تم تعيين ” فولكر بيرتس” ممثلًا خاصًا للسودان ورئيسًا لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان “يونيتامس” في السابع من يناير 2021. وخلال الفترة من 2015 حتى 2018 سبق له أن تولى منصب المستشار الأول للمبعوث الخاص للأمين العام لسوريا، كما ظل يشغل منصب مدير المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين خلال الفترة من 2005 حتى 2020. كما عمل أستاذاً مساعداً للعلاقات الدولية في جامعة هومبولت في برلين من 2007 إلى 2019.
خلفيات تشكيل البعثة الأممية ” يونيتامس”
جاء تشكيل البعثة الأممية بعد مطالب رئيس الوزراء الانتقالي “عبد الله حمدوك” بتشكيل بعثة لدعم التحول الديمقراطي. وقد شهد قدوم البعثة حالة من الجدل في الآراء بين من رأى في وجودها ضرورة لدعم متطلبات التحول الديمقراطي ومن رفض وجودها رفضًا مطلقًا باعتبارها تعبيرًا عن استمرار الهيمنة الدولية، وفريق ثالث رأى وجودها بشروط على نحوٍ يحقق المصلحة في دعم التحول الديمقراطي وتعزيز انخراط السودان في المجتمع الدولي.
وقد جاء تشكيل هذه البعثة بعد انتهاء تفويض البعثة الأممية السابقة ” يوناميد” التي استمر عملها في السودان منذ عام 2007 حتى 2020 وفقًا للفصل السابع وكان مقر عملها في دارفور. وبدأت البعثة في الخفض التدريجي لهيكلها بداية من 2017 حتى بدأت مرحلة الانتقال السياسي والتي أعيد معها النظر في مسألة الانخراط الأممي في السودان والتحول من حفظ السلام إلى دعم وبناء السلام.
حيث طالبت الحكومة السودانية في فبراير 2020 من الأمم المتحدة تشكيل البعثة الجديدة وفقًا للفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، لدعم بناء السلام والانتقال الديمقراطي ” يوناتيمس” بدلًا من التي كانت قائمة على الفصل السابع لحفظ السلام في دارفور. وتحددت أولويات البعثة في دعم مفاوضات السلام الجارية، والتنمية، وتعبئة الدعم الدولي للاقتصاد السوداني، والمساهمة في الانتقال من مرحلة العون الإنساني إلى دعم برامج التنمية المستدامة، وعودة اللاجئين، والانتقال الديمقراطي بالبلاد، والانتقال بمهام البعثة من حفظ السلام إلى دعم السلام، والمساعدة في تعزيز ما تحقق من مكاسب في دارفور في السنوات الماضية، وتوفير الدعم لعمليات الإحصاء السكاني والتمهيد للانتخابات. وقد استمرت البعثة ذات الطابع الأمني في دارفور حتى نهاية 2020 بجانب البعثة الجديدة ذات الطابع السياسي التي تحدد لها الأول من يناير 2021 كبداية لعملها.
الولاية القانونية ومحددات الدور
تبنى مجلس الأمن الدولي في 3 يونيو 2020 القرار رقم 2524 والذي بموجبه أنشأت بعثة الأمم المتحدة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس)؛ وهي بعثةٌ سياسية تختصُ بتقديم الدعم للسودان خلال انتقاله السياسي لحكم ديمقراطي، ولمدة 12 شهراً بشكل مبدئي. وفي الثالث من يونيو 2021 تبنى مجلس الأمن القرار رقم 2579 في 2021 والذي يقضي بتمديد تفويض يونيتامس لمدة 12 شهراً اضافياً حتو 3 يونيو 2022. وفي الثالث من يونيو 2022 جدد مجلس الأمن الدولي مرةً أخرى تفويض البعثة لعام آخرا حتى الثالث من يونيو ٢٠٢٣ وفقاً للقرار الذي يحمل رقم 2636 لعام 2022. ووفقًا للتفويض القانوني وجب على البعثة تقديم الدعم للسودان من خلال المبادرات التنموية والسياسية الهادفة لبناء السلام وتنفيذ خطة وطنية لحماية المدنيين، والمساعدة في تحقيق أهداف الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس 2019. وتمثلت الأهداف الاستراتيجية للبعثة بما يتماشى مع تحقيق مبادئ الوثيقة الدستورية في الآتي:
- دعم الاستقرار السياسي.
- الدعم في صياغة الدستور والانتخابات والتعداد السكاني.
- دعم الإصلاحات المؤسسية وتعزيز وحماية حقوق الانسان.
- دعم التوصل الى عملية سلام شاملة.
- دعم تنفيذ اتفاقية السلام.
- الدعم في تعزيز البيئة الحمائية وعلى وجه الخصوص في مناطق النزاع وتلك التي شهدت نزاعات سابقاً.
- الدعم في تحقيق التعايش السلمي والمصالحة بين المجتمعات.
- الدعم في مضمار توفير العون الدولي وفي الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الوطنية.
- دعمُ انشاء هيكلية وطنية للتخطيط التنموي وفاعلية المساعدات.
- الدعمُ في انجاز عملية سلام شاملة.
كما تم تكليف البعثة بعدد من المهام الإجرائية تمثلت في:
- المساعدة في الانتقال السياسي والتقدم باتجاه حكم ديمقراطي وتعزيز وحماية حقوق الانسان واستدامة السلام.
- دعمُ مسارات السلام وتنفيذ اتفاقيات السلام المستقبلية.
- تقديم العون لبناء السلام وحماية المدنيين وسيادة القانون، وعلى وجه الخصوص في دارفور وفي المنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق).
- دعمُ إتاحة المساعدات الاقتصادية والتنموية، وتنسيق المساعدات الإنسانية من خلال ضمان نهج تكاملي لوكالات الأمم المتحدة وبرامج التمويل؛ ومن خلال التعاون مع المؤسسات المالية الدولية، وبما يستجيبُ لجميع أهداف التنمية المستدامة.
مواقف الأطراف السودانية من البعثة الأممية
تباينت مواقف الأطراف حول مدى الموافقة على تشكيل واستقبال البعثة الأممية من عدمة، وتنوعت الآراء ما بين القبول والرفض والمواقفة المشروطة على النحو التالي:
- الاتجاه المؤيد للبعثة
انطلقت الآراء في هذا الاتجاه من ضرورة وجود بعثة أممية تقدم الدعم الفني في ظل حالة الضعف التي تعاني منها كافة المؤسسات السودانية. ووفرت الاشتباكات القبلية في دارفور وغيرها من مناطق السودان حجة قوية لأنصار هذا الاتجاه، يستدلون بها على حتمية وجود تلك البعثة، نظرًا لحاجة السودان لوحدات أمنية قادرة على بسط السيطرة في مناطق النزاعات والتوتر. واقترح الخبراء الداعمون لهذا الرأي الاستمرار في وجود وحدات شرطة مشكلة من قوات حفظ السلام والدعم السريع في المناطق الساخنة في دارفور، حتى في إطار بعثة أوسع لدعم الانتقال السياسي.
- الاتجاه الرافض للبعثة
انطلقت العديد من الآراء السودانية، الرافضة رافضًا قاطعًا لاستقدام أو التجديد لبعثة أممية، من فرضية أن وجود قوات أممية ينقل إليها صلاحيات اتخاذ القرار؛ سواء كانت سياسية أم أمنية، بما يعد انتهاكًا صارخًا للسيادة السودانية. ويذهب أنصار هذا الرأي إلى ضرورة رفض القوات المسلحة لوجود البعثة الأممية، وضرورة أن تتحمل الحكومة الانتقالية مسئوليتها بنفسها، وتلبي تطلعات السودانيين وفقًا لمبادئ الثورة. وينتقد هذا الاتجاه تنازل السودان طواعية عن جزء من سيادته؛ إذ يرون أنه رغم صدور القرار الجديد وفقًا للفصل السادس وليس السابع، إلا أنه اشتمل على الكثير من المقررات، التي تقيد السودان في قضايا داخلية على قدر من الحساسية مثل الدستور وعملية السلام والانتخابات.
- الاتجاه الموافق بشروط
هناك اتجاه ثالث توسط الرأيين؛ يرى ضرورة وضع سقف للبعثة السياسية المرتقبة، تخضع بعدها للمتابعة والتقييم، ليرتهن التجديد بأدائها. كما يرى أنصار هذا الاتجاه ضرورة التوافق بين مجلسي السيادة والوزراء على شروط وضوابط عمل البعثة، بما يحفظ السلم والأمن، وسيادة السودان في الوقت ذاته. ويتعلل أنصار هذا الاتجاه أيضًا بأنه لا تزال التصورات غير واضحة بشأن التعامل مع قضايا الأمن عقب انسحاب اليوناميد، ما يجعل انسحابها في الوقت الراهن يتسبب في فراغ أمني لا يمكن سدّه. ومن ثم يرون وجود ضرورة ملحّة لاستمرار سريان قرارات الفصل السابع بالنظر لخطورة الوضع في دارفور، لارتباطه بحماية المواطنين، في وقت لا يزال ملايين الناس في معسكرات اللجوء والنزوح غير قادرين على العودة لمناطقهم الأصلية بسبب انعدام الأمن والاعتداءات المتكررة.
مواقف البعثة الأممية من الانتقال السياسي في السودان
وفقًا للتفويض المنشئ للبعثة، تعين عليها أن تقوم بعدد من الأدوار منها تقديم الدعم للعملية السياسية من خلال مكتبها لدعم التحول السياسي، إضافة إلى الأدوار المرتبطة بدعم السلام ودعم حماية المدنيين والتنسيق الإنمائي، وأخيرًا تقديم الدعم الاستشاري للشرطة ودعم العملية الانتخابية. لكن اقتصر دور البعثة منذ قدومها على تقديم الدعم للعملية السياسية، من خلال صياغة مواقفها بشأن طبيعة التسوية السياسية ومستقبل النظام السياسي، والتي جاء أدواؤها فيها محدود ولم يتبلور بشكل أساسي إلا بعد فضّ الشراكة بين المكونين المدني والعسكري وفق إجراءات 25 أكتوبر 2021؛ إذ تبلورت من بعدها جهود البعثة للتوسط بين الطرفين لاستئناف الحوار وإعادة صياغة صيغة توافقية للحكم بينهما مرة أخرى.
ففي أعقاب تلك الأزمة توترت العلاقة بين المكون العسكري والبعثة، مما أدى إلى خروج مظاهرات مؤيدة للمكون العسكري، نددت بدور المبعوث الأممي، وخرجت حملات شعبية للمطالبة بطرد بيرتس تحت ذريعة تدخله في الشؤون الداخلية، إذ سمح للتجمع الغاضب بالوصول إلى مباني البعثة دونما اعتراض من قوات الأمن.
وبعدها بدأ رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في التصريح جهرا بأن مبعوث الأمين العام لا يظهر الحياد ويميل إلى أحد الأطراف -في إشارة إلى قوى الحرية والتغيير، كما تحدث عن انصراف بيرتس عن مهامه والانشغال بالمبادرة السياسية، فيما كان عليه متابعة تنفيذ اتفاق السلام والتحضير للانتخابات وغيرها من المهام.
وفي إبريل 2022، قال البرهان أنه لن يتردد في طرد المبعوث الأممي من البلاد، معبرًا خلال لقائه بفولكر بيرتس عن استيائه من التقرير المقدم لمجلس الأمن لأنه لم يذكر المؤشرات الإيجابية على الأرض وفقا لتصريح من مجلس السيادة وقتها. خلال تلك الفترة من التوتر تجنب المبعوث الأممي الدخول في معارك كلامية مع الحكومة السودانية واكتفى بالصمت والتزم بالجوانب الفنية خلال عرضه تقرير حالة السودان أمام مجلس الأمن دون الإشارة إلى الخلافات السياسية.
ومع تأزم الوضع السياسي في السودان، قادت البعثة الأممية جهود الوساطة بهدف استعادة المسار السياسي، إذ أطلقت البعثة بمفردها مبادرة للتوسط بين المكون المدني والعسكري في يناير 2022، لكن تمت مقاومة جهودها، مما أدى إلى إدخال الاتحاد الإفريقي ومنظمة الإيجاد معها في شراكة لقيادة هذا الدور من خلال ما عرف بالآلية الثلاثية التي تشكلت في مارس 2022.
وفشلت محاولات الآلية الثلاثية للوساطة بين الأطراف المختلفة، بما في ذلك محاولة أول لقاء يجمع بين المدنيين والعسكريين في يونيو 2020 برعاية السفير السعودي في السودان. وظلت الآلية السياسية حاضرة في المشهد السوداني، عبر اللقاءات التي أجراها رئيس البعثة الأممية “فولكر بيرتس” مع أغلب القوى السياسية على الساحة. وفي النهاية دعمت الآلية الثلاثية لمبادرة نقابة المحامين التي أطلقت مشروعًا للدستور الانتقالي ضمن مبادرات عديدة أطلقتها العديد من القوى السياسية على مدار العام الماضي سعيًا لحل الأزمة واستئناف المسار الديمقراطي. وأسست هذه المبادرة في النهاية وبجهود من الآلية الثلاثية لاستدعاء المكون العسكري للتوقيع مع قوى الحرية والتغيير على الاتفاق الإطاري في 5 ديسمبر 2022 مستبعدين الكتلة الديمقراطية من الاتفاق.
ومع انطلاق العملية السياسية النهائية في يناير 2023، بعقد عدد من الورش لمناقشة القضايا العالقة والخلافية بين طرفي الاتفاق الإطاري، وبرعاية الآلية الثلاثية والرباعية، ثارت الخلافات بين القوات المسلحة والدعم السريع التي أدت في النهاية إلى المواجهة المسلحة بين الطرفين.
.
رابط المصدر: