بن فريمان: كيف تُحوِّل الإمارات مصالحها إلى ‘سياسة أمريكية’

عادل رفيق

 

نشرت موقع ريسبونسبل ستيت كرافت الأمريكي في 6 ديسمبر 2022 مقالاً  لـ “بن فريمان”، وهو زميل باحث في معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول، بعنوان “كيف تحول الإمارات مصالحها إلى ‘سياسة أمريكية’”، يتناول تقريراً جديداً لمعهد كوينسي حول واحدة من أكبر عمليات التأثير الأجنبي وأكثرها تمويلاً داخل الولايات المتحدة، تتمثل في تدخل دولة الإمارات العربية المتحدة في السياسة الأمريكية والذي يرى فريمان أنه بات يُشكل مصدر قلق للأمن القومي الأمريكي. وجاء المقال على النحو التالي:

لقد أصبح تدخل الإمارات في السياسة الأمريكية الآن مصدر قلق للأمن القومي، وفق تقرير سري قام بإعداده مسؤولو المخابرات الأمريكية وتم إطلاع صناع القرار في الكونجرس والسلطة التنفيذية عليه.

وبينما لا يزال التقرير سرياً بالنسبة للجمهور، إلا أن محاولات الإمارات للتدخل بشكل غير قانوني في السياسة والانتخابات الأمريكية تصدرت عناوين الصفحات الأولى في الولايات المتحدة على مدى سنوات – بما في ذلك مخططاتها لتحويل ملايين الدولارات بشكل غير قانوني إلى حملات دونالد ترامب وهيلاري كلينتون خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2016، وحملة سرية أنفقت عليها ملايين الدولارات لتشويه سمعة خصم الإمارات، دولة قطر، في واشنطن.

ويكشف تقرير جديد لمعهد كوينسي قمت على إعداده، تحت عنوان “اللوبي الإماراتي في أمريكا”، النقاب عن الضغوط القانونية التي تمارسها دولة الإمارات العربية المتحدة وعمليات التأثير التي تديرها في الولايات المتحدة. ويوضح التقرير كيف تسنَّى لهذه المجموعة من شركات الضغط والعلاقات العامة الأكثر نفوذاً في أمريكا والتي تم تمويلها جيداً وبشكل استثنائي، أن تعمل على التأثير على أعضاء الكونجرس، والسلطة التنفيذية، ووسائل الإعلام، ومراكز الفكر، وغيرهم، لتشكيل قرارات السياسة الخارجية الأمريكية الحاسمة في الشرق الأوسط.

ويقع اللوبي الإماراتي في قلب عمليات التأثير القانوني التي تديرها دولة الإمارات العربية المتحدة في أمريكا – ويشمل أكثر من عشرين شركة مسجلة بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا) للترويج للمصالح الإماراتية في الولايات المتحدة. وفي غضون عامين فقط قام التقرير بتغطيتهما – 2020 و2021 – كشف التقرير أن اللوبي الإماراتي قام بأكثر من 10000 نشاط سياسي نيابة عن عملائه الإماراتيين، بما في ذلك إرسال رسائل من خلال البريد الإلكتروني وإجراء اتصالات تليفونية وعقد الاجتماعات بأعضاء الكونجرس وموظفيهم لأكثر من 7000 مرة. وقد تم تصميم هذا التأثير الاستثنائي خصيصاً لتوجيه العديد من قرارات السياسة الخارجية الأمريكية التي من شأنها توسيع التشابكات العسكرية الأمريكية في المنطقة (الشرق الأوسط).

سلام عبر مبيعات الأسلحة

لقد تم الترحيب بشكل علني باتفاقات أبراهام – التي أدت في النهاية إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب والسودان – على أنها “سلام دافئ يغير الشرق الأوسط”، وفقاً لسفارة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن. لكن من وراء الكواليس، كان اللوبي الإماراتي يستخدم بهدوء اتفاقات أبراهام كرافعة للحصول على ما قيمته مليارات من المعدات العسكرية الأمريكية وتوقيع معاهدة أمنية رسمية مع الولايات المتحدة. ومختصر القول، أنه قد تم استخدام اتفاقيات “السلام” هذه لزيادة، وليس الحد من، عسكرة السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وبعد أقل من شهرين من توقيع اتفاقيات أبراهام، تم الإعلان عن بيع أسلحة أمريكية بقيمة 23 مليار دولار إلى الإمارات العربية المتحدة، والذي من شأنه أن يوفر للإمارات بعضاً من أكثر الأسلحة الأمريكية تقدماً، بما في ذلك الطائرات الموجهة عن بعد، وربما الأهم والأخطر من ذلك، شراء عدد 50 طائرة مقاتلة من طراز إف-35، حيث كان أعضاء جماعات الضغط الإماراتي يمهدون الطريق لبيع تلك الأسلحة للإمارات على مدى شهور.

وعلى سبيل المثال، تُظهر ملفات قانون تسجيل الوكلاء الأجانب أن شركة أمريكان ديفينس إنترناشيونال، التي تعمل لصالح شركة أكين جامب، أحد أكبر شركات المحاماة والضغط السياسي، بالنيابة عن سفارة الإمارات العربية المتحدة، اتصلت بالعشرات من مكاتب الكونجرس بشأن التعديلات المقترحة في قانون تفويض الدفاع الوطني ومشروع قانون الدولة والعمليات الخارجية والبرامج ذات الصلة التي من شأنها تقييد نقل الأسلحة إلى الإمارات. وشمل ذلك تنظيم اجتماعات متعددة بين سفير الإمارات في العاصمة واشنطن وأعضاء الكونجرس الرئيسيين في هذه اللجان. وقد ساعد تود هارمر، وهو عقيد متقاعد من القوات الجوية الأمريكية،  شركة أمريكان ديفينس إنترناشيونال في هذا الأمر بشكل كبير، حيث تحول هارمر من عقيد سابق في القوات الجوية الأمريكية إلى “لوبي إماراتي” مع شركة أمريكان ديفينس إنترناشيونال، و كان هارمر واحداً من 280 متقاعداً عسكرياً حصلوا على تصاريح للعمل لصالح الإمارات، وفقاً لتحقيق أجرته صحيفة واشنطن بوست.

وبعد الإعلان عن بيع الأسلحة، لم يتردد اللوبي الإماراتي في ربط مبررات تلك المبيعات الهائلة من الأسلحة باتفاقات أبراهام. وفي الواقع، فإن تقرير سفارة الإمارات العربية المتحدة، “الإمارات وطائرات إف-35″، الذي تم توزيعه على نطاق واسع من قبل جماعات الضغط الإماراتية، ينص صراحةً على أنه “مع اتفاقيات التطبيع التاريخية الأخيرة، سيتم إضفاء الطابع الرسمي على التعاون الأمني والدفاعي وتسريعها”. والرسالة المتوخاة من خلال هذه الملفات وغيرها من ملفات قانون تسجيل الوكلاء الأجانب التي وزعها اللوبي الإماراتي هي أن السلام الذي توفره اتفاقيات أبراهام يستلزم بيع أسلحة حربية للإمارات.

وعلى الرغم من أن صفقة إف-35 قد تم إلغاؤها في نهاية المطاف في أواخر عام 2021، إلا أن جهود اللوبي الإماراتي للحصول على معدات عسكرية أمريكية أخرى قد أثمرت بشكل كبير. ففي الواقع الأمر، وافقت إدارة الرئيس جو بايدن على ما تقل قيمته قليلاً عن 3.5 مليار دولار من مبيعات الأسلحة إلى الإمارات، مما ساعد على جعلها ثالث أكبر مستورد للأسلحة الأمريكية في السنوات الخمس الماضية، بعد أفغانستان والسعودية فقط، وفقاً لما ذكره تقرير لمعهد كوينسي مؤخراً.

لكن الجائزة الأكبر للإمارات العربية المتحدة واللوبي الإماراتي لم تأت بعد – وهي توقيع اتفاقية أمنية رسمية مع الولايات المتحدة. ففي ربيع عام 2022، في أعقاب هجمات المتمردين الحوثيين في اليمن، طلبت الإمارات والمملكة العربية السعودية إبرام معاهدة أمنية رسمية مع الولايات المتحدة، وبحسب ما ورد، كانتا تستخدمان علاقاتهما الإسرائيلية الجديدة لكسب القضية لصالحهما. وبينما لم يتم إقرار المعاهدة الرسمية، فقد تم تداول أن إدارة بايدن وافقت هذا الصيف على اتفاقية أمنية مع الإمارات العربية المتحدة والتي، وفقاً لماثيو بيتي، أحد الكتاب الذين يساهمون في موقع ريسبونسبل ستيت كرافت، ستكون بمثابة “تعهد للأمريكيين بالقتال والموت من أجل المملكة”.

متابعة أموال اللوبي المالي

إن الطريق إلى هذا الاتفاق الأمني الذي يمكن أن يضع أفراد الخدمة الأمريكية، مرة أخرى، في أتون حرب أخرى في الشرق الأوسط، تم التمهيد له جزئياً بملايين الدولارات التي كرستها الإمارات للتأثير على هذه العمليات في الولايات المتحدة. ووفقاً لـ “أوبن سيكرتس”، وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن تعمل في تعقب البيانات المرتبطة بتمويل الحملات والضغط السياسي، فقد تلقى اللوبي الإماراتي بالولايات المتحدة أكثر من 157 مليون دولار من الإمارات منذ عام 2016، مما يجعلها واحدة من أكثر جماعات الضغط الأجنبية من حيث ضخامة التمويل في الولايات المتحدة. وقد منح هذا التمويل الاستثنائي الشركات التي تعمل من أجل المصالح الإماراتية الفرصة لتقديم عقود ضغط مربحة لمسؤولي الدفاع السابقين، مثل تود هارمر، وأعضاء سابقين في الكونجرس، مثل إليانا روس ليتينين (الحزب الجمهوري – ولاية فلوريدا) ولامار سميث (الحزب الجمهوري – ولاية تكساس)، الذين كانوا يمثلون ذات يوم مصالح ناخبيهم الأمريكيين، لكنهم الآن يتقاضون رواتبهم لتمثيل المصالح الإماراتية.

وبينما كان اللوبي الذي يعمل لصالح الإمارات يدفع واشنطن نحو المزيد من التشابكات العسكرية معها، فقد كان أيضاً يدفع مئات الآلاف من الدولارات إلى الحملات الانتخابية لأعضاء الكونجرس. وفي الواقع، وكما هو موثق في “اللوبي الإماراتي في أمريكا”، فقد تبرعت شركة واحدة فقط تعمل لصالح الإماراتيين، أكين جامب، أحد أكبر شركات المحاماة والضغط السياسي، بأكثر من نصف مليون دولار لحملات السياسيين الذين اتصلت بهم جماعات الضغط التابعة لها نيابة عن الإمارات العربية المتحدة. وفي بعض الحالات، تم إجراء هذه الاتصالات والمساهمات على فترات متباعدة، مثلما حدث عندما عقد السناتور تود يونج (الحزب الجمهوري – ولاية إنديانا) اجتماعاً شخصياً مع أحد أعضاء جماعات الضغط في شركة أكين جامب لمناقشة “العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة” في 15 أبريل 2021، ثم بعد ثمانية أيام، تبرعت شركة أكين جامب بمبلغ 5000 دولار للجنة حملته، وفقاً لإيداع الشركات بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب.

ومن المؤكد أن تبرعات اللوبي الناشط لصالح الإمارات كانت من الحزبين. وفي الواقع، فمن بين أعضاء الكونجرس، كان زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر (الحزب الديمقراطي – ولاية نيويورك) وزعيم الأغلبية في مجلس النواب ستيني هوير (الحزب الديمقراطي – ولاية ماريلاند) من كبار المتلقين لأموال المساهمات من اللوبي الإماراتي.

وبينما قد يرى البعض هذه الممارسات على أنها سياسة الدفع مقابل اللعب، إلا أنها ليست في الحقيقة غير قانونية. فجماعات الضغط من مواطني الولايات المتحدة أحرار في تقديم مساهمات للحملات الانتخابية، ضمن الحدود القانونية، لمن يختارون، حتى لو ذهبت تلك المساهمات إلى أعضاء الكونجرس الذين ضغطوا لتوِّهم نيابة عن نظام استبدادي.

وسواء ساعدت هذه المساهمات اللوبي الإماراتي أم لا، فمن المؤكد أنه أمر قابل للنقاش، وكذلك قيمة أجندة اللوبي الإماراتي بالنسبة للولايات المتحدة. فعشرات الملايين من الدولارات تُدفع لهذه الشركات  كل عام لإقناع صانعي السياسة بأن المصالح الإماراتية هي مصالح أمريكية. لكن دافعي الضرائب الأمريكيين هم الذين يُتركون لدفع فاتورة السياسة الخارجية الأمريكية العسكرية في الشرق الأوسط. وتشمل التكلفة بالفعل الاستمرار في دفع 30 ألف جندي أمريكي لا يزالون متمركزين في الشرق الأوسط. وإذا ساعد اللوبي الإماراتي في إقناع واشنطن بتوقيع اتفاقية أمنية مع الإمارات، فستشمل هذه التكلفة مطالبة أعضاء الخدمة الأمريكية بالقتال والموت للدفاع عن دبي. ولهذا السبب، وإذا لم يكن هناك سبب آخر، فسيكون من الضروري فهم كيف يعمل اللوبي الإماراتي على تشكيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة في المستقبل.

 

.

رابط المصدر:

https://eipss-eg.org/%d8%a8%d9%86-%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%85%d8%a7%d9%86-%d9%83%d9%8a%d9%81-%d8%aa%d9%8f%d8%ad%d9%88%d9%91%d9%90%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d8%b5%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%87%d8%a7-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%a3%d9%85%d8%b1%d9%8a%d9%83%d9%8a%d8%a9/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M