هبة زين
“نحن نعيش في عالم من القلق“، هكذا وصف تقرير التنمية البشرية 2021/2022 الواقع الذي نعيشه، فيشكل مستقبلنا في عالمنا المتحول أوقاتًا مضطربة، وحياة غير مستقرة، بدأتها جائحة كورونا وما زالت مستمرة في إزعاج استقرار العالم، وتعطله عن ركب تحقيق التنمية البشرية بكل بلدان العالم تقريبًا. فلأول مرة على الإطلاق، انخفضت قيمة مؤشر التنمية البشرية العالمي (HDI) لمدة عامين على التوالي؛ إذ تسجل 9 من كل 10 بلدان تراجعًا في التنمية البشرية.
وحالة عدم اليقين التي نعيشها الآن ليست بالجديدة في تاريخ البشرية، إلا أن أبعادها لم تتخذ هذا الشكل من التعقد والتشابك من قبل؛ فبخلاف وباء كورونا الذي ما زال يحاصرنا موجة تلو الأخرى، نيران تأجج الصراعات باتت تتناقل بين مختلف دول العالم وآخرها الأزمة الروسية الأوكرانية، هذا إلى جانب المعاناة الإنسانية الناتجة عن الكوارث الطبيعية -كارتفاع درجات الحرارة، والحرائق، والعواصف، والفيضانات- التي تحيط بنا ونستشعر أثرها على حياتنا اليومية، واستمرارها يهدد استقرارنا البشري والتنموي.
منهجية تقرير التنمية البشرية العالمي
يصدر تقرير التنمية البشرية العالمي عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي منذ عام 1990. وعلى مر السنين، تم إجراء بعض التعديلات والتحسينات على المؤشر. ووفقًا للتقرير، تتعلق التنمية البشرية بتوسيع ثراء الحياة البشرية، وليس مجرد ثراء الاقتصاد الذي يعيش فيه البشر؛ فهو نهج يركز على الأشخاص وفرصهم وخياراتهم. ويعد أحد أهم إنجازات نهج التنمية البشرية الذي تم اعتماده بالتقرير هو قبول حقيقة أن التدابير النقدية، مثل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ليست مقاربات كافية للتنمية.
وتركز التنمية البشرية على تحسين حياة الناس بدلًا من افتراض أن النمو الاقتصادي سيؤدي تلقائيًا إلى رفاهية أكبر للجميع. حيث يُنظر إلى نمو الدخل على أنه وسيلة للتنمية وليس غاية في حد ذاته. ويعتقد التقرير أن هناك ثلاثة أسس للتنمية البشرية وهي: أن تعيش حياة طويلة وصحية وخلاقة، وأن تكون على دراية ومعرفة، وأن تحصل على الموارد اللازمة لمستوى معيشي لائق. وبمجرد تحقيق أساسيات التنمية البشرية، فإنها تفتح فرصًا للتقدم في جوانب أخرى من الحياة.
وصدر تقرير التنمية البشرية لعام 2021/2022، في 8 سبتمبر الجاري تحت عنوان “أوقات غير مؤكدة ، وحياة غير مستقرة: تشكل مستقبلنا في عالم متحول” وهو الدفعة الثالثة والأخيرة في ثلاثية من التقارير بما في ذلك تقرير 2019 حول عدم المساواة وتقرير 2020 حول مخاطر الأنثروبوسين (مصطلح الأنثروبوسين هو لتوضيح مدى تأثير التراكم السريع للغازات الدفيئة على المناخ والتنوع البيولوجي، بالإضافة إلى الضرر الدائم الناجم عن الإفراط في استهلاك الموارد الطبيعية). ويفحص التقرير القادم كيف أن عدم المساواة وعدم اليقين يعززان بعضهما البعض لدفع الاستقطاب وتقويض إحساسنا بالسيطرة على حياتنا، فأكد أن ستة من كل سبعة أشخاص على مستوى العالم أبلغوا عن شعورهم بعدم الأمان، حتى قبل انتشار جائحة COVID-19.
ويعكس التقرير بشكل كمي أن التنمية هي توازن بين الاقتصاد ومكونات رأس المال البشري. ويقوم المؤشر على عدة محاور فرعية مثل: الصحة، والتعليم، والدخل وتكوين الموارد، وعدم المساواة، والنوع، والفقر، والعمل والتوظيف، والاستدامة البيئية.
مصر في تقرير التنمية البشرية
وعن واقع وضع مصر بتقرير التنمية البشرية، فقد اتخذ أداء مصر اتجاهًا تصاعديًا نسبيًا منذ انطلاق إعداد التقرير عام 1990، حتى الآن. تبلغ قيمة دليل التنمية البشرية لمصر لهذا العام 0.731 -مما يثبت وضع البلاد في فئة التنمية البشرية العالية- مما يضعها في المركز 97 من أصل 191 دولة وإقليم. لتتقدم مصر بنحو 19 مركزًا في مؤشر التنمية البشرية، فاحتلت مصر المركز 116 عام 2020، بالرغم من تراجع قيمة المؤشر عالميًا لعامين متتاليين.
لتحتل مصر بذلك المرتبة الثامنة بين 20 دولة عربية – التي تنتمي إليها بين التصنيفات الداخلية للتقرير، فيما تتذيل اليمن قائمة الدول العربية بالترتيب 183 عالميًا، بينما تصدرت الامارات العربية قائمة الدول العربية لتحتل المركز 26 بين دول العالم.
وبوجه عام احتلت سويسرا المرتبة الأولى عالميًا، بقيمة مؤشر تقدر بـ 0.962. وتوسط ترتيب مصر عددًا من الأسواق الناشئة؛ فتقدمت على عدد من الأسواق الناشئة كالهند، والفلبين، وإندونيسيا، وجنوب إفريقيا بالترتيب العالمي، في حين تأخرت عن عدد آخر من الأسواق الناشئة كالبرازيل، وتايلاند، وماليزيا.
وبين عامي 1990 و2021، كان متوسط النمو بمؤشر التنمية البشرية لمصر يبلغ حوالي 0.79%. ويلاحظ بمقارنة تطور أداء مصر خلال العقدين الاخيرين ارتفاع المتوسط السنوي لنمو مؤشر التنمية البشرية في مصر خلال الفترة (2010-2021) عن العقد السابق له (2000-2010) بحوالي 14%.
ووفقًا لبيان وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية بشأن التقرير، فإن ارتفاع ترتيب مصر في المؤشر يرجع إلى تحسن أدائها في مؤشرات بعدي المعرفة (الهدف الأممي الرابع: التعليم الجيد)، والمستوى المعيشي اللائق (الهدف الأممي الثامن: النمو الاقتصادي والعمل اللائق). وهو ما يدفعنا إلى إلقاء نظرة أعمق على المؤشرات الفرعية للتقرير.
- محور الصحة
اتخذ مؤشر العمر المتوقع عند الميلاد –أحد أهم المؤشرات الدالة على تحسن القطاع الصحي– أخذ منحنى تصاعديًا، إلا إن التوقعات تراجعت بالسنتين الأخيرتين على إثر انتشار جائحة كورونا. وقد وصل متوسط العمر المتوقع عند الولادة عام 2021 إلى 70.2 سنة، فيما وصل العمر المتوقع عند الولادة للإناث إلى 72.6 سنة، بينما كان العمر للذكور 67.9 سنة. وهو ما يؤكد أن المبادرات الصحية التي تم تدشينها خلال السنوات الأخيرة سواء الموجهة للمرأة أو لعلاج الامراض المزمنة وغير السارية انعكست على المؤشر.
فتنفرد مصر بمبادرة رئيس الجمهورية 100 مليون صحة، للرصد المبكر وعلاج الأمراض المزمنة والوراثية لكل فئات الشعب المصري، تلك المبادرة التي تقع تحتها عشرات المبادرات الصحية للكشف والعلاج المجاني لكل الفئات بداية من الجنين في بطن الأم إلى مبادرة الرعاية الصحية لكبار السن.
فقد شملت مبادرة للكشف عن فيروس سي والأمراض غير السارية، في الفترة من أكتوبر 2018 إلى أبريل 2019، ساهمت في خفض معدل الإصابات الجديدة بالفيروس بأكثر من 92% سنويًا، وتم فحص أكثر من 60 مليون مواطن على مستوى الجمهورية.
ومن المبادرات المتضمنة أيضًا؛ مبادرة للقضاء على قوائم الانتظار للتدخلات الحرجة في يوليو 2018؛ بهدف تقليل مدة الانتظار لإجراء التدخلات الجراحية وتخفيف العبء المادي عن كاهل المرضى، وذلك بتكلفة إجمالية 6.2 مليار جنيه حتى الآن، حيث تم تسجيل 1.4 مليون مواطن على المنظومة وعلاج 1.2 مليون مواطن. وتم فحص 29.2 مليون مواطن وتقديم العلاج اللازم ضمن مبادرة علاج الأمراض المزمنة والكشف المبكر عن الاعتلال الكلوي، والتي تم إطلاقها في يونيو 2020.
أما عن المبادرات الموجهة لرعاية المرأة وحديثي الولادة، فتم إطلاق مبادرة الكشف المبكر عن أورام الثدي والأمراض غير السارية والصحة الإنجابية للسيدات، فضلًا عن تقديم العلاج بأحدث بروتوكولات العلاج العالمية بالمجان، لتبلغ تكلفة المبادرة 602.9 مليون جنيه حتى يونيو 2022، وتم فحص 24.6 مليون سيدة بداية من سن الـ 18 عامًا حتى الآن. وتم إطلاق مبادرة لدعم صحة الأم والجنين، في مارس 2020، بتكلفة 55.5 مليون جنيه، وقد تم فحص1.48 مليون سيدة من أصل 1.5 مليون سيدة مستهدفة.
وفي نفس السياق، تم إطلاق مبادرة رئيس الجمهورية للكشف المبكر عن الأمراض الوراثية لحديثي الولادة في يوليو 2021؛ بهدف الوصول إلى جيل صحي وخالٍ من مسببات الإعاقة عن طريق الكشف عن 19 مرضًا وراثيًا لدى حديثي الولادة في المرحلة الأولى، وقد تم فحص 113.1 ألف طفل ضمن المبادرة وعلاجهم بالمجان.
هذا بخلاف جهود إطلاق المبادرة الرئاسية للاكتشاف المبكر وعلاج ضعف وفقدان السمع لحديثي الولادة في سبتمبر2019، حيث تم إجراء المسح السمعي لـ 3 ملايين طفل من حديث الولادة وتحويل 18.9 ألف طفل للتقييم الأعلى سواء لبدء العلاج الطبي أو تركيب سماعة، أو تحويل الطفل لإجراء عملية زراعة القوقعة لمن تحتاج حالته، وذلك بتكلفة 245 مليون جنيه حتى يونيو الماضي.
هذا إلى جانب مبادرات علاج الأطفال أكبر من عامين وطلاب المدارس والبالغين، ومرضى الضمور العضلي الشوكي، والتي تصل تكلفة العلاج للطفل الواحد 2.1مليون دولار، ومبادرة الكشف المبكر عن الأنيميا والسمنة والتقزم، ومكافحة مسببات ضعف وفقدان الإبصار (نور حياة).
فيما تم تقديم الخدمة الطبية لـ 338.3 ألف مواطن من خلال برنامج “الرعاية الصحية لكبار السن”، والذي يستهدف تقديم الرعاية الصحية بالمجان للأشخاص من عمر 65 عامًا فأكثر، ويتم تقديم الخدمات للمسنين من خلال 401 مركز طبي موزعين على جميع الإدارات الصحية بـ 21 محافظة، كمرحلة أولى.
وشملت جهود الدولة كذلك زيادة وتطوير المنشآت الصحية؛ فقد بلغ عدد وحدات ومراكز الرعاية الأولية 5421 وحدة ومركزًا عام 2022، مقابل 4607 وحدات ومراكز عام 2014 بنسبة زيادة 17.7%، بالإضافة إلى وصول عدد مراكز الغسيل الكلوي إلى 753 مركزًا عام 2022، مقارنة بـ 342 مركزًا عام 2014 بنسبة زيادة 120.2%. وتم وجار تنفيذ 1139 مشروعًا بتكلفة 27.6 مليار جنيه، لإنشاء وتطوير ورفع كفاءة المستشفيات منذ 2014، فضلًا عن تقديم الخدمات الطبية والوقائية للمواطنين من خلال أكثر من 2000 مستشفى تابعة لمختلف الجهات بالدولة. وتم تدريب ما يقرب من 100ألف ممرض وممرضة في السنوات السبع الماضية بمختلف التخصصات.
وزاد حجم إنفاق الدولة على قطاع الصحة ليصل إلى 108.8 مليارات جنيه في موازنة 2021/2022، مقارنة بـ 43.9 مليار جنيه عام 2015/ 2016، و37.2 مليار جنيه عام 2014/2015. وبلغت مخصصات قطاع الصحة 310 مليارات جنيه بموازنة عام 2022/2023، فيما بلغ حجم إنفاق الدولة على القطاع 128.1 مليار جنيه بمشروع موازنة 2022/2023.
وقد بلغت مخصصات الأدوية 14.6 مليار جنيه بمشروع موازنة عام 2022/2023 مقارنة بـ 3.5 مليار جنيه عام 2014/2015، بنسبة زيادة 317.1%، ووصل أعداد الأفراد المؤمن عليهم 53 مليون فرد عام 2021/2022، مقابل 51.1 مليون فرد عام 2014/2015 بنسبة زيادة 3.7%.
وزاد عدد متلقي العلاج على نفقة الدولة في الداخل بنسبة 70.6%؛ حيث تم علاج 2.9 مليون فرد عام 2021، مقابل 1.7 مليون فرد عام 2014، فيما بلغت تكاليف العلاج على نفقة الدولة في الداخل 11.1 مليار جنيه عام 2021، مقابل 3.4 مليار جنيه عام 2014، بنسبة زيادة 226.5%.
- محور التعليم
تشير بيانات تقرير التنمية البشرية لعام 2022 إلى تقدم مصر بالجانب المعرفي والتعليمي، فقد وصل عدد السنوات المتوقعة للدراسة إلى 13.8 سنة، في حين كان إجمالي السنوات المتوقع للإناث أكبر منها للذكور الذين سجلوا 13.7 سنة متوقعة. وتفوقت نسبة السكان الإناث الحاصلات على التعليم الثانوي والتي بلغت 81.6% خلال عام 2021، فيما بلغت النسبة بين الذكور 76.6% فقط. وقد يرجع ذلك إلى المبادرات التوعوية الموجهة إلى الإناث بشكل خاص.
وعن تطور المؤشرات الفرعية، نجد أن سنوات الدراسة المتوقعة اتخذت اتجاهًا تصاعديًا ثابتًا نسبيًا، كذلك الأمر بالنسبة لمتوسط سنوات الدراسة اتخذت اتجاهًا تصاعديًا إجمالًا. وبالنسبة لمتوسط سنوات دراسة الذكور، فقد تأرجحت بين التزايد والثبات خلال الفترة من 1990 إلى 2006، في حين اتخذت منحى تصاعديًا منذ 2007 حتى عام 2019، ثم اتجهت للثبات النسبي وصولًا إلى عدد 9.6 سنة.
ومن اللافت بمؤشر سنوات الدراسة المتوقعة تساوي قيم المؤشر للذكور والإناث بدءًا من عام 2017، بل ارتفعت التوقعات للإناث بدءًا من عام 2019. كذلك الأمر بالنسبة لمؤشر متوسط سنوات الدراسة والتي تفوقت فيها الإناث عن الذكور بدءًا من عام 2018. وقد يرجع ذلك إلى مبادرات كـ “تعليم البنات”، و”دوي”، والتي تتم بالتعاون مع المجلس القومي للطفولة والأمومة؛ للحفاظ على جودة العملية التعليمية، من خلال المدارس الصديقة للفتيات، وايضًا رفع كفاءة وفاعلية القائمين على العملية التعليمية.
وبالمقارنة بعدد من الدول العربية، نجد أن مصر تقع بالمرتبة 8 وفقًا لمؤشر متوسط سنوات الدراسة، وبالمرتبة التاسعة وفقًا لمؤشر سنوات الدراسة المتوقعة. وقد يرجع تطور قطاع التعليم إلى خلفية إطلاق الرئيس السيسي مبادرة “نحو مجتمع مصري يتعلم ويفكر ويبتكر” عام 2014، في محاولة لحل مشاكل التعليم المزمنة والاهتمام بفكر الإنسان المصري، قامت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني بتطبيق نظام التعليم الجديد (2.0)، الذي يعتمد على تحويل الطالب من التعليم للتعلم وممارسة النشاط والفهم.
وكذا تم التوسع في إنشاء المدارس المصرية اليابانية، فتم إنشاء وتشغيل 43 مدرسة بجميع محافظات الجمهورية، وإنشاء 13 مدرسة من المدارس المصرية الدولية الحكومية، والتوسع في بناء “مدارس النيل” فتم إنشاء 9 مدارس جديدة، منها 5 مدارس بصعيد مصر، وتوسعت الوزارة في إنشاء مدارس المتفوقين “ستيم” ليصل عددها إلى 15 مدرسة.
وتم العمل على توفير الخدمة التعليمية وخفض الكثافات بالقرى الأشد احتياجًا والقرى المدرجة ببرنامج “حياة كريمة”، فتم تنفيذ 1431 مشروعًا بإجمالي 19 ألفًا و371 فصلًا بالقري الأشد احتياجًا، وإنشاء 194 مدرسة تعليم مجتمعي بالمناطق النائية، و54 مركزًا للموهوبين والتعلم الذكي على مستوى الجمهورية. وبلغت تكلفة المشروعات التي تم تنفيذها حوالي 49.66 مليار جنيه.
وهو ما يدفعنا إلى إلقاء نظرة أعمق على محوري الفقر وعدم المساواة لما لهما من تأثير على مدى إتاحة خدمتي الصحة والتعليم، وهو ما يتنافى مع فلسفة التمكين التي انتهجتها الدولة في سياسة الرعاية الاجتماعية، أو حتى في بناء الشخصية المتكاملة وإطلاق إمكاناتها إلى أقصى مدى.
- محور الفقر
يستعرض تقرير التنمية البشرية بمحور الفقر مؤشرات الفقر متعدد الأبعاد، وفقًا لبيانات مسح عام 2014-قبل صياغة رؤية مصر 2030، أو تنفيذ خارطة الحماية الاجتماعية التي يتم تنفيذها الآن- والتي أوضحت أن مؤشر الفقر متعدد الأبعاد بلغ حينها قيمة 0.02. حيث يعاني 5.2% من السكان من الفقر متعدد الأبعاد، في حين كان يعاني 0.6% من السكان من فقر شديد متعدد الأبعاد بعام 2014. وأوضح التقرير أن الفقر متعدد الأبعاد يؤثر في الصحة بنسبة 40%، بينما يؤثر على التعليم بنسبة 53.1%، ويؤثر على مستوى المعيشة بنسبة 6.9%.
وبمقارنة الأوضاع بما هو قائم بالمنطقة العربية والدول النامية، نجد أن مصر قيمة مؤشر الفقر متعدد الأبعاد بها وصل إلى 0.02 بينما كان المتوسط العربي يبلغ 0.071، و0.105 بين الدول النامية. حيث يعاني 5.2% من المصريين من الفقر متعدد الأبعاد، بينما يعاني 14.5% من العرب من الفقر متعدد الأبعاد، فيما كانت النسبة 21.7 % بين الدول النامية.
وكانت نسبة السكان الذين يعانوا من شدة الحرمان نتيجة الفقر متعدد الأبعاد تبلغ بمصر حوالي 37.6% بينما كانت النسبة %48.6 بين العرب. هذا في الوقت الذي يعاني فيه 0.6% من المصريين من فقر شديد متعدد الأبعاد، كان يعاني 6.5% من العرب، و9.5% من سكان الدول النامية من الفقر الشديد.
ويؤثر الفقر في مصر على الإنفاق على مجال الصحة بنسبة 40% بينما كانت النسبة 26.3% بين العرب، و25.6% بين الدول النامية. فيما كان التأثير على مجال التعليم في مصر يقدر بـ 53.1% بينما كانت النسبة 34.6% بين العرب و29.7% بين الدول النامية. على عكس التأثير على مستوى المعيشة، والذي لم يتخط 7% بمصر، في حين كانت النسبة 44.7% بالدول النامية، و39.1% بالدول العربية.
لكن على الرغم من عدم عرض بيانات حديثة تشير إلى تأثير خارطة الحماية الاجتماعية المطبقة، فإن المبشر أن المبادرات التي تم تدشينها في مصر خلال الآونة الأخيرة والسابق عرضها راعت جوانب التأثير المختلفة للتخفيف من حدة العوز وضيق ذات اليد على مجالات إنفاق المواطنين.
فمن أهم أشكال الحماية الاجتماعية التي تقدمها الدولة، المعاشات الشهرية مثل معاشات الضمان الاجتماعي وتكافل وكرامة التي توجه للأسر الأكثر احتياجًا، يضاف إليها إما مساعدات شهرية وإما سنوية خاصة بالأطفال، من أجل ضمان استمرارهم في التعليم، فضلًا عن استحقاقات المعاقين وغيرهم من الفئات الأكثر احتياجًا. وقد بلغ عدد المستفيدين من الدعم النقدي في عام 2020 بكل أشكاله 3.8 مليون أسرة وفقا لبيان وزيرة التضامن الاجتماعي أمام مجلس النواب في فبراير 2021، وذلك بعد نقل 7.1 مليون مستفيد من معاش الضمان الاجتماعي إلى تكافل وكرامة.
ولم يقتصر الأمر عند حد تقديم مساعدات مالية، بل امتدت الحماية الاجتماعية إلى دعم التمكين الاقتصادي للفئات الأكثر احتياجًا، من خلال توفير فرص عمل وتأهيل الفقراء للانخراط في سوق العمل، مثل برنامج “فرصة” و”مستورة” وغيره من البرامج. وشملت برامج الرعاية الاجتماعية أيضًا تحسين ظروف الحياة والسكن والبنية التحتية للمناطق الفقيرة، كما هو الحال ببرنامج سكن كريم، ومشروع تنمية الريف المصري (حياة كريمة).
يُذكر أن قيمة مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية اتخذت اتجاهًا تصاعديًا خاصة منذ عام 2019/2020، ووصلت قيمة المخصصات عام 2022/2023 إلى حوالي 356 مليار جنيه؛ فيستحوذ باب الدعم والحماية الاجتماعية على نحو 17% من إجمالي مصروفات الموازنة الجديدة البالغة 2.07 تريليون جنيه، ليستحوذ دعم السلع التموينية على النصيب الأكبر من قيمة الدعم بنسبة 3.25% وبقيمة تبلغ نحو 90 مليار جنيه مقابل 22.87 مليار جنيه في الموازنة السابقة وبزيادة تبلغ 78.2 مليار جنيه.
وقد أسهمت خطة الحماية تلك في تراجع معدلات الفقر في مصر إلى 29.7% عام (2019/2020) مقارنة بـ 32.5% عام (2017/2018) بنسبة انخفاض قدرها 2.8%. وهو مؤشر لنجاح جهود الدولة، لتحقيق العدالة الاجتماعية بالتزامن مع الإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها الدولة وركزت فيها على البعد الاجتماعي للتنمية.
- محور عدم المساواة
على الجانب الآخر، يعد محور عدم المساواة أحد أهم المحاور التي يتناولها تقرير التنمية البشرية وتوضح تطور أداء سياسة الحماية الاجتماعية المتبعة، وقد أوضح تقرير التنمية البشرية لعام 2022 أن معامل عدم المساواة البشرية –ويعني متوسط عدم المساواة في الثلاثة أبعاد الرئيسة للتنمية البشرية- يشهد اتجاهًا تنازليًا خلال العقد الأخير، فقد وصلت قيمة المؤشر إلى 28 عام 2021 في حين كانت قيمة المؤشر تقدر بـ 29.7 عام 2012. كذلك الأمر بمؤشر الخسارة الإجمالية بدليل التنمية البشرية بسبب عدم المساواة والتي سجلت 29% عام 2021، في حين كانت النسبة 30.5% عام 2012.
من المؤشرات اللافتة والتي شهدت تحسنًا ملحوظًا أيضًا خلال العقد الأخير مؤشر نسبة عدم المساواة في متوسط العمر المتوقع والذي سجل 10.7% عام 2021، في حين كانت النسبة 15.5% عام 2010.
ومؤشر التنمية البشرية يأخذ في الحسبان مؤشر عدم المساواة، وقد وصل معامل عدم المساواة إلى 28 عام 2021 بينما كانت قيمة المؤشر 24.2 بين الدول العربية، وبين الدول النامية 21.4. على الجانب الآخر فقدت مصر بقيمة مؤشر التنمية البشرية بسبب عدم المساواة حوالي 29% بالمقارنة بـ 29.7% عام 2020، بينما كان متوسط نسبة الفقد بين الدول العربية حوالي 24.6%، وكانت النسبة الأعلى للفقد بين الدول العربية بالسودان بنسبة 33.9%.
- محور النوع
ومن القضايا ذات الاهتمام بالنسبة لمؤشر التنمية البشرية قضية المساواة بين الجنسين وتعزيز حقوق المرأة؛ فالفجوة بين الجنسين تؤثر سلبًا في خدمات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والعمل، وعلى العكس أيضًا كلما كانت هناك سياسات داعمة لتمكين المرأة، كلما ارتفعت معدلات النمو َالاقتصادي، ومن ثم تحسن مستويات التنمية البشرية. ويعد تمكين المرأة من أهم عناصر استراتيجية العدالة الاجتماعية، حيث تبلغ نسبة الإناث نحو 49.2% من إجمالي السكان.
ودائمًا ما كانت هناك فجوة بين الذكور والإناث، خاصة فيما يخص مؤشرات الالتحاق بالتعليم والأمية. إلا أنه بمتابعة تطور مؤشر عدم المساواة بين الجنسين نجد أن مؤشر عدم المساواة بين الجنسين اتخذ اتجاهًا تنازليًا نسبيًا بدءًا من عام 2015. واتجه مؤشرا العمر المتوقع عند الميلاد، ومتوسط سنوات التعليم، وسنوات التعليم المتوقعة للتزايد، بل تفوقت فيها المؤشرات الخاصة بالإناث، فكان العمر المتوقع للإناث حوالي 72.6 عامًا، بينما كان 67.9 عامًا للذكور. كذلك كان متوسط سنوات التعلم بالنسبة للإناث يبلغ حوالي 9.8 عام بينما لم تتخط 9.4 بالنسبة للذكور.
ووفقًا لبيانات محور النوع بتقرير التنمية البشرية أيضًا، فقد بلغت قيمة مؤشر التنمية بين الجنسين (GDI) –وهو نسبة بين قيم مؤشر التنمية البشرية للذكور والإناث- 0.882 في حين كانت قيمة مؤشر التنمية البشرية للإناث حوالي 0.666، بينما كنت القيمة للذكور 0.755.
وتشير المؤشرات كذلك إلى جدوى المبادرات الموجهة لصحة المرأة والطفل؛ فنجد أن معدلات وفيات الأمهات، ومواليد المراهقات اتخذت اتجاهًا تنازليًا منذ 2016، فيتضح أن معدل مواليد المراهقات (الولادات لكل 1000 امرأة بعمر 15-19 عامًا) وصل إلى 44.8 عام 2021 في حين كانت النسبة 80.9 عام 1990، فيما وصل معدل وفيات الأمهات (الوفيات لكل 100.000 ولادة حية) إلى 37 حالة وفاة عام 2021 في حين كان المعدل 125 عام 1990. في المقابل، حظيت النساء بأعلى نسبة تمثيل بالبرلمان خلال عام 2021 والتي وصلت إلى 22.9% في حين لم تتخط النسبة 2% عام 1990.
- محور العمل
ويعد العمل عاملًا محوريًا في زيادة الإنتاجية الاقتصادية وتحقيق النمو الاقتصادي وبالتالي التنمية البشرية، ويعد معدل المشاركة في القوى العاملة أهم مؤشرات المشاركة بسوق العمل. وبرغم تحسن معدلات الالتحاق بالتعليم، فإن معدلات المشاركة في القوى العاملة ليست بنفس الوتيرة، خاصة بين النساء؛ فوصلت معدلات مشاركة الإناث بالقوى العاملة حوالي 15.4% عام 2021، في حين كانت النسبة 67.1% بين الذكور في العام نفسه.
وقد يرجع ذلك إلى عدم تمتع الفرص التشغيلية المتاحة للمرأة بقواعد صديقة للأسرة، خاصة مع انكماش حجم القطاع العام وعدم رغبة القطاع الخاص في تشغيل المرأة والاستثمار في بناء قدراتها نتيجة لارتفاع تكلفة تشغيلها. خاصة أن قانون الخدمة المدنية رقم 81/2016 عزز حقوق المرأة في العمل.
لذا تتجه كثير من النساء نحو التوظيف الشخصي من خلال الشركات الصغيرة والمتناهية الصغر، ومن الجدير بالذكر أن قانون الاستثمار رقم 72/2017 عزز من المساواة في الفرص الاستثمارية وأكد بذلك أحقية المرأة في الحصول على الفرص الاستثمارية دون تمييز. وأعطى القانون رقم 152/2020 بشأن تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر حوافز وإعفاءات ضريبية وجمركية لتلك الفئة من المشروعات والتي تستفيد منها المرأة بشكل كبير.
وفي هذا الصدد، اتخذت الحكومة عدة إجراءات لمناهضة مظاهر عدم المساواة، وتعزيز مسألة التمكين الاقتصادي للمرأة، فنفذت برنامجًا قوميًا تنمويًا استفادت منه قرابة 18000 امرأة، يشمل تقديم القروض الميسرة للمرأة الريفية، واستحوذت المرأة على النصيب الأكبر من التمويل متناهي الصغر؛ فقد بلغ عدد المستفيدين من الإناث في نهاية الربع الثاني من عام 2020 نحو 1.97 مليون مستفيدة بأرصدة تمويل قدرها 8.19 مليار جنيه، مقارنة بنحو 1.93 مليون مستفيدة بنهاية الربع الثاني من عام 2019 بأرصدة تمويل بلغت 6.82 مليار جنيه، في مقابل عدد العملاء الذكور الذي بلغ في نهاية الربع الثاني من عام 2020 نحو 1.1 مليون مستفيد بأرصدة تمويل قدرها 9.03 مليار جنيه، مقارنة بنحو مليون مستفيد في نهاية الربع الثاني من عام 2019 بأرصدة تمويل قدرها 6.97 مليار جنيه.
- محور الدخل
وكأحد نتائج العمل والنمو الاقتصادي المرجوة زيادة نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي، وقد وصل نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي (بالدولار الثابت لعام 2017 تعادل القوة الشرائية) عام 2021 إلى 11.73 ألف دولار، فيما وصل نصيب الفرد من الدخل القومي للذكور إلى 19.74 ألف دولار بينما كانت القيمة حوالي 3.536 ألف دولار بالنسبة للإناث.
واتخذ مؤشر نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي اتجاهًا تصاعديًا ليرتفع من 5.93 ألف دولار عام 1990 إلى 11.73 عام 2021، واتخذ نصيب الفرد من الدخل للذكور ارتفاعًا تدريجيًا وصولًا إلى عام 2009، إلا إنه اتخذ اتجاهًا تنازليًا مرة أخرى حتى عام 2013 والذي سجل حينها 15.33 ألف دولار، ثم اتخذ اتجاهًا تصاعديًا بعدها حتى وصل إلى أعلى قيمة عند 19.74 عام 2021.
وفي المقابل، لم يشهد نصيب الإناث من الدخل القومي تطورًا ملحوظًا منذ 1990 وحتى 2007، في حين اتجه إلى التناقص ووصل إلى أدنى نقطة عند 1717.9 دولار عام 2009، ثم شرع في التزايد والتذبذب خلال العقد الأخير، خاصة بعد عام 2017. ليسجل أعلى قيمة له عام 2017 بقيمة تبلغ 5099.8 دولار.
وبمقارنة نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي بعدد من الدول، نجد أن مصر تحتل المرتبة الثامنة بين 20 دولة عربية يتضمنها التقرير. تتصدر القائمة دولة قطر بإجمالي 87.13 ألف دولار للفرد، بينما كان في ذيل القائمة الصومال بإجمالي 1018 دولار فقط.
- محور ضغوط الكواكب… الاستدامة البيئية
كان مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية الذي أقيم في السويد في عام 1972 أول مؤتمر رئيس للأمم المتحدة بشأن قضية البيئة. وبعد عقدين من الزمن، وفي قمة الأرض التاريخية في ريو دي جانيرو بالبرازيل عام 1992، سعت الأمم المتحدة إلى مساعدة الحكومات على إعادة التفكير في التنمية الاقتصادية وإيجاد طرق لوقف تلويث الكوكب واستنفاد موارده الطبيعية، وصولًا إلى إصدار أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر في 2015، والتي ترتبط بطريقة ما بالبيئة.
وفي الدورة الحادية والعشرين لمؤتمر الأطراف في باريس، 12 ديسمبر 2015، توصلت الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ إلى اتفاق تاريخي لمكافحة تغير المناخ وتسريع وتكثيف الإجراءات والاستثمارات اللازمة لمستقبل مستدام ذات انبعاثات منخفضة من الكربون. إن الهدف الأساسي لاتفاقية باريس هو تعزيز الاستجابة العالمية لخطر تغير المناخ من خلال الحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية هذا القرن أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، ومتابعة الجهود للحد من زيادة درجة الحرارة بدرجة أكبر حتى 1.5 درجة مئوية.
ومنذ ذلك الحين أصبحت استدامة البيئة جزءًا لا يتجزأ من التنمية البشرية، وعن الواقع البيئي بمصر –الدولة المضيفة لقمة المناخ للعام الجاري COP27- بوصفها من أكثر الدول المتضررة من تغيرات المناخ الحالية، نجد أن نصيب الفرد من انتاج انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (بالطن) بلغ عام 2020 حوالي 2.1 طن، والذي يقل عن متوسط إنتاج الدول العربية والذي يبلغ 4.3 طن، ويقل عن متوسط الدول النامية والذي يبلغ 3.3 طن.
فيما وصل نصيب الفرد من البصمة المادية عام 2019-يصف نصيب الفرد من البصمة المادية متوسط استخدام المواد (الكتلة الحيوية والوقود الأحفوري وخامات المعادن والخامات غير المعدنية) للطلب النهائي- إلى 8.2 طن، وهو يقل عن متوسط الدول العربية والذي وصل إلى 12.3 طن بالعام نفسه. وتحتل مصر المرتبة الثالثة عشر بين الدول العربية فيما يخص نصيب الفرد من انتاج انبعاثات ثاني أكسيد الكربون (بالطن).
ختامًا، تحسن وضع مصر في تقرير التنمية البشرية العالمي 2021-2022 رغم الظروف الاقتصادية والسياسية والبيئية المحيطة والتي أثرت على العالم أجمع، يعزز إصرار مصر لاستكمال خطط التنمية التي تنفذها الدولة، بوصفها شهادة دولية محايدة لمسير الدولة وخطة تنميتها في الاتجاه الصحيح.
.
رابط المصدر:
https://marsad.ecss.com.eg/73339/