ممثل المرجعية الدينية في الدولة العراقية

بهاء النجار

بين الحين والآخر نرى إطلالة للمرجعية الدينية المباركة أو لمعتمديها تبين لنا موقفاً تجاه قضية مصيرية تمس حياة المواطن ، أو توجه الانتقاد الى أداء مسؤول معين على تصرف خاطئ ، أو تعطي رأياً وتوجيهاً للحكومة كي تصحح من مسيرها وتكون بذلك قريبة من الله ومن الناس ، وهنا يُطرح سؤال : كيف تعرف المرجعية الدينية ما يحصل في الأروقة الحكومية أو البرلمانية فتنتقده أو تبين له الصواب ؟ لأن انتقاد شخص أو جهة يحتاج الى إلمام بحيثيات الأمور المحيطة بذلك الشخص أو تلك الجهة حتى يكون الانتقاد في محله ، خاصة وأن الانتقاد صادر من جهة دينية هي الأرفع من أن تمس شخصاً أو جهة بظلم من دون الحصول على تفاصيل دقيقة تمكنها من الانتقاد أو تقديم النصح والإرشادات إليها .
فإذا قلنا أن للمرجعية مستشارين في مجالات عدة يزودوها بتقارير تمكنها من اتخاذ موقف معين ضد مسؤول أو دعماً له ، فهذا الأمر وإن كان وارداً إلا أن المستشارين بأي حال من الأحوال فهم يحللون من ما يتسرب من الغرف المظلمة للسياسيين ، وهؤلاء المستشارون ليسوا ضمن المطبخ الذي يُطبخ فيه القرار السياسي ، وبالتالي فتحليل المستشارين يعطي جزءً من الصورة ولا يعطي الصورة كلها لأنه مبني على تخمينات وتوقعات ممزوجة بخبرة وخلفية علمية ، ولا نتوقع أن تتبنى المرجعية الدينية موقفاً مصيرياً بناءً على توقعات واستنتاجات حتى لو كانت لخبراء لأنها ممكن أن تكون خاطئة وبالتالي سيكلف المرجعية سمعتها ومن قبل ذلك خسران رضا الباري عز وجل الذي لا يمكن لمؤمن أن يفرّط به .
قد يقول قائل للإجابة على هذا السؤال : أن للمرجعية ممثلين في الدولة العراقية فينقلون لها ما يدور في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب ، لأن كل جلسات مجلس الوزراء غير علنية وهناك جلسات للبرلمان سرية خاصة التي تتناول الجانب الأمني ، وهذه الإجابة وإن كانت تحل الإشكال إلا أنها بحاجة الى دليل ، فمن يمثل المرجعية الدينية في مجلس الوزراء ؟! ومن يمثلها في مجلس النواب ؟! وإذا أردنا أن نوسع الدائرة فنسأل من يمثلها في السلطة القضائية ؟ ومن يمثلها في باقي الهيئات المستقلة مثل النزاهة ومفوضية الانتخابات وغيرها ؟! وحتى لو فرضنا وجود ممثل للمرجعية في الجهاز التنفيذي و التشريعي فمن يمثلها في الحوارات السياسية التي على أساسها تُقرّ القوانين وتُرسم الخارطة السياسية للعراق ، وهذا بالتأكيد ليس من تفاصيل العمل السياسي وإنما يتعلق بمستقبل الأجيال اللاحقة بها ، وطالما تدخلت المرجعية في مثيلاتها من القضايا .
لأن الكل يعلم أن طيفاً واسعاً من المرجعيات الدينية تتجنب التدخل في العمل السياسي فكيف ترّشحت لنا هذه الإجابة ؟ فأي نائب وأي كتلة تمثل المرجعية الدينية في البرلمان وأغلب المرجعيات الدينية لم تتبن قائمة انتخابية معينة حتى نثبّت هذه الحقيقة ؟ ولم نسمع أن المرجعية الدينية يوماً ما أنها دعمت وزيراً معيناً حتى نقول أن هناك من يمثلها في مجلس الوزراء ، بل أننا نسمع دائماً أن المرجعية تقف على مسافة واحدة من الجميع وأنها فوق الميولات الحزبية ، وأن وظيفتها النصح والإرشاد وليس من وظيفتها التدخل في العمل السياسي ، بل رفضت أن يدخل أحد وكلائها في العمل السياسي .
ونحن هنا عندما نتحدث عن المرجعية الدينية فنقصد الخط العام الذي يمثل أغلب المرجعيات الدينية وإلا فهناك من المرجعيات الدينية قد تدخلت بشكل كبير في العمل السياسي وتبنت قائمة انتخابية ودعمتها ولها بذلك ممثلون في البرلمان وفي مجلس الوزراء وربما في بعض مفاصل الدولة والهيئات المستقلة ، وبذلك فهي خارجة عن تساؤلنا لأن الإجابة لديها واضحة .
وربما يجيب آخر ويقول : إن بعض السياسيين والمسؤولين الذين يزورون المرجعية ينقلون لها مجمل ما يحدث في المطابخ السياسية والحكومية والبرلمانية ، وبالتالي تكون الصورة واضحة لدى المرجعية من خلال تلك الزيارات ، وهذه الإجابة مردودة من عدة زوايا :
– ليس كل المسؤولين الذين يزورون المرجعية موثوق بهم من قبلها ، بل لا يوجد مسؤول حكومي أو برلماني أو أي سياسي حاز على رضا المرجعية ، لأنه لم يثبت أن المرجعية قد دعمت أحداً من السياسيين أو مسؤولي الدولة أو وثّقت أحداً منهم .
– لا تكفي الزيارة لاستعراض تفاصيل عمل يمتد لأشهر ، لأن هذه الزيارات تكون كأدنى معدل في الشهر زيارة واحدة لمسؤول حكومي أو برلماني ، وهذا يعني أن كلاً من الجانب الحكومي والبرلماني يستعرض تفاصيل عدة شهر في زيارة لا تتجاوز النصف ساعة ، هذا فضلاً عن وجود فترة من الزمن لم يتم استقبال أي مسؤول من قبل المرجعية .
– لو قبلنا بهذه الإجابة فليس من المنطقي أن يعطي المرجع رأيه في قضايا قد تم نقاشها وإقرارها ، وإذا قلنا أن هؤلاء المسؤولين سيلتزمون بتعليمات المرجعية للمرحلة القادمة وليس السابقة ، فمن يضمن أن الظروف تبقى نفسها ، فلكل حادث حديث .

إن وجود ممثلين للمرجعية الدينية في مفاصل الدولة يساهم في إيصال صورة واضحة عن ما يجري في الدولة العراقية ويساعد المرجعية على الوقوف بوجه الفاسدين ودعم الصالحين والمطالبة بحقوق المظلومين ، فهناك من القضايا ما لا يمكن أن يُتخذ موقف بها إن لم يكن هناك ممثل للمرجعية يعيش الظروف المحيطة بتلك القضايا ، وللمثال لا الحصر ، فما حدث في ناظم التقسيم في أواخر نيسان 2015 من جدل من وقوع مجزرة مروعة أودت بحياة حوالي أكثر من 140 جندي عراقي ، فمثل هذه القضية لا يمكن للمرجعية أن تعتمد على رواية وزارة الدفاع لأنها جهة متهمة وتحاول أن تدفع التهمة عنها ، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن تقف مع من يقول بحصول الجريمة إلا بوجود اشخاص تثق بهم تؤكد وقوع تلك المجزرة ، وأما مع عدم وجود مثل أولئك الأشخاص لا يمكن للمرجعية أن تطالب بمظلومية أولئك الجنود – إن وقعت المجزرة بالفعل – كما لا يمكنها أن تسكت عنها لأنها دماء وأرواح أبرياء هبوا تلبية لنداء المرجعية .

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M