الشرق الأوسط ودروس أزمة كازاخستان 2022

إيهاب عمر

 

شهدت جمهورية كازاخستان في آسيا الوسطى أعمال عنف واسعة ما بين يومي 2 – 11 يناير 2022، فقد بدأت المظاهرات السلمية تتحول إلى أعمال عنف مسلحة وممنهجة، أدت إلى حرق واقتحام عشرات المقرات الحكومية والممتلكات العامة في الجمهورية السوفيتية السابقة.

وقد سارعت روسيا الاتحادية إلى إرسال قوات سلام إلى الجمهورية المجاورة، ما أدى إلى إنهاء حالة التمرد واستتباب الأمن، ورحيل القوات الروسية لاحقًا، عقب تجاوب السلطات الكازاخية مع المطالب الشعبية، حيث تمت إقالة الحكومة ووزير الدفاع وإنهاء نفوذ الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف.

وأمام النيران ومشاهد الفوضى التي ضربت كازاخستان، بدا واضحًا أن استراتيجية الفوضى الخلاقة التي عطلها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قد عادت للعمل مرة أخرى مع الرئيس جو بايدن، وهي الاستراتيجية التي ظهرت بقوة في سنوات جورج بوش الابن وباراك حسين أوباما.

الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف أعلن نتائج التحقيقات بنفسه في أكثر من خطاب، وهي نتائج ينبغي على دول الشرق الأوسط التوقف عندها، على ضوء حقيقة أن الشرق الأوسط كان حقل تجارب الفوضى الخلاقة، النظرية التي بشرت بها مستشارة الأمن القومي الأمريكي كونداليزا رايس في الولاية الأولى لبوش الابن.

الرئيس توكاييف تحدث عن عناصر أجنبية تلقت تدريبًا عسكريًا دخلت الأراضي الكازاخية انطلاقًا من أفغانستان، وشاركت في اعمال العنف، وأن عملية حصار الثوار الفاشلة لمطار العاصمة، كان الغرض منه خروج المطار عن سيطرة الدولة بما يسمح لدولة أجنبية بإنزال عناصر إرهابية مدربة للمشاركة في الأعمال الإرهابية.

ورغم أن الرئيس توكاييف لم يسم تلك الدولة، إلا أن الصحافة الكازاخية سارعت إلى الإشارة إلى تركيا، وأن تركيا كانت مكلفة من الولايات المتحدة الأمريكية وفقًا لتحقيقات كازاخية بإرسال المرتزقة السوريين من سوريا وليبيا إلى كازاخستان للمشاركة في أعمال الفوضى داخل الجمهورية السوفيتية السابقة.

ويتضح مما سبق، أن إدارة بايدن تعيد أمريكا إلى مجمل تقنيات الثورات الملونة، من استخدام حركات الاحتجاج الشعبي كــ “دروع بشرية” لاقتحام المؤسسات الحيوية، ودمج المشاعر الشعبية الساخطة بالأعمال الإرهابية والعمليات الاستخباراتية، ما ينبئ بمحاولات غربية وأمريكية مستقبلة في هذا الإطار كما جرى في سنوات الاضطرابات ما يعرف بالربيع العربي.

ويتضح أن المخاوف التي أطلقتها بعض الأقلام في مصر وروسيا حول تسليم أفغانستان لجماعات الإسلام السياسي بما ينذر ببدء مرحلة جديدة من التعاون بين الولايات المتحدة الأمريكية والإسلاميين قد بدأت بالفعل، وأن عملية كازاخستان 2022 كانت أولى تلك العمليات، على ضوء تصريحات الرئيس الكازاخي بأن عناصر إرهابية من أفغانستان قد وصلت إلى كازاخستان عشية الأعمال الإرهابية، وعلى ما يبدو أن أفغانستان قد عادت مرة أخرى للعب الدور المركزي في إطلاق الإرهاب إلى كافة دول العالم بوجه عام والجوار الروسي على وجه التحديد.

وتعد قطر هي ضابط الاتصال بين حركة طالبان والإدارة الامريكية، إضافة إلى إدارة تركيا لمطار كابول، ما يعني عمليًا أن قطر وتركيا عادتا مرة أخرى جزءًا من استراتيجية الولايات المتحدة بعد أربع سنوات من استبعاد إدارة ترامب لفكرة التعاون مع حكومات الإسلام السياسي في الدوحة أو انقرة أو طهران.

هذا التعاون الذي عاد فور دخول جو بايدن للبيت الأبيض في يناير 2021، يمكن ربطه بالتشدد الذي أبدته تركيا في الملف الليبي مرة أخرى، رغم محاولات الوفاق مع قوى إقليمية ودولية طيلة عام 2020 وحتى منتصف عام 2021. ولكن عقب لقاء بايدن والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حصدت تركيا دفعة أمريكية قوية للتحرك الدائم لنموذج “اللادولة” في ليبيا، إضافة إلى دعم كييف في الملف الأوكراني بوجه روسيا.

وما جرى في كازاخستان يوضح أن العناصر المسلحة فيما يسمى بالثورة السورية، قد تحولوا إلى جماعات وظيفية بيد المشروع التوسعي التركي، سواء كانوا سوريين أو غير ذلك، سواء كانوا عربًا أو تركمان أو ينتمون إلى شعوب الشيشان في روسيا والايجور في الصين. ففي جميع الأحوال تحول ثوار ومقاتلو الحرب السورية إلى جماعات وظيفية تمارس الإرهاب بمقابل مادي، تمامًا كما وظفتهم تركيا في سوريا ثم ليبيا، ولاحقًا في محاولة تصدير تلك العناصر إلى غرب أوكرانيا بوجه روسيا، أو في كازاخستان خلال أزمة يناير 2022.

هذا إضافة إلى محاولة اقتحام الحدود التركية اليونانية عبر تلك العناصر، بل وحتى روسيا نقلت تلك التجربة التركية وكانت محاولات اقتحام الحدود البيلاروسية البولندية عبر لاجئي الربيع العربي من ترتيبات روسية واضحة. لاجئو ومسلحو الربيع العربي في معسكرات تركيا وآسيا الوسطي وأوروبا الشرقية أصبحوا جماعات وظيفية في أزمة روسيا مع الغرب، والمشاريع التركية التوسعية، أو المهام الإقليمية التي يقوم النظام الدولي بإسنادها إلى انقرة.

ختامًا، إن محاولة صناعة “ربيع آسيا الوسطى” الزائف والتي نجحت روسيا في فرملته وإيقافه خلال يناير 2022، هو جرس إنذار مهم وخطير بأن صناعة الثورات الملونة والفوضى الخلاقة والحروب الأهلية باسم الحرية هي استراتيجيات قد عادت إلى قلب الإدارة الامريكية والحكومات الغربية بعد أربع سنوات (يناير 2017 – يناير 2021) من غياب تلك الأفكار الشيطانية حينما كان دونالد ترامب في البيت الأبيض.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/67115/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M