بين التنصل والتحايل.. كيف استجابت الدول المتقدمة لتعهدها المناخي بـ100 مليار دولار للدول النامية؟

 منى لطفي

 

“تلتزم الأطراف من الدول المتقدمة بهدف التعبئة المشتركة 100 مليار دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2020، لتلبية احتياجات الدول النامية”، كان هذا الالتزام بندًا محوريًا في المؤتمر الخامس عشر لأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ “كوبنهاجن 2009″، ويقوم هذا الالتزام على مساعدة الدول النامية على التكيف مع تغير المناخ والتخفيف من حدة الارتفاع الإضافي في درجات الحرارة.

وفي عام 2019، شدد الأمين العام للأمم المتحدة على أهمية الوفاء بهذا الالتزام، إلا أن جائحة كوفيد -19 أحدثت تغييرًا جذريًا في الاتفاق المالي حول المناخ، خاصة وأن الجائحة سبّبت العديد من الأزمات على كافة المستويات سواء الاقتصادية أو الاجتماعية، وتعد من أشد الازمات التي مرت بها العالم منذ الحرب العالمية الثانية فتركت آثارًا شديدة القسوة على اقتصاديات الدول النامية.

وأدى عدم الوفاء بهدف 100 مليار دولار إلى خلق عوائق تحول بين الدول النامية والتعويض عن الأضرار الناتجة عن التغير المناخي الذي تلعب فيه الدول المتقدمة الدور الأساسي. وبدأ الحديث عن مد فترة الوفاء إلى عام 2025، بحيث يصل إجمالي تمويل أهداف المناخ للدول النامية إلى 6 تريليونات دولار حتى 2030، لذلك من الضروري أن تسعى الدول المتقدمة إلى الحفاظ على الثقة بينها وبين الدول النامية من خلال الوفاء بالتزامها، خاصة وأن المؤتمر القادم “COP27” سيقام في مصر؛ أي دولة أفريقية مع العلم أنها قارة أفريقيا أكثر المتضررين من آثار تغير المناخ.

التمويل المناخي الدولي من 2013-2020

من المفترض أن عام 2020 هو العام الأول للوفاء بهدف 100 مليار دولار أمريكي، طبقًا للاتفاق الذي تم في قمة كوبنهاجن 2009، حيث بلغ إجمالي التمويل المتعلق بالمناخ الذي قدمته الدول المتقدمة للدول النامية 83.3 مليار دولار أمريكي، أي بمعدل زيادة بنسبة 4٪ عن عام 2019، فإن هذا يعني أن إجمالي تمويل المناخ في الدول المتقدمة ظل أقل من الهدف بمقدار 16.7 مليار دولار أمريكي.

بالنسبة للتمويل العام للمناخ (الثنائي ومتعدد الأطراف) يمثل أغلبية الإجمالي، فقد زاد بنسبة 80٪ بين عامي 2013 و2020 (من 38 مليار دولار أمريكي إلى 68.3 مليار دولار أمريكي)، وزاد باستمرار على أساس سنوي منذ عام 2015. ونما التمويل العام متعدد الأطراف للمناخ المنسوب إلى البلدان المتقدمة بنسبة 138٪ بين عامي 2013 و2020، بينما نما التمويل الثنائي العام للمناخ بنسبة 40٪ خلال نفس الفترة.

وكذلك زادت ائتمانات التصدير المتعلقة بالمناخ بنسبة 19٪ خلال الفترة 2013-2020، لكن حصتها الإجمالية ما زالت غير كافية. وشهدت اعتمادات التصدير والتمويل الخاص المعبأ تغيرات على أساس سنوي وكذلك انخفاضات في السنوات الأخيرة، وعلى الأخص في عام 2020 مقارنة بعام 2019.

أما فيما يتعلق بالتمويل الخاص بالتخفيف والتكيف الذي أسهمت فيه الدول المتقدمة خلال الفترة 2016-2020، فارتفع تمويل التكيف بمقدار 8.3 مليار دولار أمريكي (41٪)، انخفض تمويل التخفيف بمقدار 2.8 مليار دولار أمريكي في عام 2020، مثل التخفيف غالبية (58٪) من إجمالي تمويل المناخ، مع العلم أن الأمم المتحدة قدرت أن الدول النامية تحتاج بالفعل إلى 70 مليار دولار سنويًا لتغطية تكاليف التكيف، وستحتاج إلى 140 مليار دولار إلى 300 مليار دولار بحلول عام 2030.

وركز التمويل على قطاعات مختلفة سواء الطاقة والنقل؛ ففي الفترة بين عامي 2016 و2020، استمر هذان القطاعان في تقديم ما يقرب من نصف (46 ٪) من إجمالي التمويل المتعلق بالمناخ، وركز تمويل التكيف على الأنشطة في قطاع إمدادات المياه والصرف الصحي، والزراعة والغابات وصيد الأسماك، والتي شكلت معًا 17٪ من إجمالي التمويل المتعلق بالمناخ.

في الفترة ما بين 2016-2020، كانت قارة آسيا المستفيد الرئيس من تمويل المناخ، فشكلت 42٪ من الإجمالي، تليها قارة إفريقيا 26٪ من الإجمالي، والأمريكتان 17٪، وأوروبا 5٪. ومن جانب اقتصاديات الدول، فكانت الدول ذات الدخل المتوسط الأعلى 27٪، تليها الدول ذات الدخل المنخفض 8٪ والدول مرتفعة الدخل 3٪.

وتتمثل مسارات توجيه تمويل المناخ في ثلاثة مسارات: الاتفاقات الثنائية بين مجموعات صغيرة من البلدان، والصناديق الدولية مثل صندوق المناخ الأخضر، وبنوك التنمية مثل البنك الدولي:

1 – الاتفاقات الثنائية: يمكن للدول من خلالها التفاوض بشكل مباشر من خلال استهداف مجالات معينة من الاحتياجات؛ ومثال ذلك، في مؤتمر جلاسكو، أعلنت أربع حكومات والاتحاد الأوروبي منح تمويل بقيمة 8.5 مليار دولار لمساعدة جنوب أفريقيا للاستغناء عن الفحم، مع زيادة توليد الطاقة المتجددة. لكن هذا النوع من التمويل يواجه مشكلة في غاية الدقة وهي الاهتمامات السياسية حتى وإن كانت القضايا المطروحة تحتاج إلى تمويل وتدخل سريع لمواكبة التغييرات المناخية.

2 – صناديق التمويل المناخي: يهدف هذا النوع من التمويل إلى ضمان وصول التمويل المناخي، مثل صندوق المناخ الأخضر المدعوم من الأمم المتحدة والذي يعد من أكبر الصناديق، إلى جانب أنه يعمل على إتاحة برامج البرمجة بشكل كبير في مجال المناخ، وبالتالي يلقى رواجًا سياسيًا. وقد تلقى الصندوق الأخضر للمناخ تعهدات تبلغ 18 مليار دولار فقط

3 – بنوك التنمية: تدير بنوك التنمية مبالغ كبيرة من التمويل المتعلق بالمناخ، على الرغم من وجود عائقين رئيسين أمام استخدامها: أولًا، لم تضع هذه البنوك خططًا واضحة ومحددة فيما يتعلق ببرامج تغير المناخ، وهو ما ظهر في قمة جلاسكو بعدم تحديد جدول زمني محدد لإنهاء استخدام الوقود الأحفوري. ثانيًا، لم تتمكن معظم بنوك التنمية من الاعتماد على القطاع الخاص في التمويل، ويرجع ذلك إلى أن هذه البنوك تفضل المشاريع ذات المخاطر الأقل، إلا أن الاعتماد -حتى ولو بشكل جزئي- على القطاع الخاص لسد فجوة تمويل المناخ أصبح أمرًا ملحًا؛ أي أن البنوك في حاجة إلى الاعتماد على رأس المال الخاص بدلًا من الاقتراض.

 في النهاية، بالرغم من تعدد سبل تمويل المناخ، إلا أن التمويل لم يجدِ نفعًا للدول النامية، خاصة وأن ما يصل إليها لا يكفي لإحداث التغيير المطلوب. 

لكن بالرغم من أن كل الجهود تتركز على كيفية تنفيذ الالتزام 100 مليار دولار، فيجب في البداية وضع تعريف متفق عليه لتمويل المناخ، خاصة وأن كل دولة تضع لها مفهومًا خاصًا؛ مثال ذلك اليابان ترى أن تمويل المناخ يتعلق بإنشاء محطات فحم جديدة أكثر فاعلية من المحطات القديمة، على الرغم من أن استخدام الوقود الأحفوري أحد الاعتراضات التي واجهت قمة جلاسكو 2021. على الجانب الاخر، تعتقد بعض الدول أن تمويل المناخ هو مساعدة لوضع خطط واستراتيجيات لمواجهة تغير المناخ، واعتبار أن التمويل أوفى بالغرض منه في تنفيذ بنود الخطة.

وبالرجوع إلى هدف 100 مليار دولار أمريكي، نجد أنه على الرغم من أن الدول المتقدمة وافقت بشكل جماعي على هذا الهدف، إلا أنه لم تحدد آليات تسليم الأموال التي تعهدت بها للدول النامية، كذلك نوعية التمويل، هل في شكل منح أم قروض؟

وكذلك لم يعقد أي اتفاق رسمي بشأن ما يجب أن تسهم به كل دولة. وبالطبع كثرت التوقعات، إلا أن تقارير أشارت إلى أنه يجب أن تسهم الولايات المتحدة بنسبة 40-47٪ من 100 مليار دولار، اعتمادًا على الثروة أو الانبعاثات السابقة أو عدد السكان، مع العلم أن ​​مساهمتها السنوية من 2016 إلى 2018 كانت حوالي 7.6 مليار دولار فقط، بجانب أن أستراليا وكندا واليونان كانت أقل بكثير مما كان ينبغي أن تسهم به، ومن ناحية أخرى، قامت اليابان وفرنسا بجعل التمويل على شكل قروض.

وقد تسبت جائحة كوفيد -19 في إحداث العديد من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، والتي ظهرت ملامحها بشكل كبير على قارة أفريقيا، ثم تلتها الازمة الروسية- الأوكرانية والتي جعلت الأمور تزداد سوءًا عالميًا، سواء في تعطيل إمدادات الغذاء أو ارتفاع معدلات التضخم، لكن تبقى الدول النامية تعاني من تأثيرات التغيرات المناخية في ظل الوعود الوهمية من جانب الدول المتقدمة.

وعلى الرغم من أن مساهمة الدول النامية في الاحتباس الحراري كانت هي الأقل، الا أنها الأكثر تعرضا لتأثيراته، وأصبح من المستحيل التغاضي عن أن التغييرات المناخية التي بات ليها أثر مباشر على تفاقم انعدام الأمن الغذائي، خاصة وأن الدول النامية تفتقر القدرة المالية لعمل استثمارات مناخية تستطيع مواجهة تلك التغيرات؛ خاصة مع ارتفاع معدلات التضخم، وزيادة عدد مرات القروض التي تلجأ إليها من المؤسسات الاقتصادية الدولية لدعم اقتصاداتها.

وبالرغم من أن قمة جلاسكو 2021 ناقشت العديد من القضايا المناخية، أنها لم تؤدِ إلى الوصول إلى خطوات ملموسة تجاه أي قضية، وهو ما ظهر واضحًا في فشلها في عدم الاهتمام بإجبار الدول المتقدمة على الوفاء بالتزاماتها المالية المتعلقة بالمناخ، بداية من مبلغ 100 مليار دولار أمريكي التي تعهدت بتقديمها إلى الاقتصادات النامية سنويًّا وذلك من سنة 2020 إلى 2025.

هذا بجانب أن الدول الإفريقية قد حصلت على مساعدات تقدر بـ 20 مليار دولار أمريكي سنويًّا من مجموع التعهدات التي لم يتم الوفاء بها والتي تبلغ 100 مليار دولار، في الفترة ما بين 2016-2019، فضلًا عن أن مصادر التمويل الأخرى لم تتمكن من تعويض ذلك العجز، و37% فقط من محفظة صندوق المناخ الأخضر (3.3 مليارات دولار أمريكي) يتم استثمارها في إفريقيا، وقام صندوق الدول الأقل نموًا والذي يدعم في الغالب دولًا أفريقية بتوفير مبلغ زهيد للقارة الإفريقية وصل إلى 437 مليون دولار أمريكي منذ سنة 2001.

ومما جعل الأمور تزداد سوءًا أن 57% من تمويل التأقلم الذي حصلت عليه إفريقيا كان على شكل قروض، وبالتالي كيف يمكن للدول المتقدمة أن تثقل كاهل الدول النامية بقروض لمواجهة التكييف مع مخاطر المناخ؟، وهذا يسهم في نسبة الإنفاق المنخفضة للتمويل المتعلق بالتأقلم في إفريقيا، فلقد تم إنفاق 46% فقط من التمويل للتأقلم في الفترة من 2014 إلى 2018 مقارنة بنسبة 56%من التمويل للتخفيف من آثار التغيرات المناخية.

لذا يجب على الدول المتقدمة اتخاذ خطوات جادة وعادلة في تعزيز التمويل المناخي، والذي تعد قمة شرم الشيخ فرصة حقيقية لتحقيقه، بأن يكون محورها هو كيفية جمع الأموال حتى تتمكن الدول النامية من القيام بدورها، علاوة على ذلك، الحصول على التزام عالمي بإنهاء استخدام الفحم، ومجرد تعهدات ووعود بالحفاظ على درجة حرارة 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.

على الرغم من أن الدول الأفريقية أقل مساهمة في ظاهرة الاحتباس الحراري، لكنها تشعر بعواقبها بشكل حاد، مع ازدياد حالات الجفاف التي شهدتها منذ 40 عامًا، والتي أودت بحياة أكثر من 1.5 مليون رأس من الماشية، مع العلم أن قارة إفريقيا تمتلك المعادن لدعم الانتقال إلى الطاقة النظيفة، ولديها إمكانيات من أجل إنتاج الهيدروجين الأخضر، علما بأن ذلك التقدم سيرتقي بمكانة إفريقيا ضمن سلاسل القيمة العالمية.

وفى النهاية، يمكن القول إن الدول المتقدمة قد حققت العديد من المكاسب على حساب التغييرات المناخية، وعلى حساب الأضرار التي لحقت بالدول النامية التي من المفترض أن تحصل على جزء ولو بسيط من تلك المكاسب لكي تستطيع التأقلم مع تلك التغييرات، دون المماطلة في وعود تمويلية دون تحقيق.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/72158/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M