هل ستكون لحياة السود يوما أهمية في أميركا؟

أندرو بانكومب 

 

توجد في عاصمة ولاية مينيسوتا في الولايات المتحدة معالم مهمة عدة يمكن للمدينة أن تفاخر بها. فبنيتها الهندسية الراهنة تتضمن ثاني أكبر قبة رخامية مدعمة ذاتياً في العالم، ولا تضاهيها من حيث الضخامة سوى كائدرائية القديس بطرس في حاضرة الفاتيكان. أما المبنى الذي حلت مكانه فهو من بين الأماكن التي ارتادها الإصلاحي فريدريك دوغلاس قائد حركة إلغاء العبودية، وقد خطب فيه عام 1873 بعد مرور ثلاثة أعوام على إقرار مينيسوتا قانوناً يوسع نطاق الحق في التصويت ليشمل المواطنين من أصول أفريقية. لكنه على الرغم من ذلك، رُفض تأجيره غرفةً في فندق بسبب لون بشرته. (لم يتم قط تنفيذ قانون وطني للحقوق المدنية صدر عام 1875).

وعلى الرغم من مجيئي إلى مدينتي مينيابوليس وسانت بول أكثر من عشرين مرةً لزيارة عائلة زوجتي، لم تتسن لي زيارة مقر ولاية مينيسوتا ومحيطه إلا هذا الأسبوع فقط، بعدما أصبحا قبلة تجمع شعبي احتجاجاً على وفاة جورج فلويد.

المعالم هنا تنطوي على الكثير من المزايا الفريدة بالنسبة إلى زائر، ليس أقلها تحفة فنية تحمل عنوان  Spiral for Justice، اكتمل العمل عليها عام 1995، وكان الهدف منها تكريم ناشطٍ آخر هو روي ويلكنز. وقد قاد ويلكنز الذي توفي عام 1981 على مدى نحو 50 عاماً، حركةً دافعت عن حقوق الملونين وتقدمهم ضمن المجتمع الأميركي، سُميت بـ “الجمعية الوطنية لتقدم الأفراد الملونين” National Association for the Advancement of Coloured People. يشتمل النصب التذكاري على أجزاء منفصلة تخلد الأعوام الستة والأربعين التي ترأس فيها ويلكنز المنظمة، وقد حملت بعضاً من أكثر العبارات التي قالها تأثيراً. ويقول أحد الاقتباسات الذي يعود إلى عام 1967: “لا يوجد لدينا بعد مجتمعٌ منفتح على التقدم الحر والكامل لكل مواطن، سواء كان أسلافه عبيداً أم لا”.

ويمكن القول إنه خلال الأسبوعين الأخيرين اللذين صُعقت خلالهما الولايات المتحدة بوفاة فلويد، إضافةً إلى الاحتجاجات التي أثارتها طريقة وضع حد لحياته، فقد أصبحت التجارب التي خاضها كل من فريديريك دوغلاس وروي ويلكنز تشكل مرجعاً محورياً للشعارات التي تستحوذ الآن على البلاد، حتى في الوقت الذي هدد دونالد ترمب بإرسال قواتٍ عسكرية وبإطلاق النار على محدثي الشغب.

إن شخصية دوغلاس تجسد رجلاً اكتسب حقه في المساواة من الناحية النظرية، لكنه في الواقع كان ضحية تمييزٍ صارخ. وكذلك الشعارات التي ناشد بها ويلكنز قبل نحو 50 عاماً، اكتسبت تقديراً عاماً غير أنه لا يزال هناك الكثير مما ينبغي تطبيقه.

هذه التساؤلات كثيراً ما طرحها المتظاهرون خارج مبنى الكابيتول في عاصمة الولاية. فكيف يمكن للشرطة أن تقتل رجالاً ونساء من السود بهذا المعدل غير المتناسب، وبعد مرور أكثر من نصف قرن على إقرار قانون الحقوق المدنية لعام 1964؟ ثانياً، هل الاحتجاجات على وفاة فلويد البالغ من العمر ستةً وأربعين عاماً والتي صورها متفرجون بينما كان عنقه يرزح ويُدق تحت ركبة شرطي أبيض لمدة تسع دقائق، يمكن أن تختلف من الناحية الموضوعية عن تلك التي أعقبت مقتل أشخاص مثل مايكل براون وإريك غارنر وفريدي غراي؟ ومن الناحية الجوهرية، هل كانت هذه هي اللحظة التي ستُضطر معها الولايات المتحدة إلى تبني تغييرٍ حقيقي؟

عددٌ كبير من المحتجين أمام مبنى الكابيتول يصرون على التغيير. ويقول ناشط يبلغ من العمر سبعاً وعشرين سنة، فضل استخدام اسم مارك وايت، إن “الناس يعبرون عن غضبهم ليس فقط بسبب تصرفات أفراد الشرطة، بل أيضاً بسبب طريقة التعامل مع وباء فيروس كورونا”.

المدارس والكليات معطلة، ما يعني أن لدى الأفراد وقتاً كافياً للنزول من أجل الاحتجاج. وفي المقابل، خسر كثيرون وظائفهم، فيما يفضل آخرون الاحتجاج بدلاً من التوجه إلى العمل، للحصول على “أجور الفقر”. ويقول وايت: “نحن باقون ولن نذهب”.

الحلاقون أفضل تدريباً من الشرطة

انصب التركيز الأولي للمتظاهرين على وجوب اعتقال أفراد الشرطة الأربعة المتورطين في وفاة جورج فلويد، وتوجيه الاتهام إليهم، وليس فقط ديريك تشوفين العنصر الذي تم تصوير لقطاتٍ له وهو يجثو بركبته ويلقي بثقله على رقبة الضحية.

ومع ذلك، يعتبر الناشطون أن المسألة لا تنحصر في بضعة أشخاص هم مجرد تفاحات فاسدة، بل تتعداهم إلى وجوب النظر بعمق في طبيعة نظام العدالة الجنائية الذي تمزقه عنصرية ممنهجة. ويعتبر المحتجون أن الطريقة التي تم بواسطتها تجنيد قوات الشرطة وإدارة أفرادها وتنظيمهم، تحتاج إلى إصلاح شامل. ويشير ناشطو الحملة إلى أن المشكلة تكمن في العسكرة المتزايدة للشرطة، بحيث تقوم قوات صغيرة في كثيرٍ من الأحيان، بشراء عرباتٍ مصفحة مصممة أساساً للقوات المسلحة.

الأدلة على ارتكاب الشرطة مخالفاتٍ انتشرت على نطاق واسع. فمع امتداد التظاهرات لتشمل عشرات المدن الأميركية الأخرى، تم تصوير أفرادٍ من الشرطة وهم يعتدون على متظاهرين سلميين، وغالباً ما تحاكي تلك التصرفات طريقة الاعتداء الذي حصل أثناء اعتقال فلويد.

في مدينة بافالو، تم تعليق شرطيين عن العمل بعدما سببا إصاباتٍ خطرة لرجل مسن يبلغ من العمر خمساً وسبعين سنة، أثناء مسيرةٍ كانت تعترض على فظاظة الشرطة. وفي إنديانابوليس، وُضعت الشرطة تحت المجهر بعد نشر شريط فيديو يظهر أربعةً من عناصرها يعتقلون امرأة وهم يضربونها بالهراوات.

ويشير عمل باحثين مثل صامويل سينغواي ومجموعة Campaign Zero إلى انخفاضٍ في عدد عمليات قتل الشرطة مواطنين سوداً، لا سيما من جانب الوحدات التي عملت على تبني أفكار كانت أول مَن أوصت بها لجنةٌ أنشأها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. وشملت تلك الإجراءات زيادةً في إشراك المجتمعات المحلية، واستخدام جميع أفراد الشرطة كاميراتٍ مثبتة على أجسادهم، وإصلاح العقود التي طالبت بها نقابات فاعلة للشرطة، تسمح بكشف سجلات سوء السلوك بوتيرة غالباً ما تكون كل اثني عشر شهراً.

وتعتبر تريسي ميرس الأستاذة في كلية الحقوق في “جامعة ييل” والخبيرة في شؤون قوات الشرطة في الولايات المتحدة، أن جزءاً من المشكلة يتمثل في عدم وجود معايير وطنية. وعلى عكس بريطانيا، لا توجد أكاديمية وطنية يُرسل إليها  المجندون. وبدلاً من ذلك، توجد 18 ألف منظمة مختلفة للشرطة ولأجهزة إنفاذ القانون، ولكل منها معاييرها الخاصة في التدريب.

تحتاج السلطات المحلية في معدل وسطي لتدريب حلاقٍ على عمله، وقتاً أطول من تدريب عنصر في الشرطة. (في ولاية نورث كارولينا، يتطلب من الفرد كي يحوز رخصةً في قص الشعر نحو 1528 ساعة تدريب، لكن عدد الساعات المطلوبة ليصبح أحدٌ ما شرطياً فهو 620 فقط).

وتقول أستاذة الحقوق: “صحيح أنه تم تسجيل بعض التراجع في أعمال القتل على أيدي الشرطة المسؤولة عن السلامة في المدن، لكن في المقابل، تشير البيانات إلى زيادة عامة في تلك الأعمال لدى وحدات الشرطة الأصغر حجماً وتلك التي تعمل في المناطق الريفية”.

وترى البروفيسورة تريسي ميرس أن “الحوار المهم حقاً الذي نحتاج إلى إجرائه، لا يتعلق فقط بما نريد من عناصر الشرطة أن تقوم به كأفراد استجابة لحالات الطوارئ، بل كيف ينبغي للدولة أن تدعم مواطنيها في سعيهم نحو تحقيق أهدافهم ومشاريعهم”.

وقد تعهد المسؤولون في مينيابوليس فعلاً “بتفكيك” قوة الشرطة في المدينة. وقد يُجرى التصويت على القرار في وقتٍ وشيك. فقد غردت ليزا بيندر رئيسة مجلس المدينة عبر حسابها على “تويتر” قائلةً: “نعم، سنعمل على تفكيك قسم شرطة مينيابوليس واستبداله بنموذج تحولي جديد خاص بالسلامة العامة”.

التغيير لن يحصل بسرعة

إذا ما عدنا إلى فصول التاريخ التي مرت بها الأمة لاستشراف المستقبل، نستنتج أن التغييرات التي يطالب بها المحتجون لن تحدث دفعةً واحدة بل ستستغرق وقتاً وتتخذ مساراً بطيئاً.

قد تكون التغطية الفورية لوسائل الإعلام التي تعمل أربعاً وعشرين ساعة على مدى سبعة أيام في الأسبوع، هي السبب جزئياً في شعورنا بأننا نعيش لحظاتٍ كثيرة نحس من خلالها “بأن الأمور لن تعود إلى ما كانت عليه”. ولا بد من أن نستحضر هنا هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، والركود الكبير في عامي 2007 و2008، وانتخاب باراك أوباما، وإطلاق النار في مدرستي ساندي هوك وباركلاند.

ففي معظم تلك الحالات، لم يحصل تغيير شامل على الرغم من يقيننا منه في اللحظة التي كانت تقع فيها تلك الحوادث الكبرى. فقد تآكل عددٌ كبير من الإصلاحات التي وعدت بها السلطات المعنية في شأن أسلوب الأداء الجامح وغير المنظم الذي تقوم به “وول ستريت”. ولا تزال أعمال إطلاق النار في المدارس أمراً مألوفاً اليوم، كما هي الحال مع انتشار الأسلحة النارية في كل مكان، لا سيما كما حصل عندما قتل رجل مضطرب عقلياً يبلغ من العمر 20 سنة ستةً وعشرين طفلاً وموظفاً بالرصاص، في نيوتاون ولاية كونيتيكت. أضف إلى ذلك أيضاً ردود الفعل العنصرية ضد شرعية باراك أوباما، ليس أقلها من جانب الرجل الذي حل مكانه في المكتب البيضاوي. كل تلك العوامل مجتمعة إنما تطيح بالمفهوم الذي قمنا بإقناع أنفسنا به وهو أننا نعيش في مجتمع خالٍ من العنصرية.

إن ذلك لا يعني أنه لم يتم إحراز تقدم. فالهيئات المنظمة للقطاع المالي لم تُجرد كلياً من صلاحياتها، فيما شكل انتصار أوباما تحولاً مهماً، وما زال هو وأسرته يلهمون الملايين من الأشخاص. وشهد في إطار آخر ناشطو المجتمع مثل جمعية Moms Against Action التي تقودها شانون واتس، ومجموعة March for Our  Lives، التي أسسها بعض الطلاب من باركلاند في ولاية فلوريدا، نجاحاً في التوصل إلى تشريع ينظم استخدام الأسلحة على مستوى الولاية والمدينة. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حكم قاضٍ في ولاية كونيتيكت بأن العائلات التي فقدت أطفالها في ساندي هوك، لها الحق في مقاضاة الجهة المصنعة للسلاح الذي استُخدم لقتلهم.

وفي إطار آخر، حققت حركة الحقوق المدنية للمثليين هدفاً في يونيو (حزيران) من عام 2015، أي بعد نحو 50 عاماً من الاحتجاجات التي اندلعت على أثر هجوم شنته الشرطة على فندق “ستونوول إن” في نيويورك، عندما أصدرت أعلى محكمةٍ في البلاد قراراً بخمسة أصواتٍ في مقابل أربعة، يقضي بالسماح بزواج المثليين. (جاء ذلك في اليوم نفسه الذي قام فيه أوباما بإنشاد مذهل لأغنية Amazing Grace خلال كلمةٍ له في الحفل التأبيني لتسعة أميركيين من أصل أفريقي، قضوا بإطلاق نارٍ في إحدى كنائس تشارلستون في ولاية ساوث كارولينا، على يد رجل متعصب أبيض يبلغ من العمر 21 سنة).

ولعل أكثر اللحظات المماثلة رسوخاً في الذاكرة هي أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) والأثر الذي خلفته في نفوسنا، إضافةً إلى الموجة التي تلته من جرائم الكراهية المناهضة للمسلمين، والحملات التي أسهمت في تأجيج منظورٍ مختلف تجاه “الآخر”.

الطبيبة ماري أوينز التي تتولى أيضاً إدارة “المركز الصحي للأميركيين الهنود والأقليات” في جامعة مينيسوتا، دقت ناقوس الخطر في ما يتعلق بالتأثير غير المتناسب لفيروس “كورونا” على الأميركيين الأصليين والأفراد الملونين. وسلطت الضوء على تقارير تشير إلى أنه بالنسبة إلى الشبان السود، فإن الموت على يد الشرطة، هو من بين أكثر ستة أسبابٍ للوفاة. وذكرت إحدى الدراسات أن واحداً من بين ألف رجل وصبي أسود في الولايات المتحدة، يقضون على أيدي الشرطة، وهو ما يشكل ضعفين ونصفَ المعدل القائم ما بين الرجال البيض.

ورداً على سؤال يتعلق بما إذا كانت أرواح الأشخاص السود قد تشكل يوماً أهميةً في الولايات المتحدة، أشارت إلى أن حياة السود تشكل بالفعل أهميةً كبيرة بالنسبة إلى عددٍ من الناس. وقالت: “إذا كنت تقصد متى تهتم الحكومة، فإن ذلك يتوقف على اليوم الذي تسألني فيه. ففي بعض الأيام أعتقد بأنه نعم، سأشهد ذلك خلال سني حياتي. وفي بعض الأحيان أقول لا”.

المسؤولية لا تقع على الشرطة وحدها

تحدث بعض المحتجين مع “اندبندنت” عن المشاعر المختلفة التي انتابتهم، وكان من أبرزها الغضب والخوف والحزن – إلا أن أحد تلك المشاعر وهو المفاجأة بوقوع مثل هذه الأعمال، فكان غائباً. قد تميل مدينة مينيابوليس إلى تأييد حزب “الديمقراطيين” ولونهم الأزرق، وقد تمثل إلهان عمر الصومالية الأصل ولاية مينيسوتا في الكونغرس، إلا أن العنصرية الممنهجة وعدم المساواة الحادة هما قائمان هنا أيضاً.

وعلى الرغم من كل المزاعم التي تطلقها الحكومة الأميركية عن نيتها إصلاح قوات الشرطة، لا يزال يتعين عليها مواجهة التحدي الأساسي أمامها والمتمثل في طريقة التعامل مع مسألة العرق. فبعد أكثر من 400 عام على وصول السفن الأولى التي نقلت العبيد الأفارقة إلى شاطئ جيمستاون في ولاية فيرجينيا، ما زال كثير من الأميركيين البيض يجدون صعوبةً في أن يعترفوا بأن ثروة البلاد وازدهارها ما بين دول العالم قد بُنيت على مثل هذه التجارة.

ويعمل البعض على اعتبار العلم الكونفيدرالي رمزاً بريئاً لثقافة أهل الولايات الجنوبية، متجاهلين حقيقة أن شعبيته وتبنيه من عددٍ من الولايات الأخرى والفصائل مثل جورج والاس خلال فترة الستينيات، كانت بمثابة تصريح متعمد لتحدي حركة الحقوق المدنية.

وحين يقدم ساسة مثل المرشحة الرئاسية السابقة كامالا هاريس مقترحاتٍ متواضعة لدرس سبل رأب الصدع الذي أحدثته هذه العبودية، يعتبرهم كثيرون أنهم متطرفون أكثر من اللازم.

وإضافةً إلى ذلك، أظهر استطلاع للرأي أجرته “جامعة مونماوث” هذا الأسبوع، أن 76 في المئة من الأميركيين، بمَن فيهم 71 في المئة من ذوي الأصول البيضاء، يرون أن العنصرية والتمييز يُعدان “مشكلة كبيرة”. وأفاد بأن 57 في المئة من الأميركيين يعتبرون أن غضب المتظاهرين “مبرر تماماً”.

وكانت مجموعة Black Lives Matter قد أنشئت عام 2013 رداً على مقتل المراهق الأسود تريفون مارتن، وهو شاب غير مسلح كان في السابعة عشرة من عمره، عندما أرداه أحد متطوعي مراقبة الأحياء بالرصاص. وقالت أوبال تومتي إحدى الذين أسسوا هذه الحركة لصحيفة “نيويوركر”، إنها تعتقد أن الاحتجاجات الراهنة قد تكون مختلفة.

ورأت تومتي أن “هناك عاملاً إضافياً يرتبط بالظروف الاقتصادية، يختلف عن ممارسات القتل التي نعهدها كل يوم، ما يجعل هذه اللحظة تبدو مختلفة، بحيث نجد الناس يقدمون أنواعاً مختلفة من المطالب”.

أما رايتشل سوارنز الكاتبة الأميركية الأفريقية التي كانت قد تحدثت في السابق عن “التاريخ الصعب لأميركا”، فقد أعربت عن دهشتها بهذا العدد الكبير من الأشخاص البيض الذين انضموا إلى الاحتجاجات، وهو اتجاه انطلق على أثر وفاة إريك غارنر عام 2014.

وتقول سوارنز التي تشمل مؤلفاتها كتاب American Tapestry: The Story of the Black; White, and Multiracial Ancestors of Michelle Obama: “من الصعب علي أن أجد ضوءاً وسط هذا النفق، لكن ما يحصل يوحي بالتقدم، فهناك وعي وطني متنام عابر للألوان والأعراق، بوجوب التصدي لوحشية الشرطة ضد الأفراد السود”.

وتضيف إن “التكنولوجيا هي التي توجه بعضاً مما يحصل. فقتل رجال سود غير مسلحين على أيدي الشرطة، ليس بالأمر الجديد، لكننا بتنا جميعنا نشاهد بشكلٍ مباشر الناس وهم يتعرضون للقتل”. وأشارت في الوقت نفسه، إلى مجموعة من البيانات التي تشير إلى عدم حدوث أي تغييرٍ في التفاوت القائم ما بين ثروات العائلات السوداء والبيضاء، منذ أكثر من 70 عاماً.

وترى سوارنز الأستاذة المساعدة في كلية الصحافة في “جامعة نيويورك”، والكاتبة المشاركة في صحيفة “نيويورك تايمز”، أن سؤال “متى ستكون حياة السود مهمة” هو صعب. وتقول: “من الواضح أن حياتهم هي أكثر أهمية. وكذلك حياتنا تهمنا أكثر من أي وقت مضى. لكنني أجد صعوبةً في اختيار الكلمات المناسبة، لأنني بصراحة لا أملك الإجابات. لا إجابات لدي أقدمها لقرائي وطلابي وأطفالي، ولا حتى إلى نفسي”.

هل يمكن إقامة حوار مع العدالة؟

في هذه الأثناء، قد تبدو بعض الأمور وكأنها تسير بشكلٍ طبيعي. أو على الأقل بحسب رؤيتنا المعدلة وفق الوباء، لما هو طبيعي. فيوم الجمعة الفائت، غداة إقامة عائلة جورج فلويد حفل تأبين له في مينيابوليس، استخدم الرئيس الأميركي اسمه ليشير إلى أرقام تحسن أرقام البطالة بشكلٍ أفضل من المتوقع، وإلى مبادرة لعدالة متساوية.

وأضاف ترمب قائلاً: “شاهدنا جميعاً ما حصل الأسبوع الماضي. لا يمكننا أن نسمح بحدوث ذلك. نأمل في أن ينظر جورج الآن إلى الأسفل ويقول: “هذا الذي يجري لبلادنا هو أمر عظيم”. إنه يوم عظيم بالنسبة إليه. وهو يوم عظيم بالنسبة إلى الجميع. إنه يوم عظيم، وعظيم جداً في ما يتعلق بالمساواة”.

وقد تم التنديد بتصريحات ترمب الذي اتُهم على نطاق واسع بخطاباته العنصرية والمثيرة للشقاق طيلة فترة ولايته، لا سيما من قبل جو بايدن، المرشح الذي من المؤكد أنه يتحين خوض معركة الانتخابات الرئاسية أمامه في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

وقال بايدن عن ترمب إنه “كان يتحدث عن رجل قُتل بفظاظة من خلال عمل عنفي غير مبرر، ونتيجة موجةٍ عاتية من الظلم الآخذ في التفشي على مرأى من الرئيس الراهن. لقد قامت مناوراته بزرع بذور الانقسام في ما بيننا من حيث العرق والدين والأصل الإثني”.

وأضاف نائب الرئيس الأميركي السابق أن “كلمات جورج فلويد الأخيرة “لا أستطيع التنفس، لا أستطيع التنفس” قد تردد صداها في جميع أنحاء هذه الأمة. وأن يقوم الرئيس بمحاولة وضع كلماتٍ أخرى في فم جورج فلويد، أعتقد بصراحة أنه عمل قذر”.

وعلى الرغم من كل المزاعم التي تطلقها الحكومة الأميركية عن نيتها إصلاح قوات الشرطة، لا يزال يتعين عليها مواجهة التحدي الأساسي أمامها والمتمثل في طريقة التعامل مع مسألة العرق

لكن هل هناك من نقطة تحول تجاه العدالة؟  يتألف الجزء السابع والأربعون من المنحوتة الموجودة أمام المقر الرسمي لولاية مينيسوتا من مسلة مزدانة بقطعة أثرية أفريقية قديمة. وقد تم وضعها عمداً على محور يتصل بالمبنى القضائي للولاية، الذي يقع إلى الشرق من مبنى الكابيتول، كما لو كان روي ويلكينز الرجل الذي قاد “الجمعية الوطنية لتقدم الأفراد الملونين” NAACP طوال تلك الأعوام، يجري حواراً مع السلطات.

المنحوتة هي من صنع كورتيس باترسون وهو فنان أميركي من أصل أفريقي، نشأ في لويزيانا لكنه يعيش الآن في أتلانتا. ويتذكر عندما كان مراهقاً في شريفبورت، بعد مرور عام على إقرار قانون الحقوق المدنية، أن راكباً أبيض في الحافلة التي استقلها، طلب من السائق التوجه إلى الناحية الخلفية والوقوف هناك. ويقول باترسون الذي يبلغ الآن من العمر سبعاً وخمسين سنة: “كان جواب السائق:”لا يمكنني أن أفعل شيئاً”، أما أنا فرفضت الانتقال”.

هل يرى باترسون أن الأمور قد تغيرت منذ ذلك الحين، أو حتى منذ تاريخ عرض منحوتته الفنية؟

يجيب قائلاً: “أعتقد أن هناك بعض التقدم. ومع أنني أرى أننا في حاجة إلى تحقيق المزيد، أجد أن هناك تقدماً. فمجرد رؤية الكثير من الناس يتأثرون بهذه الجريمة، ويتظاهرون في جميع أنحاء البلاد وفي جميع أنحاء العالم يُعد تطوراً. إن المسألة لا تتعلق بشعب أسود فقط، إنها تمس جميع الألوان”.

وختم بالقول: “لا أعتقد أن التغيير سيتحقق بين ليلةٍ وضحاها. لكن مما رأيته يحدث على أرض الواقع، لا سيما لجهة عدد الذين يشاركون في الاحتجاج، والمشاعر الصادقة التي يعبرون عنها، والمجموعات العرقية المعنية على اختلافها، كل ذلك يشير إلى أنه نعم، سيكون له تأثيرٌ أقوى”.

رابط المصدر:

https://www.independentarabia.com/node/125806/%D8%A2%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D9%87%D9%84-%D8%B3%D8%AA%D9%83%D9%88%D9%86-%D9%84%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF-%D9%8A%D9%88%D9%85%D8%A7-%D8%A3%D9%87%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7%D8%9F

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M