محمد صالح صدقيان
أثار الإحتكاك الذي حصل بين القطع البحرية الامريكية و الايرانية في المياه الخليجية الاسبوع الماضي ، العديد من الاسئلة على صعيد إدارة الخلافات بين البلدين ، خصوصاً أنه تزامن مع إطلاق إيران لأول مرة قمراً صناعياً يستخدم للأغراض العسكرية ، في الوقت الذي تعمل إيران لإزالة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل الادارة الامريكية .
وكعادة مثل هذه الحوادث تبرز روايتين ، إحداهما يتبناها الجانب الامريكي ، والاخرى يتبناها الجانب الايراني ؛ لكن ما سمعناه من الجانبين هو عدم رغبتهما في تصعيد المواجهة .
ما أثار الموقف و صعّد من حدّته هذه المرة ، هي الاوامر التي اصدرها الرئيس الامريكي دونالد ترامب للبحرية الامريكية لمهاجمة القوارب الايرانية التي تهاجم او تضايق القطع الامريكية .
الرواية الايرانية قالت ان احتكاكاً حصل بين القوارب الايرانية التابعة للحرس الثوري مع قطعة بحرية امريكية تحمل الرقم « سي جي 72 » حاولت مضايقة السفينة الايرانية « شهيد سياوشي » في المياة المواجهة لمنطقة عسلوية الايرانية على بعد 30 ميل من المنصات الايرانية ، واصفةً سلوك القطعة الامريكية بأنه « غير مهني » ولا ينسجم مع القوانين الدولية وبرتوكولات الملاحة الدولية .
وبعد الاعلان عن اوامر الرئيس ترامب ، زار قائد الحرس الثوري الايراني حسين سلامي منطقة « نازعات » التي تتشكل من بعض الجزر وسط المياه الخليجية التي تتمركز فيها وحدات من الحرس الثوري ومنصات صواريخ معلناً اصدار الاوامر بالرد السريع على أي تهديد يلاحق المصالح الايرانية في البحر والبر و الجو . واذا كان الرد الايراني سريعاً لدعم مهمة القوات المتواجدة في المنطقة ، الا ان التهديد الامريكي يهدف بشكل واضح الى حدوث او افتعال احتكاك مباشر بين البحريتين الامريكية والايرانية ، حتى لو كان محدوداً ، من اجل تحقيق رسالتين ، الاولى : نقل الانظار من الداخل الامريكي المتذمر من سياسة الرئيس ترامب بشأن آلية معالجته لأحداث « فيروس كورونا » خصوصاً في ولاية نيويورك ، والثانية إيجاد ذريعة لتعديل اسعار النفط المنهارة في السوق العالمية خدمة للواقع الامريكي النفطي ، اضافة الى خدمة اقتصاديات الدول الحليفة للولايات المتحدة المتأثرة بانخفاض اسعار النفط . الايرانيون ، وإن كانوا مهتمين بأسعار النفط ، شأنهم شآن بقية الدول المصدرة للنفط .. لكنهم لا يريدون إعطاء أية ذريعة للادارة الامريكية التي تتلاعب باقتصاديات دول المنطقة بما يحقق مصالحها على حساب الدول المصدرة للنفط . اضافة الى ان طهران لا تريد أن ترضخ لمعادلات الولايات المتحدة في التوقيت او الحجم ، كما أنها لا ترغب الخضوع للمقاسات الامريكية ؛ ولذلك فإنها تصوغ حساباتها وفق مصالحها و مصالح الأمن والاستقرار في المنطقة دون أن تنسى الاهداف الامريكية . بمعنى انها لا تدخل في مغامرات محسوبة النتائج عند الجانب الامريكي .
إطلاق القمر الصناعي « نور 1 » العسكري من قبل الحرس الثوري الايراني في مثل هذه التطورات ، كان رسالة واضحة للادارة الامريكية التي تحاول القفز على مشاكلها الداخلية ، خصوصاً وأن العديد من المراقبين يعتقدون ان الوضع الاقتصادي الامريكي يدفع بـجهات داخل الولايات المتحدة للتفكير بافتعال أزمة ، او حرب خارج الحدود الامريكية لمعالجة المشاكل التي يتعرض لها الاقتصاد الامريكي ، الذي أجبر الادارة الامريكية الى طبع العملة الامريكية دون غطاء مالي ! .
الايرانيون الذين ينتهجون سياسة « الردع الدفاعي » منذ فترة غير قصيرة ، حذروا الجانب الامريكي من مغبة أي مغامرة قد تُفكّر بها مع ايران في مثل هذه الظروف ، و أنها ليست « الحديقة الخلفية » التي تستطيع القوات الامريكية ان تلعب بها متى ما ارادت ذلك .
ويبدو ان الرئيس الامريكي ، الذي يؤمن الى حد كبير بمقاييس الربح والخسارة في العمليات التجارية ، استلم الرسالة الايرانية ، و أيقن ان لعبة « تدوير الزوايا » ، لا يمكن لها ان تكون دون مقابل .
وفي ظل هذه التطورات اجرى الرئيس الايراني حسن روحاني لقاءات هاتفية مع رؤساء وزعماء الدول الاقليمية ، كأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ، وأمير دولة الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح ، وسلطان عمان هيثم بن طارق، اضافة الى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ، والروسي فلاديمير بوتين ، حثهم فيها على ضرورة اتخاذ موقف واضح وشفاف من العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على ايران ، خصوصاً بعد بدء العمل بالآلية الاوروبية التجارية « اينستكس » ، وعزم الجانب الاوروبي تنفيذ العملية الثانية في اطار هذه الآلية ، وهذا ما يخدم حدوث شرخ في جدار العقوبات الامريكية ، المرشّحة للإنهيار في مرحلة « ما بعد كورونا » .
ويعتقد الكثير من خبراء المال والاقتصاد ، وخبراء ادارة الازمات ان مرحلة « ما بعد كورونا » ، ستُمهّد الى حد بعيد لتصدّع جدار هذه العقوبات خصوصا في ظل المواجهة المحتملة بين الولايات المتحدة و الصين ، و التقدم الحاصل في العلاقات الاقتصادية بين الصين و ايران من ناحية ، والحاجة الى التعامل الاقتصادي بين ايران وبعض الدول الاوروبية كإيطاليا و إسبانيا و البرتغال واليونان من ناحية اخرى .
المصدر: عبر منصات التواصل للمركز