«يهود روسيا» في زمن الحرب.. بين العقوبات وقانون العودة

محمد الليثي

 

مع بداية التوتر «الروسي – الأوكراني» وانتشار الأنباء التي تتحدث عن عملية عسكرية روسية تقترب من الأراضي الأوكرانية، بدأ الكثير من يهود روسيا في تجهيز حقائبهم للانتقال إلى إسرائيل في محاولة للابتعاد عن العقوبات الدولية المتوقعة على روسيا والتي قد تلحق بأثريائهم أضرارًا، إلا أنه بعد انطلاق العملية في الـ24 من فبراير الماضي والتي تبعها فرض عقوبات، اتخذت روسيا بعض الإجراءات حتى لا يتأثر اقتصادها، والتي وقفت عقبة أمام الأثرياء الروس في نقل أموالهم.

من الناحية الأخرى، تساءل اليهود عن إمكانية استيعابهم في إسرائيل وعن القانون المنظم لعودة يهود الشتات، في ظل الترحيب الإسرائيلي لاستيعاب أعداد كبيرة من منهم سواء من يهود روسيا أو من يهود أوكرانيا التي وصل منها أعداد كبيرة، على الرغم من أن شروط العودة لا تنطبق إلا على نسبة ضئيلة منهم، ليصبح يهود روسيا في موقف لا يُحسدوا عليه.

استقطاب اليهود

تزامنًا مع وصول أول أفواج اليهود من أوكرانيا نحو إسرائيل، أدركت الدولة العبرية أن الوقت مناسب للعمل بشكل أكبر على استقطاب اليهود من أوكرانيا، وهو الهدف الذي تعمل عليه منذ عدة سنوات، لذلك كثفت حكومة «تل أبيب» جهودها بالتعاون مع الوكالة اليهودية والجيش الإسرائيلي ومجلس الأمن القومي والجبهة الداخلية وهيئات أخرى لها صلة بالأمر، فتم وضع خطة لاستقدام أكثر من 200 ألف يهودي من أوكرانيا وروسيا أيضًا.

وفي اليوم الذي أعلنت فيه إسرائيل عن خطة طوارئ لاستقبال اليهود، وصل إليها 87 يهوديًا من أوكرانيا، بينما احتدم نقاش حول إمكانية استيعاب عدد كبير من المهاجرين اليهود قبيل اندلاع الحرب بأيام. وقد تضمنت خطة الطوارئ الإسرائيلية التي وُضعت قبيل اندلاع الحرب عدم اتخاذ إسرائيل لأي إجراءات لتشجيع هجرة اليهود من أوكرانيا في هذه المرحلة.

ولكن في الوقت نفسه تجري استعدادات لعملية واسعة لاستقدام واستيعاب الآلاف، وفقًا لما ذكرته صحيفة «يسرائيل هيوم» الإسرائيلية التي نقلت عن مصدر مطلع بأنه حال وصول 5 آلاف شخص من أوكرانيا في أسبوع واحد، فلا بد من الاستعداد لذلك جيدًا، معتبرًا أن تلك الأعداد «أكبر بكثير مما اعتادت عليه وزارة الهجرة والاستيعاب والهيئات الإسرائيلية»، مؤكدًا أنه يجب الاستجابة للمطالب المختلفة المتعلقة باليهود القادمين من أوكرانيا سريعًا.

وزيرة الهجرة الإسرائيلية «بنينا تيمانو شاتا» هي من بادرت بوضع هذه الخطة الطارئة، وترأست جلسات الاستماع الطارئة التي جرت بحضور وزير الشتات «نحمان شاي»، والمدير العام لوزارة الإسكان «أفيعاد فريدمان»، ورئيس قسم عمليات الجيش الإسرائيلي «أهارون حليوة»، وشخصيات من اتحاد الفنادق، وقيادة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وسلطة السكان، والمطارات، وهيئات أخرى.

يهود روسيا

فور اندلاع الحرب، أدرك يهود روسيا أنه لا مستقبل لهم في هذا البلد، ووفقًا لوكالة «بلومبرج» الأمريكية أكد وكلاء العقارات وموظفو الهجرة وجود زيادة كبيرة في الاستفسارات من اليهود الروس المؤهلين للاستفادة من قانون العودة الإسرائيلي. وبحسب أحدث البيانات، هناك أكثر من 14 ألف شخص من روسيا وبيلاروسيا تقدموا بطلبات أو أعربوا عن اهتمامهم بالهجرة إلى إسرائيل، وفقًا لما أكدته «لنيتا بريسكين-بيليج» مديرة مكتب ناتيف المسؤول عن إصدار التأشيرات لأبناء الجمهوريات السوفييتية السابقة.

الملياردير الروسي الإسرائيلي رومان إبراموفيتش كان من بين الذين رغبوا في الانتقال إلى إسرائيل بشكل عاجل فور بدء الهجوم، حيث وصل إلى تل أبيب في غضون يوم واحد على متن طائرته الخاصة. وشأن إبراموفيتش شأن كل الأثرياء في روسيا؛ فقد رغبوا في الانتقال سريعًا، حيث يؤكد «أورين كاتز» وكيل العقارات بحي نيف تزيدك للأثرياء في تل أبيب إنهم بدأوا في التواصل مع مكتبه بشكل عاجل منذ بدء الهجوم، وبدأوا في شراء قصور وبيوت فاخرة استعدادًا للانتقال، وهذا الأمر رفع أسعار العقارات في الأماكن السياحية بإسرائيل.

وبسبب الارتفاع في الطلب على المنازل الفاخرة، أصبحت الأماكن الفاخرة لا تكفي لتلبية طلبات يهود روسيا، ذلك الأمر دفع أيضًا البائعين إلى التمسك بعقاراتهم في انتظار ارتفاع الأسعار أكثر من ذلك.  اليهود الأثرياء لن يجدوا صعوبة في عملية الانتقال أو الاحتكام إلى قانون العودة، أما بقية اليهود الروس هم من سألوا على أحكام قانون العودة، وهل تنطبق عليهم الشروط أم لا.

وهذه هي العقبة التي وقفت أمامهم للانتقال للعيش في إسرائيل والحصول على الجنسية الإسرائيلية التي رأوها نجاة لهم من الحياة داخل روسيا التي تشن عملية عسكرية في الأراضي الأوكرانية التي تعيش بها جالية يهودية كبيرة، ومن العقوبات التي ستسهم بالتأكيد في صعوبة المعيشة داخل دولة في حالة حرب.

عقبات أمام أثرياء يهود روسيا

مثّلت العقوبات أكبر المشكلات التي تسببت في تأخير الأثرياء الروس عن السفر إلى إسرائيل لأنها زادت من الأمور تعقيدًا، نظرًا لأن الحوالات الدولية تخضع لتدقيق متزايد من جميع أنحاء العالم، ويأتي ذلك في الوقت الذي تحاول فيه البنوك التكيف مع سيل العقوبات الجديدة. وبالفعل علقت بعض البنوك الإسرائيلية حوالات مصرفية من الروس الذين يعيشون في أوروبا للتأكد من أنها ممتثلة للعقوبات.

وبعد أن فرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حظرًا يمنع الروس من نقل الأموال إلى خارج البلاد، زادت تعقيدات انتقال يهود الروس لإسرائيل لمن لا يملكون حسابات مصرفية أجنبية. وأبرز الأثرياء اليهود الذين تضرروا الملياردير رومان إبراموفيتش الذي فرضت عليه الحكومة البريطانية عقوبات وجمدت ممتلكاته التي من بينها نادي «تشيلسي» لكرة القدم، وواجه حظرًا على المعاملات مع الأفراد والشركات في المملكة المتحدة، ولكن منحت الحكومة الإنجليزية ترخيصًا خاصًا للنادي لمواصلة الأنشطة المتعلقة بكرة القدم، في الوقت الذي مُنعت فيه عملية بيع النادي بشكل مؤقت بعد أن أعلن مالكه «إبراموفيتش» عزمه بيع النادي بعد 19 عامًا من امتلاكه.

أموال الأثرياء

يبدو أن هناك تحركات إسرائيلية لحل أزمة اليهود الروس، وخصوصًا أن من بينهم أثرياء، خصوصًا بعد تحرك فعلي شهدته القيادة الإسرائيلية تمثل في زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت والتي كان من ضمن دوافعها الواضحة الجالية اليهودية، وهو أمر أثاره بينيت في لقائه مع بوتين. وما أكد تلك الفرضية تصريحات متتالية لرئيس الوزراء الإسرائيلي الذي كتب على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «نبدأ عملية (مسافرين إلى الوطن) لتهجير يهود أوكرانيا والمنطقة التي تشهد خطرًا لإسرائيل».

وربما تتحرك تل أبيب بمجهودات إضافية في الفترة المقبلة لاستيعاب واستقبال أثرياء اليهود، إذ إنه من المتوقع أن تصل إلى إسرائيل قريبًا أموال مقدرة بنحو 30 مليار دولار حال نجاح الأمر.  ومن حيث حجم الثروة، يحتل اليهود الروس المكانة الثانية بعد يهود الولايات المتحدة الأمريكية في الأغنى على مستوى العالم، في الوقت الذي تصل فيه أموال أثرياء اليهود حول العالم حوالي 18% من أثرياء العالم، وفي روسيا 12 ثريًا يهوديًا تبلغ ثروتهم حوالي 82 مليار دولار. وتخشى إسرائيل من استمرار عملية فرض العقوبات على روسيا لهذا السبب، ما دفعها نحو عرض نفسها كوسيط لحل الأزمة الروسية الأوكرانية.

حملات تهجير

شرعت الوكالة اليهودية والمنظمة الصهيونية العالمية وشركة «العال» للخطوط الجوية الإسرائيلية بالتعاون مع وزارتي الهجرة والخارجية الإسرائيلية في عمليات تهجير لليهود اللاجئين من روسيا وأوكرانيا. وفي بيان رسمي للحكومة الإسرائيلية بدأ بالفعل إجلاء عدد من العائلات اليهودية بعد ما وصفته بـ«الوضع الصعب الذي يرتبط بالحرب، خوفًا من تشديد الحكومة الروسية سياساتها تجاه المواطنين الروس بسبب العقوبات المفروضة والتي لن تسمح لهم للعيش في حياة سليمة».

وفي إطار ذلك هبطت طائرتان محملتان بالمهاجرين الذين أتوا إلى إسرائيل بواسطة الوكالة اليهودية من العاصمة الروسية موسكو، والذين تم نقلهم إلى مراكز سكنية.  في السياق ذاته، أكد مدير عام شركة «العال» الإسرائيلية «أبيجال شورك» أن الشركة ستبقى تستخدم جسرًا جويًا، وستطير إلى أي مكان يوجد فيه يهود وإسرائيليون يعيشون أوضاعًا صعبة. أما بشأن أوكرانيا، فأطلقت الحكومة الإسرائيلية عملية «آرفوت إسرائيل» لاستقبال اللاجئين اليهود من أوكرانيا.

خاتمة، على الرغم من صعوبات استيعاب أعداد كبيرة، ستستمر إسرائيل في الأيام المقبلة في محاولات لتهيئة الأوضاع لاستقبال اليهود سواء من أوكرانيا وروسيا، وستعمل على الحصول على تسهيلات من السلطات الروسية لانتقال أثرياء الروس إلى إسرائيل، وهو الأمر الذي بدأه رئيس الوزراء نفتالي بينيت خلال زيارته للرئيس الروسي بوتين عندما تناقش معه حول عدة أمور من بينها الجالية اليهودية. وسيعيش اليهود في روسيا وأوكرانيا فترة من التخبط بسبب العقبات التي تقع في طريقهم، وخصوصًا روسيا بسبب صعوبة إجراءات الهجرة أو في ظل العقوبات المفروضة التي تبعتها إجراءات من السلطات الروسية، حتى هدوء الأوضاع أو توفير حلول نتيجة للتحركات الإسرائيلية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/68134/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M