مفاتيح تفسيرية مبسطة للقرآن الكريم الحلقة السادسة

نتواصل في بيان المفاتيح التفسيرية للقرآن بشكل مبسط يناسب مستوانا العلمي :

– قتل الأنبياء :
قد يستبعد قرّاء القرآن أن يكونوا من قتلة الأنبياء على الأقل أنه لا يوجد نبي في عصرهم ليقتلوه ، ولكن القرآن نفسه الذي يقرأونه يخاطب اليهود الذين في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنهم يقتلون أنبياءهم ، فكيف يقتلون أنبياءهم ولا يوجد في عهدهم أي نبي منهم ؟! ولا نتوقع أن يكون القصد هو الآباء لأن الأبناء لا يزرون وزر الآباء ، لذا فإن قتل الأنبياء بتعطيل شرائعهم وتحريف سننهم ، فمن يعطل شريعة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد قتله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومن حرّف سننه وعطّل أحكامه فقد قتله أيضاً .
وتعطيل الشريعة يمكن أن يكون بعدة طرق قد تكون أبرزها عدم الاحتكام الى أحكامها وتركها واللجوء الى قوانين وضعية وضعها الإنسان ، وتحريف سنن الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم بإعطاء صورة منحرفة عنه صلى الله عليه وآله وسلم ، كما يفعل اليوم خوارج العصر داعش ومن قبلهم القاعدة وأفراخها .
وهنا لا بد من الالتفات الى أن قتل الشخص جسدياً أهون عند الله من قتله معنوياً بقتل مبادئه وتشويه منهجه ، بل قد يكون قتله جسدياً هو في مصلحة هذا الشخص حيث ستتبين مظلوميته وأحقية طريقته وسبيله ، أما القتل المعنوي الذي يستهدف سمعة الإنسان ودينه ومعتقده هو قتل للمبدأ والمنهج الذي يؤمن به ذلك الإنسان ، وكثير من الأنبياء سلام الله عليهم قد تم قتلهم خصوصاً أنبياء بني إسرائيل ولكن قتل مبادئهم كانت أبلغ ، لذلك فكثيرون يمكن أن يُشملوا بالآيات التي تخاطب قتلة الأنبياء نستجير بالله .

– العدو
عادة ما ينبهنا الفرآن الكريم من الأعداء الذين يحاولون أن يفتكوا بنا بعدة طرق ومختلف الوسائل كي لا يترك للعدو مجالاً للسيطرة علينا ، ولكن المشكلة أننا نفهم المقصود من العدو هو العدو الخارجي فقط أمثال داعش ومن قبلهم الأمريكان وصدام وما شابه ، ولكن النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بين لنا عدواً أخطر من هؤلاء وأشد فتكاً بنا ويسلتزم قوة تفوق القوة التي يتطلبها باقي الأعداء الخارجيين ، وجهاده أكبر عند الله من جهاد أولئك الخارجيين من الأعداء مع أهمية جهادهم ، وهذا العدو هو (النفس) ، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم : (أعدى أعدائك نفس التي بين جنبيك) فكل إنسان له عدو هي نفسه الأمارة بالسوء ولها طلبات لا تنتهي تسلك بالإنسان مسالك المهالك وتجعله عند ربه أهون هالك ، كثيرة العلل طويلة الأمل ، إن مسها الشر تجزع وإن مسها الخير تمنع ، ميالة لللعب واللهو مملوءة بالغفلة والسهو تسرع به الى الحوبة وتسوفه بالتوبة ، وغيرها من الصفات التي بينها الإمام السجاد عليه السلام في مناجة الشاكين من الصحيفة السجادية .
والاستسلام لهذا العدو يجر بالإنسان الى أن يكون عنصراً مضراً بالآخرين كصدام والأمريكان وداعش وأشباههم ، فلو تمكن كل إنسان من مسك زمام قيادة نفسه ومنعها من شهواتها لما ظهر عندنا طواغيت على مستوى الدول وعلى مستوى الأشخاص وعلى مستوى الفكر ، لأن كل إنسان عندها لا يطمع بالآخر لأن الطمع رذيلة من رذائل النفس الأمارة بالسوء فإن قضى عليها حصّن نفسه من الوقوع بشراك نفسه وجنّب الآخرين من تلك الصفة الذميمة ، ولعاش كل إنسان بخير وأمان مطمئناً لعدم وجود أي عدو .
وهذه السيطرة على النفس الأمارة بالسوء تجعل الإنسان محمياً حتى من الكوارث الطبيعية التي عادة ما تحدث بسبب ظلم الإنسان لنفسه وللآخرين ، كما تجعل ذلك الإنسان معطاءً محباً للآخرين مصلحاً لأحوالهم مرشداً إياهم لطريق الخير ، فكيف سيكون المجتمع لو أن كل إنسان كان محباً للآخرين ومعطاءً لهم ؟ وكم من مصلح لنفسه مجاهداً لها تنعّم مجتمعه بالخير الذي أفاضه ذلك على المصلح بسبب إصلاحه لنفسه ؟ هناك الكثير من الأمثلة على المصلحين خذ واحداً منهم وانظر الى أثر جهاد النفس على المجتمع .
مما تقدم نفهم أن اقتصار فهم مصطلح (العدو) في الآيات القرآنية على العدو الخارجي ظلم للقرآن وللدين ، إلا أن يكون هناك ما يثبت أن المقصود من هذه الكلمة هو العدو الخارجي حصراً .

– الطهارة
تكون الطهارة عادة مقدمة لعمل صالح لأهميتها وتأثيرها على ذلك العمل ، وقد امتدح الله المتطهرين في القرآن الكريم ، وللطهارة مصاديق منها الطهارة الظاهرية التي تعني تطهير الجسد و الملبس والمسكن من النجاسات الظاهرية ، وهذه الطهارة عادة تكون منقوصة ومحدودة في الوصول الى التكامل ، فمثلاً إذا توضأ شخص ليصلي ونظر نظرة ريبة الى إمرأة حتى إذا كانت زوجته ولكن بشهوة فإنها ستؤثر معنوياً على الصلاة ولكنها لا تؤثر فقهياً عليها ، وكذلك إذا كذّب ذلك المتطهر للصلاة أو اغتاب أو عمل أي عمل سيء فإن عمله هذا لا يؤثر على الصلاة من الناحية الفقهية النظرية ، ولكنها تؤثر على سلامة الصلاة وقبولها وجعلها معراجاً للمصلي .
كما أن الطهارة الظاهرية تتداخل مع النظافة ، فالبعض يفهم من الطهارة هي النظافة أو بالعكس يفهم النظافة هي الطهارة ، مع إنه من الناحية الشرعية لا ترابط بينهما ، فقد يكون الإنسان طاهراً ولكنه ليس بنظيف مثل عامل الخدمات أو عامل البناء وغيرهما ، وقد يكون الإنسان نظيفاً ولكنه ليس طاهراً كما لو كان شخص موظف في موقع متميز اجتماعياً ولكن تنجست ملابسه ببعض النجاسات مثل الدم وغيره ، لذا فإن هذا التداخل يلقي بظلاله على فهم الطهارة ، فقد يتصور النظيف أنه طاهر وقد يعتقد الطاهر أنه نظيف ، وهذا سينعكس سلباً على هذا المفهوم التكاملي العظيم ، كما يؤثر سلباً على الصورة المنعكسة عن المؤمنين .
بينما الطهارة المعنوية والروحية خالية من هذه الشوائب التي وجدناها في الطهارة الظاهرية ، فلا يوجد شيء إسمه (النظافة المعنوية) ولم يذكر القرآن النظافة أصلاً ليقصد الطهارة ، رغم أن النظافة أمر عقلائي مطلوب وهو مختص بالجانب المادي ، إضافة الى ذلك فإن الطهارة الروحية هي المطلوبة من الطهارة المادية ، ومن خلال الطهارة الروحية يمكن أن تكون صلاتنا وجميع أعمالنا مرقاة لنا ويمكن أن تكون مقبولة عند الله ، وعليه فإن اقتصار فهم (الطهارة) ومشتقاتها في القرآن على أنها الطهارة المادية أمر غير صحيح .

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M