حامد عبد الحسين الجبوري
الفكرة الرئيسية من هذا المقال هو تحديد دور القطاع الخاص في العراق خصوصاً بعد إعلان التوجه الرأسمالي كتوجه عام للاقتصاد العراقي بعد سقوط النظام الاشتراكي.
حيث كان التوجه العام للاقتصاد العراقي توجه اشتراكي يفضي بإدارة الدولة للاقتصاد بشكل رئيس ولكن ذلك التوجه اختلف بشكل وآخر بعد سقوط النظام وأصبح توجه رأسمالي يعطي القطاع الخاص الدور الرئيس في الاقتصاد.
قبل 2003
قبل سقوط النظام عام 2003 اعتمد العراق التخطيط المركزي منذ خمسينيات القرن المنصرم ليرسم خطة لكافة المتغيرات الاقتصادية وتقوم الدولة بتنفيذ مجمل تلك الخطة وما للقطاع الخاص إلا الدور الطفيف وفي أوقات الأزمات لتعويض إخفاق الدولة والتخفيف من حدتها.
حيث كانت الدولة تمارس دور الإشراف والقيام ببعض المشاريع الرئيسة قبل قيام ثورة 14 تموز 1958، من خلال مجلس الأعمار الذي تم إنشاءه عام 1950، والذي أخذ على عاتقه مهمة الإشراف على الإنفاق الحكومي وتحضير خطة اقتصادية ومالية عامة لتطوير موارد العراقي وتحسين مستوى المعيشة، مما يعني إن القطاع الخاص كان يتمتع بدرجة كبيرة من الاستقلالية حتى ثورة 14 تموز، لان برامج مجلس الاعمار كانت بعيدة عن مبدأ الشمول واقتصرت على بعض المشاريع الرئيسة[i].
تعاظم دور الدولة
ولكن بعد ثورة 14 تموز أخذت الدولة تمارس دوراً كبيراً في الاقتصاد مقابل تطرف دور القطاع الخاص والعيش في الهامش، حيث قامت الدولة بإلغاء مجلس الاعمار الذي كان يمارس مهمة الإشراف كمهمة رئيسية للدولة بعيداً عن التدخل المباشر إلا في المشاريع الرئيسية، وقيامها أيضاً، بتشكيل المؤسسات المركزية التي تدير الاقتصاد تخطيطاً وتنفيذاً.
ولا يمكن إغفال أهمية الثروة النفطية في زيادة تدخل الدولة في الاقتصاد وتشجيعها على تشكيل المؤسسات المركزية، إذ لا يمكن للدولة في ظل ضعف الموارد المالية من تشكيل المؤسسات المركزية والتدخل في الاقتصاد بالشكل الذي أصبحت عليه مع توفر الإيرادات النفطية الكبيرة، بل وتضطر لفتح المجال أمام القطاع الخاص ليمارس دوره في الاقتصاد.
حيث تمثلت المؤسسات المركزية التي أنشأتها الدولة في مجلس التخطيط الاقتصادي ووزارة التخطيط التي أخذت على عاتقها إعداد الخطط الاقتصادية بناءاً على المقترحات التي تدلوا بها الوزارات، وتقديمها إلى مجلس التخطيط لغرض المصادقة عليها ومتابعة تنفيذها. أما عملية التنفيذ فأصبحت من مهام الوزارات ذات العلاقة، ومهما اختلفت أسماء ومهام تلك المؤسسات لاحقاً تبقى مهمتها الرئيسية هي أدارة الاقتصاد نيابةً عن الدولة.
النفط والدولة في اتجاه واحد
وكلما يتقدم الزمن وتزداد الإيرادات النفطية يزداد تدخل الدولة في الاقتصاد وفق مبدأ الشمولية عبر مؤسساتها المركزية، ويصبح دورها مركزياً في حين يتضاءل دور القطاع الخاص ويصبح دوراً ثانوياً، والعكس صحيح ولكن ليس بنفس النسبة والتناسب، بمعنى أن الصورة لا تنعكس بشكل كامل ولا يمكن للقطاع الخاص أن يحل محل الدولة بشكل كامل.
فحينما تنخفض الإيرادات النفطية لأسباب وأخرى وتنخفض الموارد المالية للدولة وتكون في موقف لا تُحسد عليه أمام المجتمع المحلي والإقليمي والدولي ورُبما يكون هذا الموقف نهاية وجودها، ولتلافي هذا الموقف والحفاظ على وجودها، ستفتح الدولة الباب أمام القطاع الخاص ويتعاظم شيئاً فشيئاً ولكن مهما بلغ من الحجم والثقل لا يمكن أن يحل محل الدولة بشكل كامل ودائم وسيظل دوره ثانوياً، لأنه مجرد أن تعود الإيرادات النفطية لسابق عهدها وترتفع مجدداً ستعود الدولة لدورها ومكانتها مرةً أخرى، وذلك يعود بشكل أساس لفلسفة النظام الاقتصادي الذي تتبناه الدولة.
دليل
وأبرز دليل على ذلك، حينما انخفضت الإيرادات النفطية خلال حقبة التسعينات بسبب العقوبات الاقتصادية وأصبحت الدولة في موقف لا تحسد عليه لجأت الدولة لفتح الباب أمام القطاع الخاص ليحل محل الدولة في التخفيف من حدة العقوبات والمساهمة في تغطية الطلب المحلي، وبالفعل تطور القطاع الخاص بشكل كبير وأصبح دوره مهماً في الاقتصاد العراقي آنذاك.
حيث ارتفع متوسط نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي إلى 79.5% و86.6% على التوالي في عام 1992 و1993 بعد إن كانت تشكل 24% و37.3% من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي في عام في عام 1978 و1989.
وبالمقابل انخفض متوسط نسبة مساهمة القطاع العام في الناتج المحلي الإجمالي إلى 20.3% و13.5% على التوالي في عام 1992 و1993 بعد إن كان 76% و62.7% على التوالي في عام 1978 و1989[ii].
بعد 2003
بعد عام 2003 تبنى العراق توجهاً اقتصادياً جديداً مخالف تماماً للتوجه السابق، وهذا ما تم تدوينه في الدستور العراقي لعام 2005 وبالتحديد في المادة 25 التي تنص على أن “تكفل الدولة إصلاح الاقتصاد العراقي وفق أُسسٍ اقتصاديةٍ حديثة وبما يضمن استثمار كامل موارده، وتنويع مصادره، وتشجيع القطاع الخاص وتنميته”
والمادة 23 أولاً ” الملكية الخاصة مصونةٌ، ويحق للمالك الانتفاع بها واستغلالها والتصرف بها، في حدود القانون”.
والمادة 24 ” تكفل الدولة حرية الانتقال للأيدي العاملة والبضائع ورؤوس الأموال العراقية بين الأقاليم والمحافظات، وينظم ذلك بقانون”.
ومع تلك المواد الدستورية التي توضح بشكل وآخر ملامح التوجه الجديد، التوجه نحو اقتصاد السوق، إلا إن الواقع يشير لتعثر واضح في مسيرة تطبيق هذا التوجه الجديد، بل ولازال المنهج الاقتصادي السابق ساري المفعول على أرض الواقع وذلك لأسباب عديدة خارج نطاق هذا المقال[iii]، حيث لم يتم استثمار كامل الموارد الاقتصادية ولازال الهدر واضح في أغلب موارده وبالخصوص الغاز الطبيعي الذي “يتم حرق حوالي 70% من جميع كميات الغاز الطبيعي التي يتم إنتاجها في العراق، بدلاً من حبسها واستثمارها”[iv]
ولم يعمل على تنويع مصادر الاقتصاد العراقي بل لازال شديد التركز على المصدر الأُحادي (النفط) في الناتج والتجارة والمالية، حيث يشكل النفط أكثر من 40% من الناتج وأكثر من 90% من التجارة والمالية، ونتيجة لارتباط النفط بالاقتصاد العالمي أصبح الاقتصاد العراقي رهينة للعالم الخارجي وذلك بسبب هيمنة الدولة على الاقتصاد عبر هيمنتها على النفط والأرض والجهاز المصرفي وامتلاك الكثير من الشركات والمصانع.
كذلك الأمر بالنسبة لحرية الأعمال، إذ بسبب صعوبة بيئة الأعمال نتيجة لتصلب الإجراءات الإدارية وشيوع الفساد في أغلب مفاصل الدولة التي تهيمن على مقدرات الاقتصاد، جعل من بيئة الأعمال بيئة طاردة لاستثمارات القطاع الخاص، وهذا ما يجعل دور القطاع الخاص دور ثانوي وليس رئيسي.
حيث لم تعمل الدولة على تذليل العقبات التي تقف بوجه القطاع الخاص، مما جعل دوره دور ثانوي على الرغم من إعلان التوجه الجديد نحو اقتصاد السوق الذي يمثل القطاع الخاص المحور الرئيس فيه.
خطوات تعظيم دور القطاع الخاص
وبعد تحديد دور القطاع الخاص في العراق كونه دور ثانوي، لابد من تحديد الخطوات التي تسهم في تحقيق التطابق بين إعلان التوجه الجديد للاقتصاد العراقي والواقع الاقتصادي ليتم تلافي الافرازات السلبية الناجمة عن عدم التطابق، ويمكن إيجاز تلك الخطوات بالآتي:
أولاً: مكافحة الفساد في كافة مفاصل الدولة لضمان انسيابية الإجراءات الإدارية بسلاسة بشكل عام والإجراءات ذات العلاقة باستثمارات القطاع الخاص بشكل خاص.
ثانياً: انسحاب الدولة من الاقتصاد والتخلي عن عناصر الإنتاج التي تهيمن عليه لصالح القطاع الخاص، من خلال مبدأ تكافؤ الفرص ووفق معايير الكفاءة والأهلية بعيداً عن المحسوبية والمنسوبية.
ثالثاً: توجيه استثمارات القطاع الخاص نحو القطاعات الاقتصادية التي تسهم في تنويع مصادر الاقتصاد العراقي لفك رهنه بالعالم الخارجي، وذلك من خلال تفضيل تلك القطاعات من حيث المزايا والإعفاءات والضمانات.