فرزين نديمي
في السادس من كانون الأول/ديسمبر، اجتمع مبعوثو الأطراف المتبقية ضمن «خطة العمل الشاملة المشتركة» مع ممثلين إيرانيين في فيينا لمناقشة أحدث خطوات اتخذتها طهران منتهكةً الاتفاق النووي. وفي حين عجز الممثلون الأوروبيون – المنحدرون من بريطانيا وفرنسا وألمانيا – عن إطلاق آلية الرد بقسوة من خلال العودة المفاجئة لعقوبات الأمم المتحدة، فقد أعربوا عن “مخاوف جديةً” بشأن القرارات التي اتخذتها طهران في الآونة الأخيرة، ودعوا النظام إلى تجنب أي “خطوات تصعيدية إضافية”، كما أشاروا إلى أنه عليه التقيّد بالكامل بالأحكام التي تنص عليها «خطة العمل الشاملة المشتركة» والتي تشمل وضع قيود على تطوير الصواريخ الباليستية ذات القدرة النووية. والأهم أن هذا الاجتماع كان الأول الذي تعقده لجنة «خطة العمل الشاملة المشتركة» منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق في أيار/مايو 2018، ومنذ أن سلط الأعضاء الأوروبيون الضوء على قضية الصواريخ أمام المجتمع الدولي في الشهر الماضي.
وفي 21 تشرين الثاني/نوفمبر، قدّم سفراء بريطانيا وفرنسا وألمانيا كتاباً إلى الأمين العام للأمم المتحدة أعربوا فيه عن قلقهم الكبير من أن تكون إيران قد طوّرت بشكل “محتمل” أو “فعلي” صواريخ ذات قدرة نووية. كما طلبوا منه إعلان برنامج البلاد للصواريخ الباليستية “مخالفاً” لقرار “مجلس الأمن الدولي” رقم 2231. ومن جملة الأسباب الأخرى، ذكروا تعريف “نظام تحكم تكنولوجيا القذائف” ومفاده أن صاروخاً قادراً على حمل شحنة متفجرة بوزن 500 كيلوغرام إلى مدى ما لا يقل عن 300 كيلومتر قادر بطبيعته على إيصال رأس حربي ذات قدرة نووية، علماً بأن صاروخ “شهاب-3” المتوسط المدى الذي صنعته إيران يتخطى هذه المعايير.
بالإضافة إلى ذلك، شدّد الكتاب على المخاوف المستمرة لأن برنامجي الصواريخ الباليستية والمركبات الفضائية الإيرانيين يتشاركان العديد من أوجه التشابه التكنولوجية. وختم الكتاب أن إطلاق المركبة الفضائية “سفير” مخالفاً أيضاً لأحكام «خطة العمل الشاملة المشتركة» التي تحظر الأنشطة المرتبطة بالصواريخ “القادرة على حمل أسلحة نووية”.
وفي 4 كانون الأول/ديسمبر، أرسل ممثل إيران الدائم لدى الأمم المتحدة ماجد تخت رافانشي اعتراضاً إلى الأمين العام ورئيس مجلس الأمن الدولي على السواء. وبعد رفض الكتاب الأوروبي، وإشاراته إلى “نظام تحكم تكنولوجيا القذائف” غير الملزم، وادعاء أن برنامجي إيران للصواريخ وإطلاق المركبات الفضائية مترابطان، أعاد رافانشي التشديد على وجهة النظر القائلة بأن صواريخ إيران “مصممة لتكون قادرة حصراً على حمل رؤوس حربية تقليدية”. ومن ثم طلب من الأمين العام عدم التطرق إلى “أنشطة مماثلة لا تتصل بالموضوع” في تقريره المقبل.
ما الذي أثار الكتاب الذي أرسلته أوروبا
بدأت الأطراف الأوروبية ضمن «خطة العمل الشاملة المشتركة» ترفع صوتها بشأن أنشطة إيران الصاروخية بحديّة أكبر بعدما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق في عام 2018. وبحلول نيسان/أبريل 2019، كانت تطلب تقريراً أممياً كاملاً عن هذه المسألة بعد سلسلة عمليات إيرانية لإطلاق المركبات الفضائية والكشف عن صواريخ في وقت سابق من هذا العام، وهو نهج اعتبرته مخالفاً لقرار “مجلس الأمن الدولي” رقم 2231.
غير أن نمط الانتهاكات الإيرانية المحتملة ليس بجديد عموماً – في تشرين الأول/أكتوبر 2015، بعد بضعة أشهر على اتفاق الأطراف على «خطة العمل الشاملة المشتركة»، اختبرت طهران صاروخها الباليستي الأكثر تطوراً الذي يحمل اسم “عماد” مع جزء راجع مجنح مسيّر وبمدى يناهز 1700 كلم. وفي ذلك الوقت، تمّ تفسير هذه الخطوة على أنها إنجاز تقني يهدف إلى تعزيز ثبات الجزء الراجع والرأس الحربي للصاروخ والقدرة على تسييرهما ودقتهما.
وقد أشار الكتاب الأوروبي المرسل في 21 تشرين الثاني/نوفمبر بشكل خاص إلى أن “مقطعاً مصوراً بدون تاريخ تمّ نشره على وسائل التواصل الاجتماعي في 22 نيسان/أبريل 2019… يكشف رحلة اختبارية لم يتمّ نشرها سابقاً لنوع جديد من صواريخ “شهاب-3″ الباليستية متوسطة المدى مجهز بمركبة عائدة مسيرة” – وهو إنجاز يسمح لإيران بصناعة صواريخ أكثر دقة وتطوير مخزونها الحالي. ومن المعلوم أن طهران كانت تطور الأجزاء العائدة المسيرة لسنوات، وأبرزها تشكيلة صاروخ “عماد” الذي تمّ اختباره في عام 2015 وعُرض داخل قاعدة تحت الأرض في كانون الثاني/يناير 2016، فيما بدا أنه تشكيلة عملياتية.
وبعد عدة أيام على اختبار “عماد”، وصفت إدارة أوباما المركبة بأنها “قادرة بحد ذاتها على حمل سلاح نووي”. وبعد شهرين، أصدر فريق من خبراء العقوبات في “مجلس الأمن ” تقريراً سرياً خلص إلى الاستنتاج نفسه، وأشار إلى أن صاروخ “عماد” هو انتهاك لقرار “مجلس الأمن” رقم 1929 الذي كان لا يزال ملزماً في ذلك الوقت. لكن الاختبار لم يشكل “انتهاكاً تقنياً” لأحكام «خطة العمل الشاملة المشتركة» التي كانت لا تزال ناشئة في حينه، وفي نهاية المطاف كانت الدعوات الأمريكية-الأوروبية إلى لجنة العقوبات في الأمم المتحدة للردّ على هذه المسألة محدودة.
ولكن مرة أخرى يعتبر الخبراء أن صاروخ “شهاب-3” الأصلي غير المطور يملك قدرات نووية، بما أنه نسخة من صاروخ “نودونغ” الكوري الشمالي (المعروف باسم هواسونغ-7). وتماماً كصاروخ “غوري” الباكستاني المنحدر من السلسة ذاتها، تعتقد منظمات الاستخبارات الغربية أن “نودونغ” قادراً على حمل رأس حربي نووي.
تهديد صاروخ “خرمشهر”
لم يأتِ الكتاب الأوروبي على ذكر تطوير إيران لصاروخ “خرمشهر“ أرض-أرض، الذي قد قد يكون أكثر إثارة للقلق. فبعد كشف النقاب عنه للمرة الأولى في عام 2017، تردد أنه يتميز بقدرات راسخة أكثر من الأنظمة الإيرانية الأخرى، على غرار حمل رأس حربي واحد بوزن 1800 كيلوغرام أو ثلاثة رؤوس حربية أصغر حجماً بوزن 600 كيلوغرام على مدى 2000 كلم. كما ذُكر أن صاروخ “خرمشهر” تضمن جزءاً عائداً مسيراً. وفي 3 تشرين الثاني/نوفمبر، نشرت إيران بشكل غير رسمي صورة لهذا الصاروخ مع نمط طلاء تمويهي جديد، لربما من أجل الإيحاء بأنه وضع في الخدمة. ومهما يكن، اعتبر مهندسو الصواريخ أن هذا التصميم هو الصاروخ الباليستي الإيراني الأكثر قدرة عندما يتعلق الأمر باحتمال حمل رأس حربي نووي.
وعلى الرغم من هذه السلسلة الواضحة للغاية من التقدم والشكوك اللاحقة، إلّا أن «خطة العمل الشاملة المشتركة» لا توفر أي آليات للتحقق بغية ضمان إبقاء أعمال بحث وتطوير الصواريخ في إيران ضمن الحدود المتفق عليها. علاوةً على ذلك، لم تنجح المناورات الدبلوماسية حتى الآن بثني النظام عن مواصلة تطبيق برنامجي الصواريخ الباليستية وإطلاق المركبات الفضائية، كما لفت رافانشي في الكتاب الذي أرسله في 4 كانون الأول/ديسمبر إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والذي تعهد فيه بأن “تواصل إيران بعزم” كافة الأنشطة المرتبطة بهذين النوعين من الصواريخ.
وبالفعل، عندما حدّد المرشد الأعلى علي خامنئي إطار عمل صارم يقوم على “رفض المفاوضات” ليتقيّد به السياسيون الإيرانيون خلال تعاملهم مع الولايات المتحدة في خطاب أدلى به في 3 تشرين الثاني/نوفمبر، حظر بالتحديد أي محادثات بشأن تحديد نطاق ترسانة الصواريخ أو خصائصها الأخرى. كما افتخر بأن الصواريخ الإيرانية الحالية “قادرة على حمل رأس حربي بوزن 2000 [كيلوغرام] على مدى 2000 كلم بدقة تصل إلى متر واحد”.
الخاتمة
بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة»، سيتمّ رفع القيود المفروضة على تصدير إيران للأسلحة واستيرادها في تشرين الأول/أكتوبر 2020. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قد حثت الأمم المتحدة على إبقاء الحظر على توريد الأسلحة لفترة أطول، إلا أن الأمر سيستلزم جهداً دولياً – يشمل روسيا والصين – لمنع انتشار الأسلحة الإيرانية للدمار الشامل المحتملة في المنطقة بفعالية بعد هذا التاريخ. وحتماً إن الكتاب الذي أرسلته أوروبا مؤخراً وغيرها من الإجراءات مرحباً بها، لكن من الضروري وجود مساعي متابعة متسقة، ويجب أن تستند كل خطوة إلى أحدث المعلومات الممكنة. على الولايات المتحدة أيضاً أن تطلب من الأمين العام للأمم المتحدة الإبلاغ بالكامل عن نشاط إيران المتعلق بالصواريخ الموجهة واستعمال الطائرات بدون طيار كذخائر (ولا يشمل هذا النشاط الأخير أي قرار خاص بإيران، كما أن الملحق ب من قرار مجلس الأمن رقم 2231 لا يدعو النظام الإيراني إلى الامتناع عن أي أنشطة لقذائف انسيابية [لصواريخ كروز]).
وعلى نطاق أوسع، يجب أن ينصب التركيز مجدداً على واقع أن الصواريخ الباليستية والموجهة تعتبر من أسلحة الدمار الشامل، بغض النظر عن أي ادعاءات تنافسية حول ما إذا كانت صواريخ إيران مصممة لتحمل رؤوساً حربية نووية أو تقليدية. فموضوع الصواريخ الإيرانية يرتبط بالنوايا بقدر ارتباطه بالمواصفات التقنية، وقد أظهر النظام عدة مرات استعداده لخوض لعبة محصلتها صفر ضد ضد أعدائه المتصورين، إن لم يكن العالم.
رابط المصدر: