مرجعية الفاتيكان وسيناريو البابا في العراق

بهاء النجار

يكن العالم الاحترام لبابا الفاتيكان سواءً كشخص أو كمقام ، وهذا الاحترام ربما ناشئ من إيمان الشعوب بضروة وجود رمز ديني أو إيمانها بأن الدين مصدر للاحترام والتقديس والتبجيل ، وبصراحة لا أعرف تاريخياً كيف تولدت الكنيسة الكاثوليكية ولماذا أصبحت دولة رسمياً لها ممثلون دبلوماسيون في أغلب دول العالم ولماذا هي ضمن دولة ثانية وهي ايطاليا في مثال يندر أن نرى مثله في العالم ، ولكني أريد أن أناقش الوضع الحالي للفاتيكان ولباباها ، فهل كسب العالم شيئاً من هذا التقديس والتبجيل والاحترام ؟! هل أعطى البابا – شخصاً ومقاماً – بقدر ما أُعطي ؟!
من يتابع الفاتيكان ونشاطات البابا وزياراته يجد جلياً وواضحاً مدى انجذاب الناس إليه ، وفي زياراته يجد حفاوة الاستقبال على الصعيد الرسمي والشعبي والتغطية الإعلامية التي قد لا تضاهيها مثيلة إلا زيارات رئيس الولايات المتحدة الأمريكية كأكبر دول في العالم ، وهنا يأتي السؤال مرة أخرى وبصيغة ثانية : ماذا وجدوا وماذا كسبوا من البابا ومن الفاتيكان حتى يعطوه هذا المستوى العالي من الاحترام ؟!
إن بابا الفاتيكان في كلماته وفي القداس الذي يقوم به ( التي تماثل صلاة الجمعة او الجماعة لدى المسلمين ) في أي مكان يطرح أموراً عامة ومهمة مثل السلام والحب والطمأنية والخير ، وهذه دعوات نبيلة ينجذب لها كل إنسان سوي ، ولكن قد يقول قائل : هذه الدعوات ممكن أن يطلقها كل إنسان فطرته سليمة ، إذ لا يختلف اثنان عن أهمية السلام والحب والطمأنية والخير ، فهل تحقق السلام والحب والطمأنية والخير في العالم نتيجة دعوات بابا الفاتيكان الذي ترجع له غالبية المسيح في العالم ( ربما تتجاوز المليار نسمة ) وتحترمه باقي أفراد الديانات وتبجله القيادات السياسية لأكبر الدول في العالم مثل أمريكا والاتحاد الأوربي وروسيا وأفريقيا ؟! الجواب للأسف لا .
ولكن ما السبب ؟! الجواب : السبب يرجع لأمرين قد لا يكون لهما ثالث ، الأول : عدم امتلاك البابا آلية تنفيذ تلك الدعوات التي ملأت أسماع المستمعين ( السلام والحب والطمأنية والخير ) ، فكيف يحقق السلام وينشر الحب ويزرع الطمأنينة ويعم السلام ؟! لا توجد كيفية لذلك ، والأمر الثاني : هو عدم قبول التابعين للبابا من الصعيدين الشعبي والرسمي فعلاً بالآليات التي يضعها البابا وفق المنهج الديني الرباني ، فلو قال مثلاً للمسيحيين الذين يتبعونه اتركوا زواج المثليين ، فهل سيتركونه ؟ بالطبع لا ، وإذا قال لساسة الغرب لا تشرعوا قانون المثليين ، هل سيمتثلون لأمره ؟ بالطبع لا .
لأن المبدأ الذي عاشته الكنيسة والسياسة الغربية هو فصل الدين عن السياسة ، فليس من حق البابا أن يأمر أحداً بالامتناع عن فعل منكر ولا من حقه أن يأمر بمعروف ، نعم من حقه أن يبدي رأيه ولكن إذا وجهه كأمر للمسيحيين هل سيقبل منه ؟ بالتأكيد لا ، لأنهم لا يريدون تطبيق (ولاية بابا مسيحية) على غرار (ولاية الفقيه) الإسلامية ، ولو تجرأ لفعل هذا لما استقبله أحد ولا احترمه رئيس ولم يصوره إعلامي وووو ، بل قد تنقلب عليه الكنيسة وتغيره لأنه خالف النظام المعمول به والذي قد يكون عرفيا ً وليس قانونياً ولا شرعياً .
لذا ما دام مرجع الفاتيكان (البابا) معزول عن السياسة – لا بل معزول عن الدين أصلاً – فهو محترم ومبجل ، فبعض القضايا هي دينية بالأصل وإن كانت لها ارتدادات سياسية مثل زواج المثليين وغيرها فإذا تدخل بها باعتباره رجل يدن سيكون منبوذاً ومكروهاً من قبل الناس قبل الساسة ، لذا حاول الساسة الغربيون أن يحجّموا دور هذا المقام الديني الرفيع من دون أن يثيروا حفيظة عامة المسيحيين الذين يقدسون مقام البابا والكنيسة عموماً ، فاستغلوا التصرف السيء للكنيسة في إدارة شؤون المجتمع – سياسياً واجتماعياً – كي يقنعوا الناس بضرورة فصل الدين عن الدولة وأن يبقى الدين محترماً داخل الكنيسة فإذا خرج منها حورب حرباً ضروساً ، فنجحت الخطة .
فطبقوا هذه النظرية واستنسخوها على المجتمعات الإسلامية كي يتخلصوا من رجال الدين وفقهائه ، وفي العراق المثال واضح ، فقد تصدى من التف بعباءة المرجعية لقيادة دفة الحكم بعد 2003 ، وإذا به يكون أفسد الناس لأنه أفسد الدين بنظر العامة ، فتولدت عند العامة فكرة فصل الدين عن الدولة ، وأن المرجعية مقامها مقام رفيع وسامي بشرط أن لا تتدخل بالسياسة مثلها مثل البابا والفاتيكان ومستقبلها مستقبلهما ، فكما أن للبابا تقديس على المستوى الشعبي كذلك المرجعية لها ذلك ، وكما أن للبابا احترام كل السياسيين في العالم بشتى أصنافهم – حتى غير المسيحيين بل وحتى اللادينيين – فإن للمرجعية احتراماً من قبل كل الساسة بتنوع مذاهبهم وانتماءاتهم ، وكما أن الإعلام يسلط أضواءه على البابا عند زياراته بشكل منقطع النظير فكذلك تسخر وسائل الإعلام كل إمكانياتها كي تغطي توجيهات المرجعية بشكل قد لا يتمتع به حتى رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ، والكل يعلم قيمة خطب صلاة الجمعة وما يصدر من خلالها .
هل سيكتفي الغرب بهذا المستوى من التطابق بين بابا الفاتيكان والمرجعية أم سيحاول أن يجعلها – أي المرجعية – نسخة طبق الأصل من البابا من دون خدش مشاعر الناس ومعتقداتهم ؟! هل يريد الغرب من المرجعية أن تكون ساكتة عن ما يحدث في العراق وفي باقي بلدان العالم وعن ما يحاك ضدها كما جعل البابا كذلك ؟! وهل يريد الغرب من المرجعية أن تكون مجرد صوت يؤثر متى ما أراد هو – أي الغرب – أن يؤثر ، وغير مؤثر إذا ما أراده أن يكون غير مؤثر ؟! وأن يبقى دور المرجعية النصح والإرشاد كما يفعل البابا .
وحتى لا تكون المرجعية نسخة مطابقة لنسخة البابا يجب أن ننظر الى الأمرين اللذين ذكرناهما ، وهما عدم امتلاك الآلية لتنفيذ دعوات الإصلاح وعدم قبول التابعين للمرجعية من الصعيدين الشعبي والرسمي فعلاً بالآليات التي تضعها المرجعية ، فما دام هذان السببان موجودين فمن المتوقع أن يصل بنا الحال الى ما وصل ببابا الفاتيكان .

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M