تبرُز أستراليا بصفتها طوق إنقاذ لسوق الليثيوم العالمية من هيمنة الصين، التي تسابق الزمن لتعزيز قبضتها على هذا المعدن الإستراتيجي المستعمل في إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، التي تُعد سوقًا تنافسية بين بكين والغرب، واشترت الشركات الصينية نصف أكبر مناجم الليثيوم في العالم المطروحة في السوق…
تبرُز أستراليا بصفتها طوق إنقاذ لسوق الليثيوم العالمية من هيمنة الصين، التي تسابق الزمن لتعزيز قبضتها على هذا المعدن الإستراتيجي المستعمل في إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية، التي تُعد سوقًا تنافسية بين بكين والغرب.
واشترت الشركات الصينية نصف أكبر مناجم الليثيوم في العالم المطروحة في السوق منذ عام 2018، ما يعكس الهيمنة الصينية على سلسلة الإمدادات العالمية للبطاريات المعدنية.
ومن بين 20 منجم ليثيوم مطروحة للبيع اشترت الشركات الصينية 10، نظير قرابة 7.9 مليار دولار أميركي، في حين جاءت الشركات الأسترالية في المرتبة الثانية بفارق كبير، إذ اشترت 5 مناجم فقط على مدى السنوات الـ5 الماضية، وفقًا لدراسة استقصائية للصفقات التي تزيد قيمتها على 100 مليون دولار أميركي، أعدتها وكالة إس آند بي غلوبال ريتينغز (S&P Global Ratings)، وتابعتها منصة الطاقة المتخصصة.
ومن المرجح أن يرتفع الطلب على الليثيوم، بواقع 5 أضعاف بحلول عام 2030، بدعم من تنامي الطلب على السيارات الكهربائية في السنوات الأخيرة، ولكونه المعدن الأخف وزنًا في العالم يُعد الليثيوم الملقب بالذهب الأبيض مثاليًا في بطاريات الهواتف المحمولة والسيارات متعددة البطاريات.
طفرة استثمارية
يمر منتجو المعادن الحيوية في أستراليا بوضع بالغ الحساسية، إذ إن تسارع استعمال السيارات الكهربائية قد أشعل طفرة استثمارية، لكن سوق الليثيوم العالمية تنهار مع تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، وفق ما أوردته صحيفة فايننشال ريفيو (Financial Review) الأسترالية.
وفي هذا الصدد ينبغي أن تعمل الحكومة الأسترالية مع حلفائها، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، لإنشاء عقود مالية لليثيوم قابلة للتداول تتيح التسليم الفعلي.
وسيكون الاحتياطي الإستراتيجي للحكومة الأسترالية من الليثيوم قادرًا على المشاركة في تلك الأسوق، على غرار ما فعله الاحتياطي النفطي الإستراتيجي في الولايات المتحدة لسوق النفط.
ومن شأن هذا أن يُحدِث استقرارًا في الأسعار المتذبذبة في سوق الليثيوم العالمية، ويتيح آلية لإدارة العرض والطلب، ما يدعم مزيدًا من أنشطة تكرير الليثيوم خارج الصين.
وسيُسهم هذا في تقليص اعتماد الغرب على بكين في استيراد المواد والعناصر الداخلة في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية، وفق تقرير طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وتشيع دورات الازدهار والكساد في أسواق السلع الأساسية، ويشبه الانهيار الحالي في أسعار الليثيوم العالمية ما حدث خلال المدة بين عامي 2018 و2020، عندما أفضى برنامج دعم السيارات الكهربائية القوي في الصين إلى مأزق في سلسلة إمدادات السيارات الكهربائية برمتها، بدءًا من الخامات وانتهاءً بالسيارات.
هيمنة صينية
لم يتغيّر هيكل سوق الليثيوم العالمية على مدار أكثر من عقد من الزمان، وما يزال معظم الإسبودومين المحتوي على الليثيوم يجري معالجته في الصين.
والإسبودومين هو معدن من نوع البيروكسين يُستعمل في المقام الأول مصدرًا لمعدن الليثيوم.
ولا يوجد تخزين لمادة الإسبودومين خارج الصين، ومن ثم فإنه إذا عانى البلد الآسيوي فائضًا في المعروض على المدى القصير، فلن يتمكن عمال المناجم الأستراليون من تخزين تلك المادة وانتظار تحسن أوضاع السوق، أو حتى بيعه من خلال العقود الآجلة وتمويله في تلك الآونة.
وقد قاد انعدام سوق مالية متطورة لليثيوم إلى غلق المناجم وإخفاق الشركات، من بينها أليتا ريسورسيز (Alita Resources) التي شهدت أزمة إدارية في عام 2019، حتى انتهى بها الأمر إلى بيع أصولها في العام المنصرم (2023).
إضعاف الصين
يتعين على الحكومات وصناعة الليثيوم العالمية إنشاء أسواق قادرة على تقويض مكانة الصين في سلسلة إمدادات الليثيوم العالمية.
فينبغي أولًا أن تدعم الحكومة الأسترالية إنشاء عقود مالية قابلة للتداول تشبه العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط ومزيج خام برنت القياسي، التي يجري تداولها بأحجام عالية.
وستساعد تلك العقود منتجي الليثيوم ومشتريه على إدارة مخاطرهم عبر إنشاء عقود للتسليم خارج الصين.
ويجري تداول عقود مشابهة للنيكل والكوبالت في بورصة لندن للمعادن، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.
وفي أعقاب استحواذ بورصة هونغ كونغ للتبادل والمقاصة على بورصة لندن للمعادن، وكذلك التطورات السياسية الحاصلة في هونغ كونغ، يفضّل العديد من المشترين والبائعين غير الصينيين التعامل مع أطراف لا تخضع لضغوط من الحكومة الصينية.
خطوة أولى
سيكون إنشاء العقود الآجلة للإسبودومين في ولاية أستراليا الغربية والأسعار القياسية بمثابة خطوة أولى قوية لتحرير سوق الليثيوم العالمية من هيمنة بكين.
وكان تطوير العقود الآجلة للنفط جزءًا رئيسًا من السماح لصغار المنتجين في الولايات المتحدة بالتوسع وتمويل أنفسهم في ثمانينيات القرن الماضي، كما أنه وفر الأساس المالي لطفرة التكسير الهيدروليكي.
وعملية التكسير الهيدروليكي هي تقنية لتحفيز استخراج الغاز من الطبقات غير المسامية عبر تدفق سائل بين الصخور في باطن الأرض.
وتحتاج أستراليا إلى شيء مماثل بالنسبة إلى الليثيوم، كي تتمكن من إنقاذ السوق العالمية لهذا المعدن الحيوي، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.
التعاون مع الحلفاء
ينبغي على أستراليا أن تعمل مع حلفائها الدوليين لبناء احتياطيات إستراتيجية من الليثيوم والسلع الأساسية الأخرى.
وبالنسبة إلى الحكومة الأسترالية، فإن إنشاء أسواق التسليم الفعلي للإسبودومين والتخزين بسرعة سيساعد صناديق الاستثمار أو دور تجارة السلع أو الوكالات الحكومية على التخفيف من المخاطر الحقيقية المتمثلة في تراجع المشترين الصينيين عن عقود الشراء ودفع شركات تعدين الليثيوم إلى الإفلاس.
وينبغي على الحكومة الأسترالية كذلك أن تقدم المزيد من الدعم لتكرير الليثيوم ومعالجته، لضمان توفر المزيد من المواد الكيميائية القابلة للبيع والاستبدال لصانعي مكونات البطاريات، ما سيوفر للسوق العالمية أدوات تمتص الصدمات المصنوعة في الصين.
المصدر: https://annabaa.org/arabic/energy/37971