تحاول الدراسة استنادًا إلى نظرية الاستخدامات والإشباعات استقصاء مركب تفضيلات الجمهور المغربي ودوافع استماعه للمحطات الإذاعية، والبحث في تأثيرها الاجتماعي والسياسي والاتصالي في سياق التحول السياسي الذي عرفه المغرب خلال العام 2011.
مقدمة
تركز الأدبيات المتاحة عن المغرب اليوم، خاصة التي صدرت بعد اندلاع الاحتجاجات في العالم العربي عام 2011، على العملية المتراوحة بين التغيير والانتقال في إطار ما يسمى بـ”السياق التسلطي”، وهو سياق أظهرته عناصر ليبرالية وديمقراطية تجلت في الدستور الذي أُقِرَّ في مارس/آذار 2011. في المقابل، تلاحظ هذه الأدبيات أن تركيبة القوة لا تزال مستقرة(1)، وواكب ذلك ظهور فاعلين جدد، من بينهم الشباب -خصوصًا من انتظموا لأول مرة في حركة 20 فبراير/شباط- الذين دأبوا على النشاط العام منذ احتجاجات العام 2011. لكن شبكة القوى التقليدية، أو “المخزن”، الملتفة حول الملك لا تزال هي الأخرى قوية، فاستعملت الخطاب الرسمي لاستبقاء سطوتها وإضعاف خصومها من خلال استراتيجيات عزَّزت شرعية الملك خلال مرحلة الاتجاه الوطني صوب تغيير الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة في البلاد(2). هنا، يرى مايكل ويليس (Michael Willis) أن المثير في الأمر هو الاستقرار العام للنظام السياسي الذي تلا فترة ما بعد الاستعمار، ومعه الشبكات النخبوية في الدول المغاربية، منذ عملية التحرر في خضم أوقات الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية(3). فقد ظل المغرب مَلَكية دستورية منذ فترة ما بعد الاستعمار ونيل الاستقلال في العام 1956، ليشكِّل بذلك حالة نموذجية لإجراء دراسات بحثية تُعنى بتحليل الوظائف المتغيرة لوسائل الإعلام في مراحل الانتقال السياسي.
لقد انطوى العقد المنصرم على سياقٍ جمع بين التغيير المنحدر من أعلى والضغوط الصاعدة من أسفل في آن واحد. وتميزت المملكة المغربية خلال العقد الماضي بانتشار نقاش عام حول ضرورة التحول الديمقراطي، خاصة على صفحات الجرائد والمجلات، مثل “تيل كيل” (Telquel)، و”لو جورنال” (Le Journal)، و”الصحيفة”، و”لكم”. وفي الوقت الذي تراجع فيه الاعتراض على صلاحيات الملك، بالتوازي مع تصاعد الضغوط على وسائل الإعلام في مستهل العام 2011(4)، فإن وسائل الإعلام لا تزال من الآليات الرئيسة الباعثة على التغيير الاجتماعي والمتأثرة به في آن(5). ويأتي في القلب من ذلك الأهمية المتزايدة لشبكة الإنترنت وإعادة هيكلة قطاع الخدمة السمعية البصرية منذ مطلع الألفية الحالية(6). كما أسهم إنشاء محطات إذاعية خاصة منذ العام 2006 في فتح المجال العام وإيجاد فضاءات إضافية تتيح لشريحة أكبر من الجمهور مناقشة موضوعات من قبيل المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، وقضايا الفساد، والمساواة بين الجنسين، والقضايا الجنسية. وتبعًا لذلك، اكتسبت الخدمة الإذاعية مكانة جديدة داخل المجتمع المغربي، حتى مع الامتناع عن إصدار تراخيص جديدة لإذاعات خاصة منذ احتجاجات 2011. غير أن التحول في الاستماع للخدمات الإذاعية يستدعي البحث في أسباب ميول الجمهور إلى المحطات الإذاعية، واستقصاء أسباب تفضيله فقرات بعينها على ما سواها.
في هذا السياق، تحاول الدراسة الإجابة على سؤالين محوريين: ما دوافع وأسباب اختيار الاستماع إلى الخدمات الإذاعية؟ وما نوع التغيير الاجتماعي المنتظر من المحطات الإذاعية والتفضيلات البرامجية؟ حيث تهدف الدراسة إلى فهم الآليات التي جعلت من الخدمة الإذاعية وسيلة إعلامية بارزة في المغرب، وذلك من خلال التركيز على العوامل التي أفضت إلى التغييرات التي شهدها العام 2011 وما تلاها من إجراءات لاحقة. علاوة على ذلك، تتطرق الدراسة إلى بيان دور الخدمات الإذاعية بيانًا أوفى من خلال تحليل وسائل الإعلام في عموم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تجمع هذه الدراسة منهجيًّا بين نوعين من البيانات أحدهما كمي وآخر كيفي سعيًا للإجابة على السؤالين المحوريين، علمًا بأن البيانات الأساسية مستقاة من مجتمع بحثي اشتمل على 75 مبحوثًا عبر إجراء مقابلات شبه مقننة مع سائقي سيارات أجرة في مراكز حضرية كبرى داخل المغرب. وقد وقع الاختيار على هؤلاء الأشخاص باعتبارهم فئة تستمع بصفة اعتيادية للبث الإذاعي الذي يشكِّل مظهرًا من مظاهر بيئة عملهم، وهو ما يعني قدرتهم على تقديم رؤى متعمقة بشأن الميول الاستماعية الإذاعية. كما استعان الباحث بأداة الاستبيان الإلكتروني الذي شارك فيه 55 طالبًا بهدف إعمال وسائل المقارنة والمقابلة بين مجموعة يُتوقع منها الاستماع إلى المحطات الإذاعية بصفة منتظمة، وأخرى يُتوقع منها الاستماع إلى المحطات الإذاعية بوتيرة أقل. أما سياق تحليل البيانات فهو منضبط بمقابلات شخصية مع مديري محطات إذاعية ومنتجين يعملون فيها وممثلين عن وزارة الاتصالات، فضلًا عن الجهة المنظمة للقطاع مُمَثَّلَةً في الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وخبراء من المعهد العالي للمعلومات والاتصال في الرباط. وأخيرًا، استعان البحث، أيضًا، بوثائق رسمية نشرتها الهيئة العليا، وعينة من البيانات الكمية الحديثة بشأن جمهور الإذاعة، وهي مستمدة من إحصاءات صادرة عن وكالات تصنيف محلية منذ العام 2012.
أُجري القسم الميداني من البحث في مدن الرباط والدار البيضاء وفاس ومكناس وطنجة في المقام الأول، علمًا بأن مقرات معظم المحطات الخاصة والأفرع الإذاعية التابعة للدولة والمؤسسات العامة ذات الصلة (مثل وزارة الاتصالات والهيئة العليا) توجد في الرباط والدار البيضاء. أما سبب ضم مدينتي فاس ومكناس إلى مجال الدراسة فهو تقييم المشاركة الإعلامية والخدمات الإذاعية التي تستهدف المناطق النائية خارج المراكز الاقتصادية في الدار البيضاء وطنجة والمركز السياسي المتمثل في مدينة الرباط. كما أن الحجم الكبير لسكان مدينتي فاس ومكناس، والذي يناهز 5 ملايين نسمة دفعنا لاختيارهما ضمن عينة البحث. يضاف إلى ذلك وجود عينة مُمَثِّلَة للمحطات الإذاعية الوطنية والمحلية في تلك المناطق؛ ففي فاس توجد محطتان إذاعيتان خاصتان، وهناك محطة في مكناس، وهناك أيضًا فروع إقليمية تابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتليفزيون، فيما تتركز المحطات الخاصة المهمة الأخرى في كلٍّ من مدن طنجة ومراكش وأكادير. وحرصًا على السرية، فقد كان إخفاء الهوية شرطًا لبعض المبحوثين من أجل إجراء المقابلات.
البث الإذاعي في مرحلة الانتقال السياسي
افترضت الدراسة إطارًا نظريًّا سعيًا لفهم أشمل وأوفى للخدمات الإذاعية والاستماع إليها في المغرب اليوم؛ آخذة في سبيل تحقيق ذلك بمسارين نظريين. أما المسار الأول فهو تسييق (من السياق) وسائل الإعلام في ظل الظروف التسلطية وتبيان دورها في الحراك من قبل المعارضة، وهو ما أشار إليه زايد بوزيان بالقول: إن النظم الهشة قانونيًّا، القمعية سياسيًّا، والمحدودة اقتصاديًّا، تستبطن وسائل الإعلام تلك، ولذلك تفضي إلى سوق إعلامية مقيدة. وبالرغم من أن تحرير وسائل الإعلام في العالم العربي قد أسهم في زيادة هامش الحرية وتعزيز ثقافة المشاركة […]، إلا أن ذلك الحراك يجنح إلى الاقتصار على المجال الإعلامي. ومن ثم، فإن وسائل الإعلام متعلقة -إلى حد كبير، وإن لم يكن بنيويًّا- بالسياسة(7).
من جانبه، يرى إدريس كسيكس أن “النظام الإعلامي المغربي يمكن تشخيصه بتدخل الدولة الصامت وتوظيفها له واستتباعه القائم على المحسوبية”، وهي سمات سبق لكل من دانييل هالين (Daniel Hallin) وباولو مانسيني (Paolo Mancini) تسليط الضوء عليها فيما أسمياه نموذج الإعلام “الشعبوي المستقطب”، وهو نموذج انتهيا إلى شيوعه في دول جنوب أوروبا(8).
لقد ترتب على التحرير المنظَّم لقطاع الإعلام تعزيز مكانة النخب الإعلامية الموجودة بالفعل، وظهور شبكات تجارية جديدة بالقرب من البلاط الملكي، وهما طرفان آخذان في استغلال حضورهما الإعلامي لحماية ذاتهما على نحو استراتيجي ممنهج(9). وبالرغم من إرساء هامش جديد من حرية التعبير ترتيبًا على ذلك، فمن الممكن أيضًا التثبت من أن هذا التحرير قد أسهم في إيجاد آلية سيطرة جديدة أذكت الرقابة الذاتية وعدم الثقة من جانب الجمهور والانخذال المحتوم -إن لم يكن القمع المحتمل- للتأثير الذي يمكن أن تمارسه وسائل الإعلام(10). وسعيًا إلى استعراض تلك الصورة بمكوناتها الهجينة، فإن هذه الدراسة تتبع نموذج زايد بوزيان في فهم الحالة المغربية من حيث النظام التسلطي التنافسي الذي “يستغل عناصر الديمقراطية على نحو يكفل له إحكام السيطرة على قوى المعارضة في الدولة” حتى وإن كان يفضِّل -في سياق مخصوص بالمغرب- سياسة “الجزرة” على سياسة “العصا”، أي يفضِّل إثابة المتعاون على احتواء المعارضة(11). علاوة على ذلك، يمتاز السياق المغربي بالحراك، لا بالثبات؛ ذلك أن شبكة الإنترنت، بل وصعود موجة المحطات الإذاعية الخاصة، أتاح فرصًا جديدة لصياغة جوانب وكالة الأدوار، وهذا ما تجلى من النشاط الإلكتروني المرتبط بحركة 20 فبراير(12)، وهو ما تمضي هذه الدراسة في توصيفه.
عند مقارنة أدبيات العمل الإعلامي الإذاعي بالبحوث التي أجريت في مجالي التليفزيون والصحافة يتجلى النقص المقارَن في الدراسات الاستقصائية في المجال الإذاعي الإعلامي ومدى الإقبال عليه(13). ورغم ذلك، شهد المجال الإذاعي زخمًا بحثيًّا جديدًا على مدار العقد المنصرم، وهو ما يعزى بصفة خاصة إلى اندماج ذلك المجال في التقنيات الرقمية(14).
أما المسار النظري الثاني، فهو النظر في مركب تفضيلات الجمهور؛ ويركز على أسباب الميل القوي من جانب الجمهور إلى وسائل إعلامية بعينها، وذلك وفق نظرية “الاستخدامات والإشباعات”(15)، التي تقوم على فرضية مفادها أن المستمعين لديهم محفزات واحتياجات معينة تجد استجابة “من جانب أنواع محددة من المصادر الإعلامية التي تلبي توقعات الجمهور”(16). ومن ثم، حرصت الدراسة على النظر في استخدامات المستمعين وإشباعاتهم، وذلك من خلال مقابلات واستبيانات كيفية(17).
إن البحث الذي يستند لنظرية “الاستخدامات والإشباعات” يتميز بخصوصية فرضيتها الآتية: أن كل مستمع لديه بواعث مختلفة تدفعه لاختيار وسائل إعلامية معينة مثل الإذاعة؛ أي إن الاختيار: عملية مستندة إلى عوامل اجتماعية وإلى المحتوى الإعلامي ومدى توفُّر الوسيلة الإعلامية وإتاحة الوصول إليها. كما أن هذه الانتقائية متعلقة أيضًا بنوع معين من الوسائل وما تقدمه. وقد يشمل ذلك محتوى يميز الوسيلة عمَّا سواها، فضلًا عن مزايا الوسيلة التي تتحدد حسب الاحتياجات التي أنشئت تلك الوسيلة لتلبيتها، والنطاق الجغرافي محل استخدام الوسيلة(18).
وبالجمع بين المسارين النظريين يتسنى بحث البيئة الإعلامية في المغرب، مع إلقاء الضوء على العوامل الرئيسية التي أوجدت أسباب الميل إلى الاستماع إلى الإذاعة. وإذ تختار الدراسة سائقي سيارات الأجرة ليكونوا المصدر الرئيس للبيانات، فإنها تركز عن قصد على السمات الكاشفة للاستماع الإذاعي اليومي. ويمثِّل ذلك زاوية فريدة لفهم ممارسات الاستهلاك الإعلامي، ولإبراز الفرص التي أوجدتها الخدمة الإذاعية لمعالجة الواقع المعيش؛ علمًا بأن الاستعانة باستبيان إلكتروني، وبيانات إضافية كمية، أتاح التوصل إلى استنتاجات عامة بشأن جمهور الإذاعات المغربية، مع الكشف عن نقاط وأساليب لإجراء بحوث مستقبلية.
نبذة تاريخية عن البنية الهيكلية
استأثرت الدولة بقطاع البث السمعي البصري في المغرب منذ استقلال البلاد في العام 1956؛ وقد خضع هذا المكوِّن الإعلامي لسطوة أقوى من قِبَل الدولة مقارنة بالمكوِّن الإعلامي المطبوع، علمًا بأن الأخير كان مملوكًا في الأصل لأحزاب سياسية في المقام الأول(19). ومع ذلك، تقيدت كل وسائل الإعلام بالخطوط الحمراء الثلاثية التي حددت نطاق التعبير في المغرب؛ وهي: التعرض للسياسات الرسمية بشأن (1) الإسلام، و(2) الملك، و(3) وحدة الأراضي المغربية؛ لاسيما ما يتصل بقضية الصحراء(20).
لا يزال تأثير القوة الاستعمارية السابقة (فرنسا)، ونهجها إزاء تنظيم الفضاء الإعلامي، تأثيرًا ظاهرًا ونهجًا ملموسًا. فقد بدأ البث الإذاعي في المغرب عام 1928 من خلال “إذاعة المغرب” العامة التي انطلقت من الرباط(21)، فيما تأسست هيئة التلفزة والإذاعة الأهم في البلاد (الإذاعة والتلفزة المغربية) في صورة مؤسسة عامة بموجب قرار ملكي في مارس/آذار عام 1962، وذلك تحت رقابة وزارة الاتصالات(22). وبالإضافة إلى ذلك، فقد خرج للنور مشروعان مشتركان بين القطاعين العام والخاص للإذاعة والتلفزة ضمن شراكة فرنسية. ومن ثم، تأسست إذاعة البحر المتوسط الدولية (ميدي 1) في 1979 في مدينة طنجة(23)، ثم تأسست القناة الثانية (2M) في 1989 في مدينة الدار البيضاء(24). وفي كلتا الحالتين، شكلت الأموال الفرنسية نحو 49% من رأس مال هذه الوسائل، فيما قدمت الدولة المغربية نسبة 51%(25)، وذلك بمشاركة بنوك وشركات من كلا البلدين(26). ونظرًا لارتباط إذاعة البحر المتوسط الدولية والقناة الثانية بالدولة التي تبسط سطوتها على الاقتصاد فقد تسنى لها (للدولة) ممارسة الاحتكار على الدعم المقدم للإعلانات الإذاعية، وهو أمر لا يزال قائمًا حتى يومنا هذا(27).
شهد الفضاء الإعلامي منذ مستهل تسعينات القرن الماضي موجات العولمة والتملك العابر للحدود، وواكب ذلك ازدياد التأثير العربي عبر وسائل الإعلام التي تبث بواسطة الأقمار الاصطناعية وما لذلك من تأثير على شرعية سطوة الدولة(28). وتجاوبت الحكومة المغربية مع ذلك بسَنِّ حزمة من القوانين الجديدة لإعادة هيكلة المنظومة الإعلامية وتحريرها حتى يتسنى لها استدامة سيطرتها على الجمهور لتظهر بذلك مشكلة لا تزال مستعصية حسب رأي ممثلي الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية(29). وهنا، تبرز مدى الصعوبة التي واجهها إعلام الدولة في التقرب إلى الجمهور المغربي؛ إذ تشير إحدى الدراسات إلى أن 28% فقط من الجمهور المستطلَعة آراؤهم يتابعون البرامج المغربية.
أما جهود إصلاح قطاع الإعلام فهي تعود إلى حقبة الملك الراحل، الحسن الثاني؛ ففي مؤتمر نظَّمته وزارتا الداخلية والاتصالات في العام 1994، ناقش المؤتمرون إعادة تنظيم القطاع الإعلامي السمعي البصري ومدى الحاجة لإنشاء هيئة تنظيمية على غرار الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري اليوم(30). وتزامن ذلك مع ضغوط مارستها منظمات حقوق الإنسان والمرأة والأحزاب السياسية(31) في خضم الركود الاقتصادي خلال عقد التسعينات، وهو ما دفع باتجاه عملية التحرير السياسي والاقتصادي المدعومة من الشركات الخاصة(32). عُرف هذا التحول السياسي بـ”التناوب”، ثم جاءت حكومة جديدة بعد الانتخابات البرلمانية في 1997 بقيادة عبد الرحمن اليوسفي؛ وهو معارض دؤوب للملك من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية(33). وبعد توليه رئاسة الوزراء، واصل اليوسفي تعبيره عن هدفه بتحرير قطاع الإعلام السمعي البصري(34). علاوة على ذلك، أسهم التحول في خطاب السياسات التحررية الجديدة عالميًّا، بل وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خصوصًا، إسهامًا قويًّا في التحول الذي ترك أثره على السياسات الاجتماعية الاقتصادية، ودفع بالتحرك صوب التحرير والتركيز على الخطاب الاقتصادي باعتباره الشرط المسبق لتحقيق التنمية والحداثة(35). وأسهمت هذه العملية بدورها في تحسين صورة المغرب خارجيًّا في الوقت ذاته باعتباره دولة نامية تنشد التحرر وتمضي في مسار الديمقراطية، وهو تحسين كان مفيدًا في تعزيز استراتيجية النمو الاقتصادي للدولة(36). وفي إطار هذه العملية كان مُقدَّرًا لقطاع الإعلام أن يصاغ بشكل يجعله مواكبًا للمستجدات(37).
وبعد أن اعتلى الملك الجديد، محمد السادس، عرش المملكة، في العام 1999، أقدم على خطوات تحسينية رمزية لاكتساب الشرعية، فمكَّن الصحافة من النقد ونظَّم عمل المعارضة(38). عندئذٍ ترسَّخ تيار جديد جريء في عالم الصحافة، فبات يتناول الخطوط الحمراء والمسكوت عنه في إطار عملية لم تفتأ تتعرض لانتكاسات(39). غير أن اجتماع كل تلك العوامل أسهم في إنتاج خطاب انتقالي ينحو باتجاه إرساء الديمقراطية (أو “العهد الجديد”)، واكبه عمليًّا التحرير الفعلي والنهائي لقطاع البث الإذاعي(40). كما صدر ظهير ملكي، في 31 أغسطس/آب 2002، بالبدء في تحرير القطاع، فكان إيذانًا بانتهاء احتكار الدولة للإعلام السمعي البصري وبتأسيس الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري(41). أعقب ذلك إقدام البرلمان على استبدال قانون جديد بقانون تنظيم الإعلام السمعي البصري الساري آنذاك؛ وذلك في 7 من يناير/كانون الثاني من عام 2005، (القانون رقم 77-03). ثم أعيدت هيكلة القناة المغربية الأولى (RTM) لتصبح الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية (SNRT) في العام 2005؛ وتمخض عن كل ذلك إطلاق ثماني محطات تليفزيونية وأربع محطات إذاعية لتقدم برامج منوعة جديدة في مسعى منها لموازنة جاذبية القنوات الفضائية العابرة للحدود(42). وأعقب ذلك جولتان من منافسات الترخيص لإطلاق محطات إذاعية خاصة في العامين 2006 و2009. واليوم، توجد هناك 13 محطة إذاعية خاصة و4 محطات إذاعية عامة(43) بالإضافة إلى خصخصة محطة التليفزيون “ميدي 1″حديثًا. ويمكن تعليل سرعة إنشاء الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية بكونها تمثِّل جانبًا من استراتيجية “المخزن” لاستباق الاستثمار الخاص في قطاع الإعلام السمعي البصري، وهو استثمار انطوى على احتمالات إيجاد مخاطر سياسية واقتصادية بالنظر إلى سوق الإعلانات المحدودة، فيما كان الغرض الرئيسي هو حماية منظومة الإعلام السمعي البصري العامة الخاضعة لضغوط فعلية من منظومة التلفزة العربية الفضائية(44).
وتتوفر متطلبات الترخيص الرسمية (أو “المواصفات”) على موقع الهيئة العليا على شبكة الإنترنت، علمًا بأنها تلزم المحطات بالوفاء بمجموعة من الالتزامات المالية والتنظيمية والتحريرية. فمثلًا، يتعين على محطات الإذاعة أن تكفل وقتًا “جماهيريًّا” في البث لفائدة الأحزاب السياسية حسب أوزانها النسبية؛ وهذا يعني -أثناء الحملات الانتخابية مثلًا- أن مداخلات الحزب الحاكم (الأحزاب الحاكمة) لن تتجاوز أكثر من ثلثي الوقت المخصص للمعارضة؛ علمًا بأن نسبة 10% من الوقت المخصص للهيئات السياسية إنما تُعطى للأحزاب التي لا تتوفر على مقاعد داخل البرلمان(45). وقد جاء إنشاء الهيئة العليا على غرار المجلس الأعلى للإعلام السمعي البصري في فرنسا(46). وللهيئة فرعان، وهناك ميل ملموس حيال خضوعها لتعليمات السلطة العليا. أما الجهة المنظِّمة لكل ذلك فهي الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وهي مؤلفة من تسعة أعضاء: الرئيس وأربعة أعضاء يُعيِّنهم الملك، وعضوان يعينهما رئيس الوزراء، فيما يعيِّن رئيسا غرفتي البرلمان عضوين آخرين. وتتولى الهيئة العليا (المديرية العامة) -بقيادة مديرها العام- المسؤولية عن تطبيق قرارات المجلس الأعلى والإشراف على امتثال محطات البث لأحكام القانون والموافقة على طلبات الترخيص الجديدة(47).
وتتألف الهيئة العامة من خمس إدارات(48)، منها إدارة الرقابة على البرامج وتركز بصفة خاصة على البث الإذاعي؛ إذ “تراقب الالتزامات الواقعة على المشغِّلين من حيث البرامج والإنتاج للتحقق من الامتثال الكامل”(49). أما البرامج الإذاعية ذات المحتوى السياسي والاجتماعي فتُصنف تصنيفًا خاصًّا باعتبارها تستوجب الرقابة. وبخصوص أسلوب منح التراخيص فلا يزال شخصيَّ الطابع ومشوبًا بإجراءات غامضة، بل وغالبًا ما يسهم في تعزيز مركزية القوة الإعلامية في تكتلات، وهي تقع أصلًا في أيدٍ نافذة سياسيًّا. كما أن هيكل الملكية المبيَّن في أوراق الترخيص ليس شفافًا بالكلية، لاسيما فيما يتصل بمالكي المحطات الإذاعية؛ إذ أحيانًا ما تحمل تلك الأوراق أسماء شركات مالكة، فيما تحمل أسماء أفراد في أحيان أخرى. ولعل السبب في تفضيل مشاريع إذاعية بعينها على غيرها لدى الهيئة العليا هو عدم الحاجة لإثبات الملكية سواء أكان ذلك أثناء إجراءات الترخيص أم في الوثائق الرسمية؛ أي إن الملكية منسوبة إلى الاقتصاد السياسي صاحب المصلحة بالمغرب. واستنادًا لما رآه آخرون(50) ولما ثبت أثناء البحث الميداني، فإن الأثرياء المقربين من “المخزن” هم المستفيدون من معظم تلك الفرص الجديدة، وذلك في صورة عائلات نافذة باحثة عن استثمارات إعلامية جديدة ومستفيدة من قاعدة ملكية قائمة في صناعة الإعلام(51). فهذه مجموعة “إيكو ميديا” (Eco-Medias) تملك بالفعل صحيفتي “ليكونيميست” (L’Economiste) و”الصباح”، فضلًا عن المدرسة العليا للصحافة والاتصال (ESJC)، قبل أن تؤسس إذاعة راديو “أطلنتيك” (Atlantic). وثمة أمثلة أخرى من بينها الشركة القابضة “نيو بابليتسي” (New Publicity) التي أسست إذاعة “إم إف إم” (MFM) في 2009 وكذلك صحيفة “تشالنج” (Challenge)، وشركة “غلوبال ميديا هولدينغ” (Global Media-Holding) التي تضم إذاعة “ميد” راديو (Med) منذ العام 2009، ومحطة “كيفاش” تي في، وصحيفة “لوبزيرفاتور دو ماروك” (L’Observateure du Maroc). ووفقًا لرأي أحد القائمين على البرامج بإذاعة “إم إف إم”، فقد كان من المهم “الانخراط في اللعبة”(52) عندما فتح قطاع الإعلام السمعي البصري أبوابه للقطاع الخاص(53).
ينقسم المشهد الإذاعي إلى محطات ذات طابع عام تبث مجموعة متنوعة من البرامج أغلبها في مجالات الموسيقى والأخبار والموضوعات اليومية مثل الطهي والصحة والكوميديا والصحة النفسية والدين، بالإضافة إلى موضوعات اجتماعية اقتصادية وسياسية، وإنْ بمقدار أقل. وتكتسي البرامج ذات المحتوى السياسي أهمية خاصة خلال الحملات الانتخابية عندما تُوجه الدعوة إلى القيادات الحزبية والممثلين المحليين للاستفادة من وقت البث بالتساوي وفق قواعد الهيئة العليا بغية عرض سياساتهم والإجابة على أسئلة الجمهور وتساؤلاتهم.
وهناك محطات إذاعية متخصصة، مثل إذاعة “مارس” (Mars) المتخصصة في الرياضة، وإذاعة “محمد السادس للقرآن الكريم” المتخصصة في الشأن الديني. ويمكن لمحطات الإذاعة استصدار تراخيص للبث في كامل الفضاء الإذاعي الوطني، ومن ذلك -على سبيل المثال لا الحصر- إذاعة “هيت” (Hit) وإذاعة “ميد” (Med)، فضلًا عن محطات الإذاعة الإقليمية/المحلية ذات الفروع القائمة في مدن مختلفة؛ مثل إذاعة “إم إف إم” وإذاعة “بلوس” (Plus). وقد تأثر البث الإذاعي أيما تأثر في برامجه بأنماط الترفيه التليفزيوني ذي الشعبية، مثل البرامج الحوارية؛ بمعنى أن ذلك البث مبرمج على غرار نظيره التليفزيوني ويسوق لاستقطاب دائرة استهلاكية، كما أنه مصمم لإطلاق قضايا خلافية نوعًا ما، بحيث تفضي لاحقًا إلى اقتحام المسكوت عنه اجتماعيًّا بما يؤدي إلى ترجمة النتائج في نهاية المطاف إلى شعبية مهمة فضلًا عن تحقيق عوائد إعلانية إيجابية(54).
لم تحصل أية قناة تليفزيونية -باستثناء “ميدي 1”- على ترخيص حتى الآن، وهذه حقيقة تحولت إلى مبعث جدل عام بين الحكومة والهيئة العليا(55). ولا يزال النقاش حول معنى الخصخصة ومداها المناسب مستمرًا، فمثلًا؛ كان إنشاء اتحاد محطات الإذاعة والتلفزة المستقلة (ARTI) في 2008 -بوصفه كيانًا مؤثرًا من جانب محطات إذاعية خاصة – خطوةً حاسمة وفق رأي ممثل إذاعة “شدى إف إم” من حيث مأسسة القطاع السمعي البصري المغربي(56). وفي هذا السياق، يتعاون اتحاد محطات الإذاعة والتلفزة المستقلة مع الهيئة العليا ووزارة الاتصالات لصياغة قانون جديد ينظم قطاع الإعلام السمعي البصري، وهو القانون الذي يراد له -وفق تصور الاتحاد- أن يخفض الضرائب الباهظة التي تدفعها محطات الإذاعة حاليًّا. وعلاوة على ما سلف، فإن الاتحاد يحشد من أجل إنشاء المزيد من المحطات التليفزيونية الخاصة.
جمهور الإذاعات المغربية
من العوامل المميزة للبث الإذاعي رخص تكلفة استقباله، وهو ما يجعله وسيلة اتصال مقدَّرة ومتاحة على نطاق واسع، فضلًا عن كونه وسيلة اتصال واستعلام مهمة في المغرب، وصاحب هيكل اجتماعي اقتصادي مستقطب، غير أنه يكابد مؤشرات ضعيفة في مجالات عديدة رئيسية من بينها الفقر والأمية ومعدل العمر المتوقع. واستنادًا إلى تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة في نسخته للعام 2015، فقد تحسن المغرب كثيرًا منذ العام 1980 من حيث زيادة العمر المتوقع وسنوات الدراسة ونصيب الفرد من الدخل الوطني الإجمالي(57)، وهي عوامل عادت بالنفع الخاص على طبقة متوسط حضرية جديدة تشكَّلت حديثًا. ومع ذلك، وبالنظر إلى مؤشرات العام 2014 بشأن انعدام المساواة في متوسط الأعمار عند الميلاد، وفي التعليم، وفي الدخل(58)، فإن مؤشر التنمية يبدو في تراجع لاسيما عند مقارنته بالمؤشر المتوسط والمؤشر الكلي للدول العربية. لكن التقرير نفسه يقدم أرقامًا تفيد بوجود متوسط أعلى بكثير من حيث مستخدمو الإنترنت والهواتف المتحركة مقارنة بدول عربية ونامية أخرى(59). كل هذه الظروف تهيئ المجال لسوق مثالية للاستماع الإذاعي، بل وتسوغ إحياء الشعبية الإذاعية جرَّاء مستجدَّيْن حاليين، هما: تحرير السوق بحيث تفتح أبوابها لمحطات خاصة، والربط بين الخدمة الإذاعية والإذاعة عبر الويب.
تأسس المركز المهني لقياس نسب الاستماع للراديو -المختص بقياس معدلات الإقبال الجماهيري على الخدمات الإذاعية- في العام 2012 بوصفة مشروعًا مشتركًا بين محطات إذاعية خاصة وعامة وبين تجمُّع للمعلنين الإذاعيين اسمه “تجمُّع المعلنين المغاربة”، ومجموعة من وكالات الاتصال جمعها كيان باسم “اتحاد وكالات الاستشارة في الاتصال”. تأسس المركز استجابة للالتزامات القانونية الرامية إلى قياس معدلات الإقبال الجماهيري على الخدمات الإذاعية وفق منطوق المرسوم الملكي رقم 1-2-212 (البند رقم 3، 17، ص. 3). وتوضح البيانات الاستطلاعية الحديثة أن متوسط زمن الاستماع الإذاعي للفرد قد ظل ثابتًا منذ إجراء الاستطلاع الأول في 2012. أما أحدث استطلاع رسمي متاح فيحدد متوسط زمن الاستماع بساعتين و49 دقيقة أسبوعيًّا في ديسمبر/كانون الأول 2015. كما تفيد البيانات أن الإقبال على الخدمة الإذاعية يأتي في أغلبه من الطبقات العاملة والمتوسطة والدنيا؛ علمًا بأن الاستماع يتركز غالبًا في الفئة العمرية الأعلى من 35 عامًا، ويسجل أدنى مستوياته بين الشباب. أجرت شركة “إبسوس” (IPSOS) الفرنسية تلك الاستطلاعات، وهي أيضًا منتج الاستطلاعات لمركز الاستماع، علمًا بأن الهيئة العليا تعتمد على هذا المصدر من البيانات لتنفيذ سياساتها الرقابية، وهي أحد عملاء المركز(60). وقد أوضح أحد ممثلي المركز أن إيجاد أجواء أكثر تنافسية من الناحية الاقتصادية كان “ضروريًّا للارتقاء بجودة البرامج بالنسبة للمستمعين بما يتيح للمعلنين تخطيط استثماراتهم بصورة أفضل وبما يكفل بيع المنتجات الإذاعية نظير أسعار جيدة؛ وهذا ما يكشف عن فجوة مهمة للغاية في قياس الرأي”(61). وتكتسي هذه الحقيقة أهمية خاصة في سوق الإعلان الإذاعي الراكدة، وذلك بالنظر إلى النمو المتسارع في سوق الإعلان التليفزيوني والرقمي(62).
تُجرى الاستطلاعات كل ثلاثة أشهر مع نحو 12 ألف مستجوب يتم اختيارهم بشكل عشوائي، وذلك من خلال التواصل معهم عبر الهواتف النقالة والأرضية بمكالمات تصل مدتها 20 دقيقة. واستنادًا إلى بيانات مركز الاستماع، فإن إذاعة “محمد السادس للقرآن الكريم” تأتي دومًا في صدارة الإذاعات المفضلة، تليها “ميدي 1″، ثم إذاعة “إم إف إم” في المركز الثالث (انظر الشكل رقم 1). ورغم ذلك، وباستطلاع جماهير من فئات عمرية أقل (انظر الشكل رقم 2)، تبين أن إذاعة “محمد السادس” أقل شعبية بكثير من الإحصاءات الرسمية المعلنة؛ إذ تُظهر إحصاءات مركز الاستماع، الصادرة في ديسمبر/كانون الأول 2015، أن نسبة 56.18% من المغاربة ضمن الفئة العمرية 11 عامًا فما أكثر (أي 14.8 مليون نسمة) يستمعون للإذاعة مرة واحدة على الأقل يوميًّا، بمجموع يقل قليلًا عن 3 ساعات من الاستماع على مدار الأسبوع. وخلال العطل الأسبوعية تقل نسب المتابعة عادة بمقدار بسيط مع قلة أعداد الذاهبين للعمل، وهو ما يعني أن وقت الذهاب للعمل يشكِّل فترة رئيسية للاستماع للإذاعة. ومن ثم، فإن الاستماع الإذاعي ينهض بدور مختلف للغاية عن دور التليفزيون من حيث كيفية استغلاله بين الجمهور وتفاعلهم معه على مدار اليوم؛ ذلك بأن هذا الوقت ينم عن نشاط ترفيهي وجيز المدة (مقارنة بالتليفزيون)، فضلًا عن كونه نشاطًا يتخلل فترات انشغال المستمعين بأمور أخرى، مثل: القيادة، وترتيب العمل، والطهي، والذهاب إلى العمل والعودة منه. وبالنظر إلى أطر نظرية “الاستخدامات والإشباعات”، فإنه لا مجال للتعجب من أن الإقبال على الإذاعة -مقارنة بمشاهدة التليفزيون- يتركز كثيرًا على المحطات المحلية المغربية، أي المحطات التي يمكن الاستماع لها على مدار فترات زمنية متقطعة، وتقدم خدمات إخبارية محلية وموسيقى وبرامج تتيح التواصل معها وتتناول قضايا محلية.
الشكل رقم (1) يوضح معدلات الإقبال الجماهيري على الإذاعة خلال الفترة من 15 أكتوبر/تشرين الأول إلى ديسمبر/كانون الأول 2015 (مركز الاستماع)
المصدر: (مركز الاستماع) |
تتجلى أهمية الإذاعة في السياق المغربي المحلي عند مقارنتها بوسائل الإعلام الأخرى؛ فمتوسط فترة مشاهدة التليفزيون لكل مشاهد ظلت ثابتة على مدار الأعوام الماضية. وليست الفئات العمرية المغربية الأصغر مختلفة عن غيرها من الفئات من حيث الميل إلى تفضيل وسائل الإعلام الإلكترونية على التليفزيون والإذاعة(63). ومع ذلك، يظل التليفزيون في أوساط الشباب الوسيلة الإعلامية الأشهر بمتوسط مشاهدة يومي يناهز 7ساعات و8 دقائق لكل منزل و3 ساعات و12 دقيقة للفرد، وفق إحصاءات يناير/كانون الثاني 2017، بما في ذلك القنوات الوطنية والعابرة للحدود(64). وقد وردت شهرة محطات الإذاعة الخاصة في عدد من المقابلات الشخصية باعتبارها ضمن الأسباب الرئيسة لعدم منح تراخيص محطات التليفزيون الخاصة، وهو ما قد يفرض تحديًا إضافيًّا على إعلام الدولة. إلى ذلك، ظل نطاق الإعلام المطبوع ثابتًا عند مستوى منخفض بمعدل توزيع يومي يناهز 300 ألف نسخة(65). أما الزيادة الأكبر في الإقبال على وسيلة إعلامية فكانت لفائدة شبكة الإنترنت، وذلك على الأجهزة الثابتة والأجهزة المتحركة؛ إذ بلغت نسبة مستخدميها من المغاربة 66.5% (من عمر الخامسة) في 2015، أي بمعدل ارتفاع قدره 4% فقط منذ 10 أعوام مضت(66). كما أن قاعدة مستخدمي الإنترنت آخذة في الاتساع؛ إذ بلغت نسبتهم في 2015، داخل المناطق الحضرية، 76%، مقابل 47% في المناطق الريفية. هذه الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي ترتبط ببنية الإعلام تجعل من الإذاعة وسيلة رخيصة التكلفة وسهلة المنال.
لا تحدد استطلاعات “إبسوس” البرامج محل الإقبال الجماهيري غير أن استئثار إذاعة “محمد السادس للقرآن الكريم” بالمساحة الأوسع، علَّله ممثلون للهيئة العليا بقولهم إنه يُعزى إلى سؤال المستجوبين في البداية سؤالًا مباشرًا عما إذا كانوا يستمعون لتلك الإذاعة أم لا؛ وذلك إلى أن تدخلت الهيئة العليا وتوقف طرح هذا السؤال(67). وفي ضوء ذلك، ينبغي التعامل مع بيانات الاستطلاعات المذكورة آنفًا بحذر وتؤدة.
كشف الاستبيان الإلكتروني الذي أجراه الباحث مع عينة من طلاب جامعة الأخوين في مدينة إفران (الشكل رقم 2) عن أن الشباب (وجُلُّ الطلاب دون 25 عامًا) يستعمون في الغالب لأقل من ساعة إذاعية، وأن ذلك لا يكون إلا أثناء السفر بالأساس. ومع ذلك، لابد من التنبيه أن الطلاب بجامعة الأخوين يمثلون شريحة من الطبقة العليا بالمجتمع المغربي؛ وهو ما يسلط الضوء على اتجاهات الاستماع الإذاعي في أوساط الشباب (الشكل رقم 3).
واستنادًا لمعطيات الشكل رقم (2)، فإن إذاعة “هيت” (Hit)، التي تبث الموسيقى المغربية والعالمية لإمتاع الجمهور الشباب، هي الأشهر والأكثر انتشارًا، تليها إذاعة “لوكس” (Luxe) التي تبث برامج موسيقية وأخرى عن أساليب الحياة إلا أن قياس مركز الاستماع لفئات المستمعين الشباب (بين 11 و24 عامًا) في فاس (الشكل رقم 3) يوضح وجود اختلافات بين أكثر المحطات، ليس هذا فحسب، بل إنه يبيِّن أن إذاعة “هيت” تحظى بحصة أكبر مقارنة بالبيانات الصادرة وفق قياسات مركز الاستماع. كذلك أفاد معظم سائقي الأجرة دون 30 عامًا من المشمولين بهذا البحث بأن استماعهم في معظمه منصب على إذاعة “هيت” أو إذاعة “مارس” الرياضية، وإلا فهم يفضلون شبكة الإنترنت كمصدر للترفيه والمعلومات في المنزل.
الشكل رقم (2): استطلاع الباحث الذي شمل 55 طالبًا (بين 18 و25 عامًا) خلال الفترة من مايو/أيار إلى يوليو/تموز 2016، جامعة الأخوين
المصدر : الباحث |
المصدر: (مركز الاستماع) |
استخدامات وإشباعات الاستماع إلى الإذاعة
يتناول هذا القسم من البحث نتائج المقابلات التي أجريت مع سائقي الأجرة في مناطق فاس ومكناس وطنجة، ومدينتي الرباط والدار البيضاء كثيفتي التعداد السكاني. ومن ثم، يعرض أسباب استماع المغاربة للبث الإذاعي ومحددات اختيار محتواه. وقد كشفت المقابلات عن أن سائقي الأجرة يمثلون فئة متفاعلة اجتماعيًّا بقوة، ذلك بأنهم يتواصلون مع مجموعات كبيرة ومتنوعة من المجتمع، وينخرطون في حوارات مع الركاب أثناء الاستماع إلى الإذاعات بصفة عامة. وعلى ذلك، فإن النتائج المتعلقة بأسباب استماع سائقي الأجرة لمحطات الإذاعة إنما تعد عينة كاشفة للعمليات الاجتماعية ومساقاتها الإعلامية. ورغم ذلك، ينبغي التأكيد على أن سائقي الأجرة يمثلون مجموعة معينة تتألف بالأساس من الذكور متوسطي العمر (بين 30 و60 عامًا)، علمًا بأن هؤلاء السائقين يصنفون ضمن فئة أصحاب الدخل المتوسط الأدنى، وأن مجموعة قليلة منهم قوامها من الطلاب السابقين. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الباحث لم يصادف إناثًا يعملن في تلك المهنة حتى يتسنى استطلاع آرائهن. وقد وافق معظم السائقين على المشاركة فور عرض الأمر عليهم، ولم يخل الأمر من دهشة بسيطة إزاء كونهم هدفًا بحثيًّا. أما من لم يرغب منهم في المشاركة فكانوا ممن لا يستمعون للإذاعة أصلًا؛ علمًا بأن نصف المستجوبين كانت أجهزة البث الإذاعي قيد التشغيل بالفعل عندما رُكبت سياراتهم.
من الثابت أن الدوافع مختلفة بين شخص وآخر، لكن جميع سائقي الأجرة اعتبروا الإذاعة عنصرًا أساسيًّا نظرا لوجودها في سيارة العمل. واستنادًا للجدول رقم (1)، فإن الكثيرين يواصلون الاستماع إلى الإذاعة حتى يجدوا ما يشغلهم ويسليهم، ويواكبوا أحدث الأخبار أو ليُرضوا الركاب، لأن معظم السائقين يحسبون أن الركاب يرغبون في سماع الإذاعة. وقد حرص السائقون على ضبط موجات البث على المحطات والبرامج التي يستمعون لها بصفة دورية، ومعظمهم يرى أن استحداث محطات إذاعية خاصة جديدة يُعَدُّ تطورًا إيجابيًّا، لأنه أتاح “المزيد من التنوع بغرض الترفيه والتسلية وتقديم الخدمة الإخبارية”(68)، فضلًا عن عرض “موضوعات جديدة تتناول أحداثًا حياتية يومية لدى عامة الناس”. وأفاد العديد من السائقين بأنهم أحبوا الإذاعات الخاصة، لأنها تتناول مشكلات راهنة “واستخدمت لغة واضحة في رصد تلك المشكلات وعرضها”(69). وعن ذلك، قال أحد سائقي الأجرة في الرباط: “الإذاعة مهمة للغاية للاستماع للموسيقى والمعرفة ومواكبة الأخبار المحلية والوطنية والعالمية. كما أن الحياة اليومية تضطرك إلى الاستماع لها، فإذا لم يكن لديك وقت للبحث عن معلومات أخرى فيمكنك الاستفادة من الإذاعة. تجد على إذاعة “هيت” كل أنواع الموسيقى، وعلى إذاعة “أصوات” يمكنك متابعة النصائح بشأن المسائل القانونية، أما إذاعة “مدينة إف إم” فتستضيف مفتيًا للرد على التساؤلات الدينية، وعبر إذاعة “ميد” يعاون مأمون الدريبي [الجمهور] في حلِّ المشكلات النفسية. لكن على شاشة التلفزة [المغربية] فلن تجد سوى الدراما المصطنعة”(70).
الجدول رقم (1) يبين أسباب استماع سائقي سيارة الأجرة في المغرب للإذاعة. 75 = 100%
م | دوافع الاستخدام | ن% |
1 | وفرتها (الاستماع السلبي) | 5 |
2 | تعريفي بأفكار جديدة وحفزي على التفكير | 6 |
3 | بث برامج الاستشارات القانونية | 4 |
4 | بث برامج عن الصحة البدنية والنفسية | 17 |
5 | التعريف بمشكلات الحياة اليومية | 28 |
6 | وسيلة لاتقاء الملل | 5 |
7 | الشعور الإيجابي والاسترخاء ونسيان المشكلات الشخصية | 8 |
8 | التحسن في الأداء مقارنة بالماضي: وفرة الخيارات المتاحة | 22 |
9 | الثقة في محطات الإذاعة الخاصة | 23 |
10 | الترفيه | 24 |
11 | الاستماع للموسيقى | 22 |
12 | الاستماع للبرامج الدينية | 31 |
13 | متابعة الأخبار (المحلية والإقليمية والعالمية) | 29 |
14 | لا أستمع للإذاعة | 4 |
المصدر: علي سوناي، البيانات جُمعت في 2015 بمناطق فاس ومكناس، والرباط وطنجة.
تكشف نتائج هذا الشكل دوافع استخدام سائقي سيارة الأجرة للإذاعة ومحددات الإشباعات؛ وقد أكدت البيانات أن معظم المستجوبين لم يكونوا على دراية وافية بالتغيير في سوق الخدمة الإذاعية فحسب، بل أكدت أن الإذاعة شهدت تطورًا هائلًا منذ تحرير سوقها، فأصبحت تتيح إمكانية التحول بين محطات مختلفة تعرض موضوعات وأنساقًا برامجية جديدة. اقتصر الإذاعات في السابق على محطتين إذاعيتين تابعتين للدولة. وبالرغم من أن المستمعين لديهم محطات وبرامج إذاعية مفضلة (انظر الشكلين 1 و4)، إلا أنهم يستمتعون بالتنقل بين المحطات، علاوة على أن تلك الإذاعات تنهض بدور عام غير متخصص؛ إذ لا تبث مجموعات متنوعة من المعروض الإذاعي من قبيل الأخبار والموسيقى والترفيه والبرامج الدينية فحسب، بل إنها تتناول المشكلات اليومية في البرامج الحياتية، ومن بينها برامج عن الصحة والتعليم والفساد ومشكلات البنية التحتية المحلية.
وكما يتبين من الجدول رقم (1)، فإن أبرز دوافع الاستماع الإذاعي هي البرامج الموسيقية والإخبارية والمناقشات الدينية والترفيه/الرياضة. وقد وصف الأشخاص الذين شملهم البحث الخدمة الإذاعية بأنها رفيق جيد يدفع الشعور بالملل، ويتيح الاسترخاء، ويعين المستمعين على نسيان بواعث قلقهم اليومية. وقد كان من اللافت حقًّا عدد المرات التي أشار فيها المستجوبون إلى وجود مشكلات مهمة تواجه المغرب، لاسيما على الصعيد الاجتماعي الاقتصادي، وهي مشكلات بات تناولها أعمق وأوسع منذ البدء في تحرير خدمة البث الإذاعي. أما المكسب الأهم بالنسبة لكثير من المستمعين أثناء الاستماع فهو عملية التثقيف الجديدة من حيث إثراء معلوماتهم النسبية بشأن المشكلات المحلية والوطنية التي تمس حياتهم اليومية. ويحدث ذلك من خلال التفاعل مع الإذاعة (الخاصة) أكثر مما يحدث عند الاستماع للإذاعة أو محطات التلفزة التابعة للدولة؛ إذ تجنح الأخيرة إلى عرض الأخبار الرسمية والبرامج التي توافق عليها الدولة فقط. وليس من الغريب إذًا أن يتم تفضيل القنوات العربية الفضائية على التليفزيون المغربي، لكنها لا تعرض مستوى التفاعل المحلي الدقيق الذي تقدمه المحطات الإذاعية.
الشكل رقم (4) يوضح المحطات الإذاعية التي يفضلها المستمعون
المصدر: علي سوناي، بيانات المقابلات جمعت في العام 2015 في مناطق فاس ومكناس، والرباط وطنجة. |
بالرغم من أن قطاع الخدمة الإذاعية خاضع للرقابة والتقييد، إلا أنه يكشف -دون غيره من الوسائط بخلاف شبكة الإنترنت- عما يرصده المستمع من تغيرات في المجتمع المغربي. وفي هذا السياق، أشار المستجوبون إلى مزايا التعرف على مجموعة متنوعة من المشكلات سواء في المغرب نفسه أو في الجوار القريب، فضلًا عن إتاحة الفرص للضجِّ من الشكوى عبر أثير الإذاعة من خلال البرامج الحوارية وغيرها من البرامج. ومن الأمثلة المفيدة في هذا الصدد الشأن الصحي، فهو من بواعث الاهتمام المهمة كما يتجلى من بيانات الجدول رقم (1). وبالعودة إلى التقرير الأممي (2015) عن المغرب، فإن الصعوبات التي تكبِّل القطاع الصحي تشمل رداءة الأداء على مستوى الخدمات وارتفاع التكاليف وطول قوائم الانتظار للاستفادة من خدمات المستشفيات، فضلًا عن الفساد المتصل بالحصول على موعد لإجراء جراحة عاجلة. وهنا، نجد أن كل المحطات الإذاعية تقريبًا تبث برامج صحية؛ إذ توجه الدعوة لأطباء من أجل الرد على أسئلة المذيعين والمستمعين، بل ولجمع التبرعات (في بعض الأحيان) للعمليات باهظة التكلفة.
ونجد من المشكلات الأخرى التي يكثر تناولها والتركيز عليها في المناقشات الإذاعية: الفساد، وحالة البنية التحتية في الشوارع، وإدارة خدمات جمع القمامة، والمشكلات القانونية التي تتطلب مشاركة متخصصين لتقديم المشورة القانونية بغية مساعدة المستمعين على إدارة ممتلكاتهم والمصاعب الإدارية التي تكتنفها. واستنادًا لأقوال العديد من السائقين، فإن الإذاعة تعين المستمعين على اكتساب المعرفة والتعرف على الحلول العملية للمشكلات التي قد تواجههم مستقبلًا؛ وهذا الرأي يوضح محددات الإشباع في عاداتهم للاستماع الإذاعي.
من الأمثلة الرائجة برنامج المشاركة “وصل صوتك” على إذاعة “إم إف إم سي” (الموجة المحلية للمحطة في فاس)؛ إذ تناول البرنامج مشكلات الجمهور الاجتماعية والاقتصادية والقانونية (على المستويين: الوطني عمومًا والمستويات المحلية بصفة خاصة)، وذلك من قبيل الصعوبات القائمة في خدمة جمع القمامة محليًّا وحالات الفساد. ومن أغراض البرنامج المذكور ممارسة الضغط على السلطات للتحرك؛ وقد ذكر سائقو الأجرة أمثلة لتحرك السلطات وتسوية المشكلات وتبديد أسباب الشكاية إثر ذلك التناول(71).
إن التعويل على الفرص الجديدة لاختيار البرامج التي تحظى بالقبول الجماهيري، وما يترتب على ذلك من أساليب عرض ومحتوى يُذكي مساحة الاختيار، إنما ينبني على شعور ملموس بالرضا عن الخدمة الإذاعية الراهنة في المغرب، وهو شعور ناتج من الثقة التي اكتسبتها تلك الخدمة بوصفها وسيطًا إعلاميًّا. لقد ثبت من المقابلات مع المستجوبين أن المحطات الإذاعية الخاصة تحظى بمستوى أعلى من الثقة مقارنة بنظيراتها التابعة للدولة (باستثناء إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم)؛ ذلك أن الأخيرة معروفة برسم صورة وردية لظروف الدولة وببثها أخبارًا رسمية بلغة رسمية ثقيلة على الآذان.
والحق أن اللغة المستخدمة تعد عنصرًا رئيسًا في حكم المستمع على البث الإذاعي في المغرب، فاللغة من عناصر التقريب بالتأكيد. وبالنظر إلى وسائل الإعلام الرسمية نجد أن اللغة المستخدمة هي العربية في الغالب، في حين تستخدم اللهجة المحلية في الحياة اليومية، وهي التي يغلب استخدامها في المحطات الإذاعية الخاصة باستثناء فقرات البث الإخباري. ومن ثم، فإن التواصل بالدارجة يخلق تلقائيًّا صلة بين الجمهور ومصدر الأثير، وييسر بناء أنساق جديدة من النشاط والمشاركة. ورغم ذلك، لابد من الإشارة إلى أنه في حين يستمتع بعض الجمهور بتلك التفاعلية بغرض التعلم والمتعة، إلا أن المستمعين اشتكوا من وجود كلام فارغ في بعض الأحيان، وخصوصًا أثناء المداخلات الهاتفية التي تستغل الأثير الإذاعي في الترويج الشخصي، وبذلك لا تفيد سوى شركات الاتصالات التي تستدرُّ أرباحًا من تلك المكالمات(72).
من أنواع البرامج الأكثر رواجًا في البث الإذاعي في المغرب برامج المساء والليل التي تتيح مشاركة المستمعين بالاتصال، أي على غرار البرامج الحوارية المتلفزة الناجحة. وتركز تلك البرامج على المشكلات النفسية والاجتماعية مثل الجنس والعنف والبطالة والأسرة والزواج والطفل والتعليم، لتناقش بذلك مشكلات عامة لطالما اعتُبرت من المحظورات حتى نهاية تسعينات القرن الماضي، لاسيما القضايا الجنسية. غير أن تلك البرامج رائجة بين كل الفئات العمرية، علمًا بأن فئتي المستجوبين (أعني الطلاب الجامعيين وسائقي الأجرة) أفادتا بالاستماع إلى تلك البرامج في الغالب لسماع مذيعين بعينهم حازوا مكانة اجتماعية بوصفهم مفكرين مهتمين بالشأن العام، وشجعوا المستمعين على مواجهة مشكلات الحياة اليومية. وهنا يُستحق ذكر برنامج “بكل وضوح” من إذاعة “ميد” و”سمير الليل” من إذاعة “إم إف إم” على وجه الخصوص.
“بكل وضوح” هو برنامج رائج يبث مرتين أسبوعيًّا على إذاعة “ميد” من 6 إلى 8 مساء، ويقدمه الدكتور مأمون الدريبي. يسمح البرنامج بالمداخلات الهاتفية للجمهور، ويستغل ذلك في مناقشة المشكلات الاجتماعية والنفسية بغية اقتراح الحلول لمشكلات، منها -على سبيل المثال- الاكتئاب والإدمان والقلق والغيرة في العلاقات والتعليم والرعاية الأسرية. وقد رأى الكثير من المستجوبين في هذا البرنامج نمطًا تشاركيًّا ناجحًا للغاية، موضحين أنه نظرًا للصعوبة التي يجدها الكثيرون في الاعتراف بزيارة طبيب نفسي، فإن هذا البرنامج يتيح فرصة مقبولة عند الجمهور لطلب العون، فيما يستفيد آخرون من الخبرات التخصصية والتجارب الشخصية المعروضة في البرنامج. هذا البرنامج -على غرار برامج كثيرة أخرى- متاح على موقع يوتيوب. ولتعظيم الموارد من خلال العرض متعدد المنصات، فقد أضحى شائعًا استغلال الكثير من المذيعين والمحطات الإذاعية الفرص التي تتيحها بيئة الوسائط المتعددة وازدياد قاعدة مستخدمي شبكة الإنترنت، حيث تصل معدلات المشاهدة إلى 200 ألف مشاهدة(73).
يقدم مصطفى الهردة برنامج “سمير الليل” (المذيَّل بعبارة “صديق من لا صديق له”) كل ثلاثاء وجمعة ليلًا بين 1 إلى 4 صباحًا على إذاعة “إم إف إم”. يحظى المذيع بشهرة كبيرة كونه متعاطفًا وجذابًا، فضلًا عن كونه مكفوفًا. ويقدم البرنامج الدعوة للمستمعين للتحدث عن مشكلاتهم الشخصية في محيط الأسرة، أو بين أولياء الأمور والأزواج، وبذلك يتطرق البرنامج إلى مشكلات خلافية مثل المشكلات الجنسية في الزواج، ويعين الأفراد من خلال تقديم نصيحة خاصة حسب التجربة الشخصية لكل منهم. ويذاع هذا البرنامج على قناة المذيع على موقع يوتيوب، وتحظى بعض الحلقات بنسب مشاهدة تصل إلى نحو مليون مشاهدة، كتلك الحلقة التي دارت حول “امرأة تحكي خيانتها لزوجها”(74). وتوضح آراء المستجوبين وتعقيباتهم على موقع يوتيوب أن الدافع للمساعدة -مقرونًا أيضًا بالاندهاش من المحتوى والإحباط بسببه- من المحفزات على الاستماع.
بالرغم من أن الإذاعة تحظى بصورة إيجابية عامة في أوساط المستجوبين، إلا أنها لم تخل من النقد وعدم الرضا؛ فبعض الجوانب الإذاعية اعتُبرت منافية للإسلام، ومن ذلك مثلًا بث الموسيقى، وموقفها من المفاهيم التقليدية عند الرجال والنساء، واستخدام لغة “جريئة” لاسيما تلك التي تلوكها ألسنة الشباب. وبالمثل، فإن الإحساس بانعدام حرية التعبير وانعدام الثقة الفعلي تجاه النظام السياسي بصفة عامة والإعلام الرسمي بصفة خاصة كانت من الأسباب التي دعت لاجتناب البث الإذاعي. لذلك، أعربت فئة السائقين الشباب، والشباب على السواء عن تفضيلهم المتزايد لشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي على وسائل الإعلام التقليدية؛ إذ رأوا فيها مساحة أكثر تنوعًا وأقل خضوعًا للقيود. لكن الإذاعة في المقابل أثبتت قدرتها على التكيف مع التغير الرقمي، حتى باتت قادرة على اجتذاب المستمعين عبر المنصات الإلكترونية، وهو ما يثبته عدد المشاهدات على موقع يوتيوب.
لذلك، فإن الإذاعة مستمرة في مجابهة العلاقة بين الرسمي والخاص والأخلاقي؛ ما جعل بعض البرامج يتعرض، بين الفينة والأخرى -على إذاعة “هيت”- للإيقاف المؤقت في مواجهة غرامات فرضتها الهيئة العليا، وهي غرامات تُفرض عادة للمحافظة على النظام العام بعد لجوء البرنامج إلى “لغة غير لائقة”، فهذا ملمح رئيسي في تنظيم القطاع السمعي البصري”.
يضاف لما سبق أن استعمال اللهجة المحلية هو أمر آخر محل نقاش وخلاف سياسي. ومن المعلوم أن الهوية المغربية المعاصرة تحظى بدرجة عالية من التجاذب بين عدة لغات؛ في حين أن العربية الفصحى المعاصرة ظلت مستخدمة باعتبارها لغة رسمية للبلاد، ولذلك فهي عامل لتوحيد أبنائها(75). غير أن المعضلة التي تكتنف التجاذب الحالي تتمثل -في جانب منها- في أن اللهجة المحلية قد وسعت الانتشار الإعلامي وقاعدة المشاركين فيه، أما جانبها الآخر فهو النقاش الدائر بخصوص ما إذا كان ازدياد استخدام الفرنسية والإنجليزية في اللغة اليومية سيؤدي إلى فئات جماهيرية منعزلة عن بعضها البعض.
خاتمة
يميل الجمهور الإذاعي في المغرب ميلًا طوعيًّا، إلى درجة كبيرة، للاستماع إلى البث الإذاعي، ومردُّ ذلك إلى المزايا الآنية التي يلمسها الجمهور في حياته اليومية، فضلًا عن مساحة حرية التعبير الجديدة في مجالات وثيقة الصلة بحياته. ومن ثم، يُنظَر إلى الخدمة الإذاعية من هذا المنطلق باعتبارها أكثر تمثيلًا للواقع المغربي وأيسر في التفاعل معه مقارنة بوسائل الإعلام الأخرى؛ وجاءت نظرية “الاستخدامات والإشباعات” لتكشف عن هذا الميل. وقد ركز المستجوبون على مشكلات المنظومة الصحية والشكاوى من أداء البلديات وضرورة تناولها. وبالرغم من المراقبة الوثيقة والقيود الملموسة التي تفرضها الهيئة العليا -والنظام السياسي بصفة عامة- على البث الإذاعي، إلا أنه أضحى منصة للمشاركة في نظر شريحة مهمة من سائقي السيارات لتناول الوضع الاجتماعي بلسان ناقد، وهذه حقيقة جلية لاسيما عند مقارنة الوضع الإذاعي الحالي بنظيره في الماضي. وترتيبًا على ذلك، فإن صناعة الإذاعة في المغرب تنهض بدور المرآة الكاشفة للأوضاع السياسية والاجتماعية الاقتصادية في بيئة تخضع لرقابة شديدة ومركزية قوية، لكنها ليست جامدة. لذلك يمكن اعتبار الإذاعة من “المقاييس المسموح بها لقياس حرارة المشاعر تجاه قطاعات الحكومة والإدارة المعطلة”(76)، وهذا التشبيه مستقى من وثيقة الرؤية التي تصف الدور الذي قررته لنفسها صحيفة “تشالنج” التابعة لمجموعة “إيكو ميديا” التي تملك أيضًا إذاعة “إم إف إم” واسعة الانتشار. وهكذا، تقدم المحطات الإذاعية نظرات نافذة حيال كيفية قيام النظام واقتصاده السياسي باستدامة الوفاق في المجتمع، وذلك بالنظر إلى حصص الجمهور الجامدة من البث الإذاعي والتليفزيوني الرسمي. كما تكشف تلك المحطات أن السماح بمساحة من الحرية، مع إفساح المجال لشبكات الأعمال اللصيقة لاغتنام فرص جديدة لاستدرار الدخل، قد أدى إلى توسيع قطاع البث الإذاعي الخاص وحبَّبه إلى العامة(77).
وبناء على ذلك، فليس من قبيل المصادفة أن صرَّح وزير الاتصال السابق، مصطفى الخلفي، بعدم وضوح الحدود بين مهام الإذاعة الخاصة والرسمية، بمعنى أن المحطات الخاصة تستنهض الدور الخدمي لنظيراتها الرسمية(78). وهذا التحول في الفضاء الإعلامي الخاص والرسمي يقتضي بحوثًا إضافية من حيث الصيغ الجديدة للمواطنة التي باتت موضع تجاذب وإضافة بين المستمعين والمحطات الإذاعية.
بيد أن انعدام الثقة تجاه المشهد الإعلامي لا يزال قائمًا، فالبرامج الترفيهية والموسيقية تسيطر على البث الإذاعي، كما أن صياغة حوار سياسي نقدي مباشر لا يزال أمرًا مستعصيًا، علاوة على أن شبكة الإنترنت قد أضحت أداة جديدة لاستضافة البث الإذاعي؛ علمًا بأن الإنترنت بات يشكِّل مساحة محورية يقصدها الجمهور لإبداء أصوات بديلة تتجاوز القيود التنظيمية التي تفرضها الهيئة العليا، وهو ما يعني أن مختلف الشرائح الاجتماعية، لاسيما أوساط الشباب، ستتعامل رقميًّا لبناء طبقاتها الجماهيرية والشعبية. وهؤلاء الشباب أنفسهم -ممن لا يثقون في وسائل الإعلام الرئيسة والسياسات العامة- هم من يصوغون مضمون ما تبثه المحطات الإذاعية عبر شبكة الإنترنت؛ مثل إذاعة “سايس”(79) في فاس، التي تغطي القضايا اليومية السياسية والاجتماعية الاقتصادية بالمدينة وفي البلاد على وجه العموم. وبالمثل، تبث الأحزاب السياسية -مثل حزب العدالة والتنمية- محطات إذاعية إلكترونية خلال الحملات الانتخابية(80). أي إن شبكة الإنترنت والتقنيات الحديثة -التي لم تخضع لسطوة التنظيم الرقابي حتى الآن- تمثل فضاء هائلًا للتفاعل المجتمعي، لكن الحكومة لم يفتها ذلك؛ فقد صرح وزير الاتصال السابق خلال مقابلة معه بأن التحدي الأكبر لوسائل الإعلام المغربية هو ذلك الفضاء الإلكتروني، مقررًا أنه مسألة لابد من التعامل معها في الفترة المقبلة لأن قانون الصحافة وقانون الاتصال السمعي البصري يستوجبان التعديل بمقتضى أحكام الدستور الجديد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*علي سوناي، قسم العلوم السياسية والدراسات الدولية، جامعة كامبريدج، إيرلانجن بألمانيا.
مراجع
(1) Azzadine Layachi, “Morocco: Keeping Revolution at Bay with an Enhanced Status Quo,” In North African Politics: Change and Continuity, eds. Yahia Zoubir and Gregory White, (Abingdon: Routledge, 2016), 210–224.
– Laura Feliu, and Parejo Ma Angustias, “Morocco: The Reinvention of an Authoritarian System,” In Political Regimes in the Arab World: Society and the Exercise of Power, ed. Ferran Izquierdo Brichs, (London: Routledge, 2013), 70–99.
(2) Michael J. Willis, Politics and Power in the Maghreb. Algeria, Tunisia and Morocco from Independence to the Arab Spring (Oxford: Oxford University Press, 2012).
– Abdeslam Maghraoui, “Depoliticization in Morocco,” Journal of Democracy, 13 (4), (2002): 24–32.
– Abdeslam Maghraoui, “The Perverse Effect of Good Governance: Lessons from Morocco,” Middle East Policy, 19 (2), (2012): 49–65.
(3)Willis, Politics and Power in the Maghreb. Algeria, Tunisia and Morocco from Independence to the Arab Spring, 365-336.
(4) Abdelfettah Benchenna, Driss Ksikes, and Dominique Marchetti, “The Media in Morocco: A highly Political Economy, The Case of the Paper and On-line Press since the Early 1990s,” The Journal of North African Studies 22 (3), (2017), doi:10.1080/13629387.2017.1307906.
(5) James N. Sater, Civil Society and Political Change in Morocco (London: Routledge, 2007).
– Zaid Bouziane and Mohamed Ibahrine, “Mapping Digital Media. Morocco,” Open Society Foundations Report, June 2011, “accessed September 12, 2016. https://osf.to/2wSFVTi.
(6) Zaid Bouziane, “Public Service Broadcasting Structure and Performance in Morocco and the MENA Region,” In Public Service Media Initiatives in the Global South, (2016), eds. A. Rahman & G. F. Lowe. “accessed September 30, 2016”. https://bit.ly/2KMUOyH.
– Zaid Bouziane, “Internet and Democracy in Morocco: A Force for Change and an Instrument for Repression,” Global Media and Communication, 12 (1), (2016): 49–66.
(7) Zayani Mohamed, “Arab Media, Political Stagnation, and Civil Engagement: Reflections on the Eve of the Arab Spring,” In Media Evolution on the Eve of the Arab Spring, eds. L. Hudson, A. Iskandar, and M. Kirk, (London: Palgrave Macmillan, 2013), 15–28.
(8) Ksikes Driss, “Chronique de Liens Contrastés entre Médias et Pouvoirs au Maroc,” Economia, July 16, 2015, “accessed September 13, 2016”. https://bit.ly/2IFhaiP.
(9) Ibid.
(10) 10Ibid.
(11) Zaid Bouziane, “The Authoritarian Trap in State/Media Structures in Morocco’s Political Transition,” The Journal of North African Studies, 22 (3), (2017). doi:10.1080/13629387.2017.1307910.
(12) Samia Errazzouki, “Under Watchful Eyes: Internet Surveillance and Citizen Media in Morocco, the Case of Mamfakinch,” The Journal of North African Studies 22 (3), (2017).
doi:10.1080/13629387.2017.1307907.
(13) Edward C. Pease and Everette E. Dennis, Radio: The Forgotten Medium (New Brunswick, NJ: Transaction, 1995).
– Guy Starkey, Radio in Context (Basingstoke: Palgrave Macmillan, 2014).
(14) Andrew Dubber, Radio in the Digital Age (Cambridge: Polity, 2013).
– Jason Loviglio and Michele Hilmes, eds. Radio’s New Wave: Audio in the Digital Age (London: Routledge, 2013).
– John Nathan Anderson, Radio’s Digital Dilemma: Broadcasting in the Twenty-first Century (New York: Routledge, 2014).
(15) William A. Richter, Radio: A Complete Guide to the Industry (New York: P. Lang, 2006).
– Douglas A. Ferguson, Clark F. Greer, and Michael E. Reardon, “Uses and Gratifications of MP3 Players by College Students: Are IPods More Popular Than Radio?” Journal of Radio Studies 14 (2), (2007): 102–121. doi:10.1080/10955040701583197.
(16) Sundar S. Shyam and Anthony M. Limperos, “Uses and Grats 2.0: New Gratifications for New Media,” Journal of Broadcasting & Electronic Media, 57 (4), (2013), 506.
doi:10.1080/08838151.2013.845827.
(17) Ibid, 507.
(18) Ferguson and Greer, Reardon, “Uses and Gratifications of MP3 Players by College Students: Are IPods More Popular Than Radio?,” 104.
(19) Bouziane and Ibahrine, “Mapping Digital Media. Morocco,” 23.
(20) Ibid, 7.
– Andrew R. Smith and Fadoua Loudiy, “Testing the Red Lines: On the Liberalization of Speech in Morocco,” Human Rights Quarterly 27, (2005): 1069–1119.
doi:10.1353/hrq.2005.0042
(21) Aarab Issiali, “Liberalization of the Moroccan Broadcasting Sector: Breakthroughs and Limitations,” In National Broadcasting and State Policy in Arab Countries, ed. Tourya Guaaybess, (London: Palgrave Macmillan, 2013), 134.
(22) Ahmed Hidass, “Radio and Television in Morocco: New Regulation and Licensing for Private Channels,” Journal of Arab & Muslim Media Research, 3 (1–2), (2010): 24.
doi:10.1386/jammr.3.1-2.19_1.
(23) 239 Ibid, 24.
(24) Ibid, 24-25.
(25) Ibid, 24.
(26) Bouziane and Ibahrine, “Mapping Digital Media. Morocco,” 63.
(27) Hidass, “Radio and Television in Morocco: New Regulation and Licensing for Private Channels,”25.
(28) – مقابلة خاصة أجراها الباحث مع ممثل لإذاعة “شدى إف إم”، 21 أبريل/نيسان 2016، الدار البيضاء.
Marwan Kraidy, Reality Television and Arab Politics: Contention in Public Life (Cambridge: Cambridge University Press, 2010), 23.
(29) مقابلة خاصة أجراها الباحث مع إدارة البرامج الدولية بالشركة الوطنية، 26 مايو/أيار 2016، الرباط.
– Bouziane and Ibahrine, “Mapping Digital Media. Morocco,” 6.
– Mohamed Zayani, “Arab Media, Political Stagnation, and Civil Engagement: Reflections on the Eve of the Arab Spring,” in Media Evolution on the Eve of the Arab Spring, eds. L. Hudson, A. Iskandar, and M. Kirk, (London: Palgrave Macmillan, 2013), 16–17.
(30) Hidass, “Radio and Television in Morocco: New Regulation and Licensing for Private Channels,”30.
(31) James N. Sater, Civil Society and Political Change in Morocco (London: Routledge, 2007), 64-65.
(32) Myriam Catusse, “Morocco’s Political Economy,” Archive Ouverte en Sciences de L’Homme et de la Société (HAL), April 11, 201, https://halshs.archives-ouvertes.fr/halshs-00553994.
(33) Michael J. Willis, Politics and Power in the Maghreb. Algeria, Tunisia and Morocco from Independence to the Arab Spring (Oxford: Oxford University Press, 2012), 140-143.
(34) Hidass, “Radio and Television in Morocco: New Regulation and Licensing for Private Channels,”28.
(35) Ibid, 21.
– Abdeslam Maghraoui, “Depoliticization in Morocco,” Journal of Democracy 13 (4), (2002): 24–32.
(36) Béatrice Hibou and Mohamed Tozy, “De la Friture sur la Ligne des Réformes. La Libéralisation des Télécommunications au Maroc,” Critique Internationale 14 (1), (2002): 91–118.
(37) Jill Campaiola, “The Moroccan Media Field: An Analysis of Elite Hybridity in Television and Film Institutions,” Communication, Culture & Critique 7, (2014): 497. doi:10.1111/cccr.12062.
(38) Bruce Maddy-Weitzman and Daniel Zisenwine, Contemporary Morocco: State, Politics and Society under Mohammmed VI (London: Routledge, 2013), 6.
(39) Moshe Gershovich, “The ‘New Press’ and Free Speech under Mohammed VI,” in Contemporary Morocco: State, Politics and Society under Mohammmed VI, eds. Maddy-Weitzman Bruce and Daniel Zisenwine, (London: Routledge, 2013), 94–100.
(40) Ali Al-Bahi, “Al-Ida’aat al-Khassa fi al-Maghrib: Al-Waqi’ – al-Tahaddiyyat – al-Tawsiyyat” [The Private Radio Stations in Morocco: Facts – Challenges – Recommendations]. Al-Markaz al-Maghribi li-l-Dirasaat wa-l-Abhaath al-Mu’aasira [The Moroccan Centre for Contemporary Studies and Research] Rabat: Top Press, (2012).
(41) Issiali, “Liberalization of the Moroccan Broadcasting Sector,” 137.
(42) Hidass, “Radio and Television in Morocco: New Regulation and Licensing for Private Channels,”29.
(43) تلك المحطات الإذاعية هي إذاعة “ميدي 1” وإذاعة “ميد” راديو (برامجها مخصصة لتناول الحياة المحلية المؤسسية)، وإذاعة “أصوات” وإذاعة “هيت” وإذاعة “لوكس” وإذاعة “مارس” (برامجها مخصصة لتناول الشأن الرياضي)، وإذاعة “مدينة” (برامجها مخصصة للتركيز على الشؤون الريفية والفلاحية)، وإذاعة “إم إف إم” (برامجها مخصصة للتقارب مع الجمهور من خلال تناول المشكلات المحلية)، وإذاعة “شدى” وإذاعة “كاب” وإذاعة “أطلنتيك” وإذاعة “بلوس” وإذاعة “سوا”. محطتا “إم إف إم” و”بلوس” إقليميتان ولديهما الكثير من الفروع.
(44) Tourya Guaaybess, “L’audiovisuel public marocain, à la croisée des chemins?,” Ina Global, September 22, 2015.https://bit.ly/31ERkEr.
(45) مقابلة خاصة أجراها الباحث مع إدارة مراقبة البرامج بالهيئة العليا (أ)، 26 مايو/أيار 2016، الرباط.
(46) Campaiola, “The Moroccan Media Field: An Analysis of Elite Hybridity in Television and Film Institutions,” 496.
(47) Hidass, “Radio and Television in Morocco: New Regulation and Licensing for Private Channels,”30.
(48) تشمل إدارة الشؤون الإدارية والمالية، وإدارة الدراسات والتطوير، وإدارة مراقبة البرامج، وإدارة البنى التحتية الفنية والاستطلاع التقني، وإدارة الشؤون القانونية. موقع الهيئة العليا، (تاريخ الدخول: 2 سبتمبر/أيلول 2016): http://www.haca.ma/eng/indexEn.jsp
(49) مقابلة خاصة أجراها الباحث مع إدارة مراقبة البرامج بالهيئة العليا، 26 مايو/أيار 2016، الرباط.
(50) Hidass, “Radio and Television in Morocco: New Regulation and Licensing for Private Channels,”.
– Issiali, “Liberalization of the Moroccan Broadcasting Sector,”.
(51) Al-Bahi, “Al-Ida’aat al-Khassa fi al-Maghrib: Al-Waqi’ – al-Tahaddiyyat – al-Tawsiyyat,” 47-60.
(52) مقابلة خاصة أجراها الباحث مع مستشار إعلامي ومذيع بإذاعة “إم إف إم”، 18 أبريل/نيسان 2016، الرباط.
(53) Abdelfettah Benchenna, Driss Ksikes and Dominique Marchetti, “The Media in Morocco: A highly Political Economy, The Case of the Paper and On-line Press since the Early 1990s,” The Journal of North African Studies 22 (3), (2017). doi:10.1080/13629387.2017.1307906.
(54) Kraidy, Reality Television and Arab Politics: Contention in Public Life, 28.
(55) محمد لديب، “الخلفي وناجي يتقاذفان مسؤولية غياب قنوات تلفزية خاصة بالمغرب”، هسبريس، 17 مايو/أيار 2016، (تاريخ الدخول: 13 سبتمبر/أيلول 2016)،https://bit.ly/2L1VvE7.
(56) مقابلة خاصة أجراها الباحث مع ممثل إذاعة “شدى إف إم”، 21 أبريل/نيسان 2016، الدار البيضاء.
(57) التقرير الأممي (HDR)، 2015، ص 3.
(58) المرجع السابق، ص 4-5.
(59) المرجع السابق، ص 7.
(60) مقابلة خاصة أجراها الباحث مع إدارة مراقبة البرامج لدى الهيئة العليا، 26 مايو/أيار 2016، الرباط.
(61) Campaiola, “The Moroccan Media Field: An Analysis of Elite Hybridity in Television and Film Institutions,” 407.
(62) مقابلة خاصة أجراها الباحث مع مصطفى الخلفي، وزير الاتصال السابق، 28 يونيو/حزيران 2016، الرباط.
(63) Guaaybess, “L’audiovisuel public marocain, à la croisée des chemins?,”.
(64) Centre Interprofessionel d’Audimetrie, “Communiqué de Presse Chiffres clés d’audience TV (Mensuel),” Du 02 au 29 Janvier 2017, accessed July 22, 2016. http://www.ciaumed.ma/telechargements?view=xitem.
(65) Moshe Gershovich, “The ‘New Press’ and Free Speech under Mohammed VI,” in Contemporary Morocco: State, Politics and Society under Mohammmed VI, eds. Maddy-Weitzman Bruce and Daniel Zisenwine, (London: Routledge, 2013), 104.
(66) تقرير الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، (2016)، ص 15.
(67) مقابلة خاصة أجراها الباحث مع إدارة الرقابة على البرامج بالهيئة العليا، 26 مايو/أيار 2016، الرباط.
(68) مقابلة خاصة أجراها الباحث مع سائق أجرة، 29 أبريل/نيسان 2016، فاس.
(69) مقابلة خاصة أجراها الباحث مع سائق أجرة، 2 مايو/أيار 2016، فاس.
(70) مقابلة خاصة أجراها الباحث مع سائق أجرة، 24 مايو/أيار 2016، الرباط.
(71) مقابلة خاصة أجراها الباحث مع سائق أجرة، 10 مايو/أيار 2016، فاس.
(72) مقابلة خاصة أجراها الباحث مع سائق أجرة، أبريل/نيسان 2016، فاس والرباط.
(73) لمزيد من المعلومات، شاهد حلقة البرنامج على موقع يوتيوب، (تاريخ الدخول: 28 سبتمبر/أيلول 2016)، https://bit.ly/2IsH1Mb.
(74) لمزيد من المعلومات، شاهد حلقة البرنامج على يوتيوب، (تاريخ الدخول: 14 سبتمبر/أيلول 2016)، https://www.youtube.com/watch?v=3bqt2bZDOGQ
(75) Iddins, Annemarie. 2015. “Debating Darija: Telquel and Language Politics in Modern Morocco.” Media, Culture & Society 37 (2): 288–301. doi:10.1177/0163443714560133.
(76) Al Andaloussi, A. “Radios Indépendantes: 10 Ans de Responsabilité Citoyenne,” Challenge: L’Hebdo Marocain des Decideurs, no. 558, May 20–26, (2016): 22–24.
(77) Driss, “Chronique de Liens Contrastés entre Médias et Pouvoirs au Maroc”.
(78) مقابلة خاصة أجراها الباحث مع مصطفى الخلفي، وزير الاتصال السابق، 28 يونيو/حزيران 2016، الرباط.
(79) مقابلة خاصة أجراها الباحث مع إذاعة “سايس فاس”، 24 أبريل/نيسان 2016، فاس.
(80) لمزيد من المعلومات راجع: موقع حزب العدالة والتنمية على شبكة الإنترنت http://www.pjd.ma.
رابط المصدر:
http://studies.aljazeera.net/ar/mediastudies/2019/07/190701110357365.html