– الصيام :
ونحن في شهر الصيام لا بد من معرفة الصيام من خلال القرآن لا من خلال الكتب الفقهية التي تتعامل مع أدنى مستوى الإيمان والإسلام ، فالقرآن يبين لنا أن ثمرة الصيام هو التقوى ، ومن دون تحصيل التقوى فهذا يعني أن صيامنا لم يكن وفق ما أراده الله جل شأنه ، والأحاديث والروايات الشريفة تذهب بنفس الاتجاه ، إذ يروى أن النبي صلى الله عليه وآله سمع امرأة تؤذي جيرانها وهي صائمة فأمر بإحضار الماء لها لأن لا فائدة في صيامها وهي بهذه الأخلاق ، مع إن إيذاء الجار ليس من المفطرات من الناحية الفقهية ولكنه مخالف للسالكين في طريق التقوى ، ومن هذه الرواية نفهم أن كل عمل يعرقل الوصل الى التقوى مرفوض من قبل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله ، وهذا الرفض ليس من الناحية الفقهية وإنما من الناحية الأخلاقية والتكاملية .
كما يروى عن المعصومين عليهم السلام ( من صام صامت جوارحه ) وهذا يعني أن الصيام الحقيقي هو صوم الجوارح ، وعدم صوم الجوارح لا يعد صياماً من الناحية الأخلاقية والتكاملية ، وصوم الجوارح هو الخطوة الأولى نحو التقوى التي يريد القرآن أن نصل إليها ، وهذا الصوم – أي صوم الجوارح – يفترض أن يكون مستكراً عند الإنسان المؤمن السالك لطريق التقوى ، بينما الصوم الفقهي ينتهي مع انتهاء شهر رمضان وبعض الأيام المستحبة .
وإذا ضممنا تفسير (الصبر) في قول الله عز وجل : ( واستعينوا بالصبر والصلاة ) بأنه الصيام والذي من الممكن أن نعتبره احد مصاديق الصبر في كل مورد من موارده في القرآن ، مع هذه الضميمة نفهم الصبر على أنه صوم الجوارح ، وأي مؤمن يريد أن يقترب من درجة التقوى عليه أن تصو جوارحه ويصبر على المعصية والطاعة والمصيبة فلكل منها درجة خاصة عند الله سبحانه وتعالى ، ويعضد هذا الفهم الرواية المروية عن المعصومين عليهم السلام ( الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد ) ، فإذا كان لم يكن للإيمان معنى بانعدام الصبر فكيف يكون للتقوى سبيل بفقدان الصبر .
– قواعد تفسيرية عامة :
هناك قواعد تفسيرية عامة يمكن أن تخدم القارئ الكريم للقرآن العظيم ، نذكر منها ما جاء في الآية 7 من سورة الحجرات (( ولكن الله حبب اليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكرّه اليكم الكفر والفسوق والعصيان )) ، فهذه ومثلها آيات كثيرة وحتى أحاديث شريفة تعطينا قاعدة تفسيرية تقييمية ، فحسب هذه الآية فإن الله جل وعلا حبّب الى المؤمنين الإيمان وزينه في قلوبهم ، وبالتالي فأي شخص يعتبر نفسه مؤمناً ولم يحب الإيمان – سواء بالمعنى العام أو الخاص – ولم يراه زينة في قلبه هل يمكن أن نقول عنه مؤمن بالمفهوم القرآني ؟! بالتأكيد لا ، ربما يكون مؤمناً بمقاييس أخرى ولكن وفق هذا المقياس القرآني فلا ، وهناك طبعاً مراتب للإيمان وفق هذا المعيار القرآني ، فكلما أحب الإنسان الإيمان ووجده زينة في قلبه أكثر كان إيمانه أبلغ وأعمق والعكس بالعكس ، والإيمان نفسه يتدرج فحب الإيمان العام – أي في العقائد والأصول – ليس كحب الإيمان بالمعنى الخاص كحب الفروع مثل العبادات ، فقد يكون الإنسان محباً للفروع وجزئيات الإيمان ولكنه يجد غضاضة في حبه للعقائد والأصول ، فهذا درجة إيمانه ليس كمن يكون حبه للإيمان العام .
والشطر الثاني من الآية ( وكرّه اليكم الكفر والفسوق والعصيان ) يوضح جانباً آخراً من هذا المعيار القرآني ، فمن يجد في نفسه رغبة وحب للكفر أو الفسوق وارتكاب المحارم وعصيان الله فيما يأمر فهذا لا يمكن أن نعتبره مؤمناً وفق هذا المعيار حتى وإن لم يفعلها ، وإن كان فعلها يؤكد حبه لهذه الصفات البذيئة ولكن مجرد حبه لها يخرجه من هذا التصنيف القرآني للمؤمن ، فالمؤمن يجب أن يجد في قلبه كراهة للكفر – أي على مستوى العقائد – والفسوق والعصيان فيما يخص الذنوب والمحرمات الأخرى ، وإذا لم يجد هذا الكره فعليه أن يروّض نفسه على ذلك وإلا سيحرم من هذه الدرجة الإيمانية ، وعليه أن يفتش عن أسباب حبه للكفر أو حبه للفسوق أو حبه للعصيان حتى يعالجها ويقضي عليه ، لأن هذا الكره ( وحتى حب الإيمان الذي تناولته الآية في الشطر الأول منها ) هو أمر فطري ومخالفته يدل على وجود موانع جاءت بسبب الغفلة والابتعاد عن الله وارتكاب المحارم .
وفق هذا الفهم للآيات يمكن أن نفهم كثيراً من الآيات ، حيث نقسّم الآية الى جزئين جزء أشبه بالشرط والجزء الآخر أشبه بجواب الشرط ، ففي الآية المتقدمة الجزء الأشبه بالشرط هو تحبيب الإيمان وتزيينه في القلوب ، والجزء الأشبه بجواب الشرط هو من كان مؤمناً حُبِّب الإيمان في قلبه وزيّن في قلبه ، فمن كان مؤمناً كان الإيمان محبباً الى قلبه ومزين في قلبه ، أما من لم يُحبَّب إليه الإيمان ولم يزيّن في قلبه فهذا ليس مؤمناً وفق معايير هذه الآية ، فحتى يكون الإنسان مؤمناً يجب أن يحقق شرطاً وهو أن يكون الإيمان محبباً إليه ومزين في قلبه .
وحسب هذا الفهم يمكننا أن نفهم أيضاً الروايات الشريفة والحكم المفيدة ، فمثلاً ( من أخلص لله أربعين صباحاً جرت الحكمة من قلبه على لسانه ) ، فمن حاول أن يخلص لله أربعين ولم تجرِ الحكمة من قلبه على لسانه فليعلم أنه لم يخلص حقيقة وبالدقة التي تريدها الرواية لله وإلا لو أخلص فعلاً لجرت الحكمة من قلبه على لسانه لأن الرواية صحيحة وصادرة من معصوم ، فإما أن نضرب الرواية أو أن نقبل بالمعادلة التي تنقلها ، فكل إخلاص لله أربعين صباحاً يقابله جريان الحكمة من القلب على لسان ، فإذا لم تجرِ الحكمة فالمشكلة في الإخلاص .
– التطفيف :
– المنافقين
– الفتح
– الفقه
– الفاسدون :
– الإنفاق