غالب درويش
ثارت شكوك قوية حول تأجيل اجتماع أوبك+، الذي عقد أمس بعد إشارات من دول منتجة بعدم التزام اتفاق خفض الإنتاج، إلا أن الإصرار السعودي على الالتزام الكامل من جميع الدول، كان السبب في نجاح الاجتماع وكانت نتائجه إيجابية وسط دور فاعل لوزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، بحسب متخصصين.
وتعرّضت أسعار النفط خلال جلسة نهاية الأسبوع الماضي للهبوط من أعلى مستوياتها في ثلاثة أشهر، مع عدم حسم التزام بعض الدول المنتجة تخفيضات الإنتاج المُتَفق عليها، حيث طالبت السعودية جميع الأعضاء التزام الاتفاق حتى يتحقق نجاح الاجتماع المقبل.
وفي هذا الشأن، قال محللون ومختصون بقطاع النفط إن المحاور الأساسية للاجتماع تضمنت التأكيد على تمديد التخفيض، وإلزام الدول الأعضاء حصصها الإنتاجية، إلا أنه ثارت شكوك بشأن الموعد، ولكن التدخّل السعودي كان حاسماً لصالح انعقاد الاجتماع بالأسبوع الأول من الشهر.
وأوضح المحللون أن الشكوك الكبيرة التي سبقت انعقاد الاجتماع تعكس الجهود الكبيرة التي بذلتها السعودية، سواء من ناحية الرؤية أو التطبيق، لتؤسس الرياض مرحلة جديدة لمجموعة “أوبك+”، أساسها التزام الجميع.
من جهته، قال المتخصص الاقتصادي والنفطي الدولي، محمد الصبان، إن الدور السعودي كان حاسماً في نجاح الاجتماع حيث عقدت الجهود مع روسيا على العراق ونيجيريا وأنغولا، وهي الدول التي لم تلتزم من قبل الاتفاق السابق ومطالبتهم في هذا الاجتماع بأن يخفّضوا بأكثر مما هو مطلوب منهم في يوليو (تموز) وما هو بعده وذلك بعد كتابة ذلك خطيّاً من قبلهم.
انتصار للسعودية وسياستها النفطية
وقال الاقتصادي السعودي إن انتصار الدبلوماسية النفطية للسعودية، لا سيما التي غالباً ما تصرّ على أنه لا مكان لأي راكب مجاني في قطار النفط، حيث يحسب أن الآخرين سيقومون بتحمل العبء عنه، لافتاً إلى أن ذلك يأتي في ظل المرحلة الراهنة التي تهاوت فيها أسعار النفط وكان لا بد من التشديد على التزام الاتفاق .
وأضاف الصبان أن الاتفاق يعتبر نجاحاً لتحالف “أوبك بلس”، الذي أشاد به الرئيس الأميركي دونالد ترمب أخيراً وبجهود السعودية وروسيا الذين نجحا في إبرام هذا الاتفاق، الذي أنقذ صناعة النفط من الانهيار.
وفي تقرير لها، أشارات “بلومبيرغ ” إلى سعي السعودية لتفادي تأجيل اجتماع أوبك بالضغط على الدول التي لم تخفّض إنتاج النفط بالكامل في مايو (أيار) كما هو متفق عليه (العراق ونيجيريا)، حيث نجحت الرياض في استخلاص الالتزام من هذه الدول وإبرام الوعود بأنها ستعوّض ذلك بتخفيضات أكبر في الربع الثالث. وذكر التقرير أن السعودية عادة ما تواجه مشكلة عدم التزام بعض الأعضاء في المجموعة الدائمة في تنفيذ تلك الوعود.
نقلة نوعية
ومن ناحية أخرى، وصف محللون في شؤون النفط تحدثوا لـ”اندبندنت عربية”، اجتماع أوبك+ أمس بأنه كان نقلة نوعية، بل كان أقصر الاجتماعات نجاحاً، مع الدول خارج أوبك وعلى رأسها روسيا وتسع دول أخرى، ووصف بعض المعلقين دراما الاجتماع بأنها “كانت مميزة رغم أنه عبر القنوات الافتراضية”.
وذكر المحللون “أن دراما الاجتماع تمحورت في فشل الدول الرئيسة في إجراء جميع تخفيضات الإنتاج التي وعدت بها بالاتفاق الأول في أبريل (نيسان)، والذي تم خلاله الالتزام بنسبة خفض 23 في المئة من خط الإنتاج الأساسي المتفق عليه لكل دولة”.
وخلال الاجتماع الماضي، من بين الدول العشرين المشاركة في تلك الصفقة، وافقت 19 دولة على خفض إنتاجها باستثناء المكسيك، وفي النهاية استسلم الآخرون لمطالبتها بتخفيض أصغر، ومع ذلك ورغم تعثر أسعار النفط، ووضوح تقديرات الإنتاج في مايو (أيار)، لم تفِ بعض البلدان بوعودها.
وذكر تقرير “بلومبيرغ” أنه في الوقت ذاته لم تغضّ السعودية الطرف عن عدم الالتزام، بل أمضت فترة في التلميح والطلب من هذه الدول الالتزام، وفي النهاية وافقت هذه الدول على تمديد أهداف الإنتاج الحالية حتى يوليو (تموز)، ووعدت تعويض البراميل التي فشلت في إزالتها في مايو (أيار) وستفشل في خفضها في يونيو (حزيران)، من خلال إجراء تخفيضات أعمق في الربع الثالث.
وحسب ما نقلته الوكالة الاقتصادية، فإنه تم محاسبة أربعة بلدان على وجه الخصوص (العراق ونيجيريا وأنغولا وكازاخستان). إذ يظهر أن لدى العراق ونيجيريا تاريخاً طويلاً من الفشل في إجراء التخفيضات التي وعدا بها بموجب اتفاقيات أوبك+ السابقة.
فيما كان إنتاج أنغولا في العام الماضي أقل بكثير من الهدف، بينما أوفت كازاخستان بالتزاماتها في المتوسط خلال هذه الفترة، بفضل الصيانة والانقطاعات غير المتوقعة في أكبر حقولها النفطية. لكن أياً منهما لم يقطع بقدر ما تعهدوا الشهر الماضي.
غضب سعودي
وقد أثار عدم التزام دول عربية غضباً سعودياً بشكل خاص من خلال الاعتراف بأنه لم يفشل فقط في الوفاء بالتزاماته في مايو (أيار)، ولكنه لن يتمكن من خفض الإنتاج إلى المستوى المستهدف حتى نهاية يوليو (تموز).
ومن ناحية أخرى، أصرت نيجيريا على أنه تم الإبلاغ عن أرقام إنتاجها بشكل غير صحيح من قبل المصادر الثانوية التي تعتمد عليها منظمة أوبك لمراقبة الإنتاج، لكن وزير نفطها اعترف في نهاية المطاف في منشور على “إنستغرام”، بأن البلاد خفضت الإنتاج بمقدار 216 ألف برميل يومياً، أي ما يعادل 52 في المئة من التخفيض الذي وعدت به.
واتفقت البلدان الأربعة في نهاية المطاف على مبدأ إجراء تخفيضات إضافية في الناتج التعويضي في الأشهر المقبلة. وستكون الاختبارات الحقيقية هي ما إذا كانت ستفعل وكيف ستردّ السعودية إذا لم تفعل.
ركود الطلب
وشهد أبريل (نيسان) تراجعاً غير مسبوق في الطلب العالمي على النفط، والذي انخفض بنسبة 24 في المئة على أساس سنوي، وسط ارتفاع قياسي في المعروض مع فشل اتفاق أوبك+ السابق. وفي مارس (آذار) الماضي رفضت روسيا قبول تخفيضات أعمق في الإنتاج تدعمها السعودية، وهدّدت بإسقاط تحالف أوبك+ بأكمله، بدلاً عن الاستمرار من دون مشاركة روسيا الكاملة، ووصفت موسكو ذلك بـ”خدعة الرياض”، وشرع السعوديون في زيادة إنتاجهم النفطي إلى أكثر من 12 مليون برميل يومياً في أوائل أبريل، بالتزامن مع تدمير الطلب العالمي على النفط بسبب جائحة (كوفيد 19) التي وصلت لذروتها خلال هذا الشهر.
تهديد سعودي
وتابع تقرير بلومبيرغ “يبدو أن السعودية هدّدت بالقيام بنفس الشيء مرة أخرى، إذا لم تشق طريقها قبل اجتماعات يوم السبت، لكن العراق ونيجيريا تعلما خطأ موسكو في الأقل بما يكفي لقول الأشياء الصحيحة لإرضاء الرياض”.
وأوضح التقرير أن نيجيريا قد تكون قادرة على تحقيق الهدف الجديد، مع سعيها لإجراء الصيانة على واحد في الأقل من حقول النفط البحرية الرئيسة، ما يعني أن الإنتاج سيتم تشغيله بمعدلات مخفضة وإغلاقه بالكامل لأيام عدة، لكن العراق سيجد الأمر أكثر صعوبة إذ لا يمكن رؤية أي طريقة تمكنه من الوفاء بالتزاماته بحلول نهاية سبتمبر (أيلول).
وتابع التقرير “حتى لو بدأت التخفيضات في التقلص في أغسطس (آب)، سيتعين على العراق خفض الإنتاج بأكثر من 1.3 مليون برميل يومياً من مستواه في أبريل، بافتراض انخفاض إنتاجه بشكل مطرد من الآن وحتى نهاية يوليو، للوصول إلى المستوى المستهدف، وسيظل عليه تخفيض الإنتاج في أغسطس وسبتمبر بأكثر من 1.3 مليون برميل يومياً مما سيؤدي إلى انخفاض الإنتاج إلى مستوى لم تره في ست سنوات”.
وفي ظل أن “أوبك+” فقط لا تملك إلا مزيداً من الوعود من تلك الدول لإجراء تخفيضات أعمق، وليس لديها آليات لفرضها، إلا أنه بعد الاجتماعات الكارثية في مارس وأبريل، بدت السعودية قوية في الفترة التي سبقت تجمّع السبت، ومحاسبة العراق ونيجيريا.
وذكر التقرير أنه ربما تجد هذه البلدان طريقة للقيام بما وعدت به، ولكن حتى لو لم يفعلوا ذلك، لأنه من خلال المطالبة بتخفيضات إضافية والحصول على وعود بأنهم سيأتون، أرسل وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، تحذيراً إلى آخرين من المتراجعين المحتملين “سيتم استدعاؤهم أيضاً إذا فشلوا”.
وتبدو سوق النفط مختلفة تماماً بحلول يوليو، فخام برنت أعلى بالفعل من 40 دولاراً للبرميل، والطلب يتعافى ببطء، وانخفض العرض بشكل ملحوظ. لذا قد يكون عدد من المنتجين قادرين على الوفاء بوعودهم ببساطة عن طريق الحفاظ على التخفيضات، بينما يقوم الآخرون بزيادة الإنتاج ببطء.
خطوة كبيرة واستعادة مصداقية “أوبك”
وأظهرت السعودية قدرة على ممارسة سلطة دبلوماسية نفطية على أعضاء أوبك الآخرين وغرس بعض الانضباط أو الوعود منه. وتعد هذه الخطوة كبيرة نحو استعادة المصداقية لأوبك وأوبك+ بعد بضعة اجتماعات مؤلمة في وقت سابق من هذا العام.
رابط المصدر: