جون تي بينيت
عزيزتي أميركا، لقد فقدتِ القدرة على الإتيان بأشياء كبيرة ومهمة، وأعلم ذلك لأنكِ صرتِ غير مستعدة لفعل أشياء بسيطة نسبياً، ولأن مسؤوليكِ يطعنون بعضهم بعضاً بدل أن يتعاونوا في البحث عن أرضية مشتركة وحلول منطقية.
وبالحديث عن الأشياء البسيطة، من السهل على كل منا الجلوس خلف شاشة الكمبيوتر المحمول وصوغ مقالة من 800 كلمة عن ضمور عضلات الدولة المسؤولة عن النهوض بأشياء مهمة وبسيطة، وكيف أن هذا الضمور “يبدأ في واشنطن”، وفي المقابل، ستكون تلك المقالة مجرد كلام فارغ وهراء لا قيمة له، إن ذلك ما لا نريده.
من المؤكد أن واشنطن جزء من السبب الذي يقسم الولايات المتحدة حول العناوين الكبيرة، بدءاً من التمييز العنصري وارتداء الكمامات وصولاً إلى ما إذا كان فيروس كورونا خطراً كبيراً أو لا يكن، ثم تعريف الخيانة. (ظننتُ أننا حسمنا النقطة الأخيرة منذ زمنٍ طويل أو على الأقل هذا ما استوعبته من مدرس التربية الحكومي في المرحلة الثانوية. لكنني كنتُ مخطئاً).
وقبل أن نحاول إيجاد حلولٍ ممكنة للمشكلات التي تواجه دولتنا، علينا أن نقر ونعترف بوجود هذه المشكلات، مع الثقة بدوافع شركائنا المترددين، وإلى حين انقسام الولايات المتحدة إلى أربع دول أو ست دول أو 26 دولة ذاتية الحكم على الأقل، سيظل على الجمهوريين والديمقراطيين أن يتعاملوا مع بعضهم بعضاً، ويتخطوا فكرة انتماء الآخر إلى قبيلة مختلفة واستحقاقه التشكيك والازدراء.
وبالنسبة إلى رئيس الدولة الجمهوري الهوى، فهو لا يأبه لأمري ولا يُبالي إن التقطتُ العدوى حتى ومَرِضتُ، لأن مخاوفه بشأن الاقتصاد شرعية، في المقابل، يفرض حاكم (مقاطعة كولومبيا) الديمقراطي، عليّ حكم الطغيان لرغبته بمنع تفشي المرض.
ولا يخفى على أحد أن معظم المسائل، حتى البسيطة بينها، مليئة بطن من الفوارق الدقيقة، انسوا الأحمر والأبيض والأزرق، نحن دولة لا تفكر سوى بالأبيض والأسود!
وفي هذا الأسبوع، لا بد من التوقف عند لحظتين اثنتين حدثتا لهذا المراسل ونقلتا إليه فعلاً في خلاصتهما، تدهور صحة الروح الأميركية في تحقيق الإنجازات.
حدثت أولاهما في إحدى الولايات الأميركية المتلاصقة، على مسافة بعيدة أبعد ما يمكن عن واشنطن.
إذ حاور مراسل الـ “سي إن إن” رجلين في أواخر العشرينيات أو أواخر الثلاثينيات أثناء جلوسهما في فناء أحد مطاعم كاليفورنيا، وسألهما عن شعورهما إزاء تراجع الحاكم الديمقراطي غافين نيوسوم عن قراره التراجع عن خطته الخاصة بإعادة فتح الشركات ومراكز الأعمال، وكذلك رأيهما في إقفال الشواطئ أمام العامة خلال عطلة “عيد الاستقلال”، وقد أجاب أحدهما، “أريد أن أذهب إلى الشاطئ”، وأصر الآخر على أنه لا يجدر بالمسؤولين الحكوميين أن “يملوا علينا ما لا يمكننا فعله”.
صحيح أن المكوث في المنزل يبعث على الانزعاج، لكنه ليس بالأمر الصعب، وصحيح أن ارتداء كمامة لدخول الصيدلية لـ 15 دقيقة أو تسوق البقالة والحاجيات في 40 دقيقة، يبعث على الانزعاج، لكنه ليس بالأمر الصعب.
ويظهر أن لدى الأميركيين من مختلف الأطياف السياسية إحساساً مشوهاً بـ “الاستقلالية”، إذ بينت جائحة فيروس كورونا بوضوح أعداد الذين يمكن أن يتجمهروا في الحانات والمطاعم وعلى الشواطئ، كلما تسنت لهم الفرصة، غير آبهين للبيانات العلمية الداعية إلى التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات.
في المقابل، لا تعني الاستقلالية أبداً أن الحياة مجانية للجميع.
بصراحة تامة، توجه هذا المراسل إلى المكان المفضل لديه لاحتساء شراب مرتين الشهر الماضي، وفي كل مرة، جلس في الخارج بعيداً قدر الإمكان عن الآخرين، وحرص على تقديم معلومات الاتصال الخاصة به مساهمةً منه في جهود التقصي، وكذلك ارتدى الكمامة خلال استراحات الذهاب إلى دورة الحمام وما شابه ذلك، وهنا أيضاً يُمكن القول إن ارتداء القناع يسبب حكاكاً يبعث على الانزعاج، لكنه ليس بالأمر الصعب، إذ لا يمس باستقلاليتي وحريتي الشخصية بأي شكلٍ من الأشكال.
وكانت هاتان الزيارتان ضروريتين في الأسابيع الأخيرة بعد تغطيتنا الوثيقة لأخبار دونالد ترمب يوماً بعد آخر، ومشاهدتنا له وهو يكشف خباياه مع كل كلمة يتفوه بها وكل تغريدة يكتبها بغضب.
ولقد قدم ترمب لنا المثال الثاني على تقويض آمالنا في تحقيق أشياء مهمة، حينما رفض أخيراً الإصغاء إلى الخبراء التابعين له والأخذ برأيهم، وأبدى رد فعل غير متوقع تجاه مقالٍ كشفت فيه “نيويورك تايمز” عن تقارير استخباراتية تفيد بأن روسيا قدمت مكافآت لمسلحين من أجل التعرض للقوات الأميركية في أفغانستان، وبحسب المقال، تلقت قوات “طالبان” والميليشيات التابعة لها عروضاً مالية من “الاستخبارات العسكرية الروسية”، خليفة “وكالة أمن الدولة” السوفياتية، لقتل جنود أميركيين.
في البدء، مكث ترمب صامتاً وتريث موظفو البيت الأبيض في تقديم التصريحات، بانتظار إشارة من القائد، ولما خرج هذا الأخير عن صمته، وصف القضية برمتها بـ “الخدعة” التي اتفق الإعلام والديمقراطيون على تلفيقها من أجل “تشويه” صورته وصورة الجمهوريين الآخرين.
ولكن الاستخبارات لا تتصرف على هذا النحو، سيدي الرئيس، خصوصاً عندما يكون لدى الضباط الميدانيين والمحللين في “لانغلي” (مقر الـ “سي آي أي”) سبب وجيه للاعتقاد بأن خصماً أساسياً (للدولة الأميركية) يدفع إلى قوة عميلة للتخلص من جنودها (أميركا) وعناصر بحريتها.
واستطراداً، يشكل ذلك موضوعاً خطيراً له تبعات جيوسياسية خطيرة محتملة، كان من المفترض برد فعل ترمب أن تكون بسيطة، كأن يطلب ملخصاً عن التقارير الاستخبارية ليطلع عليها ويتوجه بعدها برسالة واضحة إلى موسكو سائلاً إياها وقف ألاعيبها في أفغانستان، لأن بعض المسؤولين الأميركيين من ذوي الخبرة الطويلة في مجال الاستخبارات مقتنعون بشدة أن التقارير صحيحة ومثبتة بالأدلة والبراهين.
وباختصار، توجب على القائد الأعلى (للقوات المسلحة الأميركية) أن يأخذ التقارير الاستخبارية على محمل الجد، خصوصاً أنه طالما زعم الاهتمام بأمر القوات الأميركية أكثر من كل رئيس أميركي آخر، في المقابل، توضح الحوادث التي أحاطت بمقال “نيويورك تايمز” أنه على العكس من ذلك تماماً.
كيف يمكن لبلدٍ كأميركا أن يحقق إنجازات مهمة وكبيرة ما دام قائده المنتخب وفق الأصول، يصر على دحض كل خبر تنشره إحدى الصحف لمجرد أنه يعترض على صفحتها الافتتاحية ولا يوافق على التقارير الصحافية التي تزين صفحتها الأولى؟ أو يدحض خبراءه الاستخباراتيين متى أتوه بتقارير تسيء إلى رؤيته للعالم أو آماله السياسية؟ كيف يمكن لبلد كأميركا أن ينهض بأشياء بسيطة ما دام رئيسه يتصرف على نقيض مباشر مع مبادئ القائد الأعلى؟
كيف يمكن لبلدٍ لا يقوى أهله على الاتفاق في ما بينهم على تحديد لون البرتقالة، أو لا يمكنهم المكوث في منازلهم مع كل وسائل الراحة المتاحة لهم؛ أن يعالج مشكلات من العيار الثقيل؟
حتى الآن، تشير الدلائل كلها إلى أن أميركا حاضراً غير قادرة على فعل أي شيء، كيف لا، وحالات الإصابة بفيروس كورونا إلى ارتفاعٍ صاروخي في أكثر من 20 ولاية من ولاياتها، وروسيا لم تتلقَ من واشنطن تحذيراً يُذكر بضرورة أن تتنحى جانباً.
وبحسب استطلاعات الرأي المتعاقبة، قد لا يكون ترمب الرئيس الذي ترغب فيه أميركا، لكنه بالتأكيد الرئيس الذي نستحقه، بعد الارتفاع الحاد الذي شهدته معدلات كورونا في مختلف الولايات.
إن ترمب هو أميركا، وروحه المعارضة والمستقلة هي روح أميركا الجديدة.
رابط المصدر: