الشراكة الاقتصادية المصرية الصينية… نمو مطرد ومصالح متشابكة

بسنت جمال

 

قام الرئيس “عبد الفتاح السيسي” بزيارة بكين الخميس الماضي الموافق الثالث من فبراير 2022 لحضور حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشتوية الرابعة والعشرين، وعلى خلفية هذا، عقد الرئيس مباحثات مع نظيره الصيني “شي جين بينج” حول تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، لاسيما فيما يتعلق بالتعاون التنموي المشترك والتعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية، فضلًا عن تعزيز التواصل والتشاور السياسي بين الدولتين حول الموضوعات الإقليمية والدولية.

وشهدت العلاقات الاقتصادية بين مصر وثاني أكبر اقتصاد بالعالم تطورًا ملموسًا منذ عام 2014 بدعم من اتفاق البلدين على إقامة شراكة استراتيجية تحت توجيهات الرئيس “السيسي” ونظيره “بينج”، مما أسفر عن تعزيز التعاون بين الدولتين في كافة المستويات. وخلال أزمة كورونا، حاولت الدولتان تعزيز العلاقات بينهما ولاسيما على صعيد محاربة انتشار الوباء العالمي.

والجدير بالذكر أن مصر تعد أول دولة أفريقية وعربية تقيم علاقات دبلوماسية مع بكين، وتعد منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر –التي تم إنشاؤها عام 2008- من أولى مناطق التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين وأفريقيا؛ إذ تعمل العديد من الشركات في المنطقة وتتجاوز قيمة استثماراتها مليار دولار كما توفر آلاف فرص العمل للمحليين وتدفع ضرائب بمبالغ كبيرة إلى الحكومة المصرية.

تطور العلاقات الاقتصادية بين مصر وثاني أكبر اقتصاد بالعالم

اتخذت حكومات الدولتين العديد من خطوات تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري على مدار السنوات السابقة مما أسفر عن التوصل إلى حوالي 63 اتفاقية تنظم العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر والصين، ووقع الجانبان في يناير 2016 مذكرة تفاهم حول كيفية تعزيز التعاون في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، وقد نتج عن هذه المذكرة دخول العديد من المنتجات الزراعية المصرية كالبرتقال والعنب للسوق الصينية بشكل تدريجي، وتم إطلاق مشاريع تعاونية كبرى تهدف إلى تحسين مستوى المرافق وشبكات توزيع الكهرباء. ومن الممكن استعراض تطور العلاقات الاقتصادية بين مصر والصين حتى عام2020 على النحو الآتي:

الشكل (1): الصادرات والواردات بين مصر والصين (مليار دولار)

Source: Trade Map, Bilateral trade between Egypt and China.

يتبين من الرسم السابق ارتفاع كلٍ من الصادرات والواردات بين الصين ومصر خلال العشر سنوات الماضية؛ إذ ارتفعت الصادرات المصرية للصين بنحو 40.2% خلال الفترة المذكورة سلفًا من 0.43 مليار دولار خلال 2010 إلى 0.603 مليار دولار خلال 2020، فيما قفزت الواردات المصرية من الصين بحوالي 84.6% من 4.9 مليار دولار في 2010 إلى 9.05 مليار دولار بحلول نهاية العام الماضي وذلك في ظل المساعي الصينية لزيادة صادراتها لأفريقيا بشكل عام، ويُمكن عرض الميزان التجاري بينهما تاليًا:

الشكل (2): الميزان التجاري الصيني – المصري (مليار دولار)

Source: Trade Map, Bilateral trade between Egypt and China.

من الرسم السابق، يُمكن القول إن الميزان التجاري يصب لصالح الصين نظرًا لارتفاع حجم الواردات المصرية من الصين مقارنة بحجم صادراتها إلى الصين مسجلًا أعلى مستوياته خلال 2019 عند 11.48 مليار دولار لينخفض العام الماضي عقب ذلك إلى 8.45 مليار دولار بسبب ارتفاع الصادرات المصرية للصين بالتزامن مع تراجع وارادتها منها. ولا تقتصر العلاقات الاقتصادية بين مصر والصين على حجم التبادل التجاري فحسب بل تمتد لتشمل استثمارات متبادلة بين الدولتين، حيث بلغ حجم الاستثمارات الصينية في مصر في عام 2019، نحو 7 مليارات دولار وفرت حوالي 40 ألف فرصة عمل للمواطنين المصريين. أما عن التوزيع القطاعي للاستثمارات الصينية في مصر، فيُمكن عرضها على النحو التالي:

الشكل (3): التوزيع القطاعي للاستثمارات الصينية في مصر خلال 2018 (%)

المصدر: المركز الإعلامي لمجلس الوزراء.

يتبين من الرسم السابق أن الاستثمارات الصينية في مصر ترتكز في قطاع البترول بنحو 46.3% يليه القطاع الصناعي بحوالي 31.5% ليحتل قطاع الإنشاءات المركز الأخير بنحو 5.8% من إجمالي الاستثمارات الصينية في مصر.

وتصل العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى التعاون المالي والنقدي كذلك، حيث قام البنك المركزي المصري وبنك الشعب الصيني بتوقيع اتفاقية ثنائية لمقايضة عملتي البلدين في عام 2016 بقيمة بلغت 18 مليار دولار لتحفيز التعاون الثنائي في هذا المجال. ويُعد التعاون في القطاع السياحي أحد المجالات المهمة في العلاقات الاقتصادية المصرية – الصينية، حيث تم تفعيل اتفاقية الترويج المتبادل بين مدينتي شنغهاي والأقصر والهيئة المصرية لتنشيط السياحة في مايو 2018، ليزور مصر في هذا العام أكثر من نصف مليون سائح صيني، بحسب السفارة الصينية في القاهرة.

وخلال أزمة كورونا، تبرعت الحكومة والشركات الصينية بأقنعة وملابس واقية وكواشف اختبار وأنظمة فحص الرئة بالذكاء الاصطناعي ومقاييس حرارة وأجهزة تنفس ومعدات تشخيص بالموجات فوق الصوتية وخطوط إنتاج للأقنعة الطبية إلى مصر. وفيما يتعلق بالتعاون الطبي لمكافحة الوباء، وقعت الدولتان على “خطاب نوايا للتعاون في مجال اللقاحات”، والذي عزز بقوة التعاون بين الصين ومصر في تطوير وإنتاج واستخدام اللقاحات المضادة لفيروس كورونا.

الشراكة المصرية – الصينية في ضوء مبادرة الحزام والطريق

أطلق الرئيس الصيني مبادرة “الحزام والطريق” عام 2013، بهدف إحياء طرق التجارة القديمة عن طريق إنشاء الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين، من أجل بناء شبكة للتجارة والبنية التحتية لربط قارات العالم ببعضها البعض.

وتتوافق كل المشاريع الاستثمارية التي قامت بها مصر خلال الفترة الماضية مع مبادرة “الحزام والطريق”، وتُعد قناة السويس المحطة الرئيسية للطريق البحري للمبادرة التي تركز على ربط كلٍ من آسيا وأفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط، علاوة على الربط البري بين الصين وأوروبا، وفيما يلي خريطة توضيحية لتلك المبادرة:

وتتمثل أبرز أوجه التعاون بين مصر والصين في ظل مبادرة “الحزام والطريق”:

• مجال الطاقة: يقوم تحالف صيني بين شركتي “دونج فانج” و”شنغهاي إلكتريك” ببناء أول محطة لتوليد الكهرباء بالفحم النظيف في منطقة الحمراوين بطاقة إنتاجية تصل إلى 6 آلاف ميجاوات، كما انتهت شركة “سينوهيدرو” الصينية من الدراسات اللازمة للبدء في بناء محطة توليد الكهرباء بالضخ والتخزين بجبل عتاقة بطاقة إنتاجية تبلغ 2400 ميجاوات، وعلاوة على ذلك، انتهت شركة “TBEA” الصينية للطاقة المتجددة من بناء ثلاث محطات للطاقة الشمسية بإنتاج 186 ميجاوات كجزء من مجمع بنبان للطاقة الشمسية بأسوان.

• مجال التشييد: تقوم الشركة الصينية العامة للهندسة الإنشائية “CSCEC” ببناء ناطحة سحاب بالعاصمة الإدارية يبلغ ارتفاعها 385 مترًا.

• مجال التعليم: رصد الجانبان المصري والصيني 20 مليون دولار لتنفيذ برنامج للتمويل المشترك في مجال العلوم والتكنولوجيا على 5 سنوات، وتم تخصيص 11.5 مليون دولار لتمويل وتنفيذ مشروع نظام التعليم عن بُعد بهدف استخدام تكنولوجيا المعلومات في النظام التعليمي.

أفريقيا في قلب العلاقات المصرية – الصينية

لا يُمكن استعراض العلاقات المصرية الصينية دون الإشارة إلى القارة الأفريقية التي تحتل أهمية كبرى في كافة المباحثات الثنائية بين الدولتين، حيث شدد الرئيسان “الصيني” و”المصري” في لقائهما الأخير على أهمية دعم الشراكة والتعاون الثلاثي بين البلدين في أفريقيا، مع التركيز على أولويات التنمية في القارة السمراء على أساس الملكية الوطنية لبرامج التنمية وأجندة التنمية الأفريقية 2063 وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، فضلًا عن التنسيق والتعاون المستمر لتحقيق الاستفادة المثلى لدول القارة من التعهدات الصينية في إطار مبادرة الحزام والطريق.

وأكدت الحكومة المصرية خلال رئاستها للاتحاد الأفريقي على أهمية إطلاق شراكات صناعية ومشروعات مشتركة بين الصين ودول القارة في ضوء تزايد أهمية أفريقيا بالنسبة للصين، والذي تمثل في إطلاق تسعة برامج للتعاون مع القارة خلال السنوات الثلاث القادمة، والإعلان عن خطة عمل بين الجانبين خلال الفترة التي تتراوح بين 2022-2024 تتضمن التعاون في مجالات الصحة والحد من الفقر وتعزيز العلاقات التجارية والاستثمارية والابتكار الرقمي والتنمية الخضراء وبناء القدرات الإنسانية والثقافية والسلام والأمن، وذلك خلال المؤتمر الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني – الإفريقي (فوكاك).

وفي الختام، تنبغي الإشارة إلى أهمية الجانب الاقتصادي في العلاقات الثنائية بين مصر والصين بدعم من عمق مستويات التعاون التجاري والنقدي والاستثماري بين الدولتين، ومساعيهما لتعزيز تلك العلاقات ورفع مستوى الاستثمارات المُوجهة لكلٍ منهما.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/67119/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M