الشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامب

الشرق الأوسط على موعد جديد مع ترامب العائد إلى البيت الأبيض بفوز لاقى احتفاء من زعماء المنطقة أملا بوضع حد سريع لحروبها واضطراباتها كما وعد خلال حملته الانتخابية، ورغم انتقادات معارضي ترامب، يجد مؤيدوه في سياساته الحزم اللازم لإعادة بناء النفوذ الأميركي، والضغط القوي من أجل السلام وعقد صفقات…

يستعد دونالد ترامب للعودة من جديد الى البيت الابيض بعد ان حقق انتصارا ساحقا لم يحدث من قبل في الانتخابات الامريكية التي اجريت يوم 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، فبينما كانت تشير التوقعات والدلالات لخسارته والبعض يقول انه انتهى سياسيا جاء وقت الحقيقة وفعلها الاشقر من جديد ليعود الى البيت الابيض الذي لا يفرق بين ديمقراطي او جمهوري ويستقبل الفائز بالسباق الانتخابي.

وينتظر الشرق الاوسط ايام ساخنة في غزة ولبنان وسوريا واليمن والعراق مرورا بايران وتركيا والخليج، فالتغيير قادم لا محالة وسط فرضيات الحرب والسلام والمفاوضات والصفقات الكبيرة، وفي ظل حالة عدم الاستقرار الإقليمي والتحديات العالمية، تثار تساؤلات بشأن كيفية تعامله مع النزاعات الكبرى في المنطقة، وسبل تنفيذ وعوده بحلها سريعا، وأي تغيير ينتظر منطقة الشرق الاوسط؟

فوز دونالد ترامب على نظيرته المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس له الكثير من التبعات، فهو لن يصل الى البيت الابيض حتى يناير/ كانون الثاني القادم وبعدها سيبدأ التغيير ونحن اليوم لن نتحدث عن التغيير في العالم كله وانما في بعض مناطق الشرق الاوسط، فالمنطقة اشتعلت في عهد جو بايدن بالصراعات وفرضت ايران نفوذها من جديد عبر مد اذرعها من خلال الفصائل المسلحة وترامب توعد الاخيرة بأشد عقاب وهذا ما يريد فعله ولنفهم المتغيرات يجب ان نبدأ بالمنطقة تباعا.

ففي تركيا قد يكون رئيسها اردوغان هو الاسعد اليوم بفوز ترامب فعلى الرغم من كون العلاقات التركية الامريكية في ولاية ترامب الاولى لم تكن الافضل لكنها تميزت كما يصفها محللون بالبراغماتية ومصالح الجانبين واكد فيها ترامب على ان تركيا حليف اقليمي مهم لواشنطن، وعلى العكس توترت العلاقات بعد وصول بايدن للبيت الابيض وتوقفت معظم الصفقات بين الجانبين على رأسها طائرات (F 35) ولهذا عودة ترامب الان مهمة للغاية بالنسبة لتركيا، حتى الان اردوغان نفسه قال بعد اعلان نتيجة الانتخابات انه هنأ صديقه ترامب كما وصفه بهذا الفوز وتلك الامال لها عدة اسباب بالنسبة لانقرة:

اولا/ تركيا ترى ان ترامب قد يمنحها مساحة اكبر للعمل في سوريا ضد الاكراد خصوصا ان ترامب كان قد وعد بالانسحاب من سوريا ولهذا تسعى تركيا ان تكون هي البديلة مع المحافظة على المصالح الامريكية، ثانيا/ تسعى انقرة للتوصل الى اتفاق متوازن مع واشنطن بشأن طائرات (F 35) بحيث تحصل عليها وتحصل على منظومة الدفاع الجوي الروسية (S 400) يضاف لذلك الدعم الاقتصادي لتركيا من خلال توسيع التبادل التجاري وغيره لذلك وصول ترامب حتى الان وكما هو متوقع هو مبشر لتركيا واردوغان تحديدا.

ومن تركيا الى سوريا حيث تكثر الاطراف المتنازعة والمواجهات بينهم، فالنظام السوري ينتظر المكافأة من واشنطن أياً كانت الادارة القادمة وذلك لابتعاده عن مواجهة اسرائيل منذ عمليات طوفان الاقصى في 7 اكتوبر/ تشرين الاول 2023 لكنه في ذات الوقت متوجس من ان يحتسبه ترامب جزءا من المحور الايراني الذي يهدده، لذلك يبقى الاسد ونظامه حائرا حتى الان، اما بالنسبة للمعارضة السورية والتي في الواقع لا ينفصل مصيرها عن علاقة انقرة بواشطن فترحب بأضواء خضراء امريكية لتوسيع نفوذها شمال شرق سوريا وحيث هناك تتواجد قوات سوريا الديمقراطية وهي الاشد خوفا من وصول ترامب الى الحكم فهي تعتبر اي انسحاب لواشنطن من سوريا يعني نهايتها وتوقف الدعم عنها وحينها ستكون وحيدة بمواجهة كل الاطراف التي ستحاول السيطرة على مناطقها، اما الفصائل المسلحة الايرانية المتواجدة على امتداد الخريطة السورية فأمامها ايام صعبة للغاية وضربات قاصمة من الطيران الامريكي حتما.

اما في العراق فهناك مخاوف حقيقية من انقلاب العلاقات رأسا على عقب، فعلى الرغم من كون ترامب لم يوقف دعمه للعراق في ولايته الاولى وأبقى على عدد من قواته هناك كخط دفاع ضد تنظيم داعش لكن بعد مشاركة الفصائل المسلحة المدعومة من ايران بضرب اسرائيل قد تكون المعادلة اختلفت، اذ تدخل هذه الفصائل في منظومة الفصائل المسلحة ما دون الدولة التي يريد الجميع التخلص منها ولهذا تتوجس الحكومة المركزية في بغداد من حرب جوية قد تشنها واشنطن في العراق.

ومن العراق الى لبنان وفلسطين هناك لا يمكن ان نتوقع أفضل الاحوال والحلول، فعلى الرغم من ترامب اشد معاملة مع نتنياهو لكن الولايات المتحدة لن تتخلى عن دعم اسرائيل تحت اي ادارة كانت، ففي لبنان سيضغط ترامب لتنفيذ وقف إطلاق النار مع تأمين حدود اسرائيل بالكامل، وفي فلسطين يراهن ترامب ومساعدوه على تنفيذ اتفاق مرضي لجميع الاطراف لحل الدولتين، لكن حتى لحظة كتابة هذه الاسطر لا تعرف الطريقة او شكلها المستقبلي.

وفي اليمن تستعد فصائل الحوثي لأيام ساخنة لأنها هي الاخرى ضمن خطة القضاء على الفصائل المسلحة ما دون الدولة، اما بالنسبة للخليج فمنذ رئاسته الاولى استطاع ترامب ان يبني روابط قوية مع زعماء الخليج متجاوزة الانتقادات حول حقوق الانسان التي غالبا ما تتبعها ادارات امريكية اخرى، وركز ترامب على تقديم دعم دفاعي قوي لدول الخليج ما جعله شريكا استراتيجيا لمواجهة التحديات الامنية خاصة ضد ايران، ومع فوز ترامب لم تتردد دول الخليج بتهنئته حيث تراهن دول الخليج على استمرار تعزيز العلاقات الثنائية والاقليمية، اما السعودية فهي وحدها تريد التوصل لاتفاق نهائي لتدخل النادي النووي وفي ذات الوقت تضغط ليكون هذا الاتفاق مرتبطا بعدة نقاط منها التطبيع مع اسرائيل والاعتراف بدولة فلسطينية، لهذا قد تكون المفاوضات السعودية الامريكية هي الاهم في الفترة المقبلة بين جميع الاطراف.

اما الطرف الاهم والاكثر توترا وقلقا هي ايران، فبعد فوز ترامب بالانتخابات الامريكية يتوقع ان تواجه ايران سياسة امريكية اكثر تشددا مقارنة بالادارة السابقة فخلال ولايته الاولى انسحب ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015 واطلق حملة الضغط الاقصى على طهران مما ادى الى فرض عقوبات اقتصادية صارمة، وتشير التقارير الى ان ترامب يعتزم تجديد هذه الحملة مع التركيز على تقليص مبيعات النفط الايراني وعزل طهران دبلوماسيا، بالاضافة الى ذلك قد يسعى ترامب الى التفاوض على صفقة افضل تشمل ليس فقط البرنامج النووي الايراني بل ايضا برنامج الصواريخ الباليستية ونفوذ ايران الاقليمي.

فمن المتوقع ان تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة الامريكية وايران خاصة في ظل التهديدات المتبادلة فقد اتهم ترامب ايران بتهديد حياته بينما نفت طهران هذه الاتهامات، وفي ظل هذه التطورات قد تواجه ايران تحديات اقتصادية ودبلوماسية متزايدة ما يستدعي اعادة تقييم استراتيجياتها الاقليمية والدولية للتعامل مع الضغوط الامريكية المتجددة، وفي ذات الوقت سيركز ترامب على قص اجنحة ايران في الشرق الاوسط الامر الذي سيعقد تحركاتها اكثر واكثر ويسبب لها المزيد من المشاكل المالية.

فالشرق الأوسط على موعد جديد مع ترامب العائد إلى البيت الأبيض بفوز لاقى احتفاء من زعماء المنطقة أملا بوضع حد سريع لحروبها واضطراباتها كما وعد خلال حملته الانتخابية، ورغم انتقادات معارضي ترامب، يجد مؤيدوه في سياساته الحزم اللازم لإعادة بناء النفوذ الأميركي، والضغط القوي من أجل السلام وعقد صفقات وتسويات تجنب بلاده الاستنزاف المالي والتورط في رهانات خاسرة.

 

المصدر 

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M