ورقة رابحة: المغرب تعظم استفادتها من الفوسفات في ظل الحرب الأوكرانية

بسنت جمال

 

سجلت المغرب عائدات قياسية من صادرات الفوسفات للعام الثاني على التوالي مستفيدة من ارتفاع الطلب عالميًا على الأسمدة، نظرًا لأهمية الفوسفات في صناعة الأسمدة، حيث تمتلك البلاد نحو 70% من احتياطي الفوسفات العالمي، كما أنها تحتل المرتبة الأولى كأكبر منتج في أفريقيا والثانية عالميًا عقب الصين، وهو ما شجع البلاد على وضع خطة لزيادة إيرادات الدولة من استخراج معدن الفوسفات بحلول عام 2030 إلى 1.7 مليار دولار.

ورغم اعتماد المغرب على قطاع الفوسفات في تعزيز النمو الاقتصادي وتنمية القطاع الزراعي لضمان الأمن الغذائي، إلا أن مكاسبها من هذا القطاع لا تقتصر على النواحي الاقتصادية فقط؛ إذ يُمكنها استغلال القطاع أيضًا لتحقيق مكاسب من الناحية الجيوسياسية والدبلوماسية.

ورقة رابحة

لطالما ساد انطباع بأن قطاع التعدين والفوسفات يعد محوريًا للنهضة الاقتصادية في المغرب المتأثرة جراء جائحة كورونا والحرب الروسية-الأوكرانية كسائر الدول حول العالم، بيد أن هذا المشهد بصدد التغير بشكل جذري في ضوء المساعي المغربية للاعتماد على ما يُعرف بـ “دبلوماسية الفوسفات” لتحقيق مصالحها الخاصة في القارة الأفريقية، وهو ما يتبين تاليًا:

• مُحفز للنمو الاقتصادي: يلعب قطاع التعدين دورًا أساسيًا في الاقتصاد المغربي نظرًا لمساهمته البالغ قدرها 10% في الناتج المحلي الإجمالي، و20% في قيمة الصادرات، فضلًا عن قدرته على خلق نحو 40 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة. وبالإضافة إلى أهميته من الناحية الاقتصادية الكلية، يُعد الفوسفات عنصرًا أساسيًا لاستقرار الأمن الغذائي انطلاقًا من أهميته في صناعة الأسمدة التي تشهد اختلالًا في جانبي الطلب والعرض بسبب تزايد الطلب على الغذاء في ضوء تزايد عدد سكان العالم دون زيادة المساحات المنزرعة، وارتفاع الطلب من الهند –أحد أكبر المستوردين في العالم- في ظل نفاد مخزونها من الأسمدة، إلى جانب التوترات الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا والتي ألقت بظلالها على صناعة الأسمدة بسبب العقوبات المفروضة على موسكو والتي أدت إلى انخفاض صادرات الأسمدة الروسية في الفترة من مارس إلى سبتمبر من 2022 بنسبة 38% مقارنة بنفس الفترة من 2021، فضلًا عن تقييد الصادرات الصينية عقب إيقاف البلاد تصدير أسمدة اليوريا والفوسفات للخارج حتى يونيو 2022 من أجل ضمان وجود إمدادات كافية للسوق المحلية.

وقد استطاعت المغرب الاستفادة من فجوة الطلب وما نجم عنها من ارتفاعات قياسية في الأسعار؛ إذ شهدت صادراتها من الفوسفات زيادة ملموسة خلال عام 2022 لتسجل نحو 78 مليار درهم (7 مليارات دولار) بزيادة تبلغ نسبتها نحو 68% على أساس سنوي مقارنة بالمستوى المسجل خلال العام الماضي عند 46.6 مليار درهم (4.2 مليار دولار).

ومن المُرجح أن يستمر الدور المحوري الذي تلعبه المغرب في إنتاج الأسمدة خلال الأعوام المقبلة، فبحلول نهاية هذا العام، سيرتفع إنتاج الدولة بنسبة 10%، لتزيد تلك النسبة إلى 58% بين عامي 2023 و2026، وفقًا لتقديرات “Middle East Institute”، وعلاوة على ذلك، سترتفع مبيعات شركة ” OCP” –المملوكة للدولة والعاملة في مناجم الفوسفات وإنتاج الأسمدة- من 10.8 مليون طن في عام 2021 إلى 11.9 مليون طن في عام 2022 ونحو 15 مليون طن بحلول عام 2023.

• أداة للقوة الناعمة: تسعى المغرب للعب دور أكبر في القارة الأفريقية مع تعزيز مكانتها على الساحة الدولية ودفع البلدان الأفريقية لدعم قضاياها الأساسية عبر تقوية حضورها الاقتصادي في عدد من البلدان مستفيدة من احتياطاتها الضخمة من الفوسفات الذي تعتبره تذكرة عبور إلى أفريقيا، حيث أعلنت مؤخرًا إنها تسعى لتوفير 4 ملايين طن من الأسمدة لدعم الأمن الغذائي في أفريقيا وذلك بعدما منحت نحو 500 ألف طن إلى دول أفريقية هذا العام مجانًا أو بأسعار مخفضة، مستغلة بذلك أهمية القطاع الزراعي ليس فقط للاقتصادات الأفريقية بل أيضًا لشعوبها حيث إنها مصدر رئيسي للدخل للمواطنين الأفارقة نظرًا لمساهمتها في خلق فرص عمل لحوالي ثلث السكان العاملين في القارة.

وتساعد شركة “OCP” المغرب في تحقيق خطتها الطموحة تجاه أفريقيا مكثفة حضورها في جميع أنحاء القارة حيث تهمين على حصة تبلغ قيمتها 54% في الأسواق الأفريقية ممتلكة فروعًا في 16 دولة كغانا ورواندا والكاميرون والكونغو وإثيوبيا، فيما تعد نيجيريا أكبر دولة أفريقية مستفيدة من الشراكة مع المغرب حيث توفر الشركة أكثر من 90% من الطلب السنوي على الأسمدة لأكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان، وبالمثل، تُعد نيجيريا استراتيجية بالنسبة للمغرب نظرًا لامتلاكها أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في أفريقيا، والذي يُعد أحد المكونات الرئيسية للأسمدة. وإلى جانب تصدير الأسمدة، قدمت الشركة المغربية استثمارات ضخمة للدول الأفريقية من أجل مساعدتها على تحسين قدرات إنتاج الأسمدة، مع تقديم برامج للتدريب وبناء قدرات المزارعين ضمن مساعيها الهادفة لزيادة غلة 44 مليون مزارع في 35 دولة.

وهكذا، تنظر المغرب إلى قطاع الأسمدة والفوسفات كـ “ورقة رابحة للدبلوماسية الخارجية” لتعزيز أهميتها الجيوسياسية على المستويين الإقليمي والعالمي لاسيما في ظل التحولات الاقتصادية التي يشهدها العالم، حيث تسعى لتقدم نفسها إلى العالم كدولة تسعى للحفاظ على استقرار الأمن الغذائي للدول الأفريقية الهشة.

• تقوية التعاون الثنائي: إلى جانب تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي، استخدمت المغرب قطاع الفوسفات والأسمدة لإنشاء شبكة موسعة من الترابط التجاري، حيث أبدت العديد من الدول اهتمامها بالفوسفات المغربي، فقد أعلنت اليابان إنها تعتزم استيراد معدن الفوسفات من المغرب لإثراء الإنتاج الزراعي لموسم الخريف المقبل، كما قررت بنجلاديش استيراد 40 ألف طن من الأسمدة المغربية، بالإضافة إلى ذلك أعلنت بيرو عن خطة مماثلة للاعتماد على المغرب في توريد الأسمدة، فيما تخطط البرازيل لتشييد مصنع لمعالجة الفوسفات بالتعاون مع المغرب في نقل التكنولوجيا وتعزيز الإنتاج المحلي للمعدن.

ومن شأن تكوين شراكات جديدة فيما يتعلق بتوريد الأسمدة أن يعزز مكانة المغرب على الخريطة العالمية لإنتاج وتصدير الأسمدة لاسيما في ظل مساهمة الحرب الروسية –الأوكرانية في تعزيز الجهود الدولية لإيجاد بدائل لأهم المنتجات الروسية التي تراجعت إمداداتها في الأسواق الدولية بفعل العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، وهو سلوك اقتصادي متعارف عليه وقت الأزمات العالمية التي تحفز الدول المستوردة على انتهاج سلوك البحث عن البدائل، وهو ما يفتح المجال أمام الدول المصدرة لاقتناص تلك الفرصة.

تحديات ماثلة

رغم مساعي المغرب لتحقيق مكاسب تجارية وجيوسياسية من قطاع الفوسفات، إلا أنه يواجه تحديات بيئية واقتصادية في هذا الشأن كون استخراج الفوسفات وإنتاج الأسمدة من الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة والمياه، كما يتبين تاليًا:

• ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج: شهدت أسعار مدخلات إنتاج صناعة الأسمدة في المغرب ارتفاعًا شديدًا على مدار العام الجاري مما يمثل تحديًا أمام الخطط الطموحة للبلاد، فعلى الرغم من امتلاك أكبر احتياطي من الفوسفات حول العالم إلا إنها تستورد جزء كبير من مدخلات الإنتاج كالغاز الطبيعي والأمونيا؛ إذ تحتل المغرب المرتبة الرابعة والتسعين عالميًا في احتياطيات الغاز الطبيعي فيما ارتفعت قيمة واردات المجمع الشريف للفوسفات “OCP” من الأمونيا إلى 1.65 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من العام الجاري، بزيادة 234%، مما يعني أن أسعار تلك المدخلات العالمية ستؤثر بشكل كبير على تكاليف الإنتاج مما يعيق النمو المستهدف لقطاع الأسمدة

 وقد دفعت الارتفاعات القياسية البلاد إلى الاتجاه لاستكشاف قدراته في إنتاج الأمونيا الخضراء لتخفيف اعتماده على الأمونيا الرمادية المستوردة من روسيا وترينيداد وتوباغو مستهدفة أن يصل الإنتاج إلى 18.3 ألف طن بحلول عام 2026.

 • الإجهاد المائي: تستهلك صناعة الفوسفات والأسمدة المغربية حوالي 7% من إنتاجها السنوي من الطاقة و1% من إنتاجها المائي، وهو ما يمثل عائقًا إضافيًا أمام نمو الصناعة في بلد يعاني من الإجهاد المائي وندرة المياه حيث يشهد المغرب عجزًا سنويًا مستمرًا في هطول الأمطار منذ عام 2015 مما أدى إلى حدوث موجة جفاف تسببت في امتلاء السدود بنحو 27% فقط هذا العام، ولهذا احتل المغرب المرتبة الثانية والعشرين بين الدول الأكثر عرضة لخطر نقص المياه، وفقًا لمعهد الموارد العالمية؛ إذ يبلغ نصيب الفرد من المياه نحو 600 متر مكعب فقط سنويًا مع توقعات بوصول المغرب إلى عتبة “ندرة المياه المطلقة” البالغة 500 متر مكعب للفرد سنويًا بحلول عام 2030.

وفي هذا السياق، أعلن المغرب عن الخطة الوطنية للمياه 2020-2050 البالغة قيمتها نحو 40 مليار دولار والقائمة على بناء سدود جديدة ومحطات لتحلية المياه وتوسيع شبكات الري من أجل الحفاظ على استدامة الزراعة والنظم البيئية. ومن التحليل السابق يُمكن القول إن قدرة المغرب على إدارة ملف الطاقة والمياه ستؤثر على قدرته على لعب دور أكثر فاعلية في ملف الأمن الغذائي العالمي.

• تفاقم التغيرات المناخية: تعتبر عملية استخراج وإنتاج الفوسفات من العمليات الملوثة للبيئة وهو ما يتعارض مع خطة البلاد الطموحة لمواجهة التغيرات المناخية عن طريق خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 45.5% بحلول عام 2030. ولهذا، تعتبر الطاقة المتجددة ضرورية لمساعدة المغرب على الاستمرار في الحفاظ على نمو استخراج الفوسفات وإنتاج الأسمدة مع عدم الإضرار بالبيئة.

وفي هذا السياق، تعتزم شركة “OCP” إنفاق نحو 130 مليار درهم (12.3 مليار دولار) لزيادة إنتاج الأسمدة باستخدام الطاقة المتجددة خلال الفترة ما بين 2023-2027 ودخول سوق السماد الأخضر إلى جانب الالتزام بتحقيق الحياد الكربوني قبل حلول عام 2040، فضلًا عن تزويد جميع منشآتها الصناعية بالطاقة النظيفة بحلول عام 2027.

مجمل القول، إن المغرب استطاع تحقيق مكاسب عديدة على كافة الأصعدة جراء تطوير قطاع الفوسفات؛ فعلى الصعيد الاقتصادي، جنت البلاد أرباحًا طائلة بفضل زيادة صادرات الأسمدة مستفيدة من القفزات السعرية وارتفاع الطلب العالمي، أما على الصعيد الجيوسياسي فقد استطاعت الرباط استغلال تراجع الإمدادات الروسية والصينية من الأسمدة لصالحها، ورغم ذلك فإن الفرص نادرًا ما تخلو من التحديات، ولهذا يتعين على المغرب إيجاد حلول لتلك العوائق من أجل الحفاظ على استدامة المكاسب المحققة على مدار العام الجاري.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/32077/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M