شرح ماهية علم مقارنة الأديان

أهمية علم مقارنة الأديان ومكانته

ترتبط حاجة الإنسانية إلى دراسة الأديان. بحاجته إلى الاطمئنان إلى سلامة تفكيره، وسلوكه، واعتقاده، وتصرفاته. إن الإنسان لا يعيش وحده في هذه الحياة، وإنما يعيش معه ناس آخرون، وأمم مختلفة المذاهب والعقائد. والإنسان المتحضر، لابد وأن يكون على اتصال بالأمم والشعوب، خاصة في عصر ألغيت فيه المسافات، وتلاقت الثقافات، فأضحى من الضروري للإنسان، أن يكون على إلمام واطلاع على ثقافات الأمم المختلفة وأديان الشعوب المتباينة. ولقد فطن إلى هذا علماء السلف الصالح من المسلمين، انطلاقًا من دعوة الإسلام، إلى التعرف إلى الناس، والتعامل معهم. ومعرفة مذاهب الفرق وعقائد الشعوب.

وعلم مقارنة الأديان يناقش تاريخ الأديان، ويوضح فلسفتها، ويوازن بينها.

وقد حفل القرآن بالحديث المفصل، المستوعب عن الأديان، والعقائد، والملل، والنحل، والمذاهب المختلفة المتنوعة، وعرض مقالاتهم بدقة، واستقصاء، ثم ناقشها وبيّن وجوه الزلل، والخلل، والبطلان، والزيف فيها. ووازن بينها وبين الدين الصحيح، الذي أرسل الله به رسله، عليهم الصلاة والسلام.

وتجد ذلك واضحًا في حديث القرآن الكريم، عن اليهود والنصارى، حيث فصل القرآن مقالاتهم، واعتقاداتهم، ومذاهبهم.

المبحث الأول

مفهوم الدين ومقارنة ودراسة الأديان في الفكر الإسلامي

أولاً: مفهوم الدين

كلمة الدين لها معانٍ متعددة، منها: الدين هو المُلك، وهو العز، وهو الإحسان، وهو العبادة، وهو القهر والسلطان، وهو التذلل والخضوع، وهو الإسلام والتوحيد… إلخ.

أما معنى الدين عند المسلمين فهو: “وضع إلهي سائق لذوي العقول السليمة باختيارهم إلى الصلاح في الحال، والفلاح والمآل”. أو: “الدين وضع إلهي يرشد إلى الحق في الاعتقادات، وإلى الخير في السلوك والمعاملات”.

أما الغربيون فيعرفون الدين:

يقول شيشرون: “الدين هو الرباط الذي يصل الإنسان بالله”. ويقول كانت: “إن الدين هو الشعور بواجباتنا من حيث كونها قائمة على أوامر إلهية”.

يطلق لفظ الدين على الاعتقادات الوثنية، كعبادة الأوثان، أو عبادة الحيوان والنبات، أو قوى الطبيعة، وحتى ديانات اليونان والرومان والمصريين القدماء والزرادشتية… إلخ؛.لأن القرآن سماها دينًا حيث يقول: ]وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ[ (سورة آل عمران: الآية 85)، وقوله تعالى: ]لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ[ (سورة الكافرون: الآية 6).

لكنها أديان غير إلهية وليست مؤيدة بالوحي؛ لذا كانت كاذبة كافرة بالله.

إن الإسلام في التعبير القرآني هو اسم للدين المشترك الذي هتف به جميع الأنبياء، وانتسب إليه كل أتباعهم.

فنوح ـ عليه السلام ـ يقول لقومه: ]وَأُمِرتُ أنْ أَكُوَن مِنَ المُسْلِمِينَ[ (سورة يونس: الآية 72).

ويقول يعقوب ـ عليه السلام ـ يوصي بنيه: ]فَلاَ تَمُوتُنّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[ (سورة البقرة، الآية 132).

وموسى ـ عليه السلام ـ يقول لقومه: ]يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ ءامَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ[ (سورة يونس: الآية 84).

والحواريون يقولون لعيسى: ]ءامَنّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ[ (سورة آل عمران: الآية 52).

والإسلام هو التوجه إلى الله رب العالمين في خضوع خالص، لا يشوبه شرك، وفي إيمان واثق مطمئنّ بكل ما جاء من عنده، على أي لسان، وفي أي زمان أو مكان، دون تمرد على حكمه، ودون تمييز شخصي، أو طائفي، أو عنصري، بين كتاب وكتاب من كتبه، أو بين رسول ورسول من رسله. هكذا يقول القرآن: ]وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ[ (سورة البيّنة: الآية 5). ويقول: ]ُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ[ (سورة البقرة: الآية 136). غير أن الإسلام له مدلول آخر في عرف الناس جميعًا: فهو الدين الذي جاء به محمد r، كما تطلق اليهودية على شريعة موسى عليه السلام، والنصرانية على شريعة عيسى عليه السلام.

والذي لا ريب فيه هو أن الشرائع السماوية كلها صدق وعدل، وكلها يصدق بعضها بعضًا، وهناك شرائع ومبادئ مشتركة بين الأديان الثلاثة (الإسلام، والمسيحية، واليهودية). حيث إنها توافق بعضها بعضًا في التشريع والأخلاق والسلوك؛ ويمكن تمثيلها بالبناء الذي يتألّف من لبِنات متراصة بعضها فوق بعض. وقد عبّر عن هذا البناء الرسول الكريم r بقوله: ]إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ هَلا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ قَالَ فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 3271).

وقضية التكميل في التشريع والأخلاق والسلوك في الأديان الثلاثة، لا يعني أن الشرائع المتأخرة لا تنقض بعض الأحكام في الشرائع المتقدمة. فقد جاء الإنجيل بنسخ بعض أحكام التوراة، إذ أعلن عيسى عليه السلام أنه جاء ليحل لبني إسرائيل بعض الذي حرم عليهم ]وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ[ (سورة آل عمران: الآية 50). وجاء القرآن بنسخ بعض أحكام الإنجيل والتوراة، فقد جاء محمد r ليحل للناس كل الطيبات، ويحرم عليهم الخبائث، ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ]الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ ءامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[ (سورة الأعراف: الآية 157).

أما العهد القديم الذي هو الكتاب المقدس لدى اليهود، ويعدونه منزّلاً من عند الله، يحتوي على 39 سفرًا، ويضم توراة موسى وداود عليهما السلام وأسفار الأنبياء وكتب سليمان وأيوب وسائر الكتب الأخرى. وكلمة توراة عبرانية ومعناها شريعة.

أما العهد الجديد، ويحتوي على 27 سِفرًا، وهي الأناجيل الأربعة وسِفر أعمال الرسل ورسائلهم وسِفر الكشف أو الرؤيا. وكلمة إنجيل يونانية معرّبة، ومعناها بشارة أو نور.

والمسلمون يؤمنون بالأنبياء جميعهم، قبل نبينا محمد r، ومنهم موسى وعيسى عليهما السلام، كما يؤمنون بما أنزل عليهما، وهي التوراة والإنجيل. ولكن الكتب الموجودة الآن، والمنسوبة إلى الديانتين اليهودية والنصرانية، ليست هي الكتب الصحيحة التي أنزلها الله، وإنما هي روايات كتبها كاتبوها، بعد المسيح بسنين عديدة، بلغتهم ولسانهم، وقد أضافوا إليها وحذفوا منها؛ لذلك توجد اختلافات كثيرة بين روايات الإنجيل. ففي إنجيل “متّى” أشياء تناقض ما في إنجيل “لوقا”. وقد ثبت هذا التناقض لدى المحققين من كُتّاب الغرب والمسلمين، في كتب علمية محققة.

الأمور المشتركة بين الأديان الثلاثة

وهناك أمور مشتركة، على الرغم من تحريف الكتب المنزلة، وهي:

1. الإيمان بالله والملائكة والرسل والكتب المنزّلة (اليهود والنصارى لا يؤمنون بنبوة محمد r).

2. الإيمان باليوم الآخر والحساب وثواب الصالحين وعذاب الطالحين.

3. مدح الفضائل وذم الرذائل.

4. وجوب إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والعبادة وهذا في الجملة وليس على وجه التفصيل.

5. التسامح والرحمة والإيثار والإحسان.

والقرآن الكريم يأمر المسلمين بالإيمان بجميع ما أنزل على رسل الله قائلاً: ]ُقُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ[ (سورة البقرة: الآية 136). وكذلك يقول القرآن: ]لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ[ (سورة المائدة: الآية 72)، ]أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ(50) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ[ (سورة المائدة: الآيات 50- 52).

بعد الأمر بالإيمان بالكتب المنزلة على الأنبياء والرسل يبيّن القرآن أنه “مهيمن” على تلك الكتب، أي حارسًا أمينًا عليها، ومن ثم فهو ينكر ما زيد عليها من التحريف والتشويه، ويبرز ما خفي منها على يد الأحبار والرهبان. قال تعالى: ]يَا أَهْلَ الكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا تُخْفُونَ مِنَ الكِتَابِ[ (سورة المائدة: الآية 15). ويتحدى القرآن وجود الزوائد التي يدعيها الأحبار بقوله: ]قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ[ (سورة آل عمران: الآية 93). وفي الوقت نفسه، يحافظ القرآن على الأسس الثابتة التي أرستها الشرائع السابقة، ثم يزيد ما شاء الله زيادته.

فشريعة التوراة مثلا قد عنيت بالمبادئ الأولية لقانون السلوك “لا تقتل” و “لا تسرق”… إلخ والطابع البارز فيها هو تحديد الحقوق وطلب العدل والمساواة بينها. ثم تجيء بعدها شريعة الإنجيل فتقرر هذه المبادئ الأخلاقية وتؤكدها، ثم تترقى فتزيد عليها آدابًا مكملة: “لا تُراء الناس بفعل الخير، أحسن إلى من أساء إليك”، والطابع البارز فيها التسامح والرحمة والإيثار والإحسان. فاليهودية كانت شريعة عدل ومجازاة، بينما كانت النصرانية شريعة فضل وإحسان. وأخيرًا تجيء شريعة القرآن؛ لتقرر المبدأين كليهما في نسق واحد. قال تعالى: ]إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ[ (سورة النحل: الآية 90)، مقدرة لكل منهما درجة في ميزان القيم مميزة بين المفضول منهما والفاضل. قال تعالى: ]وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلهَا، فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللِه[ (سورة الشورى: الآية 40). وقال تعالى: ]وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِين[ (سورة النحل: الآية 126). وأضاف القرآن فصولاً جديدة في الآداب ومناهج السلوك الكريم في المجتمعات، في التحية والاستئذان والمجالسة والمخاطبة، كما في سورة النور والحجرات والمجادلة. فضلاً عن الأحكام التي تنظم حياة الفرد في الجماعة المسلمة، وعلاقة الأمة بالأمم الأخرى، كالنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

وهكذا كانت الشرائع السماوية لبِنات في بناء الدين والأخلاق والاقتصاد والسياسة.. وحق للقرآن أن يعلن اكتمال هذا البناء للدين وتثبيت أركانه بقوله تعالى: ]اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا[ (سورة المائدة: الآية 3).

ثانياً: التعريف بعلم مقارنة الأديان

يقصد بمصطلح “مقارنة الأديان” أو “الدين المقارن” Comparative Religion عند علماء الغرب: “تاريخ الأديان”و “فلسفة الدين” و “علم الاجتماع الديني” و”علم النفس الديني”. وإذا كان علم “مقارنة الأديان” يعني: أن تتخذ الأديان بعامة ـ كتابية ووضعية ـ والعقائد الدينية، أو الملل والنحل موضوعاً للدراسة العلمية بمناهج موضوعية لها أصولها وخصائصها وضوابطها التي اصطلح عليها أهل هذا الحقل، فإن الفكر الإسلامي منذ القرن الثاني للهجرة قد انفتح على أديان العالم وجعلها موضوعاً مستقلا للدراسة والبحث. ووضع العلماء لذلك مناهج علمية سديدة؛ فوصفوا أديان العالم وحللوها وقارنوا بينها، وأرخوا لها، وانتقدوا بعضها، وكانوا يستمدون تعريفاتهم، لكل ديانة، من مصادرها الموثوق بها، ويستقونها من منابعها الأولى، وهكذا أصبح علماً مستقلا، اتخذوا له منهجاً علمياً سليماً.

وقد أشاد العلامة هـ. بينارد دولا بولي H. Pinard de la bouilaye في كتابه “الدراسة المقارنة للأديان” بابن حزم الأندلسي باعتباره رائد لمقارنة الأديان، في الفكر الإنساني كله.

أما الأستاذ إيريك ج. شارب Eric J. Sharps فيرى أن شرف كتابة أول تاريخ للأديان في العالم يختص به الشهرستاني، الذي صنف أديان العالم العشرة المعروفة في العالم آنئذ، إلى حدود الصين، اعتماداً على منهج تاريخي وعلمي دقيق.

ويقول آدم متز Adam Metz: إن أكبر فرق بين الإمبراطورية الإسلامية وأوربا، التي كانت كلها على النصرانية، في العصور الوسطى، وجود عدد كبير من أهل الديانات الأخرى بين المسلمين، يتمتعون بنوع من التسامح لم يكن معروفا في أوروبا في العصور الوسطى، ومظهر هذا التسامح نشوء علم “مقارنة الأديان”؛ أي دراسة الملل والنحل على اختلافها والإقبال على هذا العلم بشغف عظيم” ويقول فرانز روزنتال Franz Rossental إن الغرب يعترف اليوم صراحة بأن الدراسة المقارنة للأديان تعدُّ واحدة من الإنجازات العظيمة للحضارة الإسلامية، أسهمت في التقدم الفكري للإنسانية كلها، وأقرت بذلك دائرة المعارف البريطانية.

كان وراء نشأة هذا العلم في الفكر الإسلامي بواعث ودوافع كثيرة، تآزرت وتساندت في توجيه العلماء، وحثهم نحو وضع هذا الحقل العلمي الجديد وتنميته وتطويره موضوعاً ومنهجاً. ويجئ حديث القرآن الكريم وإشاراته المتكررة إلى الأديان والعقائد الأخرى في مقدمة هذه الدوافع. ومنها تسامح المسلمين وترحيبهم بالانفتاح والحوار والمناقشة والاحتكاك؛ كل ذلك في مناخ من الازدهار الحضاري الرائع الذي أوجد لدى المسلمين شعوراً عميقاً بالمسؤولية العامة تجاه الإنسانية كلها.

لم يظهر “علم مقارنة الأديان” في الفكر الإسلامي حقلاً علمياً مستقلا بذاته، مثل أصول الفقه أو الحديث أو التاريخ مثلا؛ فهو بطبيعته من العلوم البينية، التي تشتبك في الموضوع والقضايا مع غيرها، وإن استقل عنها في مناهج الدرس والمعالجة، ومن ثم يتميز عنها في الوظيفة والغاية.

ومن العلماء، الذين كتبوا في هذا الحقل، الجاحظ، والجبائي، وأبو عيسى الوراق، والطبري، والكندي الفيلسوف، والنوبختي، وابن جرير الطبري، والحسن بن أيوب، والقاضي عبد الجبار، وابن حزم الأندلسي، وأبو الوليد الباجي، وأبو الحسن الأشعري، والباقلاني، وأبو المعالي الحسيني العلوي، وأبو الحسن العامري، والبيروني، والجويني، والغزالي، والخزرجي، والقرطبي المفسر، والشهرستاني، وابن تيمية، والطوفي الفقيه، والسموءل بن يحيى المغربي، ونصر بن يحيى المتطبب، وعبد الله الترجماني، فضلا عن المسعودي واليعقوبي، والمقريزي، ورحمة الله الهندي، وكثيرون غيرهم.

يقول مؤرخ الأديان شاربي E. Sharpe “إن الانغلاق الصارم والتعصب كانا وراء الاعتقاد بأن أي دراسة للأديان الأخرى لن تقود إلا إلى تناقض حاد مع المسيحية.

لقد اشتمل الفكر الإسلامي، في دراسته للأديان الأخرى، على تقصٍّي التاريخ، والتحليل العلمي، والمقارنة الموضوعية، مما يعد من صميم علم الدين المقارن بأدق معانيه المعاصرة.

ثالثاً: مناهج دراسة الأديان في الفكر الإسلامي

1. منهج التاريخ والوصف

شغل تأريخ الأديان ووصفها مساحة واسعة من فكر المسلمين، ووضعوا لذلك أسساً وأصولاً أو قواعد منهجية غير مسبوقة، تميزت بالحيدة والنزاهة، حيث أصَّل علماء الإسلام هذا المنهج، ثم طبقوه بموضوعية ونزاهة على أديان العالم المختلفة،فكان لهم شرف كتابة تاريخ للأديان في الفكر الإنساني كله، قبل أوروبا بأكثر من عشرة قرون. وكان العالم منهم يكتب في الجدل والنقد كتاباً، ثم يكتب في التأريخ والوصف كتاباً آخر؛ مثل أبى عيسى الوراق (من مفكري القرن الثالث الهجري) الذي كتب في الجدل كتابه (الرد على فرق النصارى الثلاث)، وكتب في الوصف والتأريخ كتابه (مقالات الناس واختلافهم)، وهناك عدد من الكتب حمل عنوان “المقالات” لأبى القاسم البلخي وأبى الحسن الأشعري، والمسعودى مثلاً.

ثم كتب النوبختي كتابه (الآراء والديانات) وكتب أبو المعالي العلوي كتابه (بيان الأديان)، وصنف أبو العباس الإيرانشهرى والمسجى (درك البغية في الأديان والعبادات)، وكتب كثيرون كتباً بعنوان (الملل والنحل)، مثل البغدادي أبى منصور، والشهرستاني وغيرهم، وكتب بعضهم في (البرهان في معرفة الأديان).

2. منهج التحليل والمقارنة

لم تقف جهود علماء الإسلام عند المنهج التاريخي الوصفي لكنها تجاوزته إلى المنهج التحليلي المقارن، ومما تجدر الإشارة إليه، أن المقارنة عندهم لم تتخذ صورة واحدة أو شكلاً واحداً، وإنما اتسع مفهوم المقارنة لديهم وتمثل في صور متنوعة، منها على سبيل المثال: أن يدرس الباحث جانباً أو أكثر من ديانتين أو أكثر ثم يقارن بينهما، ومنها أن يتناول الدارس ديانة واحدة ويدرسها دراسة عميقة، من كل جوانبها، أو بعضها في خطوة منهجية تمهيدية لباحث آخر ويدرس ديانتين أو أكثر دراسة مقارنة. ومن صور المقارنة كذلك دراسة شخصية مؤسس الديانة، أو رسلها، مثل المقارنة بين المسيح عليه السلام، وشخص بوذا أو كرشنا، ومنها دراسة الأسفار التي يقدسها أصحاب الديانات، وعلماء الأديان الغربيون.

3. المنهج التحليلي النقدي

درس المسلمون الأديان، أو جوانب منها، دراسة نقدية في كثير من أعمالهم العلمية التي حللوا فيها جانباً معيناً أو جوانب في ديانة أخرى، تحليلاً نقدياً، ومن ذلك: دراسة ابن حزم الأندلسي لنص العهدين القديم والجديد، ودراسة أبي حامد الغزالي، وكذلك تحليل المسلمين النقدي لدعوى التثليث، والصلب، والقيامة، والخطيئة، والكفارة، في المسيحية، والتناسخ في أديان الهند، والنسخ في اليهودية، ولجوانب مهمة في الزرادشتية والمانوية إلخ.

4. منهج الحوار والرد والمجادلة

عرف الفكر الإسلامي شكل المناظرات الحية، التي كانت تتم في مجالس عامة، أو خاصة بين علماء مسلمين وغير مسلمين، من أصحاب الملل المختلفة، تطبيقا لقول الحق تبارك وتعالى: ]ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ[ (سورة النحل: الآية 125).

وهناك، كذلك، المناظرات المدونة رسائل أو في كتب؛ منها رسالة راهب كلونى Cluny في جنوب فرنسا إلى أمير سرقسطة في الأندلس، وجواب القاضي أبي الوليد الباجي عليها.

وهناك، كذلك، الدراسات الجدلية المتعلقة بالرد على قضية، أو مسألة بعينها، أو أكثر مثل كتاب أبى عيس الوراق (الرد على فرق النصارى الثلاث)، ورسائل الجاحظ (المختار في الرد على النصارى).

ومن الكتابة الجدلية كذلك ما دونه الذين دخلوا في الإسلام من علماء اليهود والنصارى؛ مثل كتابَيْ علي بن ربن الطبري “الدين والدولة”، و”الرد على فِرَق النصارى”، والحسن بن أيوب، في رسالته إلى أخيه على بن أيوب

المبحث الثاني

الأديان غير السماوية

أولاً: الديانة البرهمية

في القرن الثامن قبل الميلاد، أُطلق على الديانة الهندوسية اسم البرهمية، نسبة إلى برهما. وهو في اللغة السنسكريتية معناه (الله) وقيل معناه “رب الصلاة”، ويعتقد رجال الدين الهندوس أن كهنتهم يتصلون في طبائعهم بعنصر البرهما. ولذلك أطلق عليهم اسم البراهمة.

والبراهما عند قدماء البراهمة واحد لا شريك له، سرى منه الروح في جميع الكائنات من جماد ونبات وحيوان، وقد ورد ما يؤيد ذلك في أسفار “الفيدا” وما ترجمته: أنا الله نور الشمس، ضوء القمر، بريق اللهب، وميض اللهب، صوت الريح، أنا الأصل القديم لجميع الكائنات، منى الحياة لكل الوجود، واهب الصلاح، أول، آخر، حياة، موت، لكل مخلوق حي”.

  1. عقيدة البراهمة

وتتلخص عقائد البراهمة في:

أ. اسم الإله الظاهري (برهما سباتي) والاسم الخفي (زيوس).

ب. الإله هو الأصل الأزلي الذي يستمد منه كل شيء وجوده، لا تدركه الحواس وقد يدرك العقل بعض صفاته.

ج. إن الإنسان حركة متغيرة مستمدة، وروحه قبس من نور البراهما، انفصل عنه إلى أجل ينتهي، ثم تعود إليه بعد انتهاء الأجل، وذلك كالبخار الذي يصعد إلى السماء، ثم يعود إلى الأرض، أمطاراً تجرى في الأرض أنهاراً.

د. غاية كل إنسان في الحياة الاتصال بالبراهما والرجوع إليه.

الكتاب الأساسي عند البرهمية، يُسمى “الفيدا”، ولا يعرف متى كُتبت أسفاره، وإن كان من المؤكد أنها أقدم من التوراة، وهي أربعة أسفار:

أ. الريجا فيدا، وهو أشهرها. ويشتمل على 1017 أنشودة دينية، لا يزال كثير من الهندوس يتغنون ببعضها، ويرتلونها في صلواتهم وحفلات زواجهم.

ب. الساما فيدا

ج. الباجورا فيدا

د. الألمارا فيدا

وكتب أخرى مفسرة تسمى (دماندرا ماسترا) أى كتب الشريعة. وكل التعاليم الدينية في أسفار “الفيدا”، بسيطة الأسلوب.

وأهم من تعرضوا لشرح أسفار “الفيدا” الفيلسوف الهندي “مانو” الذي قال عن الإله إنه كائن بنفسه لا تصيبه الحواس المادية، بل يُعلم بالروح فقط، و”كلوكا” الكاهن والفيلسوف، القائل: “إن المشتركين في الأسرار، مع تقديمهم القرابين لبعض قوى الطبيعة المتعددة لم يكونوا يؤمنون إلا برب واحد، هو نبع كل عدل وحكمة، المدبر لنظام الكون، ولا اسم له إلا المستحق العبادة برهما”. ومن فلاسفتهم “كرشنا” الذي يقول إن الجسد زائل، أما الروح فهي سرمدية”

أما أهم تعاليم الأديان البرهمية القديمة، تتلخص في الوصايا العشر، وهي: عبادة البراهمة، ومقابلة الإساءة بالإحسان، والقناعة، والاستقامة، والطهارة، وكبح جماح النفس، ومعرفة الفيدا، واجتناب الغضب، والصبر، والصدق.

ثم حين وضعت الطقوس، وتزايدت الرتب الكهنوتية، فرضت على الأتباع ذبح بعض الحيوانات، وتقديس بعضها، أو تحريم أكل اللحوم بتاتاً.

  1. انحدار الديانة البرهمية

كانت العبادة في الديانة الهندية القديمة قاصرة على أناشيد “الريجا فيدا”، أقدم أسفار الفيدا، لكن عندما كثر الكهنة، جعلوا للديانة أسرارًا خفية، وأسرارًا ظاهرة، وكثرت الرموز والطقوس والشعائر، وابتدع ما لم يكن له أصل في كتب الفيدا، وغيَّروا بعض معانيها.

وابتدعوا الثالوث الهندي “برهما فشنو شيفا”، على اعتبار أن “فشنو وشيفا” إلهان، وقوتان نشأتا عن برهما، وقد فسروا الثالوث الهندي أن برهما هو الإله الخالق، وفشنو هو القوة الحافظة، أو الإله الحامي للخليفة، وشيفا القوة التي تغنى وتعيد وتحول.

وعندما اتسع نفوذ الكهنة، أنشأوا الامتيازات والاختصاصات، ووضعوا نظام طبقات أربع، تقل الواحدة عن الأخرى في المنزلة حسب الترتيب، فجعلوا أرقى الطبقات التي لا يحق لغيرها المشاركة في امتيازاتها، طبقة البرهماتمان، وهم الكهنة والعلماء، ثم يليها في المنزلة طبقة الخاترباس، وهم رجال الحرب وحماة الأوطان، ثم يليها بعد ذلك طبقة البانيان وهم الزراع والتجار، وأدنى الطبقات هي طبقة السودراس، وهم أرباب الحرف والمهن الدنيئة، وهم المنبوذون.

وجعل الكهنة لأنفسهم ولتلاميذهم، أسراراً خاصة، ينفردون بها، وتعلم الهندي أن يكلف نفسه أنواع الشدائد، والجهد في العبادة، في حياته بما فوق طاقته، ظناً منه أنه بذلك يكفر عما وقع منه عن معاصي، أو عما سيقع منه من ذنوب مقبلة، وهو دائم الكآبة والخوف، كثير الهموم، لا أمل له حتى في الموت؛ لأن الموت نفسه في نظره ليس مُخلِّصًا من الحياة المقبلة.

ثانياً: الديانة البوذية

تنسب البوذية إلى رجل أصله من الهندوس. يلقب ببوذا، وينتمي هذا الرجل إلى قبيلة ساكيا التي كان لها السلطان على الأرض الواقعة بين مدينة بنارس وجبال الهملايا، شمال الكنج، وكان أبوه “كابيلا فاستو” أحد نبلاء هذه القبيلة.

ولد جوتاما (بوذا) في منتصف المائة السادسة قبل الميلاد، وسماه أبوه “سيزاراسا” أو ساكيا موتي جوتاما؛ واسم ساكيا موتى يعني “المتبتل من عائلة ساكيا”. وعاش عيشة ناعمة، وتزوج في سن التاسعة عشر.

كان من صغره يتميز بكريم الأخلاق والسلوك، ولما بلغ التاسعة والعشرين من عمره، أخذ يتأمل في حالة بنى قومه وما وصلوا إليه من الذلة والمسكنة نتيجة نظام الطبقات الذي أحدثه كهنة البراهمة؛ بغية إبقاء الشعب على حال من الجهل والغفلة، مما أدى إلى انحطاط الشعب الهندي فعكف على عبادة الأشخاص والتماثيل والحيوانات.

كرهت نفس جوتاما ملذات الحياة، وبدأت رغبته تبدو جلية في الإصلاح، فغادر بلاط أبيه، وخرج تاركاً زوجته وبيته إلى الجبال والأحراش الكثيفة، يتأمل، ويتعود الشقاء الجسماني والرياضة الروحية.

ويزعم كهنة البوذية أنه بينما كان “جوتاما”جالسًا في ليلة من الليالي، تحت ظل شجرة تين، تجلى له النور، وعرف كثيراً من الأسرار، وبذلك أطلق عليه لقب “بوذا” أى العالم المستنير، وعاد إلى الناس بعد أن قضى ستة عشر سنة، يسرح بالفكر ويتأمل في الكون، وبدأ ينشر دعوته ومبادئه على الشعب، وتبعه أتباع كثيرون آمنوا بمذهبه ومبادئه، وظل أتباعه وتلاميذه متمسكين بدعوته حتى مات في الثمانين من عمره، وأُحرق جسده.

  1. عقائد الديانة البوذية، وتعاليمها

الديانة البوذية لا تشير إلى إله خالق سوى “النرفانا”، و”النرفانا” معناها الإطلاق الطبيعي أو المتسامي أو بوذا نفسه، والذي لا يمكن إنكاره أن بوذا نفسه لم يدّعِ يوماً أنه إله أو ابن إله، ولكن مغالاة أتباعه جعلت من بوذا إلهاً، ومن مذهبه الفلسفي والإصلاحي ديناً، وهذه المبالغة قادتهم إلى مزيد من الشرك والكفر، وذلك ظاهر في عبادتهم لبعض الحيوانات وتقديسهم إياها، والتغني بمجدها واستجلاب مددها، وتحريم ذبحها، والسجود لها في كل لحظة، وقد نشرت الصحف العالمية أنباء المذابح التي كانت تحدث؛ نتيجة ذبح هذه الحيوانات.

وتتلخص التعاليم البوذية التي يستأثر الكهنة بمعرفتها، فيما يأتي:

أ. لا فرق بين جسم الأمير وجسم الفقير، ولا فرق بين روحيهما، فكل منهما مستعد لإدراك الحقيقة والانتفاع بها.

ب. يدعو بوذا إلى سلوك النهج الوسط بين التلذذ بالدنيا، والزهد الخالص فيها.

ج. للنهج الوسط ثماني شعب هي: النظر الصحيح، واللفظ الصحيح، والإلهام الصحيح، والسير الصحيح، والحياة الصحيحة، والجهد الصحيح، والسرور الصحيح.

ويضع بوذا للحقيقة أركانا أربعة هي:

أ. الرغبة التي لا تُنال، تسبب الألم.

ب. الشهوة أصل الألم.

ج. للتخلص من الألم يجب نبذ الرغبة.

د. لأجل منع الألم يقتضي إتباع النهج الوسط.

ويتفرغ عن هذه الأركان ما يلي:

(1) الألم من لوازم الوجود.

(2) الرجوع إلى هذه الدنيا مرة أخرى سببه اتباع الشهوات والنقائص في الحياة السابقة.

(3) الخلاص من الشرور والنقائص هو الوسيلة الوحيدة للنجاة من العودة للأرض، في تقمص جديد بعد الموت.

(4) التخلص من العقبات التي توقف حركة الخلاص من الشهوات.

(5) التسامح والطيبة والشفقة والحب ولين الجانب، والإقلاع عن الرغبات الجامحة، وأشدها درجات الزهد في الحياة نفسها؛ متى كانت مبذولة في سبيل تخليص الغير.

(6) الإغراق في العزلة والرهبنة.

ويمكن لمن يطبق هذه القواعد، تطبيقاً صحيحاً، أن يصل إلى “النرفانا”، التي هي بلوغ النفس الكمال الأسمى، وانطلاقها من أسر المادة، وهى الكمال المطلق الذي لا يمكن وصفه إلا لمن انكشفت له الأسرار وكشف عن بصيرته الحجاب فتراءى له بوذا نفسه، ومعنى ذلك أن يفنى المؤمن في الروحانية البوذية المطلقة الكاملة.

ولا يوجد في تعاليم بوذا شيء عن الله، أو عن تقديم ذبائح أو قرابين، أو شعائر تعبدية، ومن أبرز معتقداته أنه لا يسلم بفكرة التناسخ، ويؤمن أتباع بوذا بما يسمونه “كرما”؛ أن الرغبة تنتقل في الحياة الأخرى من شخص لآخر. كما كان بوذا يلقي بتعاليمه شفاهة، مع أن الكتابة كانت معروفة، وقد جمع تلاميذه أقواله من أفواه المتحدثين والرواة والمؤرخين، وكتبت كلها بلغة “بالى”؛ لأن اللغة السنسكريتية كانت قد انقرضت، واتخذ التلاميذ والأتباع هذه الروايات المنقولة كتبا مقدسة، شأن كتب “الفيدا” عند البراهمة، حتى أن “الفيدا” بأسفارها لم تعد لها، عند أتباع بوذا، أي مرتبة من السمو الروحي.

  1. دخول البوذية إلى اليابان

دخلت البوذية رسمياً إلى اليابان من شبه الجزيرة الكورية عام 552م، حين أرسل الملك بابكتشي بعثة إلى إمبراطور اليابان، ومعها بعض الهدايا، من بينها تمثال لبوذا، وعدد من نصوص السوترا. ويقال إن مستشاري الإمبراطور اختلفوا في أمر قبول الدين الجديد، ثم اتفقوا على قبول فكرة بوذا كتجربة مؤقتة، وحوّل الإمبراطور “سوجا” بيته في موكوهارا إلى معبد لبوذا؛ ففشا الطاعون في البلاد، فأُحرق المعبد، وأُلقي بتمثال بوذا في النهر. إلا أن الأفكار البوذية استمرت في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي تتغلغل في اليابان؛ واعتنق الإمبراطور سوجانو أوماكو Soganu Umako البوذية عام 274م، و شيّد معبدًا، وضع فيه تمثال “بوذا”. ولكن الطاعون ظهر مرة أخرى، فأُحرق المعبد، وأُبعد من فيه من الراهبات، وقيل إن سبب الطاعون كان معارضة الناس لتعاليم بوذا.

وهكذا استمرت أسرة سوجا تعبد بوذا، وشهدت البوذية ازدهارًا في عهد الإمبراطورة سويكو Suiko ، وقد وجد في اليابان عام 623م نحو 46 معبدًا بوذيًا و 816 راهبًا و 569 راهبة.

ثالثاً: الديانة المصرية القديمة

يُقال إن الدعوة في مصر سبقت الدعوة في الهند، وإن نبي المصريين هو إدريس u، وإنه انتقل إلى الهند فبشر برسالته.

  1. إدريسu

ويقول المؤرخون إن إدريس ـ u ـ ولد بمدينة “إدفو”، وأنه كان يسمى “جوروس”، وقيل إن إدريس هو “خانوخ” باللغة العبرية، الذي أطلق عليه باللغة العربية “أخنوخ”، وسمى في اللغة الهيروغليفية “أوزوريس” أو “حوروس”، وعُرف في اللغة اليونانية باسم “هرماكيس” ثم عرف باسم “هرمس”. وسماه البطالمة فيما بعد “أغثاذى مون” المصرى، وسمى في الكتب المنزلة “إدريس”. ونسبه هو إدريس مهائيل بن قينان بن آنوس بن شيث ابن آدم عليهم السلام، وقد ذكر المؤرخون أن مدة حياته كانت اثنتين وثمانين سنة، عاش خلالها يدعو الناس إلى عبادة الله وتوحيده وتنزيهه عن كل شرك، كما دعا إلى الزهد والمحبة والعدل، والإحسان، وكان قربانه البقول والذبائح. وهو أول من عرف العلوم الكونية والجيولوجيا والرياضيات، وكثيراً من لغات أهل الأرض، حتى قيل إنه كان يحدث كل قوم بلغاتهم ولهجاتهم، مما جعل الناس تستجيب له، وتلتف حوله.

ويقال إن تعاليم إدريس u وجدت على خاتمه، وفي ورق البردي، الذي سرقه الأجانب ووزعوه على المتاحف ودور الآثار في أوروبا، فقد وجد مكتوباً على خاتمه “الصبر والإيمان بالله يحققان الظفر”، كما وجد على حزامه حكم بليغة ودروس قيمة، منها “حفظ فروض الشريعة من تمام الدين، وتمام الدين من كمال المروءة، والمروءة صفة من صفات المتقين”. وقد عُثر، ضمن آثاره، على فراش من الحصير، كان يصلي عليه، مكتوب عليه “السعيد من نظر إلى نفسه في مرآة صلاته وعبادته”، كما كان من أقواله المأثورة، “حياة النفس في الحكمة، وموتها في الجهل”.

  1. عقيدة الفراعنة

عبد الفراعنة الشمس، وعرفوها باسم آتون، وجعلوا لهذا اسم معنيين: أحدهما ظاهر، والآخر خفي، فالظاهر هو آمون، وأما الخفي فهو الذي قام به الوجود، يهب العطايا، وهو “رع”. ومن هنا كان اسمه “آمون ـ رع”.

ووصفوه بأنه حاكم السموات والأرض، وهو أب الآباء، وأم الأمهات، لا يفنى ولا يغيب، يملأ الدنيا وليس له شبيه ولا حد، ويوجد في كل مكان”.

وقد ورد في بعض الأناشيد والأدعية الواردة في كتب المصريين: “يا مولاي ويا سيدي، إنك خلقتني وصورتني، وجعلت لي عيناً أبصر بها آثار قدرتك، وآذاناً أسمع بها أناشيد تقديسك”.

ثم تطور الأمر مع المصريين القدماء، فجعلوا معبودهم الشمس متجسداً في الثالوث “آتون ورع وآمون”. ثم صار الثالوث تاسوعاً، تمثَّل في عبادة النار والنجوم والكواكب، وما إلى ذلك من الظواهر الطبيعية، التي تاه في عرفها وكنهها المصريون.

  1. التاسوع المصري

أ. آتوم أو آتون: الإله الذي لا يظهر إلا بصفاته، وهو نور النور.

ب. رع: الذي تجسد فيه النور فصار عطاء وخلقاً، “الخلق والرزق”.

ج. آمون: ظهور القدرة المشرقة في الشمس، وهو مظهر رع، الذي يوصل عطاءه إلى المخلوقات.

د. نيت: الهواء.

هـ. نون: السماء بأفلاكها وكواكبها.

و. شو: الجو أو الموجات الكهربائية الموجبة ويشتق منه الإله “تفنوت” وهي الموجات السالبة”، وهذا يقابل معنى فشنو عند البراهمة”.

ز. إيزيس: الحياة أو الروح.

ح. أوزوريس: النماء والازدهار، وهو الذي سيحاسب الموتى.

ط. ست: الشر أو الفناء.

وأما الآلهة الثمانية الثانوية، فهي:

أ. هاتور أو هتريت: إله الطبيعة.

ب. تيسير تشر: إله النظام والقوانين.

ج. يوتاشيت: إله الفيض.

د. تحوت: إله السحر والطب.

هـ. شوت: إله العلم في معناه العام.

و. معت: إله العدالة.

ز. بتاح: إله القدر.

ح. تيفون: إله الشر.

وكانت صلاة المصريين تقرباً للتماثيل الرمزية، التي أقيمت لآتون ورع وآمون، في طيبة وصار لكل مدينة آلهتها، التي تقدسها دون الآلهة الأخرى، فقد كان موطن “أزوريس” في أبيدوس، و “بتاح” في منفيس، و “آمون” في طيبة، و”حوروس” في إدفو، و “هاتور” في دندرة. وكانت مدينة طيبة دون سائر المدن مملوءة بالمعابد والتماثيل.

ثم ظل عدد الآلهة يزداد حتى بلغ ما يقرب من المائة، بين اسم لفلك وصفة لكوكب، وعظمة لظاهرة طبيعية، وتقديس لطير أو حيوان، وكثيراً ما كانت بعض المدن تعبد ملوكها على أنها آلهة، وكانوا يقيمون لهم الصلوات ويقدمون لهم القرابين ويرفعون إليهم البخور.

رابعاً: الديانة الصينية والكنفوشيوسية

قديماً قال الصينيون أن إله السماء كائن عظيم محب للخير، ويكره الشر ويجازى الناس بأعمالهم، ثم بعد ذلك أشركوا مع هذا الإله الواحد كثيرًا من مظاهر الطبيعة، كالشمس والقمر والكواكب والنجوم والأرض، وما عليها من جبال وتلال، وما يجرى فيها من بحار وأنهار، ثم تطورت معتقداتهم فاعتقدوا بوجود كائنات روحية تسكن البيوت، وأن تلك الأرواح لها قدرة على النفع والضرر، فقدموا لها القرابين، كما كانوا يعبدون أرواح أسلافهم.

  1. كنفوشيوس

ولد سنة 551 قبل الميلاد في مقاطعة “لو” من أعمال ولاية شانتنج،واسمه هو الصورة اللاتينية لـ”كونج فو” الصينية التي تعني “المعلم كونج”، وهو ينحدر من أسرة أرستقراطية، وكان منذ صباه مغرماً بتقليد الكهنة في تقديم القرابين، وإقامة الشعائر الدينية. تولى أعمالاً كثيرة في الحكومة ثم عمل مدرساً، ومؤدبًا لأبناء الطبقة الأرستقراطية في المدينة. ثم خرج على الناس بمذهبه، الذي ضمَّنه تعاليمه وآراءه، ووضع له الأسس والمبادئ التي آمن بها كثير من أهل الصين، وقد تنقل من ولاية إلى ولاية يدعو إلى مذهبه، حتى مات عام 479 ق. م. في سن الثالثة والسبعين.

كان كنفوشيوس يلقي دروسه على هيئة محاضرات كلامية، فلم يكتب حرفاً واحداً، وكان تلاميذه يجمعون كلامه، وبذلك اعتبر أكبر حكماء الصين ومؤسس الديانة الصينية، وأجمع الصينيون على عبادته وتقديس تعاليمه وحِكمه، وأصبحت الكتب الثلاثة، التي كُتبت بخط تلاميذه كتباً مقدسة، حتى اعتبرت فيما بعد دستوراً للصين، وهي:

أ. مختارات كنفوشيوس.

ب. تعاليم البالغين.

ج. الاعتدال.

  1. عبادة الصينيين وعقائدهم

كانت عبادة الصينيين تتلخص في إقامة الشعائر وتقديم القرابين للإله الأعظم، وأرواح أسلافهم، وقوى الطبيعة المختلفة وهذا كان له أثره في إقامة المعابد والهياكل، فقد كانت تبنى المعابد على هيئة هيكل عظيم، بداخله هياكل ثلاثة ترمز إلى مذابح ثلاثة، لكل معبود هيكل:

أ. مذبح الكواكب والأفلاك السماوية والأرضية. تقدم فيه القرابين للشمس والقمر والكواكب والنجوم والأرض والتلال والجبال والأنهار، وما إلى ذلك من قوى الطبيعة.

ب. مذبح الأرواح. حيث كانوا يعتقدون أن أرواح آبائهم وأجدادهم وملوكهم تهديهم في تلك الحياة، وتقف معهم وقت الشدة والرخاء، فكانوا يقدمون القرابين لها في هذا المذبح زيادة في إرضائها وليستهدونها في أمورهم الحاضرة والمقبلة، ويطلبون منها السعادة في حياتهم.

ج. مذبح الإله الأعظم: وهو خاص بعظيم السماء، وهذا المذبح أقدم المذابح وأعظمها وأكبرها، لا تجد حوله أصناماً أو تماثيل أو دمى لأنه مذبح الإله غير المنظور.

ويعتقد الصينيون في عظيم السماء، أو الإله غير المنظور، أنه الرب العظيم ومالك الأكوان ذو الفضل غير المتناهي، ليس له مكان أو زمان، موجود في كل الوجود، أينما توجه الإنسان فهو معه، حاضر لا يغيب، الإله الذي لا يحابى، بل يجود بلطفه ورعايته على الإنسان الفاضل، ويحب استعمال الرأفة والرحمة، وأنه يعتني بالأرض، وحضوره فيها دائم وإن كان غير منظور، وقد سموه “ني سز” أو “تى ين” ثم تطورت التسمية إلى “شانج تي”.

ثم تحولت العبادة إلى أن أصبحت لثالوث وضعه فيلسوف صيني يدعى “فوفي”، وهذا الثالوث:

أ. تشانج: أرواح الآباء والحكماء والملوك.

ب. تي سن: الشمس والكواكب السيارة.

ج. تي ين: أو الإله غير المنظور.

ومن الصين انتقلت هذه المبادئ إلى اليابان، حتى أصبحت العائلة المالكة في اليابان آلهة، وأعظم الآلهة الإمبراطور.

خامساً: الديانة الكلدانية

أخذ الكلدانيون عن المصريين عبادة الشمس وسائر النجوم، وبرعوا في علم الفلك والسحر والشعوذة. وجعلوا لكل واحد من الكواكب السيارة صنماً، وأكبر الأصنام وهو في عرفهم، أهم الآلهة، بعل أو آمون إله الشمس. ثم عشتروت أو إيزيس ربة الجمال، ورمزها كوكب الزهرة. وهوروس أو تموز إله الخصب والنماء، ويقام له عيد في شهر تموز (يوليه)، من كل عام، وهذه الآلهة هي التي حطمها نبي الله إبراهيم u، وقصته معها معروفة ومشهورة في كتاب الله، في سورة الأنعام.

سادساً: الديانة الفارسية (المجوسية)

عبد الفرس أول أمرهم قوى الطبيعة، وخصوصاً (الشمس)، التي قالوا عنها “إنه عالم بكل شيء، وأنه خير محض، وأنه أعظم الموجودات، وأنه نور يشرق على العالم، وكان له كثير من الأعوان والشركاء وهم:

الصديق وهو الضوء، وستة من الملائكة المقربين الذين يحملون العرش، وآلاف من الموجودات التي تتمثل في مظاهر الطبيعة.

ثم تطورت عبادتهم إلى عبادة إلهين أحدهما يسمى “مزدا” أو “أهور مزدا” وهو إله الخير العالم بكل شيء، والإله الثاني ويسمى”إهريمان” وهو إله الشر. وقدم الفرس القرابين إلى إله الخير، وهو النور، وهو النار. واشتهرت نار فارس في التاريخ.

سابعاً: الديانة اليونانية والرومانية

عبد اليونانيون آلهة لا حصر لها، وزعموا أنهم يأكلون ويشربون ويلعبون ويلهون، ويخوضون المعارك فَيَغلبون ويُغلبون، ويتألمون، ويفرحون ويحزنون، ويتباغضون ويتحاسدون، والويل لمن تعرض لهم أو أغضبهم. ثم انتقلت الديانة اليونانية إلى الرومان، فعبدوا الآلهة نفسها، وإن غيَّروا أسماء كثيرين منها.

المبحث الثالث

نقاط الاتفاق بين الإسلام والنصرانية واليهودية

أولاً: الله: هو الإله الذي لا إله إلا هو

في الوصية الأولى لموسى وبني إسرائيل: “أنا الرب إلهك. لا يكن لك آلهة أخرى أمامي. لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة ما. لا تسجد لهن ولا تعبدهن. لأني أنا الرب إلهك إله غيور” (سفر الخروج 20: 2 ـ 5).

وفى الوحي إلى أشعياء: “قبلي لم يصور إله وبعدي لا يكون. إني أنا الرب وليس غيري مُخلص  أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيري… أنا الله وليس آخر” (43: 10، 44: 6، 45: 22).

وفى أقوال المسيح وتعاليمه: “وهذه هي الحياة الأبدية: أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته” (إنجيل يوحنا 17: 3).

“كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجداً بعضكم من بعض. والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه” (إنجيل يوحنا 5: 44).

“جاء واحد من الكتبة وسمعهم يتحاورون، فلما رأى أنه أجابهم حسناً، سأله: أي وصية هي أول الكل؟ فأجابه يسوع: إن أول كل الوصايا هي:

اسمع يا إسرائيل: الرب إلهنا رب واحد. وتحب الرب إلهك من كل قلبك.. هذه هي الوصية الأولى. وثانية مثلها هي تحب قريبك كنفسك.. فقال له الكاتب: جيد يا معلم. بالحق قلت لأن الله واحد وليس آخر سواه.. فلما رآه يسوع أنه أجاب بعقل قال له: لست بعيداً عن ملكوت الله” (إنجيل مرقس 12: 28 ـ )4″.

وفي رسائل تلاميذه: “أنت تؤمن أن الله واحد. حسنا تفعل والشياطين يؤمنون ويقشعرون. ولكن هل تريد أن تعلم أيها الإنسان الباطل أن الإيمان بدون أعمال ميت” (رسالة يعقوب 2: 19 ـ 20).

وهذا موافقة لما جاء به القرآن الكريم: ]وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُون[ (سورة الأنبياء: الآية 25). ]إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا[ (سورة طه: الآية 98). ]قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً[ (سورة الكهف: الآية 110).

ليس كمثله شيء على الإطلاق:

“ليس مثل الله.. الإله القديم” (سفر التثنية 33: 26).

“بمن تشبهون الله وأي شبه تعادلون به ؟!…. بمن تشبهونني وتسوونني وتمثلونني لنتشابه؟!” (سفر أشعياء 40: 18، 46:50).

“الله لم يره أحد قط” (إنجيل يوحنا 1: 18).

“الذي لم يره أحد من الناس، ولا يقدر أن يراه” (الرسالة الثانية إلى تيموثاوس6:16).

وهذا ما يقرره القرآن الكريم في أكمل صورة وأوضح برهان:

]لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[ (سورة الشورى: الآية 11).

]لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[ (سورة الأنعام: الآية 103).

هو الحي الذي لا يموت أبداً:

“أنا أنا هو وليس إله معي. أنا أُميت وأحيى.. حي أنا إلى الأبد” (سفر التثنية 32: 39 ـ 40).

“الذي وحده له عدم الموت” (الرسالة الثانية إلى تيموثاوس 6: 16).

وهو يوافق القرآن الكريم:

]وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا[ (سورة الفرقان: الآية 58).

]اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ[ (سورة آل عمران: الآية 2).

]هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ[ (سورة غافر: الآية 65).

ثانياً: الأنبياء

هم عباد الله المكرمون، اختصهم برحمته، وجعل منهم حملة رسالاته إلى الناس، و]اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ[ (سورة الأنعام: الآية 124).

  1. نوحu

“كان نوح رجلاً باراً كاملاً في أجياله. وسار نوح مع الله.. وقال الرب لنوح اخل أنت وجميع بنيك إلى الفلك. لأني إياك رأيت باراً لدي في هذا الجيل” (سفر التكوين 6: 9، 7: 1).

وفى القرآن الكريم تتجلى صورة الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه: ]وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ(75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ[ (سورة الصافات: الآيتان 75، 76). ]سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ(79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ[ (سورة الصافات: الآيات 79 -81). ]ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا[ (سورة الإسراء: الآية 3). ]يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا ءَالَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ[ (سورة سبأ: الآية 13).

  1. موسىu

“أما الرجل موسى فكان حليماً جداً أكثر من جميع الناس الذين على وجه الأرض. وأما عبدي موسى فليس هكذا بل هو أمين في كل بيتي” (سفر العدد 12: 3، 5 ـ 7).

وفي محكم التنزيل، يقول الله تبارك وتعالى: ]قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا ءَاتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ[ (سورة الأعراف: الآية 144). ]وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا[ (سورة النساء: الآية 164). ]سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ(120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ[ (سورة الصافات: الآيات 120-122).

  1. يحيى بن زكرياuأو يوحنا المعمدان

“قال له الملاك: لا تخف يا زكريا لأن طلبتك قد سمعت، وامرأتك اليصابات ستلد ابنا وتسميه يوحنا. لأنه يكون عظيما أمام الرب، وخمراً ومسكراً لا يشرب. ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس. ويرد كثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلههم. ويتقدم أمامه بروح إيليا” (إنجيل لوقا 1: 11 ـ 17).

فلقد كان يوحنا هو الذي عمد المسيح في ماء الأردن. “ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضا. وإذا كان يصلي انفتحت السماء ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة.

ولما ابتدأ يسوع (دعوته) كان له ثلاثين سنة” (إنجيل لوقا 3: 21 ـ 22).

ويصف القرآن يحيى عليه السلام في قوله تعالى:

]يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَءاتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا(12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا(13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا[ (سورة مريم: الآيات 12 ـ 14).

  1. المسيح عيسى بن مريمu

حرّف أهل الكتاب في أوصاف عيسى عليه السلام، فجعلوه الرب، وابن الرب، كما حرَّفوا في أوصاف أمه السيدة مريم، وجعلوها إلهة، وقد وصف الله مريم: ]وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ(42) يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ[ (سورة آل عمران: الآيتان 42، 43).

ووصف عيسى u بقوله: ]إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ(45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ(46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ(48) وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ (سورة آل عمران: الآيات 45 – 49).

وكان ميلاد المسيح u خارقة ومعجزة من معجزات الله تبارك وتعالى: ]إنّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ ءاَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَاٍب، ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ[ (سورة آل عمران: الآية 59).

ورسل الله وأنبياؤه درجات متفاوتة، وإن حظوا جميعاً بنعمة اصطفاء الله لهم وتفضيلهم جميعا على غيرهم من سائر البشر.

]تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَءاتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ ءامَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيد[ُ (سورة البقرة: الآية 253).

إن المسلم يعلم يقيناً أن المسيح u جاء رسولاً من الله إلى بنى إسرائيل، وأنه من أولي العزم من الرسل، وهو أولاً وأخيراً عبد من عباد الله المكرمين. ولهذا يؤمن المسلم بكل قول يضع المسيح في موضعه الصحيح هذا، ولا يتعداه، بأن يجعله إلهاً أو ابن إله. ومن أمثلة ذلك:

أ. وحين أحيا الميت الابن الوحيد لأمه الأرملة ـ وهي معجزة كبرى ـ هتف الجميع بأنه نبي عظيم. فعندما “تقدم ولمس النعش فوق الحاملين. فقال أيها الشاب لك أقول قم. فجلس الميت وابتدأ يتكلم فدفعه إلى أمه. فأخذ الجميع خوف ومجدوا لله قائلين: قد قام فينا نبي عظيم وافتقد الله شعبه” (إنجيل 7: 14).

ب. ولقد شهد تلاميذ المسيح أنه عبد الله ورسوله ولا شيء أكثر من هذا. فها هو متى يقرر في إنجيله (12: 17 ـ 21) “إن المسيح حين جاء، صدقت فيه نبوءة أشعيا (الإصحاح 42) التي يقول مطلعها: “هو ذا عبدي الذي أعضده.. وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم”.

ج. وكذلك شهد بطرس ويوحنا وبقية التلاميذ أن المسيح كان عبداً لله.

د. “هب لعبيدك أن يعلنوا كلمتك.. باسطاً يدك ليجرى الشفاء والآيات والأعاجيب باسم عبدك القدوس يسوع” (سفر أعمال الرسل 4: 24 ـ 30).

هـ. وما كان المسيح في عقيدة بطرس إلا إنساناً كان الله معه ـ وليس حالاً فيه كما زعم بعضهم ـ ومن ثم صنع الله بيده كل تلك المعجزات. فذلك كان إعلان بطرس في كل مناسبة: “أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال: يسوع الناصرى رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم تعلمون” (سفر أعمال الرسل 2: 22).

تلك هي عقيدة المسلم في أنبياء الله ورسله وأنهم ليسوا إلا عبادًا مكرمين.

ثالثاً: من تعاليم الحياة اليومية

  1. تحريم لحم الخنزير

“كلم الرب موسى وهارون قائلا لهما.. هذه هي الحيوانات التي لا تأكلونها الخنزير.. هو نجس لكم. من لحمها لا تأكلوا وجثتها لا تلمسوا” (سفر اللاويين 11: 1-8 ).

“وأما الذين يأكلون لحم الخنزير فلهم العذاب والهلاك: “الرب بالنار يعاقب وبسيفه على كل بشر.. الذين يقسون ويطهرون أنفسهم في الجناب. (سفر أشعيا 66: 16-18).

وفي القرآن: ]حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ[ (سورة المائدة: الآية 3).

  1. تحريم الخمر والتنديد بشاربها

“كلم الرب هارون قائلا: خمراً ومسكراً لا تشرب أنت وبنوك معك، عند دخولك إلى خيمة الاجتماع، لكي لا تموتوا. فرضاً دهر يا في أجيالكم. وللتمييز بين المقدس والمحلل وبين النجس والطاهر ولتعليم بنى إسرائيل جميع الفرائض التي كلمهم الرب بها بيد موسى” (سفر اللاويين 10: 8 ـ 11).

“الخمر مستهزئة. السكر عجاج. ومن يترنح بهما فليس بحكيم” (سفر الأمثال 20:1).

“لمن الويل، لمن الشقاوة، لمن المخاصمات، لمن الكرب، لمن الجروح بلا سبب، لمن ازمهرار العينين: للذين يدمنون الخمر، الذين يدخلون في طلب الشراب الممزوج. لا تنظر إلى الخمر، إذا احمرت في الكأس وساغت مرقرقة. في الآخر تلسع وتلدغ كالأفعوان” (سفر الأمثال 23: 29 ـ 32).

وفى الإنجيل كان من علامات الطهر، والأفضلية عند الله، ليحيى بن زكريا (يوحنا المعمدان) أنه: “خمراً ومسكراً لا يشرب” (إنجيل لوقا 1: 15).

“الجسد يشتهى ضد الروح.. وأعمال الجسد ظاهرة التي هي: زنى، عهارة، نجاسة، دعارة، عبادة الأوثان.. قتل، سكر.. إن الذين يفعلون مثل هذه لا يرثون ملكوت الله” (الرسالة إلى غلاطية 5: 17-21).

وفى الإسلام لُعنت الخمر، واعتبر شربها إثماً كبيراً يقام الحد على شاربها. يقول الله في القرآن: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ[ (سورة المائدة: الآيتان 90، 91).

  1. مراعاة الأدب والحياء في اللباس

ففي اليهودية: “لا يكن متاع رجل على امرأة، ولا يلبس رجل ثوب امرأة، لأن كل من يعمل ذلك مكروه لدى الرب إلهك” (سفر التثنية 22 5).

وفى المسيحية: “النساء يزين ذواتهن بلباس الحشمة مع ورع وتعقل، لا بضفائر أو ذهب أو لآلئ أو ملابس كثيرة الثمن” (الرسالة الأولى إلى تيموثاوس 2:9).

“كل امرأة تصلي، ورأسها غير مغطى، فتشين رأسها؛ لأنها والمحلوقة شىء واحد بعينه. إذ المرأة إن كانت لا تتغطى فليقص شعرها” (الرسالة الأولى إلى كورنثوس 11: 5 ـ 6).

“أيتها النساء: كن خاضعات لرجالكن.. ولا تكن زينتكن الزينة الخارجية من ضفر الشعر والتحلي بالذهب ولبس الثياب” (الرسالة الأولى لبطرس 3: 1-3).

ويقول الله في القرآن مخاطباً كل الناس: ]يَا بَنِي ءادَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ ءايَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ(26) يَا بَنِي ءادَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ[ (سورة الأعراف: الآيتان 26، 27).

]يَا بَنِي ءادَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ[ (سورة الأعراف: الآيات 31 ـ 33).

]قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ(30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءابَائِهِنَّ أَوْ ءابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ (سورة النور: الآيتان 30، 31).

  1. تشديد العقوبة على جريمة الزنى

هناك اتفاق تام بين اليهودية والمسيحية والإسلام على تشديد العقوبة على جريمة الزنى وعلى كل الممارسات الجنسية الخاطئة، مع تفاوت بينها في درجات الشدة.

ففي اليهودية: “إذا زنى رجل مع امرأة.. فإنه يُقتل الزاني والزانية. وإذا اتخذ رجل امرأة وأمها فذلك رذيلة. بالنار يحرقونه وإياهما لكي لا يكون رذيلة بينكم.

“إذا اضطجع رجل مع امرأة طامث، وكشف عورتها، عرى ينبوعها وكشفت هي ينبوع دمها، يقطعان كلاهما من شعبهما” ـ (سفر اللاوتيين 20: 10 ـ 18).

وفى المسيحية: “قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن. وأما أنا فأقول لكم: إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه. فإن كانت عينك اليمنى تعثرك، فأقلعها، وألقها عنك. لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك، ولا يلقى جسدك كله في جهنم. وإن كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها وألقها عنك، لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم” (إنجيل متى 5 ـ 27 ـ 30).

“لا زناة، ولا عبدة أوثان.. ولا مضاجعو ذكور.. ولا سكيرون.. يرثون ملكوت الله” (1) (كورنثوس 6: 9 ـ 10).

وعقاب الزناة في هذه الحياة، هو ما قررته شريعة موسى أي القتل رجماً. فذلك ما قرره المسيح في قوله لمن آمن به من بنى إسرائيل، ولمن لم يؤمن به: “خاطب يسوع الجموع وتلاميذه قائلا: على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون. فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه. ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا؛ لأنهم يقولون ولا يفعلون” (إنجيل متى 23: 1 ـ 3).

وأما قصة المرأة الزانية، التي انفرد بها إنجيل يوحنا وقال فيها: “قدم إليه الكتبة والفريسيون امرأة أمسكت وهي تزني في ذات الفعل. وموسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه ترجم. فماذا تقول أنت؟ قال لهم: من كان منكم بلا خطية فليرمها أولا بحجر.. فلما سمعوا خرجوا واحداً واحداً.. فلما انتصب يسوع، ولم ينظر أحداً سوى المرأة، قال لها يا امرأة أين هم أولئك المشتكون عليك؟ أما أدانك أحد. فقالت لا أحد يا سيدي. فقال لها يسوع ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئ” (إنجيل يوحنا 8: 3 ـ 11).

فلا وجود لها في أقدم نسخ إنجيل يوحنا، ولكنها أضيفت إليه فيما بعد.

وفي الإسلام، يعد الزنى من الكبائر، ومن الخطايا التي تورد صاحبها الهلاك، إلا أن يتوب. فالحق يقول: ]وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا(68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا(69) إِلا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا[  (سورة الفرقان: الآيات 68 – 70).

ولقد تحددت العقوبة في الدنيا كالآتي: إذا كان الخاطئ أعزب فالعقوبة هي الجلد: ]الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (سورة النور: الآية 2).

وإذا كان الخاطئ محصناً ـ أي متزوج ـ فالعقوبة هي الرجم، وهي عقوبة قررتها السنة النبوية. فقد ثبت أن رسول الله r رجم ماعز الأسلمي والمرأة الغامدية، بناء على اعتراف كل منهما ومجيئه إلى رسول الله r يطلب التطهير من خطيئته.

رابعاً: البعث والجزاء في الآخرة

عقيدة البعث والجزاء في الآخرة ـ أو يوم الحساب ـ في اليهودية غير محددة المعالم. فقد سقطت من أسفار موسى الخمسة وما تلاها من أسفار. ولم تبدأ الإشارة إليها إلا بعد موسى بأكثر من خمسة قرون، في مثل هذه الأقوال:

“يُفنى كل جند السماوات، وتلتف السماوات كدرج، وكل جندها ينتثر كانتثار الورق من الكرمة” (سفر أشعيا 34: 4).

“كثيرون من الراقدين في تراب يستيقظون: هؤلاء إلى الحياة الأبدية، وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبدي” (سفر دانيال 12: 2).

ولقد استمرت عقيدة إنكار البعث والحساب سائدة، بين قطاعات كبيرة من بني إسرائيل، حتى أنه بعد أن جاء المسيح، كان من خصومه الأقوياء طائفة تسمى الصدوقيون، يصفهم الإنجيل بقوله: “الذين يقولون ليس قيامة” (إنجيل متى 22: 23). ويقول فيهم سفر أعمال الرسل أن: “الصدوقيين يقولون أنه ليس قيامة ولا ملاك ولا روح، وأما الفريسيون فيقرون بكل ذلك” ( 23: 8).

وقد أكد المسيح، على عقيدة البعث والحساب، وبيّن أنه في الآخرة سيمضى الناس فريقين: “هؤلاء إلى عذاب أبدى، والأبرار إلى حياة أبدية” (إنجيل متى 35: 46).

ثم ذكر المسيح شيئاً من عذاب الآخرة فقال: “إن أعثرتك يدك فاقطعها، خير لك أن تدخل الحياة أقطع من أن تكون لك يدان وتمضى إلى جهنم، إلى النار التي لا تطفأ، حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ.. وإن أعثرتك عيناك فاقلعهما. خير لك أن تدخل ملكوت الله أعور من أن تكون لك عينان وتطرح في جهنم النار. حيث دودهم لا يموت والنار لا تطفأ” (إنجيل مرقس 9: 43 ـ 48).

وكذلك ذكر المسيح شيئاً من نعيم الآخرة؛ فبين أن فيها خمراً وطعاماً وشراباً ومنازل وأهلاً، أضعاف ما كان في الدنيا: فقد قال لتلاميذه في العشاء الأخير بعد أن: “أخذ الكأس وشكر وأعطاهم فشربوا منها كلهم. وقال لهم: الحق أقول لكم إني لا أشرب بعد من نتاج الكرمة إلى ذلك اليوم حينما أشربه جديداً في ملكوت الله” (إنجيل مرقس 14: 23 ـ 25).

ولقد وعد المسيح الذين اتبعوه، وتحملوا المشاق والآلام من أجله، أن تكون لهم في الآخرة مائة ضعف من البيوت والنساء والأولاد وغيره. فقد قال له بطرس: “ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك فماذا يكون لنا؟ فقال لهم يسوع: الحق أقول لكم..كل من ترك بيوتاً أو أخوة أو أخوات أو أماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً من أجل أسمى. يأخذ مائة ضعف ويرث الحياة الأبدية” (إنجيل متى 19: 27 ـ 29).

وقال المسيح أن في الآخرة: “منازل كثيرة، وإلا فإني كنت قد قلت لكم أن أمضى لأعد لكم مكاناً” (إنجيل يوحنا 14: 2).

وقال لتلاميذه أيضاً في العشاء الأخير: “أنتم الذين ثبتوا معي في تجاربي أن أجعل لكم ملكوتاً لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي، وتجلسوا على كراسي تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر” (إنجيل لوقا 22: 18 ـ 30).

أمّا حديث القرآن عن الجنة والنار فيأخذ بالألباب ويشوق النفوس إلى نعيم الجنة ويخوفهم من عذاب النار: ]مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ ءاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ[ (سورة محمد: الآية 15).

]يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ(68) الَّذِينَ ءامَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ(69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ(70) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(71) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(72) لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ(73) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ(75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ(76) وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ(77) لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ[ (سورة الزخرف: الآيات 68- 78).

]إِنَّ الَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلا(107) خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا[ (سورة الكهف: الآيتان 107، 108). ]لَهُمْ مَا يَشَاءونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ[ (سورة ق: الآية 35).

المبحث الرابع

نقاط الخلاف بين الإسلام والأديان السماوية الأخرى

أولاً: الإله

يرفض المسلم ما في اليهودية والمسيحية المحرَّفتين، من كل قول ينسب لله تجسيدًا، أو تشبيهًا، أو حلولا في أشياء، وما إلى ذلك من أوهام وضلالات، كما يرفض كل حديث يصور الله وقد لحقت به عواطف الإنسان وانفعالاته وضعفه، فكل ذلك باطل. بل إن القاعدة الأصلية التي يقوم عليها فكر المسلم في الإله الحق، أنه واحد أحد صمد: ]لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ[ (سورة الإخلاص: الآيتان 3، 4)، وأنه: ]فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[ (سورة الشورى: الآية 11)، وأنه: ]لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[ (سورة الأنعام: الآية 103)، و: ]وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم[ُ (سورة الروم: الآية 27).

تصور الديانة النصرانية للإله

ارتكبت أمة النصارى محظورين عظيمين، لا يرضى بهما ذو عقل ولا معرفة.

أحدهما: الغلو في المخلوق، حتى جعلوه شريكًا للخالق، وجزءًا منه، إلهًا آخر معه، ونفوا أن يكون عبدًا له.

وثانيًا: تنقص الخالق وسبه ورميه بالعظائم، حيث زعموا أن الله ـ سبحانه وتعالى عن قولهم علوًا كبيرًا ـ نزل من عرشه، ودخل في فرج امرأة، وأقام هناك تسعة أشهر، يتخبط بين البول والدم والنجو، وقد علته أطباق المشيمة والرحم والبطن، ثم خرج من حيث دخل رضيعًا صغيرًا، يمص الثدي ولُف في القمط، وأُودع السرير، يبكي ويجوع ويعطش ويبول ويتغوط، ويُحمل على العواتق، ثم صار إلى أن لطمت اليهود خديه، وربطوا يديه، وبصقوا في وجهه، وصفعوا قفاه، وصلبوه جهراً بين لصين، وألبسوه إكليلاً من الشوك، وسمَّروا يديه ورجليه، وجرَّعوه أعظم الآلام؛ هذا الإله الحق الذي بيده أُتقنت العوالم، وهو المعبود المسجود له، ولعمر الله إن هذا مسبة لله سبحانه، ما سبه بها أحد من البشر قبلهم ولا بعدهم.

ومن عقائدهم الباطلة في الله:

  1. الراحة بعد خلق السماوات والأرض

تقول الأسفار: “فزع الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمله. وبارك الله اليوم السابع وقدسه لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقا” (سفر التكوين 2: 2-3).

ولقد رد الله زعمهم وكفرهم في القرآن فقال: ]وَلَقَدْ خَلَقْنَا السّمَواتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوب[ (سورة ق: الآية  38)، وقال: ]أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ[ (سورة ق: الآية 15).

  1. الندم على خلق الإنسان وغيره

جاء في سفر التكوين: “ورأى الرب أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، فحزن الرب أنه عمل الإنسان في قلبه، فقال الرب أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته. الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء، لأني حزنت أنى عملتهم” (سفر التكوين: 5 – 7).

  1. بلبلة ألسنة البشر ليتفرقوا فلا يتقدموا في الحياة!:

جاء في سفر التكوين: “وكانت الأرض كلها لسانا واحداً.. وقال بعضهم لبعض هلم نبن لأنفسنا مدينة وبرجا رأسه بالسماء.. فنزل الرب لينظر المدينة والبرج اللذين كان بنو آدم يبنونهما. وقال الرب: هو ذا شعب واحد ولسان واحد لجميعهم وهذا ابتداؤهم العمل. هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم، حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض. فبددهم الرب من هناك على وجه كل الأرض، فكفوا عن بنيان المدينة. لذلك دعى اسمها بابل. لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض” (سفر التكوين 11: 1 ـ 9).

أما في الإسلام، فيقرر أن اختلاف ألسنة البشر، كاختلاف ألوانهم، إنما هو آية دالة على قدرة الله وبديع صنعه: ]وَمِنْ ءَايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ[ (سورة الروم: الآية 22).

  1. مصارعة إنسان والعجز عن التغلب عليه

إنها حقا تصدم كل مسلم حين يقرأ هذا العنوان الفرعي في الأسفار: (يعقوب يصارع الله)[1]

تقول هذه الأسطورة: “بقى يعقوب وحده، وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر. ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضرب حق فخذه.. وقال أطلقني لأنه قد طلع الفجر. فقال (يعقوب) لا أطلقك إن لم تباركني. فقال ما اسمك؟ فقال يعقوب. فقال لا يدعي اسمك في ما بعد يعقوب بل إسرائيل لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت. (سفر التكوين 32: 24 ـ 30).

  1. الحلول في الإنسان

يقول إنجيل يوحنا: “الأب الحالي هو يعمل الأعمال. صدقوني إني في الآب، والآب فيّ” (إنجيل يوحنا 14: 10-11).

وجاء في رسائل بولس الهللينستي عن المسيح: “فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديا” ـ (الرسالة إلى كمولوسى 2: 9).

ويقول القرآن: ]إِنْ هُوَ إِلا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ[ (سورة الزخرف: الآية 59).

]وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا(88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا(89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا(90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا(91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا(92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا ءَاتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا(93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا(94) وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا[ (سورة مريم: الآيات 88 – 95).

]لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ(72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[ (سورة المائدة: الآيات 72 – 74).

ثانياً: الأنبياء

إن المسلم ليرفض كل ما ألحق بسير الأنبياء، من نقائض ومخازي، فهم عباد الله المصطفون الأخيار، جعلهم الله هداة البشرية وأسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم والآخر. فالقرآن يقول فيهم:

]أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا[ (سورة مريم: الآية 58).

]أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ[ (سورة الأنعام: الآية 90).

]وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ[ (سورة الأنبياء: الآية 73).

تلك هي عقيدة المسلم في أنبياء الله. ومن ثم فهو ينكر بل ويستنكر كل الخطايا التي توردها الأسفار المحرَّفة. ومن أمثلة ذلك ما يقال عن: زنى لوط بابنتيه (سفر التكوين 19: 30 ـ 38): وكان من ثمرته ابنا الزنى موآب وعمون، ومن ذرية أولهما جاء داود !

خيانة موسى وهارون لله: ويزعمون أن هذا الاتهام الخطير هو آخر وحي تلقاه موسى قبل موته، فقد كلم الرب موسى في ذلك اليوم قائلا، اصعد إلى جبل عباريم.. وانظر أرض كنعان… ومت في الجبل الذي تصعد إليه وانضم إلى قومك، كما مات أخوك هارون، في جبل هور وضُم إلى قومه، لأنكما خنتمانى في وسط بنى إسرائيل.. إذا لم تقدساني في وسط بني إسرائيل” (سفر التثنية 32: 48 ـ 51).

لكن القرآن يبرئ موسى وهارون من هذه الخيانة وأمثالها فيقول: ]وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا(51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا(52) وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا[ (سورة مريم: الآيات 51- 53).

من مزاعمهم زنى داود بامرأة عبده أوريا الحثى ثم تآمر عليه وقتله (سفر صموئيل الثاني 11: 1 ـ 27).

تقول الأسفار: “وأحب الملك سليمان نساء غريبة كثيرة مع بنت فرعون: موآبيات وعمونيات وأدوميات.. من الأمم الذين قال عنهم الرب لبني إسرائيل لا تدخلون إليهم وهم لا يدخلون إليكم.. فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة. وكانت له سبعمائة من النساء السيدات، وثلاثة مائة من السراري. وكان في زمان شيخوخته أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى ولم يكن قلبه كاملا مع الرب.. فذهب سليمان وراء عشتروت إلهة الصيدونيين، وملكوم رجس العمونيين. وعمل سليمان الشر في عيني الرب. حينئذ بنى سليمان مرتفعة لكموش، رجس الموآبيين، على الجبل الذي تجاه أورشليم.. وهكذا فعل لجميع نسائه الغريبات اللواتي كن يوقدن ويذبحن لآلهتهن. فغضب الرب على سليمان” (سفر الملوك الأول 11: 1 ـ 9).

لكن القرآن يثني على سليمان ثناءً جميلاً، ويبرئه تماما من تهمة الكفر هذه ]وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ[ (سورة ص: الآية 30).

]وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ[ (سورة البقرة: الآية 102).

ثالثاً: قضية صلب المسيح

يعتقد النصارى أن المسيح u صلبه بنو إسرائيل، وأن ذلك كان ضرورة للتكفير عن خطايا البشر، وتعد هذه القضية هي أساس عقيدة النصارى.

ويقول الله تعالى: ]وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا(157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا[ (سورة النساء: الآيتان 157، 158).

وهذا ينفى ما في رسائل بولس وما اقتبس منها في الأناجيل بأن المسيح: “بذل نفسه لأجل خطايانا لينقذنا من العالم الشرير” أو أنه “بذل نفسه فدية لأجل الجميع”.

لقد تنبأ المسيح بنجاته من القتل، كما تنبأت المزامير كثيراً وكثيراً. “فقد أرسل الفريسيون ورؤساء الكهنة خداماً ليمسكوه فقال لهم يسوع: أنا معكم زمانا يسيراً، ثم أمضى إلى الذي أرسلني. ستطلبونني ولا تجدونني، حيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا” (إنجيل يوحنا 7: 32 ـ 34).

وهذا يؤكد أن اليهود حين يطلبون المسيح لقتله فلن يجدوه؛ لأن الله سيحفظه بالرفع. ومن الطبيعي أن يقال أن السماء مكان يعجز اليهود عن الوصول إليه تعقبا للمسيح.

هذا ولقد اختلفت الأناجيل الأربعة، وتناقضت في عناصر قصة الصلب، ويكفى أن العشاء الأخير كان حسب الثلاثة الأولى: متى ومرقس ولوقا وهو عشاء الفصح، وأما الإنجيل الرابع فقد جعله قبل الفصح بأيام. وقد ترتب على هذا أن كان يوم الصلب حسب الثلاثة يوم الجمعة، بينما هو حسب إنجيل يوحنا يوم الخميس ـ اليوم الذي ذبحت فيه خراف الفصح (إنجيل يوحنا 18: 28، 19: 14).

ولما كانت المقبرة التي وضع فيها جسد المصلوب، قد وجدتها مريم المجدلية خالية صباح الأحد، فإن هذا يعنى أن جسد ذلك المصلوب لم يدفن في الأرض “ثلاثة أيام وثلاث ليال” حسبما هو شائع في الأناجيل: متى 12: 40، 17: 23 ـ مرقس 9: 31 ـ لوقا 9: 22. فالفترة بين يوم الجمعة يوم الصلب، ويوم الأحد يوم القيامة لا تزيد عن: يوم واحد وليلتين.

رابعاً: تحريف نصوص الأسفار

يقول القرآن في شأن اليهود: ]فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[ (سورة المائدة: الآية 13).

ويقول في شأن النصارى: ]وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ[ (سورة المائدة: الآية 14).

ويقول في أهل الكتاب من اليهود والنصارى: ]وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ[ (سورة آل عمران: الآية 78).

]وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ(78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ[ (سورة البقرة: الآيتان 78، 79).

وقد اعترفوا هم بالتحريف صراحة، عندما أعلن مجمع الفاتيكان الأول (69 ـ 1870م) أن الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد: “كُتب بإلهام الروح القدس، وأعطيت هكذا للكنيسة”. ثم بعد نحو 90 عاما عقد مجمع الفاتيكان الثاني (62-1965م). وقد أدرجت في الوثيقة المسكونية الرابعة فقرة عن التنزيل تختص بالعهد القديم، تقول: “تسمح أسفار العهد القديم للكل بمعرفة من هو الله، ومن هو الإنسان، بما لا يقل عن معرفة الطريقة التي يتصرف بها الله في عدله ورحمته مع الإنسان. غير أن هذه الكتب تحتوى على نقائض وأباطيل، ومع ذلك ففيها شهادة عن تعليم إلهي”.

تقول الترجمة الفرنسية المسكونية للكتاب المقدس T.O.B فيما يتعلق بنصوص أسفار العهد القديم تحت عنوان “إفساد النصوص” Corruptions Textuelles.

“لا شك.. أن هنالك عدداً من النصوص المشوهة، التي تفصل النص المسوري الأول عن النص الأصلي. فمثلا، تقفز عين الناسخ من كلمة إلى كلمة تشبهها. وترد بعد بضعة أسطر، مهملة كل ما يفصل بينهما. كما أن هناك أحرفاً، كتبت كتابة رديئة، فلا يحسن الناسخ قراءتها؛ فيخلط بينها وبين غيرها. وقد يدخل الناسخ في النص الذي ينقله، لكن في مكان خاطئ، تعليقا هامشيا يحتوى على قراءة مختلفة أو على شرح ما. والجدير بالذكر أن بعض النساخ الأتقياء أقدموا، بإدخال تصحيحات لاهوتية، على تحسين بعض التعابير التي كانت تبدو لهم معرضة لتفسير عقائدي خطر.

كذلك تقول الترجمة الفرنسية المسكونية فيما يتعلق بنصوص أسفار العهد الجديد: “إن نص العهد الجديد ظل يُنسخ طوال قرون كثيرة بيد نساخ صلاحهم للعمل متفاوت، وما من واحد منهم معصوم من مختلف الأخطاء، التي تحول دون أن تتصف أي نسخة كانت، مهما بذل فيها من الجهد، بالموافقة التامة للمثال الذي أخذت عنه.

يضاف إلى ذلك أن بعض النساخ حاولوا أحيانا، عن حسن نية، أن يصوبوا ما بدا لهم أنه يحتوي أخطاء واضحة، أو قلة دقة في التعبير اللاهوتي، وهكذا أدخلوا إلى النص قراءات جديدة تكاد أن تكون كلها خطأ.

ومن الواضح أن ما أدخله النساخ من التبديل، على مر القرون، تراكم بعضه على بعضه الآخر، فكان النص الذي وصل آخر الأمر إلى عهد الطباعة مثقلا بمختلف ألوان التبديل ظهرت في عدد كبير من القراءات. ولا يرجى في حال من الأحوال الوصول إلى الأصل نفسه”.

خامساً: نبوة محمد r

ينكر اليهود إلى اليوم نبوة المسيح، u، وكذلك يتفقون مع النصارى في إنكار نبوة محمد r. ومن العجيب أن التوراة تضع شرطين، لابد منهما للحكم على صدق النبوة:

  1. الشرط الأول: أن يدعو النبي إلى عبادة الله الواحد الأحد.

فبالنسبة للشرط الأول، قال الرب لموسى ولبني إسرائيل:

“إذا قام في وسطك نبي أو حالم حلما وأعطاك آية أو أعجوبة. ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التي كلمك عنها قائلا لنذهب وراء آلهة أخرى.. فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم، لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم. وإياه تعبدون وبه تلتصقون. وذلك النبي أو الحالم، ذلك الحلم يقتل لأنه تكلم بالزيغ من وراء الرب إلهكم” (سفر التثنية 13: 1 ـ 5).

  1. الشرط الثاني: أن تتحقق تنبؤات ذلك النبي فيما يتعلق بأحداث المستقبل.

وبالنسبة للشرط الثاني: قال الرب لموسى ولبنى إسرائيل:

“وإن قلت في قلبك كيف تعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب. فما تكلم به النبي باسم الرب. ولم يحدث ولم يصر، فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب بل بطغيان تكلم به النبي فلا تخف منه” (سفر التثنية 18: 21 ـ 22).

وهذان الشرطان ينطبقان تماماً على نبوة محمدr، بكل بساطة ووضوح.

فقد قامت نبوته أساسا على التوحيد الخالص وأنه لا إله إلا الله.

وبالنسبة لصدق تنبؤات المستقبل، فذلك شيء حفل به القرآن. ويكفي في هذا المجال نبوءة واحدة، تتعلق بصراع القوى الكبرى، في عصر النبوة، إلا وهو التنبؤ بانتصار الروم على الفرس رغم ما لحق بهم من هزائم متوالية، ولقد جاء ذلك في سورة تعرف باسم “الروم”.

يقول المؤرخ الإنجليزي ستيفن رنسيمان: “فى ربيع سنة 614م، دخل فلسطين القائد الفارسي شهر باراز، فصار ينهب الأراضي ويحرق الكنائس أينما سار.. وفى 15 أبريل سنة 614 م، اقتحم بيت المقدس واستعد البطريرك زكريا لتسليم المدينة؛ ليتجنب سفك الدماء، غير أن السكان المسيحيين رفضوا الاستكانة إلى التسليم. وفى 5 مايو سنة 614م، وبفضل مساعدة اليهود المقيمين داخل المدينة، شق الفرس طريقهم إلى داخل المدينة، فتلى ذلك من المناظر المريعة ما يجل عن الوصف. على أن سقوط بيت المقدس في أيدي الفرس كان صدمة عنيفة للعالم المسيحي، وما قام به اليهود من دور لم يجز نسيانه، أو اغتفاره، فاتخذت الحرب مع الفرس صفة الحرب المقدسة.

فلما صار هرقل آخر الأمر سنة 622م قادرا على أن يتخذ خطة الهجوم على العدو، نذر نفسه وجيشه لله. واستطاع هرقل آخر، على الرغم مما جرى من تقلبات عديدة في الأحداث، وما اشتد من القلق واليأس في أوقات عديدة، أن ينزل الهزيمة الساحقة بالفرس”.

لقد حزن المسلمون لهزائم الروم، لما شعروا به نحوهم من روابط القربى، في الإيمان بالله والملائكة والكتاب والنبيين، على حين فرح مشركو مكة وما حولها بانتصار الفرس.

يقول المستشرق كارل بروكلمان: “هلل المكيون لهذه الانتصارات الفارسية ولكن محمدا r أعلن لأتباعه أن الهزيمة لابد أن تحل بالفرس في وقت قريب. ولقد استمرت الأمور تسير بعد نزوله آية النبوءة هذه في غير صالح الروم، إذ استولى الفرس على مصر كما هددوا القسطنطينية قلب الإمبراطورية. ولكن ما أن جاء عام 622م حتى بدأ الموقف يتحول لصالح الروم. واتخذ هرقل خطة مهاجمة الفرس، فقام بثلاث حملات باهرة في الإقليم الواقع من خلف جبال القوقاز. ثم لم يلبث أن انتزع من كسرى ثمرات النصر الذي تم له وتعقبه حتى عاصمة ملكه. ومن ذلك الحين والإمبراطورية الساسانية (الفارسية) تسير قدماً نحو مصيرها النهائي المحتوم إلى الدمار”.

حدث هذا ولما يمضي على نزول آية النبوءة هذه بضع سنين، وهو العدد أقل من عشرة.

التنبؤ بحفظ النبي r من محاولات قتله:

قال تعالى: ]يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ[ (سورة المائدة: الآية 67).

وقالت عائشة رضي الله عنها: ]كَانَ النَّبِيُّ r يُحْرَسُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةَ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ r رَأْسَهُ مِنْ الْقُبَّةِ فَقَالَ لَهُمْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ[ (رواه الترمذي، الحديث الرقم 2972).

لقد اكتملت رسالة النبي r في حياته، ومات ميتة طبيعية على فراشه بين أهلة وصحابته، فتحققت بذلك نبوءة القرآن تماما.

  1. صفات النبيrالمرتقب الذي بشرت به الأسفار

أ. من توراة موسى

هو نبي مثل موسى يجعل الله كلامه في فمه، فلا ينطق عن الهوى (سفر التثنية 18: 18).

ب. من المزامير

“تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار.. اركب من أجل الحق والدعة والبر فتريك يمينك مخاوف.. شعوب تحتك يسقطون.. بنات ملوك بين حظياتك” ـ (المزمور 45).

ولقد تحقق هذا في نبينا محمد رسول الله r، في حروبه ضد الكفار والمشركين.

ج. من سفر أشعياء

يشتهر بأنه عبد الله ورسوله: “هو ذا عبدي الذي أعضده. مختاري الذي سرت به نفسي. وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم”. ـ يسود الدين وتكتمل الشريعة التي جاء بها في عهده، لا من بعده: “لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض وتنتظر الجزائر شريعته”.

يعصمه الله من الناس: “أمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهدا للشعب ونورا للأمم”.

يأتي من الصحراء (البرية) وينتسب إلى إسماعيل بن إبراهيم: “لترفع البرية ومدنها صوتها، الديار التي سكنها قيدار”. وقيدار هذا هو الابن الثاني لإسماعيل (سفر التكوين 25: 13).

الشعب الذي ظهر فيه وانتصر عليه كان من عباد الأوثان: “يخزى خزيا المتكلون على المنحوتات، القائلون للمسبوكات أنتن آلهتنا. رجل حرب مقدام ينتصر على أعدائه: “كرجل حروب ينهض غيرته. يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه. في مناسك دينه هتاف وتسبيح من رؤوس الجبال: “من رؤوس الجبال ليهتفوا، ليعطوا للرب مجدا ويخبروا بتسبيحه في الجزائر”. وهذا يحدث في موسم الحج حيث أهم مناسكه الوقوف بجبل عرفات.

  1. المختار روح الحق

تحدث المسيح عن رسول آت بعده سماه المختار روح الحق، وذلك في إصحاحات ثلاث أرقامها 14، 15، 16. كان مما قاله:

“أقول لكم الحق إنه خير لكم أن انطلق. لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المختار.. ومتى جاء ذاك، يبكت العالم على خطاياه لأنهم لا يؤمنون بي.

إن لي أموراً كثيرة لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه، بل بكل ما يُوحى به يتكلم، ويخبركم بأمور آتية” (إنجيل يوحنا 16: 7 ـ 13).

من هنا يتضح عدة أمور منها:

أ. إن المسيح وروح الحق لا يجتمعان في وقت واحد، وأن الثاني لا يأتي إلا بعد رحيل الأول.

ب. وأن روح الحق كائن مستقل لا يتكلم من نفسه، إنما ينقل إلى الناس الحق الذي يسمعه.

ج. وأنه سوف يتنبأ بأمور آتية فيما بعد.

د. ولما كان يوحنا، كاتب هذا الكلام، في إنجيله قد بين، في رسالته الأولى، أن روح الحق إنسان مؤمن (4: 6)، ولما كانت حاشية الترجمة الفرنسية المسكونية قد ذكرت أن روح الحق الذي تكلم عنه يوحنا في إنجيله (14: 17) هو ذاته الذي تكلم عنه في رسالته الأولى، ولما كان الروح القدس قد لازم المسيح منذ عمده يوحنا “واستقر عليه ـ إنجيل يوحنا 1: 32” ـ من كل ما سبق يتبين أن روح الحق غير الروح القدس. ويتبين أن روح الحق الذي تحدث عنه المسيح إنما هو إنسان رسول يأتي بعده، ويبكت العالم على أنه لم يؤمن بالمسيح الإيمان الحق، أي أنه عبد الله ورسوله. وأن هذا الرسول المرتقب ليس إلا النبي، الذي كان ينتظره بنو إسرائيل (يوحنا 1: 21).

وأخيرا فإن هذا النبي المرتقب سوف يخبر ببعض أحداث المستقبل. وقد تحققت في عالم الواقع، ولاشك أن الواقع هو خير برهان.

وإذا كان المسيح قد قال إنه سيبقى في الناس إلى الأبد، فإن هذا يتمشى مع لغة الأسفار، التي عندما تتحدث أحيانا عن رسل الله إلى الناس، فإنها تعني كتب الله التي جاء بها هؤلاء الرسل إلى الناس. وهذا ما تبينه قصة “الفتى ولعازر “التي ذكرها إنجيل لوقا (16: 19-31)، إذا عندما قال الغنى لأبينا إبراهيم عليه السلام: “أسألك أن ترسله إلى بيت أبي؛ لأن لي خمسة أخوة حتى يشهد لهم لكيلا يأتوا هم أيضًا إلى موضع العذاب هذا. قال له إبراهيم: عندهم موسى والأنبياء”.

فالمقصود بهذه العبارة: عندهم كتب موسى وكتب الأنبياء. وعلى ذلك يكون المقصود من قول المسيح أن روح الحق سيكون “مختاراً آخر ليمكث معكم إلى الأبد 14 ـ 16″،هو أن الكتاب الذي سيأتي به ذلك الرسول، الذي يتعقب المسيح سيبقى محفوظا إلى الأبد. وهذا لا يتأتى إلا إذا تكفل الله ـ سبحانه ـ بحفظه. فلقد أثبت الواقع أن كثيرًا ممن استحفظوا على كتب الله السابقة قد حرفوها وبدلوها.

ولهذا قال الله في القرآن ]إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[ (سورة الحجر: الآية 9).

]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ(41) لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ[ (سورة فصلت: الآيتان 41، 42).

وفي نهاية هذه الرحلة عبر الأديان والمذاهب وعقائد الشعوب وفلسفاتها، يتضح جليًا أن العقيدة الإسلامية عقيدة توقيفية، بمعنى أنها موحى بها من عند الله تعالى، ولم تكن نتاج عقل بشري، ولا تستمد من غير الوحي، وذلك تمييزاً لها عن الفلسفة التي يصنعها الفكر البشري حول الإله، وتمييزاً لها كذلك عن المعتقدات الوثنية التي تصنعها المشاعر والأخيلة والأوهام والتصورات البشرية.

وهذه العقيدة الإسلامية، هي العقيدة الوحيدة التي سلم أصلها من التحريف ]إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَاِفِظُونَ[ (سورة الحجر: الآية 9). بينما العقائد السماوية التي جاءت بها الديانات السابقة، قد دخلها التحريف وخلط فيها الحق بالباطل؛ لذا فللعقيدة الإسلامية خصائص ومميزات منها:

أ. أنها عقيدة وضاحة سهلة بعيدة عن التعقيدات، وليس فيها غموض وليست محتكرة على من يسمون رجال الدين.

ب. أنها عقيدة فطرية متلائمة مع الفطرة الإنسانية، تنميها ولا تصادمها. ]فِطْرَةَ اللهِ التِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا[ (سورة الروم: الآية 30).

ج. أنها عقيدة ثابتة، لا تتغير، ولا تتبدل، بمرور الأزمان، وتعاقب الأجيال.

د. أنها عقيدة، تقيم البراهين الساطعة والحجج الباهرة على كل مسألة فيها، بل يطالب القرآن الكريم خصومه بإقامة الدليل ]قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين[ (سورة البقرة: الآية 111)، و(سورة النمل: الآية 64).

وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كتابا اسمه: “درء تعارض العقل والنقل” بين فيه أنه لا يوجد قط نص صحيح يخالف العقل الصريح.

والقرآن الكريم يقيم الأدلة في الكون والنفس والتاريخ على ربوبية الله، وألوهيته وكماله. ويقيم الأدلة على البعث.

هـ. ومن مميزات العقيدة الإسلامية أنها عقيدة وسط لا إفراط فيها ولا تفريط.

[1] ‘تقول الترجمة الفرنسية المسكونية ! Jacob Lutte avec Dieu.

المصادر والمراجع

أولاً: المراجع العربية

  1. أحمد عبدالرحيم السايح، “بحوث في مقارنة الأديان”، دار الثقافة، الدوحة، 1991.
  2. أحمد عبدالوهاب، “الإسلام والأديان الأخرى”، مكتبة وهبة، القاهرة، 1998م .
  3. آدم متز، “الحضارة الإسلامية”، ترجمة د. أبو ريدة، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، د. ت.
  4. جفري بارندر، “المعتقدات الدينية لدى الشعوب”، ترجمة إمام عبدالفتاح إمام، مراجعة عبدالغفار مكاوي، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط2، 1996.
  5. حزب طقور حيارة، “خلاصة الأديان فريدة الإيمان في التوراة والإنجيل والقرآن”، القاهرة، 1995م.
  6. زاهد عواض الألمعي، “مناهج الجدل في القرآن الكريم”، مطابع الفرزدق، الرياض، 1979.
  7. سمير عبدالحميد إبراهيم، “الأديان في اليابان”، بحث غير منشور، الرياض، 1997.
  8. صالح بن إبراهيم البليهي، “عقيدة المسلمين والرد على الملحدين والمبتدعين”، الرياض، 1401هـ.
  9. عبدالعزيز بن حمد آل معمر، “منحة القريب المجيب في الرد على عبّاد الصليب”، دار ثقيف، الرياض، ط3، 1980.
  10. عمارة نجيب، “الإنسان في ظل الأديان”، المكتبة التوفيقية، القاهرة، ط5، 1976.
  11. محمد أحمد ملكاوي، “عقيدة التوحيد في القرآن الكريم”2، دار ابن تيمية، الرياض، ط، 1992.
  12. محمد عبدالله دراز، “الدين، بحوث مهمة لتاريخ الدين المقارن”، دار الفكر العربي، القاهرة، د.ت.
  13. محمد عبدالله الشرقاوي، “بحوث في مقارنة الأديان”، دار الفكر العربي، القاهرة، 2000.
  14. محمد فؤاد الهاشمي، “الأديان في كفة الميزان”، دار الكتاب العربي، القاهرة، د. ت.
  15. يوسف القرضاوي، “الإيمان والحياة”، مطبعة الاستقلال الكبرى، القاهرة، ط5، 1977.

ثانياً: المراجع الأجنبية

  1. F. Rossental, From “Muslim Contributions.. “by G. Haider Aasi, AMSS, New York, 1990.
رابط المصدر:

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M