ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.. سيناريو “لوزان” يلوح في “رأس الناقورة”

 محمد الليثي

 

في عام 2015 وبعد مفاوضات ماراثونية بين إيران والدول الست الكبرى، تم الإعلان من مدينة “لوزان” السويسرية عن التوصل إلى الاتفاق النووي في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، ليأتي خليفته في المنصب الرئيس السابق دونالد ترامب معلنًا الانسحاب، ومسببًا لأزمة كبيرة تحاول الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن الآن إصلاحها بتجديد الاتفاق مع إيران. ومنذ عامين تقريبًا، جرت مفاوضات استغرقت وقتًا طويلًا بين لبنان وإسرائيل بوساطة أمريكية لحل أزمة الحدود البحرية بسبب حقول الغاز المُكتشفة، ليصل الطرفان أخيرًا إلى اتفاق ينتقده زعيم المعارضة الإسرائيلية الحالي، بنيامين نتنياهو، الذي يتنافس مع يائير لابيد في الانتخابات التي ستُجرى مطلع الشهر المقبل على رئاسة الوزراء، فإذا عاد نتنياهو من جديد هل يتكرر سيناريو لوزان في رأس الناقورة؟

الحكومة المؤقتة تتخذ القرار

على الرغم من أن التصديق على اتفاقية مثل “ترسيم الحدود” مع إسرائيل يستلزم انتظار تشكيل حكومة تكون مسؤولة أمام الجمهور الإسرائيلي، فإن لابيد وحكومته الحالية رأت أنه من الواجب اتخاذ هذا القرار في الوقت الحالي؛ لأن الوقت لا يسمح بالتأخير، ولأن نافذة الفرصة التي أتت بوساطة أمريكية ضيقة زمنيًا.

واجتمع في 12 أكتوبر “الكابينت الإسرائيلي” (المجلس الوزاري الأمني المصغر) للنقاش حول المسودة النهائية لتلك الاتفاقية، وبالإجماع دفع الأعضاء القرار نحو الموافقة عدا وزيرة الداخلية إيليت شاكيد التي امتنعت عن التصويت على هذا الاتفاق، وفي وقت لاحق أعلن رئيس الوزراء لابيد موافقة الحكومة بأغلبية كبيرة بشكل مبدئي على اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع لبنان وعلى مقترح لابيد بعرضه على الكنيست الإسرائيلي.

تفاصيل جلسة “الكابينت”

شهدت جلسة “الكابينت” دعمًا كبيرًا لذلك الاتفاق عدا الوزيرة شاكيد. وبحسب بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، صوّت مجلس الوزراء على صيغة تنص على “أهمية وضرورة التوصل إلى اتفاق بحري بين إسرائيل ولبنان في هذا الوقت، وعبر أعضاء مجلس الوزراء عن دعمهم لدفع الإجراءات إلى الأمام لموافقة الحكومة على الاتفاقية”.

وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت في يده استخدام حق النقض ضد الاقتراح لأنه يتقاسم الحكومة مع يائير لابيد، فإنه رأى أنه في ظل الظروف الحالية من الصواب تمرير الاتفاق، وقال بينيت إن هذه الاتفاقية “ليست تاريخية، لكنها ليست اتفاقية استسلام مخزية”.

وفي توضيحه للأمور قال بينيت: “ليس كل ما هو جيد للبنان سيئًا لإسرائيل، هناك أوقات يمكن فيها الوصول إلى حالة من الربح لكلا الطرفين، لقد رأيت قيمة في التوصل إلى اتفاق؛ ولكن ليس بأي ثمن، بالتأكيد لا في ظل التهديدات.. الآن توصلوا إلى اتفاق بشروط مختلفة وبطريقة مختلفة عما خططوا له، ومع ذلك، في الظروف الحالية، من الصواب الموافقة”. مضيفًا أثناء الجلسة أنه قرر دعم الاتفاق بعد دراسة موقف المؤسسة الدفاعية.

رغم أن إسرائيل في الوضع الطبيعي كان عليها انتظار الحكومة المقبلة لاتخاذ القرار، لكن الظروف تتطلب اتخاذ قرار الآن، فالتحديات الأمنية، كما قدمها جميع رؤساء المؤسسات تخلق نافذة قرار ضيقة وقصيرة. وقال رئيس الوزراء البديل إنه “لا مكان للاحتفال بالنصر ولا للصراخ بصوت عال وكأنها كارثة، والاتفاق ليس انتصارًا دبلوماسيًا تاريخيًا، ولكنه أيضًا ليس اتفاقية استسلام رهيبة.. هذا مطلوب بسبب الظروف التي وجدنا أنفسنا فيها، في وقت إشكالي”. وأكد أن النقاش جاء في ظل اعتبارات سياسية من جميع الأطراف، وبالتالي “هذا دليل آخر على الثمن الباهظ الذي ندفعه لعدم الاستقرار السياسي، وضرورة اتخاذ قرار بشأن الانتخابات وإقامة حكومة واسعة ومستقرة”.

أسباب السير نحو الاتفاق

الاتفاق ليس في صالح حزب الله: خرج عدد من المسؤولين الإسرائيليين الذين أيدوا ذلك الاتفاق لتبرير الموافقة عليه مستعرضين عددًا من المكاسب السياسية والأمنية وأيضًا الاقتصادية من ذلك الاتفاق، وكان على رأسهم رئيس جهاز الموساد، ديفيد بارنيع، الذي قال إن من يدعي أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية إنجاز لتنظيم «حزب الله» اللبناني لا يفهم الوضع في لبنان، واتفق معه رئيس الأركان أفيف كوخافي، الذي قال إن الاتفاق ليس في صالح «حزب الله».

ووفقًا للتفاصيل التي نشرها موقع “واللا” الإسرائيلي، قال رئيس الموساد إن الاتفاقية ليست جيدة لـ«حزب الله» لأنها تشكل اعترافًا فعليًا بإسرائيل، وهو أمر يعارضه حزب الله، مضيفًا أن التنظيم اللبناني بدأ التعامل مع قضية اتفاق الحدود البحرية بطريقة جادة فقط في شهر مايو الماضي، عندما اعترف بأن الرأي العام في لبنان يدعم الاتفاق، وقال بارنيع: “حزب الله لم يكن يريد اتفاقا مع إسرائيل، لكنه أدرك أنه في ظل الأزمة السياسية الداخلية في لبنان فإن لديه فرصة لكسب نقاط في الرأي العام”.

مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، إيال هولتا، تحدث أيضًا عن هذا الأمر، قائلًا: إن الاتفاق يعد تغييرًا في موقف حزب الله المعارض لأي اتفاق مع إسرائيل، وأضاف: “الحكومة اللبنانية بالفعل اليوم تحت بند العقوبات إذا حولت أي أصول إلى حزب الله، وإذا فعلوا ذلك، فستُفرض عليهم عقوبات شديدة، ولن يتم نقل أي شيء من هذا الاتفاق إلى حزب الله”، مشيرًا إلى أن الأمريكيين هم الضامنون لذلك.

استقرار الوضع الأمني: ربما تضفي تلك الاتفاقية الاستقرار في الجبهة الشمالية لإسرائيل مع لبنان حتى لو لفترة ما بوصفها أول تسوية سياسية مع لبنان منذ 40 عامًا، وهذا ما يراه مستشار الأمن القومي هولتا، الذي أكد أن الاتفاقية ستزيل التهديد عن حقل غاز «كاريش» وتسمح بالسلام وغياب المزيد من الادعاءات بخصوص الحدود البحرية، وأكد أن “هناك مصلحة أمنية إسرائيلية في تعزيز دولة لبنان لأنها تضعف حزب الله”.

الحفاظ على خط العوامات: وبحسب هولتا، فإن أحد أسباب تأجيل الاتفاق هو المطالبة الإسرائيلية بالحفاظ على خط العوامات، مضيفًا: “سيتم تحديد الخط بطريقة منظمة بوصفه الوضع الراهن المتفق عليه بين إسرائيل ولبنان وسيتم إيداعه في الأمم المتحدة على هذا النحو.. الاتفاق يحدد أن هذه هي نهاية الصراع البحري حتى يتم استئناف المفاوضات السياسية الشاملة حول الحدود بين اسرائيل ولبنان في المستقبل”.

تعارض الاتفاق مع المصلحة الإيرانية: بإبرام اتفاق يقيد سلوك «حزب الله» تجاه إسرائيل، قد يكون ذلك مكسبًا أمنيًا لتل أبيب بضمان الهدوء في الجبهة الشمالية، بالإضافة إلى أن ذلك يتعارض مع المصلحة الإيرانية بأن يكون الاتفاق بين لبنان وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية كوسيط بينهما، وهذا ما يراه هولتا.

مكاسب اقتصادية «مزدوجة»: في البداية طالب اللبنانيون بـ100% من حقل غاز قانا، إلا أن الاتفاق انتهى بحصولهم على معظمه فيما يذهب لإسرائيل ما يقرب من نصف مليار دولار، وعلى الرغم من أنه مكسب ضئيل لإسرائيل إلا أن ذلك يعد مكسبًا اقتصاديًا، فيما يذهب إلى لبنان باقي المبلغ المقدر بـ3 مليارات دولار وهو ثمن الغاز الطبيعي المقدر في “قانا”.

في هذا الشأن تحدث أيضًا ليئور شيلات المدير العام لوزارة الطاقة الإسرائيلية الذي قال إنه حتى التصويت المقبل في الحكومة على الاتفاقية خلال أسبوعين، فإن هناك اتفاقًا بين إسرائيل وشركة “توتال” الفرنسية بشأن التعويضات التي ستحصل عليها إسرائيل من أرباح الغاز، مشيرًا إلى أنه لن يكون هناك تطوير لحقل الغاز قبل أن تحصل إسرائيل على الدفعة الأولى من التعويضات من الشركة.

إشكالية عودة نتنياهو

في مطلع الشهر المقبل ستشهد الساحة الإسرائيلية انتخابات خامسة في غضون أقل من 4 سنوات، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ إسرائيل أن يضربها ذلك الجمود السياسي الذي تسبب في العديد من الأزمات وتعطيل الكثير من القرارات المصيرية، وربما تحمل تلك الانتخابات مفاجأة بعودة نتنياهو إلى منصبه السابق رئيسًا للحكومة مرة أخرى، وهو ما سيتسبب في سيناريو غير مرغوب فيه من قبل أطراف دولية عديدة بشأن اتفاق الحدود البحرية مع لبنان.

الوضع السياسي في إسرائيل: يُعد الوضع السياسي في إسرائيل الآن مُعقدًا للغاية، وجاءت أكثر من حكومة مؤقتة في السنوات الأخيرة إلا أنها كانت لا تتخذ أي قرارات مصيرية يُمكن إلغاؤها في وقت لاحق عندما تتولى حكومة مُنتخبة المسؤولية، إلا أنه على عكس العادة قررت الحكومة الحالية اتخاذ ذلك القرار.

وفي الانتخابات المقبلة تتنافس كتلتان: يقف على رأس الأولى زعيم المعارضة نتنياهو، والثانية رئيس الوزراء لابيد. وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى تساوي الفريقين تقريبًا وهو ما يشير باستمرار الجمود السياسي والذهاب إلى انتخابات سادسة، لأن تساوي الفريقين يعني ذلك.  وإذا استطاع أحد الفريقين تشكيل حكومة جديدة ستكون حكومة ضعيفة وهشة على شاكلة حكومة بينيت ولابيد التي لم تستمر سوى عام واحد واستطاع نتنياهو إسقاطها، وهذا الوضع لا يشكل خطرًا على الاتفاقية التي تم إبرامها مع لبنان.

نتنياهو والاتفاقية: يرى نتنياهو أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية “استسلام تاريخي”، معتبرًا أن “لابيد وافق على كل مطالب حزب الله، وكان خائفًا، ولهذا السبب استسلم”. وربما تشير هذه التصريحات إلى تهديد مُقبل حال استطاع نتنياهو تحقيق مفاجآت في الانتخابات ضد غريمه لابيد، حيث من الممكن أن يعد الاتفاقية كأنها لم تكن وينسحب منها مسببًا أزمة جديدة في المنطقة من شأنها التصعيد في الجبهة الشمالية. وعلى الرغم من الضمانات الأمريكية بشأن الاتفاق، فإن نتنياهو سيرى الأمر في هذا الحال أمنًا قوميًا لإسرائيل، ومن ثم يُقرر عدم العمل بالاتفاق، بجانب أن رصيده لدى الولايات المتحدة الأمريكية يسمح بذلك، ومن الصعب أن تتخذ واشنطن حينها موقفًا قويًا تجاه تل أبيب.

ختامًا، حال عودة زعيم المعارضة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى منصبه السابق كرئيس للوزراء سيشهد لا شك مستقبل ذلك الاتفاق اضطرابات بسبب اعتباره خسارة أو خضوع لحزب الله اللبناني، مما سيترتب عليه تصعيد جديد بين لبنان وإسرائيل.  وحال استمرار الأزمة السياسية بالذهاب إلى انتخابات سادسة لا يؤثر ذلك على مصير الاتفاق لكون الحكومة التي ستكون موجودة حينها حكومة مؤقتة لحين تشكيل حكومة جديدة. وحال حسم كتلة لابيد الانتخابات المقبلة واستطاعتها تشكيل الحكومة، سيشكل ذلك ضمانًا كبيرًا لتطبيق ذلك الاتفاق التي تم بوساطة ودعم الولايات المتحدة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/73423/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M