دلالات أول لقاء مباشر بين وزيري خارجية السعودية وإيران في بكين

علي عاطف

 

على الرغم من أن اللقاء الذي جمع مستشار الأمن الوطني السعودي، الدكتور مساعد بن محمد العيبان، والأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، في بكين يوم 10 مارس الماضي كان ذا أهمية كبيرة بالغة حينما جرى خلاله التوصل إلى اتفاق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران بعد 7 سنوات من انقطاعها، فإن اجتماع وزيري خارجية البلدين يستحوذ بدوره على أهمية أخرى خاصة.

فيعد هذا اللقاء هو الأول من نوعه بين وزيري خارجية البلدين، الأمير فيصل بن فرحان ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، منذ أن قُطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في يناير 2016. فقبل انقطاعها بأشهر، شهدت العلاقات السعودية الإيرانية بوادر تحسن كان من بينها الزيارة التي قام بها عبد اللهيان في أغسطس 2014 إلى السعودية حينما كان نائب وزير الخارجية آنذاك محمد جواد ظريف لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وفي ذلك الوقت، وصفت وسائل الإعلام الإيرانية هذه الزيارة بأنها “خطوة أولى نحو تحسين العلاقات بين طهران والرياض”. وقد التقى عبد اللهيان في الرياض حينها بوزير الخارجية السعودي آنذاك الأمير سعود الفيصل.

أما اللقاء الأخير الثنائي بين وزيري خارجية البلدين، فقد جرى قبل حوالي 8 سنوات من الآن. ولم تخل الأجواء لاحقاً أيضاً من لقاءات أخرى على هامش مؤتمرات دولية، مثل لقاء وزير الخارجية السعودي السابق، عادل الجبير، مع نظيره الإيراني في ذلك الوقت، محمد جواد ظريف، على هامش مؤتمر “منظمة التعاون الإسلامي” في اسطنبول في أغسطس 2017. كما اجتمع الطرفان مؤخراً على هامش مؤتمر (بغداد-2) في ديسمبر 2022.

لذا، يكتسب لقاء وزيري الخارجية بن فرحان وعبد اللهيان في الصين أهميته من كونه الاجتماع الثنائي الأول والمباشر بين الدولتين منذ سنوات طوال.

مخرجات لقاء وزيري الخارجية السعودي والإيراني في بكين

إلى جانب التأكيد على أهمية متابعة خطوات وإجراءات إعادة فتح السفارتين في الرياض وطهران والمقرر لها بعد شهرين اثنين من تاريخ 10 مارس 2023، فقد شدد الطرفان السعودي والإيراني في بيان مشترك يوم 6 أبريل الجاري على ضرورة استئناف الرحلات الجوية بين البلدين وتسهيل منح التأشيرات واستئناف زيارات المسؤولين ووفود القطاعات الخاصة.

أكد البيان أيضاً على أهمية تفعيل اتفاقية التعاون العام التي وقعت في 1998 واتفاقية التعاون الأمني التي تم التوصل إليها بين البلدين في عام 2001.

التأشيرات والرحلات السياحية بين السعودية وإيران:تراجع عدد الرحلات الجوية بين السعودية وإيران بعد انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين في يناير 2016. فقد توقفت رحلات الطيران بين الدولتين في أعقاب قطع العلاقات آنذاك وانخفضت لاحقاً، مع استثناء رحلات الحج والعمرة إلى المملكة من هذه التطورات. حيث كان وزير الخارجية السعودي السابق، عادل الجبير، قد أوضح في تلك الآونة أن هذه النوعية من الرحلات سوف تستمر.

بنود اتفاقية التعاون العام لعام 1998:بعد تولي الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، والذي يُعد المؤسس الحقيقي للتيار الإصلاحي في إيران، سدة الرئاسة في عام 1997، بدأت العلاقات بين إيران والسعودية تشهد تحولاً ملموساً حينما عبر “خاتمي” عن رغبة طهران في تحسين العلاقات مع دول الجوار ومن بينها المملكة العربية السعودية. وفي خضم ذلك، عقد المسؤولون السعوديون ونظرائهم الإيرانيون اجتماعات مشتركة، كان من بيها لقاء بين ولي العهد السعودي حينها، الأمير عبد الله بن عبد العزيز، والرئيس الإيراني خاتمي خلال مؤتمر القمة الإسلامية الثامن في ديسمبر 1997 المنعقد بإيران.

وبعد ذلك، زار رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الإيراني، هاشمي رفسنجاني، الرياض في شهر فبراير من العام التالي، لتعقبه زيارةٌ أخرى من جانب وزير الخارجية السعودي في ذلك الوقت، الأمير سعود الفيصل، إلى العاصمة طهران. وخلال تلك الزيارة، توصلت الرياض وطهران في 27 مايو 1998 إلى اتفاقية عامة للتعاون في مجالات الاقتصاد والاستثمار والتجارة والعلوم والثقافة والرياضة، وهي ما أطلق عليها الاتفاقية العامة. وحثت الاتفاقية كذلك على تسهيل استثمارات البلدين وتشجيع القطاع الخاص.

اتفاقية التعاون الأمني لعام 2001: مع تقدم المحادثات بين الجانبين في عقد التسعينيات من القرن الماضي، أقدمت السعودية وإيران في 17 أبريل 2001 على التوقيع على اتفاق للتعاون الأمني بينهما بحضور وزير الداخلية السعودي في ذلك الوقت الأمير نايف بن عبد العزيز ونظيره الإيراني عبد الواحد موسوي. وكان الهدف الرئيس من هذه الاتفاقية التعاون المشترك في مجالات:

  • مكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب وتزوير الوثائق الرسمية.
  • مكافحة تهريب المخدرات.
  • تبادل المعلومات الأمنية والخبرات والتعاون في مجال التدريب الأمني من جانب قوات الشرطة.
  • تأسيس منتدى أمني يختص بالحوار الاستراتيجي بين الدولتين من أجل معالجة الأخطار المشتركة.
  • حرية انتقال المواطنين بين البلدين لتحفيز التبادل التجاري.
  • منع الهجرة غير القانونية ومراقبة الحدود والمياه الإقليمية.

وطبقاً للمادة التاسعة من هذه الاتفاقية التعاونية، فقد تأسست لجنة أمنية مشتركة للنظر في طرق تفعيل الاتفاق، وقد عقدت جلساتها مرتين: الأولى في نوفمبر 2001، أي بعد 7 أشهر من التوصل للاتفاقية، والثانية في أبريل 2008.

دلالات لقاء وزيري خارجية السعودية وإيران في بكين

على الرغم من أن لقاء وزيري خارجية السعودية وإيران في الصين يوم 6 أبريل الجاري كان الثاني في مسار استعادة البلدين علاقاتهما الدبلوماسية وفتح السفارات، إلا أنه يحمل دلالات مهمة في طياته نتطرق إليها فيما يلي:

  • إرادة الدولتين الجدية لاستعادة علاقاتهما الدبلوماسية:

يبعث لقاء وزيري خارجية السعودية وإيران الأخير في العاصمة الصينية بدلالة على رغبة البلدين الجدية في استئناف علاقاتهما الدبلوماسية؛ إذ يُعد هذا اللقاء هو الثاني خلال أقل من شهر الذي يعقده مسؤولون سعوديون وإيرانيون كبار من أجل إعادة فتح سفارتي البلدين في الرياض وطهران، وذلك بعد تكنهات بعض المراقبين الأجانب التي دارت حول إمكانية بروز مشكلات بين البلدين في هذا المسار؛ بسبب بعض الملفات العالقة التي تستوجب الحل، وهو ما يجعل هذا اللقاء بمثابة رد ودلالة على أن البلدين ماضيان في طريق عودة العلاقات الدبلوماسية بعد 7 سنوات من انقطاعها.

فقد عُقد هذا اللقاء بالأساس من أجل تفعيل مضمون اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية الذي تم التوصل إليه بين الرياض وطهران في مارس الماضي في بكين، وترتيب عملية تبادل سفيري الدولتين. وكان هذا اللقاء قد سبقته 3 اتصالات بين وزيري خارجية البلدين شملت الحديث بشأن الخطوات المقبلة لتنفيذ اتفاق العلاقات الدبلوماسية.

  • سعي السعودية وإيران لتوسيع دوائر التعاون الثنائي في مختلف المجالات:

تناولت محادثات ابن فرحان وعبد اللهيان في الصين مجالات تعاونٍ أوسع إلى جانب ملف استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والذي يُعد بدوره امتداداً للقاءات مستشار الأمن الوطني السعودي، مساعد بن محمد العيبان، مع الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، في بكين يوم 10 مارس 2023.

فقد تطرق الجانبان إلى ملفات استئناف الرحلات الجوية بين البلدين وتسهيل منح التأشيرات لمواطني الدولتين وتعزيز أدوار القطاع الخاص والاستثمار التجاري. بل إن البيان المشترك الصادر عن الدولتين في بكين يوم 6 أبريل الجاري قد أكد على محورية اتفاق بكين الدبلوماسي ودوره في تعزيز الثقة المتبادلة وتوسيع نطاق التعاون بين البلدين، ومساهمته في تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة.

وفي الوقت نفسه، شدد البلدان على ضرورة تكثيف اللقاءات التشاورية المشتركة بينهما والنظر في طرق التعاون المختلفة لتحقيق مزيدٍ من الآفاق الإيجابية للعلاقات. وقد جاءت هذه الخطوات جنباً إلى جنب مع التأكيد على تفعيل اتفاقيتي عام 1998 للتعاون العام و2001 الأمنية.

  • التأكيد على فاعلية دور الصين في مستقبل العلاقات السعودية الإيرانية:

منذ الأيام الأولى لشهر مارس 2023 التي كان قد أجرى فيها علي شمخاني محادثات مع مسؤولين صينيين في بكين من أجل وساطتهم فيما يتعلق بعودة العلاقات مع الرياض وما تلاها من بيان 10 مارس المشترك، اتضح أن الصين قد لعبت الدور المحوري في هذه المحادثات البينية عن طريق وساطتها بينهما، وهو ما تلا تقدم سابق في علاقات بكين مع الدولتين.

أما مع عقد جولة حوار أخرى بين وزيري خارجية السعودية وإيران في العاصمة الصينية لمواصلة الهدف الرئيس المتمثل في عودة العلاقات وبحث مجالات تعاون أوسع، فقد تبين وتأكد أن الصين لن ينحصر دورها في رعاية الاتفاق الدبلوماسي، بل إنها سوف تواصل دوراً إيجابياً لدفع العلاقات بين البلدين قدماً حتى عودة العلاقات الدبلوماسية وفتح مجالات تعاون أوسع في قطاعات أخرى.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/76598/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M