هل سيعود الأفارقة في المنتخب الفرنسي كأبناء مهاجرين أم سيظلون فرنسيين؟!

بسام المسلماني

مدير تحرير مجلة قراءات إفريقية

“عندما أُسجِّل، فأنا فرنسيّ، وعندما لا أفعل، أو عندما تكون هناك مشكلة، فأنا عربيّ”!؛ هذا التصريح كان لـ”كريم بنزيمة”، أحد أبرز النجوم الفرنسيين، في عام 2011م، يكشف الصلة الوثيقة بين السياسات العِرْقية المتقلّبة في فرنسا وكرة القدم، نفس الأمر ينطبق على اللاعبين الأفارقة عندما لا يُحقّقون النصر فهم أبناء المهاجرين، أما في حال الانتصار فهم فرنسيون!

والآن بعد خسارة فرنسا في نهائي كأس العالم في قطر من الأرجنتين؛ هل سيعود وصف أبناء المهاجرين لأفراد الفريق الأفارقة، بعد أن كانوا فرنسيين خلال الأعوام الأربعة الماضية بعد فوزهم بكأس العالم في روسيا عام 2018م؟

لم تكد تنتهي المباراة حتى تعرَّض بعض اللاعبين الأفارقة في المنتخب الفرنسي، بمن فيهم كينغسلي كومان لاعب بايرن ميونيخ، لإساءات عنصرية على وسائل التواصل الاجتماعي بسب إضاعته ركلات الترجيح ؛ حيث لا تزال العنصرية وإرث الاستعمار جزءًا رئيسًا في تشكيل الثقافة والهوية الفرنسية.

لم يسلم من هذه الهجمة العنصرية أوريليان تشاوميني، ومن أضاع الفرصة المحققة أمام المرمى قبل نهائية اللقاء بقليل، المهاجم كولو مواني.

وتعرض هؤلاء اللاعبين من المنتخب الفرنسي وصيف بطل العالم، لأقذع الانتقادات وأبشع الحملات العنصرية التي شككت في انتمائهم، وتم استعمال رموز تعبيرية على شكل قردة، أو تعليقات تتضمن تصريحات قديمة لسياسيين يمينين متطرفين، تحذر من تغيير صورة المنتخب الفرنسي من الأبيض إلى الأسود.

ووصل الأمر ببعض المشاركين في هذه الحملة العنصرية إلى المطالبة بترحيل اللاعب الفرنسي كينغسلي كومان إلى إفريقيا تحت شعار “أعيدوهم إلى إفريقيا”.

سيناريو الإساءة للاعبين الأفارقة يتحدَّث عنه لاعب خط الهجوم الفرنسي “نيكولاس أنيلكا” –من أصول إفريقية- بعد نهائيات كأس العالم 2010م في جنوب إفريقيا والخروج المُذِلّ للمنتخب الفرنسي، قائلاً: “عندما يفشل منتخب فرنسا في الفوز، يبدأ الناس في الحديث على الفور عن ألوان بشرة اللاعبين ومعتقداتهم الدينية”.

في صيف 2021 تعرض نجم المنتخب الفرنسي كيليان مبابي إلى حملة عنصرية بعدما تسبب في خسارة المنتخب  الفرنسي أمام سويسرا، خلال بطولة كأس الأمم الأوروبية “يورو 2020″، وذلك عندما أضاع أكثر من فرصة في اللقاء، بالإضافة إلى إهدار ركلة ترجيحية، حيث تم نعته بـ”القرد القذر” عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما دفعه بإعلان رغبته في اعتزال اللّعب دوليا، والتوقف عن المشاركة مع المنتخب الفرنسي رغم صغر سنّه وتألقه مع فريقه باريس سان جرمان.([1]).

ويتذكر لاعب خط الدفاع في المنتخب الفرنسي باتريس ايفرا –من أصول سنغالية- الممارسات العنصرية وصور التمييز التي عانى منها خلال مسيرته الدولية والتي استمرت 12 عامًا؛ حيث يتذكر الرسائل التي تم إرسالها إلى مركز تدريب في كليرفونتين تخبره “بالعودة إلى إفريقيا مع قرودك”! ويتذكر أيضًا كيف، عندما زار السياسيون الفرنسيون الفريق، أُعيد ترتيب مخططات المقاعد لوضع المزيد من اللاعبين البيض في أماكن التقاط الصور، “ليكون هناك المزيد من الأشخاص الذين يشبهون الفرنسيين”.

ويضيف: “لسنا في الوطن، بغض النظر عما إذا كان لدينا جواز سفر فرنسي،…، وإذا نظرنا إلى جميع الصور مع الرئيس الفرنسي، ليس هناك أيّ شخص أسود يقف بجانبه”([2]).

هناك حوالي 3 ملايين مواطن فرنسي من أصل إفريقي جنوب الصحراء في فرنسا كمواطنين متجنسين أو مهاجرين من الجيل الثاني([3])، هذا فضلاً عن المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين والذين لم يتم تقنين إقامتهم في فرنسا؛ النوع الأول منهم الأفارقة في المنتخب الفرنسي والذين يُعدّون حالة استثنائية؛ حيث إن موهبتهم فرضت على جزء كبير من المجتمع الفرنسي، احترامهم وتقديرهم والثناء عليهم، لكن ماذا عن أبناء المهاجرين الآخرين الذين لا يملكون تلك الموهبة؟، هل يُعامَلون باحترام وتقدير؟، أم أن وجودهم في خطر في ظل تصاعد النبرة العنصرية في المجتمع الفرنسي؛ حيث حظيت مرشحة اليمين الفرنسي مارين لوبان في الجولة الثانية من الانتخابات الفرنسية عام 2022م، بنسبة 41.46٪ (صوَّت لها: 13٬297٬760 شخص)، أي قريبًا من نصف المجتمع الفرنسي.

مارين نفسها، قالت: إن اللاعب في المنتخب الفرنسي كريم بنزيمة يجب أن “يذهب ويلعب في بلاده”؛ أي الجزائر، لكنَّ مشاعر الكراهية تلك تجاه بنزيمة خفَّت بعد أن أصبح أول لاعب فرنسي منذ أكثر من 20 عامًا يفوز بجائزة الكرة الذهبية، كأفضل لاعب في العالم، وبعد أن قاد ريال مدريد للفوز بلقب الدوري الإسباني ودوري أبطال أوروبا، ولم تَعُد أصوله الجزائرية تُذْكَر حينئذ([4]).

بعد فوز فرنسا بكأس العالم في عام 2018م أُقيم احتفالٌ في القصر الرئاسي، جلس لاعب خط الوسط في المنتخب الفرنسي “نغولو كانتي” إلى جانب والدته التي كانت ترتدي الحجاب، بالإضافة إلى لاعب خط الوسط الآخر “نغولو كانتي”، واللاعب “عثمان ديمبلي”، واللاعب “نبيل فقير”، واللاعب “عادل رامي”، فهل حافظ الرئيس الفرنسي “مانويل ماكرون” على مشاعر هؤلاء المسلمين الذي حقَّقوا النصر لفرنسا، خلال الإساءة للإسلام ونبي الإسلام –صلى الله عليه وسلم-؟!

وبعد فوز فرنسا في نهائي موسكو عام 2018م، انتشر مقطع فيديو لمقدم برنامج  (The Daily Show) الأمريكي، “تريفور نوح”([5])، وهو يقول: “إفريقيا فازت بكأس العالم”! كم كان تعليقه مُوجِعًا لفرنسا حيث ذكَّرها بماضيها الاستعماري، فقام السفير الفرنسي في الولايات المتحدة بإرسال رسالة شديدة اللهجة إلى نوح مستنكرًا هذا الوصف، لكن استنكار السفير الفرنسي لا ينفي أبدًا أن مَن حقَّق النصر لفرنسا عام 2018م هم اللاعبون الأفارقة، ومَن مكَّنها من الوصول للمباراة النهائية في مونديال قطر 2022م هم أيضًا اللاعبون الأفارقة.

وقبل مباراة النصف النهائي في بطولة العام 2022م، وصفت صحيفة “لا جازيتا ديلو سبورت” الإيطالية المباراة بين فرنسا والمغرب بأنها “ديربي إفريقي”؛ بسبب عدد اللاعبين الفرنسيين المنحدرين من أصل إفريقي.

وعلى موقع تويتر، أشار حساب الكوميديا ​​الشهير ترول فوتبول -والذي يتابعه أكثر من 2.5 مليون شخص- إلى نصف النهائي بين المغرب وفرنسا على أنه “أول نصف نهائي إفريقي في كأس العالم” على الإطلاق.

ومن المفارقات أن فرنسا لا تزال تستعين بمهارات شعوب مستعمراتها السابقة لتبني لها انتصارات  كروية، مثلما استعانت بهذه الشعوب في بناء مَجْد إمبراطوريتها السابقة، كما تعتمد بشكل أساسي على مهارات “كيليان مبابي”، وهو أحد أبرز نجومها المتألقين حاليًا في ملاعب كرة القدم، وينحدر والده من الكاميرون، بينما والدته فايزة العماري، تنحدر من الجزائر، والدولتان كانتا مستعمرتين فرنسيتين سابقتين، هذا بالإضافة إلى “عثمان دمبليه” الذي تعود جذور أسرته إلى كوت ديفوار، وهي كانت مستعمرة فرنسية،  واللاعب “نغولو كانتي” وهو من أصول مالية، وكانت مالي مستعمرة فرنسية سابقة كذلك.

هذه المفارقة تُجسّد طبيعة العلاقة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة، فعلى الرغم من انتهاء أشكال الاستعمار التقليدي؛ إلا أن العلاقات التي أنتجها ما زالت موجودة، ولا تزال فرنسا تنهب مُقدَّرات وثروات مستعمراتها السابقة سواء كانت ثروات مادية أو بشرية، بل وتعاملهم بعد تَجنيسهم بنوع من التمييز والعنصرية مثلما كانت معاملتها لشعوب مستعمراتها في السابق.


[1]https://www.newindianexpress.com/web-only/2022/dec/12/spotlight-africa-at-the-fifa-world-cup-but-darkness-lurks-underneath-2527495.html،  انظر أيضا الوجه القبيح للكرة الفرنسية.. “أعيدوهم لإفريقيا” ، على موقع سكاي نيوز

[2]– When You Win, You’re a French Player. When You Lose, You’re Not.’، https://www.si.com/soccer/2022/11/22/france-world-cup-2022-laicite-daily-cover

[4] When You Win, You’re a French Player. When You Lose, You’re Not

-[5] للاطلاع على مقطع الفيديو عبر هذا الرابط : https://www.youtube.com/watch?v=NiFpccRyAYA&ab_channel=MehyeddinHussein

 

.

رابط المصدر:

https://www.qiraatafrican.com/home/new/%D9%87%D9%84-%D8%B3%D9%8A%D8%B9%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%81%D8%A7%D8%B1%D9%82%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D9%8A-%D9%83%D8%A3%D8%A8%D9%86%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D8%A7%D8%AC%D8%B1%D9%8A%D9%86-%D8%A3%D9%85-%D8%B3%D9%8A%D8%B8%D9%84%D9%88%D8%A7-%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D9%8A%D9%8A%D9%86#sthash.feMoX0zp.ue8PG1tT.dpbs

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M