بهاء النجار
الصراع الأميركي الإيراني وتأثيره على المنطقة ( والعراق خصوصاً ) يفرض علينا معرفة كيفية إدارة الملفات الشائكة بين الطرفين ، فالبعض يراها على أنها تنسيق وتعاون في الكثير من الملفات ، وقد استند غالبية أصحاب هذا الرأي على المخرجات التي يحصلون عليها من خلال الإعلام وبعض البرامج التحليلية التي من الممكن أن تكون موجهة بدرجة كبيرة .
هذا الرأي لا يمكنه الصمود بوجه الخلافات الواضحة بين الطرفين وعداء كل منهما للآخر ، فقد يمكن أن يكون الرأي راجحاً إذا كان صراعهما فقط على مصالح مكتسبة لا مصالح ذاتية ، بمعنى أن الطرفين يمكن أن يتعاونا في المصالح المكتسبة في المنطقة كالعراق وسوريا ولبنان واليمن ولكن كيف يتعاونا في القضايا الخاصة التي تختص بالشأنين الأميركي والإيراني ؟ فقد تقبل إيران مثلاً فرض عقوبات على المناطق التي تمد نفوذها فيها لتحقق غاية ما ، لكن كيف تقبل أن تُفرض العقوبات عليها ؟! وكيف تقبل بقتل قائد أُعتُبِر الرجل الثاني في إيران ؟! فالمنطق يقول أن ملفات المناطق التي يصل نفوذ إيران إليها يجب أن تستخدمه لتعيش بلادها بنعيم ، والواقع نرى أن الشعب الإيراني يعاني من العقوبات الأميركية والدولية ضد بلده بسبب العداء مع الغرب ، ونرى الاحتجاجات الشعبية في إيران بازدياد بعد أن كانت شبه معدومة او مخفية ، ووصل الأمر الى المطالبة بإسقاط الولي الفقيه .
لذا قد تلجأ الدولتان الى تنسيق وتعاون في بعض القضايا الجزئية لتقليل المواجهة بينهما ، وهذا يحسب لهما لا عليهما كما يظن بعض البسطاء ، فحل المشاكل بالحوار من الحكمة ، ويفترض أن تحل كل المشاكل بالحوار وليس الجزئية فقط ، ولكن التنسيق والتعاون لا يصل الى حل مستويات عالية من الخلافات ، طيب كيف تُحل هذه المستويات المعقدة من الخلافات ؟ إن أميركا وكل الدول القوية تستخدم سياسة ( استثمار الواقع ) في التعامل مع الأحداث الشائكة والمعقدة ، فكل دولة من هذه الدول تضع لكل حدث يمكن أن يحدث عدة سيناريوهات للتعامل معه يحفظ مصالحها وأهدافها ، وكلما كثرت السيناريوهات والحلول كلما حافظت هذه الدولة على مصالحها وأهدافها أكثر ، وربما أميركا أصبحت أقوى دولة في العالم بسبب إتقانها لوضع الحلول
لكل حدث يحدث صَغُر أم كبُر ، وإيران يمكن أن تتقن هذه السياسة وإن كان بمستوى أقل .
وهنا علينا معرفة مسألة مهمة ، وهي أن الأمر الذي يصدر من قمة الهرم في أي نظام سياسي ينبغي على قاعدة ذلك الهرم الاستجابة والتنفيذ وفق الآليات المتاحة ، وبالتالي فخبراء تلك القاعدة يحاولون وضع كافة الحلول التي يمكن أن تعالج ردات فعل ذلك الأمر العلوي ، وأحياناً وربما في أغلب الأحيان أن قمة الهرم لا يصدر أمراً بعد أن يرى الحلول التي وضعها خبراء قاعدته تجاه ردات فعل العدو ، وخبراء قاعدة كل نظام او دولة له حرية الاتصال والتفاهم والتعاون وتبادل المعلومة فيما بينهما أكثر من قمتي هرميهما ، لذا يمكن أن يكون التسيق والتعاون بهذا المستوى لا بمستوى التعاون بين القيادات ، وهذا كما قلنا يعد من الحكمة ويحسب لهما لا عليهما .
رابط المصدر: