إسرائيل والممر الهندي – الأوروبي: مكاسب استراتيجية وتحليل الأبعاد الجيوسياسية

في ضوء التحولات الدولية الديناميكية التي تؤثر على مكانة القوى في النظام الدولي وفي القطبية الإقليمية، يعتقد العديد من المنظرين والباحثين أنّ مفهوم القوة وأدواتها قد تغيّر، حيث لم يعد يُقاس فقط بالمعايير التقليدية، بل بمكوّنات وعوامل جديدة مثل موقع الدول في الممرات الناشئة وخصائصها الجيوسياسية فيما يتعلق بخارطة التجارة العالمية.

تسعى الدول إلى تعزيز قوتها ورفع مكانتها الدولية من خلال استغلال الفرص الجيوسياسية، حيث تلعب الممرات دوراً محورياً في هذا السياق. تُعدّ الممرات إحدى الساحات المهمة للتحولات في النظام العالمي للقوة، وهي تؤثر بشكل مباشر على المصالح والأمن القومي للدول. وقد أدّى ذلك إلى تضاعف أهمية الممرات كعنصر قوة للفاعلين الإقليميين والدوليين. وفي سياق العولمة الاقتصادية والتنافس الجيوسياسي، برزت الممرات الاقتصادية كأدوات استراتيجية تستعملها الدول لتعزيز التجارة، وضمان أمن الطاقة، وتوسيع النفوذ السياسي. وتُعرف الممرات الاقتصادية بأنها شبكات من البنية التحتية (موانئ، سكك حديد، طرق، أنابيب طاقة) تُستخدم لتسهيل حركة السلع والخدمات بين مناطق متعددة، مع ما يصاحب ذلك من استثمارات ضخمة وشراكات إقليمية.

يشهد العالم في السنوات الأخيرة تسارعاً في المبادرات الاقتصادية العابرة للحدود، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، حيث تتقاطع مصالح القوى الإقليمية والدولية. من بين أبرز هذه المبادرات يبرز الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، الذي طُرح خلال قمة مجموعة العشرين عام 2023. ومن بين الدول المشاركة في الممر الهندي-الأوروبي، تُعد إسرائيل الفاعل الذي سيحقق أكبر قدر من المنافع، إذ سيحوّل هذا الممر إسرائيل إلى جسر ربط بين الهند من جهة وأوروبا من جهة أخرى. ووصف بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، إطلاق هذا الممر بأنه أحد أهم الأحداث بالنسبة لإسرائيل، لأنه يضع تل أبيب في قلب هذا المشروع العالمي ويغيّر وجه الشرق الأوسط.

يهدف مشروع الممر الهندي-الأوروبي إلى إنشاء شبكة نقل متعددة الوسائط (تشمل الموانئ، السكك الحديدية، والخدمات الرقمية والطاقة) لربط جنوب آسيا بأوروبا عبر منطقة الشرق الأوسط. في هذا الإطار، تبرز إسرائيل بوصفها نقطة وصل حيوية في هذا الممر، حيث تمثل معبراً نهائياً للبضائع والطاقة نحو أوروبا عبر البحر المتوسط. ومما لا شك فيه أنّ إدماج إسرائيل في هذا المشروع يفتح أمامها آفاقاً واسعة لتعزيز موقعها الاستراتيجي والاقتصادي، ويمنحها أبعاداً جديدة في علاقاتها الإقليمية والدولية، لا سيما مع الدول الخليجية التي تنخرط بدورها في الممر.

من هنا تأتي أهمية هذه الدراسة التي تسعى إلى تحليل دور الممر الهندي-الأوروبي في تعزيز الموقع الجيوسياسي والاقتصادي لإسرائيل، من خلال استعراض محددات المشروع وبنيته، وتقييم المكاسب المتوقعة لإسرائيل على الصعد الاقتصادية والأمنية والسياسية، فضلاً عن تحليل انعكاسات ذلك على محيطها العربي والإسلامي.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M