الواقع والمأمول من القمة الأمريكية – الأفريقية

رحمة حسن

 

على مدار ثلاثة أيام، تشهد العاصمة الأمريكية واشنطن من 13 إلى 15 ديسمبر قمة قادة الولايات المتحدة الأمريكية وأفريقيا، في عودة استراتيجية للسياسة الأمريكية في ظل احتدام التنافس الروسي الصيني الذي بات يهدد الوجود الغربي بالقارة السمراء، مع إعادة النظر للقارة الأفريقية من التبعية السياسية إلى شريك التنمية، وهي خطوة ستسهم في تحديد الاستفادة القصوى للقارة الأفريقية من تلك التجمعات التي ستضم 49 حكومة أفريقية، بجانب مفوضية الاتحاد الأوروبي وممثلي الشباب والمجتمع المدني والقطاع الخاص؛ فما المتوقع أن تصل إليه هذه القمة؟

وتأتي أعمال القمة في دورتها الثانية، منذ انطلاق القمة الأولى التي قادها الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2014، والتي توصلت إلى التزامات عدة للشراكة مع القطاع الخاص في القارة الأفيقية في مجالات الطاقة والمال والتغيرات المناخية والأمن الغذائي والرعاية الصحية، وهي تقريبًا نفس الملفات التي ستناقشها أعمال القمة الحالية، مع تعزيز الأمن والانتقال الديمقراطي وحقوق الإنسان والحكم الرشيد بجانب تعزيز الشراكات الاقتصادية الجديدة، بجانب تدشين العديد من المبادرات حول الشراكة في اتفاقية التجارة الحرة، والتعافي من كوفيد – 19، وتشجيع الاستثمار، على أن يشهد اليوم الأخير من أعمال القمة “يوم القادة” المتوقع أن يشهد اجتماعات وفعاليات حكومية لوفود الدول.

دوافع أمريكية وراء القمة

الاستراتيجية الأمريكية: تأتي أعمال القمة مع محاولة إدارة بايدن استعادة الوجود الخارجي واستعادة الدبلوماسية المتنوعة، عقب تراجع شهدتها فترة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، والتي شهدت حالة من العلاقات المتردية مع القارة الأفريقية بعد سلسلة التصريحات المسيئة للرئيس السابق، وكذلك قرارات تقليص الوجود الأمريكي العسكري في الخارج؛ ففي ديسمبر 2020 أصدر قرارًا بسحب القوات الأمريكية من الصومال، وتقليص أعداد القوات في القارة، الأمر الذي فاقم من حدة الإرهاب في المنطقة، فأصدر بايدن في مايو 2022 قرارًا بعودة القوات الأمريكية إلى الصومال، ونشر 550 عسكريًا.

هذا بجانب الكشف عن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه أفريقيا في أغسطس الماضي وكشف النقاب عنها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وتهدف إلى إجراء إصلاح شامل للسياسات الأمريكية تجاه القارة وخاصةً دول أفريقيا جنوب الصحراء، من خلال الانفتاح على المجتمعات، وتعظيم المكاسب الديمقراطية والأمنية، والتعافي من الجائحة وتعزيز الفرص الاقتصادية، ومواجهة التغيرات المناخية وتعزيز التكيف والانتقال العادل للطاقة. هذا بجانب “استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2022” والتي تقوم على توضيح مخاطر الشراكة مع الصين وروسيا مقابل النفوذ الأمريكي عبر توسيع التعاون الدفاعي مع الدول الأفريقية عبر “قطاع الدفاع الخاص الأمريكي للقوات المسلحة” في مجالات التكنولوجيا والطاقة؛ وذلك لمنافسة شركة “فاجنر” الروسية التي توغلت في القارة.

التنافس الدولي: تأتي أعمال القمة في ظل التنافس الروسي الصيني حول الوجود في القارة، بعد أن فقدت بعض دول القارة الأوروبية والولايات المتحدة حضورها نتيجة هذا الأمر مع استدعاء مشاعر العداء ضد النفوذ الاستعماري خاصة في دول الساحل الأفريقي ضد الوجود الغربي بدعم روسي وأيدته الانقلابات العسكرية في دول مالي وبوركينا فاسو وغينيا كونكاري وفقد النفوذ الفرنسي هناك.

فتحاول الشراكة الغربية الولايات المتحدة وأوروبا العمل على إعادة الحضور، والذي ظهر في لقاء بايدن والرئيس الفرنسي ماكرون للحديث حول آثار الحرب الأوكرانية لتلافي الخلافات بين الطرفي الغربي، وقبل يوم من انطلاق القمة أعلنت الحكومة البريطانية عن إطلاق “استراتيجيات طويلة الأجل لتطوير العلاقات مع أفريقيا” في محاولة لتغير صورتها النمطية، في ظل سياسة الحكومة لتوسيع شراكاتها مع دول أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية بحسب وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي.

ومن المقرر أن تعلن كذلك عن “دعم جديد لصندوق التنمية الأفريقي” لدعم قضايا الفقر والتنمية الاقتصادية وتحسين الرعاية الصحية، هذا بجانب الزيارات الدبلوماسية إلى إثيوبيا وكينيا لإحلال السلام، وتعزيز العلاقات مع المغرب بتخصيص “وكالة تمويل الصادرات البريطانية” نحو 4 مليارات جنيه إسترليني لتعزيز العلاقات التجارية بين المملكة المتحدة والمغرب، والشراكة بين مؤسسة تمويل التنمية البريطاني، وصندوق الضمان الأفريقي بقيمة 75 مليون دولار للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بجميع أنحاء أفريقيا.

وتخضع الاستراتيجية البريطانية ضمن سلسلة من الأدوات لجذب الحكومات الأفريقية، فقد انطلقت القمة الأفريقية البريطانية للاستثمار منذ عامين، وتدخل اليابان تلك المنافسة عبر قمة التيكاد، هذا بجانب التحضير للقمة الروسية الأفريقية أكتوبر 2023، والتي سبق وأن عقدت قمة سوتشي عام 2019، وسبقها القمة الصينية الأفريقية للتعافي من الجائحة. ومع الحديث عن تغيب الرئيس الجنوب أفريقي عن أعمال القمة لاتهامه في قضايا فساد في بلاده، أعلنت ألمانيا عن عقد مؤتمر اقتصادي في مدينة جوهانسبرج بجنوب أفريقيا، وبالتالي فإن احتدام التنافس والتراجع الغربي وراء هذا التوجه الأخير واستعادة الزخم الغربي في القارة.

قانون أجوا: تتزامن أعمال القمة مع اقتراب انتهاء سريان قانون أجوا 2025، والذي صدر منذ عام 2000، وبدوره استطاع أن يدخل ما يزيد عن 1800 منتج أفريقي إلى الولايات المتحدة معفاة من الضرائب الجمركية، واستخدمته الإدارة الأمريكية كسلاح للضغط على الحكومات الأفريقية لتغير سياساتها من الملفات الديمقراطية كما حدث مع إثيوبيا لوقف هجمات الحكومة الفيدرالية على التيجراي نوفمبر 2020.

هذا بجانب التضخم الذي تعاني منه الولايات المتحدة، والتي تسعى إلى الحفاظ على الصناعات الأمريكية مقابل الوجود الصيني الدولي من خلال زيادة استيراد المواد الخام من القارة الأفريقية، بشكل لا يضر الشريك الأوروبي، وبالتالي تسعى إدارة بايدن إلى إيجاد صيغة توافقية لتعزيز المصالح والاستفادة بموارد القارة الأفريقية بشكل تكاملي جنبًا إلى جنب مع تعزيز العمل في اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية؛ وبالتالي سيشهد اليوم الأول من أعمال القمة “الاجتماع الوزاري لقانون النمو والفرص في أفريقيا.”

تطبيق الرؤية الأمريكية في الملفات السياسية: تنطلق الاستراتيجية الجديدة ويعتمد نجاحها على مدى التعاون مع الحكومات الأفريقية في تطبيق السياسة الأمريكية المعلنة في ملف حقوق الإنسان والوصول للديمقراطية، فمن المتوقع تغيب الدول التي شهدت انقلابات أخيرة مثل مالي وبوركينا فاسو وغينيا كونكاري بجانب السودان التي تدعم الولايات المتحدة وجود حكومة مدنية عقب أعمال أكتوبر 2021، والتي انهت فترة الحكم الانتقالي قبل الاتفاق الإطاري الأخير في السودان.

وربما يأتي هذا الأمر في ظل العداء المعلن لحكومات الإنقلاب ضد الوجود الغربي الناتج من السخط الشعبي بضرورة التعاون مع روسيا مقابل الوجود الفرنسي على سبيل المثال والذي أدى إلى سحب قوات البرخان، فعملت القوى الغربية على استعادة التوازن من خلال الإعلان الألماني بزيادة القوات في دول الجوار، وخطاب بايدن في يوليو 2022 حول التطلع للعمل مع المجتمع المدني والحكومات الأفريقة ومجتمعات الشتات لتعزيز العلاقات في ظل مخاوف التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان، وزيادة القوات الأوروبية في دول الجوار كما أعلنت الحكومة الإيطالية من أجل حماية مصالحهم في دول الشمال الأفريقي ومكافحة الهجرة غير الشرعية، وبالتالي النظر للقارة الأفريقية بأنها شريك للحفاظ على الأمن القومي الغربي.

وقد انعكست التغيرات العالمية بعد الحرب الأوكرانية، والتي أثبتت تأثير البعد عن القارة الأفريقية على توجه الحكومات الأفريقية من إدانة روسيا والوقوف مع الناتو هذا بجانب قضايا التغيرات المناخية التي أثرت على الرؤية الأمريكية للقمة الأفريقية، من خلال العمل على التكامل وبناء المصالح المشتركة بما يحقق السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا واستراتيجية الولايات المتحدة تجاه أفريقيا جنوب الصحراء وأجندة أفريقيا 2063، وهو ما ينعكس على ملفات سبل تعزيز الأمن الغذائي وتشجيع الاستثمار في مشاريع البنية التحتية والصحة والطاقة المتجددة، ونقل التكنولوجيا الحديثة وتعزيز الديمقراطية والحكم الرشيد، بجانب مواجهة قضايا التغيرات المناخية وتعزيز التبادل التجاري واتفاقية التجارة الحرة القارية والحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، بجانب الانضمام لمجموعة لعشرين.

المأمول من القمة

حل القضايا العالقة: تدخل الدول الافريقية أعمال القمة بوصفها قوى مؤثرة وفاعلة وليس مفعول بها، وذلك من خلال مناقشة العديد من القضايا العالقة والتي تحتاج لوساطة دولية أو دعم دولي للوصول إلى حل بها، ومنها قضايا التحول الديمقراطي للدول التي لم تدعها واشنطن بسبب تعليق عضويتها من الاتحاد الأفريقي مثل السودان ومالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري، ومناقشة سبل العودة من خلال الحلول السياسية، وحلحلة الوساطة السياسية في قضية سد النهضة للوصول إلى اتفاق قانوني ملزم بعد تعليق المشاركات الأمريكية السابقة ورفض إثيوبيا الاتفاق الأفريقي برعاية أمريكية.

هذا بجانب مراقبة عملية السلام في التيجراي، ومناقشة الاعتداءات التي ارتكبتها حركة 23 مارس (إم 23)، وعملية السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية من خلال اللقاءات المشتركة بين رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسكيدي، والرئيس الرواندي، بول كاجامي، والعديد من الوسطاء، في ظل مناقشة قضايا السلام والأمن. ذلك بالإضافة إلى محاولة المغرب اتخاذ موقف دولي بشأن الحكم الذاتي للصحراء الغربية وإقصاء جبهة البوليساريو من المشهد الدولي في استعادة لمشهد قرار دونالد ترامب ديسمبر 2020 بالحديث حول الحكم الذاتي الذي يدعمه المغرب، وفي ظل عدم حضور الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وحضور الوزير الأول وهي محاولة لمسك العصا من المنتصف حتى لا تفقد الولايات المتحدة في ظل التقارب الروسي الجزائري وخاصةً في المجال العسكري، هذا بجانب تحقيق الأمن في القضية الليبية وأمن الساحل والصحراء من خلال مناقشة بنا قاعدة عسكرية في النيجر عن طريق سلك النهج الفرنسي في التقرب من النيجر وتشاد كبديل عن دول الساحل الأخرى.

التبادل التجاري والاتفاقيات الدولية: ستخرج القمة باتفاق وتوافقات حول قانون أجوا، وزيادة التبادل الاقتصادي عبر اليوم الثاني من القمة من خلال لقاء وزراء التجارة مع أعضاء الكونجرس، هذا بجانب إقامة شراكة استراتيجية حول منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية لتسهيل التجارة بين الولايات المتحدة وأفريقيا. ويبلغ حجم السوق المحتملة للكتلة 1.3 مليار شخص، بحاصل ناتج محلي إجمالي يناهز 2.6 تريليون دولار، ومن المتوقع كما صرح وامكيلي مين، الأمين العام لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، بأن الولايات المتحدة وأمانة الكتلة بصدد توقيع مذكرة لإطلاق منصة للعمل التجاري، ودعم إصدار تشريع لتعزيز المعونة الأميركية الرامية إلى تنفيذ منطقة التجارة الحرة الأفريقية.

التمويل وقضايا المناخ: وذلك انطلاقًا من إعلان شرم الشيخ بعد قمة المناخ COP27 والذي أقر صندوق الخسائر والأضرار بإلزام الدول الكبرى بالوفاء بتعهداتها، بجانب اللقاء الذي جمع الرئيس السيسي والرئيس الأمريكي جو بايدن حول المساعدات التي تعهدت بها الولايات المتحدة إلى مصر بقيمة 500 مليون دولار لتمويل التحول إلى الطاقة النظيفة بجانب التعهدات إلى أفريقيا من خلال التأكيد على مصارف تلك التمويلات، والبناء على تلك المخرجات في تحسين الأوضاع الأفريقية في قضايا المناخ والتكنولوجيا والأمن الغذائي والتكيف. وتعد القمة الأمريكية الإفريقية فرصة مناسبة للإعلان عن استثمارات أمريكية جديدة، حيث تلتزم الولايات المتحدة بتقديم 55 مليار دولار للقارة على مدى 3 سنوات.

التمثيل الأفريقي الدولي: والمتضمن التفاوض حول فكرة حصول إفريقيا على مقعد في مجلس الأمن الدولي، والتي سبق وتحدثت عنها الولايات المتحدة خلال أعمال الدورة العادية في الأمم المتحدة في سبتمبر من العام الحالي، هذا إلى جانب إيجاد مقعد أفريقي في مجموعة العشرين.

مما سبق، تُعد القمة الحالية بمثابة تغير للموقف الأفريقي من السياسات الدولية بشكل يعتمد على تنوع القوى، وبالتالي الاعتماد على استراتيجية المقاربة الشاملة والاعتماد على التكامل والمصالح المشتركة، وهو ما يدفعنا إلى توقع نتائج أكثر ايجابية لحل المشكلات الأفريقية بما يقابل الاستراتيجية الأمريكية المعلنة.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/74539/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M