العبادي وسيناريو المالكي عام 2007

بهاء النجار

بدأ رئيس الوزراء حيدر العبادي بإصلاحات تفرح كل غيور وكل مظلوم في هذا الشعب ، ولكن هذه الفرحة مشوبة بالحذر والريبة لما نعلمه من ظروف محيطة بتلك الإصلاحات ، فنحن نعلم أن الأمور ليس كلها بيد رئيس الوزراء سواء كان هذا الرئيس حيدر العبادي أم غيره ، حتى وإن كانت دستورياً وقانونياً بيده إلا أن الوضع السياسي الذي جاء بالعبادي ومن قبله المالكي والجعفري لا يسمح بهذه السهولة إجراء مثل هذه الإصلاحات التي طالت كبرى الشخصيات والمناصب من نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس الوزراء الى الوزراء ودمجهم بغيرهم ومن ثم المناصب الخاصة دون الوزراء .
فهذه المناصب تعود لشخصيات وأحزاب أصبحت مهمة بعد أن تمكنت بطرق شرعية وغير شرعية أن تحوز على أصوات الناخبين وأصبح لها ثقل برلماني له الأثر القانوني والسياسي على مجريات الأمور ، أما الأرضية القانونية التي توفر للعبادي إجراء تلك الإصلاحات فهي نفسها التي تتيح للآخرين بتغييره والانقلاب عليه بحجب الثقة عنه وتكليف رئيس وزراء آخر ، خاصة وأن تلك الاصلاحات طالت رموزاً كبيرة في الدولة ولها كتل كبيرة قادرة على قلب الطاولة على أي إصلاح ينال منهم ، ووجود العبادي على رأس الهرم التنفيذي لم يكن إلا باتفاق سياسي يسمح للآخرين بتقاسم كعكة السلطة وكل بحسب ثقله الانتخابي ، فالجميع يعلم أن العبادي لم يحصد من الأصوات إلا بضعة آلاف وبالتالي لولا رفض الكتل السياسية الولاية الثالثة للماكي لما تمكن العبادي من التمتع بهذا المنصب السيادي الذي يعتبر الأول في العراق ، بمعنى آخر أن الكتل السياسية أصحاب فضل على العبادي في وصوله الى منصبه هذا ، وهذا يعني أن أي تصرف يعارض رغباتهم سيكون نتيجته إسقاط العبادي ، أي أن بقاء العبادي مرهون بسياسته التي يجب أن ترضي الجميع .
وقد يقول قائل أن العبادي قام بتلك الإصلاحات بعد دعمه من قبل كتل قوية تضمن غطاء سياسياً وقانونياً له وبدعم من المرجعية تعطيه التأييد الشعبي والزخم الشرعي الذي يجعله مطمئناً من تحركاته ، وهذا صحيح ولكن تبقى تلك الكتل لا تمثل الأغلبية المريحة والمعطلة التي تعطل أي نية لحجب الثقة عنه ، وإلا لو كانت هذه الأغلبية موجودة لكفت في تشكيل حكومة مدعومة من قبل تلك الأغلبية ، وإذا قيل أن الوضع السياسي المضطرب هو الذي منع الأغلبية من تشكيل الحكومة بمفردها لذا لجأوا للمِّ كل أطياف المشهد السياسي ، نقول وهذا الوضع المضطرب ما زال موجوداً ومستمراً ويفترض أنه يمنع العبادي أو أي رئيس وزراء آخر من إجراءات إصلاحات إدارية تمس شركاءه السياسيين .
أما موضوع دعم المرجعية لإصلاحات العبادي فالمرجعية من شأنها دعم أي توجه إصلاحي ولكن هذا الدعم عادة غير ملزم ، فلم نجد يوماً ما أن المرجعية اتخذت موقفاً عملياً (عقابياً) للسياسيين الذي خالفوا توجيهاتها وتعاليماتها لأنها ترى أن واجبها هو النصح والارشاد والتوجيه وليس من مهامها معاقبة المسيئين بالأسلوب الذي تراه مناسباً ، فهناك العديد من توجيهات المرجعية لم يؤخذ بها من قبل السياسيين لأن السياسيين ينفذون ما يعجبهم ويلتفون على ما لا يعجبهم ، فهذا قانون تقاعد البرلمانيين والمسؤولين أصحاب الدرجات الخاصة ما زال موجوداً رغم اعتراض المرجعية عليه ورغم أن الكثير ممن يدّعي أنه ملتزم بأوامر المرجعية قد وافق على إقرار هذا القانون ولم يلتزم بما قالته المرجعية .
وحتى نفهم ما يحصل من (إصلاحات) نعيد للأذهان تجربة المالكي عام 2007 عندما عزم على القضاء على المليشيات التي تعيث في الأرض الفساد ولم تترك للدولة هيبة ولا نظاماً ، ولكن هذا العزم المالكي لم يتحقق لولا دعم الكتل السياسية والمرجعية له ، والقوى السياسية الداعمة للمالكي في حينها دعمته لا لسواد عيونه بالتأكيد ولكن مصلحتهم اقتضت ذلك ، وأما المرجعية فكان من الضروري دعم الاستقرار في البلاد ، وبما أن مصلحة السياسيين التقت مع ما أرادته المرجعية كانت الثمرة هو تمكن المالكي من القضاء على المليشيات رغم أن بادئ الأمر كان يبدو عزمه فاشلاً لأنه سيواجه قوى سياسية لها جذور شعبية واسعة وقد تكون مدعومة بقوى خارجية ، لكن هذا النجاح الذي حققه المالكي كان بفضل دعم المرجعية وتأييد الشركاء السياسيين ، وهذين الركنين توفرا للعبادي في إصلاحاته الأخيرة .
وربما يعاني العبادي من نفس ما عاناه المالكي في حملته (صولة الفرسان) ضد المليشيات ولكنه يحضى بنفس الدعم الذي حضي به المالكي حينئذ ، فوجود المليشيات في عهد المالكي كان يهدد الوضع الأمني واليوم الفساد الذي يروم العبادي القضاء عليه يهدد الوضع السياسي وهيبة الدولة ، وكانت المليشيات في عامي 2006 و 2007 كانت لها امتدادات شعبية ومدعومة سياسياً واليوم المفسدون مدعومون من قبل السياسيين أيضاً ، ولكن المالكي استفاد من دعم شركائه السياسيين إضافة الى تأييد المرجعية وهذا ما على العبادي فعله في إصلاحاته المرتقبة .
فإذا حقق العبادي النجاح الذي حققه المالكي لوجود الركيزتين المهمتين اللتين ذكرناهما هل سيكون سلوكه وإستراتيجيته نفس سلوك وإستراتيجية المالكي ؟ وبالتالي هل سيكون مصير العبادي مصير المالكي ؟ وهل سنشهد نتيجة لتلك السياسة تدهور الوضع الأمني أو السياسي أو الاقتصادي ؟ هذا ما على العبادي أن يلتفت إليه وأن لا يخطأ تلك الأخطاء التي ارتكبها المالكي ، وأن يكون هدفه من وراء إصلاحاته خدمة الشعب أولاً وأن يترك كل هدف يعيق تحقق تلك الخدمة ، وليستفد بعدها سياسياً وحزبياً فهذا من حقه ، ولكن المهم والأهم هو أن يتحقق للشعب ما كان ينتظره ويأمله من بعد 2003 وسقوط النظام القمعي .

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M