تتجه لنشوب حرب بين أذربيجان(مدعومةً من تركيا) وارمينيا التي لم تف باتفاق الهدنة ووقف القتال مع باكو قبل ٤ سنوات والتي نشبت بسبب إقليم قره باغ ذي الأكثرية الآذرية.
أرمينيا التي وجدت نفسها ربما تفقد محافظة سيونيك نتيجة الحرب المرتقبة مع أذربيجان و تركيا قررت التوجه إلى إيران وجعل المحافظة المذكورة تحت حمايتها العسكرية ، بمعنى انتشار الجيش الإيراني فيها ليقف بوجه الجيش الاذري والتركي في حالة هجومهما للاستحواذ على المحافظة الارمينية.
في هذه الحالة،لن تخوض قوات باكو و طهران المواجهة العسكرية، ولن تقتصر على محافظة صغيرة المساحة وحسب،بل ستكون حربا شاملة و دامية متعددة الأطراف تشارك فيها بشكل مباشر و غير مباشر دول أخرى من جملتها تركيا و إسرائيل اللقيطة وحتى امريكا والناتو ودول أخرى غيرها.
إن تورط إيران في نزاع حدودي بين دولتين أخريين يكلّفها غاليا و يزيد من تدهور اقتصادها وضعف عملتها و عزلتها، أضعافا مضاعفة.
فلقد كلفتها الحروب التي نشبت في الأعوام الأخيرة بين(روسيا واوكرانيا) و(اليمن والسعودية)و (سوريا وحلفاء امريكا)والتي تدخلت فيها إيران عسكرياً حسبما يرى الغرب؛كلّفت طهران مليارات الدولارات من الخسائر والقتلى وألّبت عليها دولاً كثيرة وكبيرة اعتبرتها طرفاً في تلك الحروب،بينما لم تكن معنية بها،أصلاً،على الاقل من وجهة نظر الغرب .
فالطائرات الإيرانية المسيّرة المصدّرة لروسيا جعلتها طرفاً مشاركا في العدوان الروسي بهدف الاحتلال العسكري لأربع مقاطعات اوكرانية.
صحيح إن بيع المسيّرات الإيرانية لبوتين كان له مردود مادي للجانب الإيراني لكن الخسائر المترتبة على مشاركة طهران في العدوان العسكري الروسي كانت أكبر وبعيدةالمدى.
وصحيح أن أذربيجان بحد ذاتها أصغر حجماً من إيران بكثير لكنها مدعومة بشكل كبير من دول قوية كتركيا و إسرائيل وامريكا،ولها حلفاء كثيرون ،من دول تطلب إيران بثارات كثيرة وتنتظر هذه الفرصة على أحر من الجمر للانتقام منها، ولها ضغائن عميقة معها.ولو ورطت أرمينيا طهران بخلافهاالحدودي مع أذربيجان وأغرتها بالاستحواذ على إحدى محافظاتها فستكون خسائرها على طهران اكبر وأشد مما تتصور،عسكريا و اقتصاديا وسياسياً.
ومن خلال الاتصال الهاتفي الاخير لرئيس الوزراء الارميني نيكول باشينيان بالرئيس الإيراني رئيسي كان واضحا أنه يمكر بطهران مكر الثعالب ويريد استدراجها لكي تصطف معه عسكريا بحجة المحافظة على ممر زنكزور لتصدير بضائعها لروسيا وهو مكر وخبث له نتائج مدمرة على إيران ينبغي عليها عدم الانجرار له.
إن عدم التقاتل بين المسلمين في بلدين مسلمين أولى من التقاتل بينهما بسبب محافظة أرمينية،وحفظ بيضة الإسلام وحقن دماء المسلمين الإيرانيين والآذريين أقرب للشرع و العقل من تدمير البلدين بسبب الخلاف على محافظة ارمينية.
والمأمول من القيادات العسكرية الإيرانية أن تحسب حساباتها جيداً ،بعيداً عن عدد الجيش الآذري والايراني فحسب،لأن إلهام عليوف سيطلب الدعم العسكري من واشنطن وتل أبيب و تركيا (العضوة في الناتو) ولن تكون نتائجه هينة هذه المرة كما حصل في الحرب السعودية اليمنية التي إقتصرت على تدمير اليمن بل سيحاول الغرب وعملاؤه استنزاف إيران بشكل كبير واستغلال الفرصة لتصفية الحسابات الماضية معها والاستفراد بها ،وأخذ الثأر منها ،مما جرى منذ العام 1980حتى 2023 .
الخلاصة:
نخشى أن تُستدرج طهران إلى حرب طاحنة ضروس هي ليست طرفاً فيها بل يتمناها لها الأعداء ولا يرغب فيها الأصدقاء، وكلما ابتعدت طهران ونأت بنفسها و جيشها عن تلك النيران كان الأمر أقرب إلى العقل و الحكمة ،وعدم إشغالها عن قضية فلسطين و محورية القدس،وينبغي صون الدار و من فيها من الحريق. ف(معظم النارِ من مُستصغَر الشررِ).
فهل من مدّكر؟!
المصدر: عبر منصات التواصل للمركز