الإرث الشائِك: تسوية الملفات العالقة في العلاقات السورية-اللبنانية وأبعادها الإقليمية

  • أعاد سقوط نظام الأسد العلاقات الثنائية مع لبنان إلى الواجهة بعد سنوات من الجمود، ويلاحظ وجود اندفاعة لبنانية يُقابلها تمهُّل من الجانب السوري، كما يبرز اختلاف في الأولويات، ففي حين يضع لبنان ملف اللاجئين في الصدارة يركّز المسؤولون السوريون على قضية الموقوفين والمحكومين في لبنان.
  • يُعد ملف ترسيم الحدود اللبنانية-السورية من أكثر الملفات حساسية، نظراً إلى أنه ملف يرتبط بأبعاد إقليمية. وبينما يولي الطرفان والوسيط السعودي الأولوية لضبط الحدود، فإن قضية ترسيم الحدود البرية ستتطلب وقتاً، مع إخراج الجزء الجنوبي من الحدود من اتفاقية الترسيم لارتباطها بالمطالب الإسرائيلية.
  • يتسارع التنسيق الأمني-العسكري بين سورية ولبنان، بوساطة سعودية ورعاية أمريكية، وقد أبدى النظام السوري الجديد ليونةً في الاستجابة للضغطين السعودي والأمريكي، من أجل تحسين فرص انخراطه إقليمياً ودولياً، وهذا أمر يمكن التعويل عليه لتحقيق تقارب ثابت بين البلدين. 

 

أعاد سقوطُ نظام الأسد في سورية العلاقات الثنائية مع لبنان إلى الواجهة بعد سنوات من الجمود، وهي علاقات محمّلة بقضايا ذات إرث شائك، بما يجعلها، خصوصاً في بُعدها الحدودي، جزءاً من أمن دول الإقليم وحجر زاوية في الترتيبات الدولية للمنطقة.

 

محددات العلاقة بين البلدين 

أحد عشر يوماً بين إبرام اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان في 27 نوفمبر 2024، وسقوط نظام بشار الأسد في سورية في 8 ديسمبر، كانت كفيلة بتغيير المشهد السياسي بالكامل في البلدين، وبطريقة أوصلت إلى السلطة في كلّ من بيروت ودمشق نظامين يسعيان لإخراج البلدين من المحور الايراني، وإعادة التموضع نحو السياسة الأمريكية سعياً لتحقيق الاستقرار وإنهاء الأعمال الحربية مع إسرائيل من طريق أدوات العمل الدبلوماسي وتسخير العلاقات الدولية، الصديقة والفاعلة.

 

وثمة أربعة محددات أساسية تُؤطر العلاقات الثنائية بين لبنان وسورية:

 

أولاً، بعد سقوط نظام الأسد، تغيَّرت معادلة العلاقة بين البلدين من علاقة الهيمنة-التبعية إلى العلاقة الندية التي تعبّر عن نفسها في عقد مباحثات واجتماعات متبادلة لحل القضايا والملفات القائمة بين البلدين، على عكس ما كان يحصل في السابق حين كان نظام الأسد يفرض ما يريده ولم يشهد البلدان أي نقاشات جدية حول أي موضوع خلافي. ويسعى العهد الجديد في بيروت، متمثلاً بالرئيس جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، ونظام الرئيس أحمد الشرع في دمشق إلى إعادة ترتيب العلاقة الثنائية عبر حل القضايا الخلافية والعالقة، وأبرزها: ترسيم الحدود، والموقوفون/المحكومون السوريون في لبنان والمفقودون اللبنانيون في سورية، واللاجئون السوريون في لبنان.

 

ثانياً، هناك تداخل واضح بين البُعدين الوطني والإقليمي، لاسيما في مسألة ترسيخ تراجع المحور الإيراني وذراعه الأهم، أي حزب الله، وعلى رأس ذلك ترسيم الحدود البرية وضبطها.

 

رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام (يسار) يلتقي الرئيس السوري أحمد الشرع (يمين) في خلال زيارة رسمية إلى دمشق، 14 أبريل 2025 (الأناضول عبر وكالة فرانس برس).

 

ثالثاً، من الواضح أن هناك اندفاعة لبنانية في ترتيب العلاقة مع الجار السوري يقابلها تمهُّل أو برودة من قبل دمشق على أقل تقدير. يدل على ذلك عدد الزيارات المعلنة التي قام بها المسؤولون اللبنانيون منذ سقوط نظام الأسد، وعلى رأسهم رئيسا حكومتين لبنانيين: السابق نجيب ميقاتي في يناير 2025، والحالي نواف سلام في أبريل 2025. بالإضافة إلى زيارتي الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط بعد أيام من سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024، وأيضاً زيارة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان الى دمشق على رأس وفد من دار الفتوى وعلمائها في يوليو 2025. في حين لم يتجه الرئيس أحمد الشرع ولا وزير خارجيته أسعد الشيباني إلى بيروت، كما أن الزيارة السورية الأولى إلى بيروت تأخرت حتى الأول من سبتمبر 2025، علماً أن الوفد السوري الذي التقى نائب رئيس مجلس الوزراء اللبناني طارق متري يُعد من المستوى الثاني في وزارة الخارجية السورية.

 

رابعاً، يظهر أن هناك تبايناً في الأولويات لدى البلدين، ففي حين يتفق الطرفان على القضايا التي تتطلب معالجة، وهي الحدود والموقوفون واللاجئون، فإن قضية اللاجئين تقف على رأس أولويات لبنان، بينما تتصدر قضية الموقوفين/المحكومين في لبنان أولوية لدى المسؤولين السوريين.

 

ملف ترسيم الحدود

يشكل ترسيم الحدود اللبنانية-السورية وضبطها عنوان جهود إنهاء نفوذ إيران في لبنان وسورية، لذا يُعد من أكثر الملفات حساسية، نظراً إلى أنه قضية تخص منظومة الأمنَين الإقليمي والدولي، بما يشمل دور إيران عبر حزب الله، وحسابات إسرائيل، والعُمق العربي الممتد من سورية إلى السعودية والخليج. لذلك يندرج الملف ضمن اهتمام مباشر من الولايات المتحدة، فيما تلعب السعودية دوراً محورياً في مساره على المستويين الميداني والسياسي. وينقسم الملف الحدودي بين لبنان وسورية قسمين:

 

1. ضبط الحدود: الجهود الميدانية والتنسيق الأمني

شكّلت الحدودُ البرية منذ بداية العام 2025 نقطةً ساخنة من الاشتباكات بين الفصائل السورية وعشائر شيعية مدعومة من حزب الله يتركز ثقلها الأساسي في البقاع الشمالي، وذلك في إطار تموضع النظام السوري الجديد ضمن الحلف المناهض لإيران والساعي لقطع شريان الدعم المالي لحزب الله، متمثلاً بتجارة الكبتاغون، وتهريب السلاح. وعلى الرغم من التمهُّل الذي يعتري باقي الملفات الثنائية، فإن التنسيق الأمني اللبناني-السوري لضبط الحدود وإغلاق المعابر غير الشرعية من الجهتين، يتم بشكل شبه يومي وبعيداً عن الإعلام.

 

وكان ملف ضبط الحدود والاشتباكات التي حصلت أوائل العام الجاري على الحدود الشمالية-الشرقية، من أولى الملفات التي استدعت اتصالات مباشرة بين الرئيسَين عون والشرع، فقد اتفقا على ضبط الحدود مع ضرورة تحييد المدنيين، وبدا ذلك واضحاً في غياب أي اشتباك مباشر بين الجيش اللبناني وفصائل الجيش السوري الجديد. وفي حين تتوالى عمليات قوات الأمن السورية لضبط شحنات الأسلحة التي كانت مُعدَّة للتهريب إلى حزب الله، وصولاً إلى ضبط خلية تابعة للحزب، يواصل الجيش اللبناني عملياته في إغلاق معامل الكبتاغون، وآخرها في منطقة اليمونة ذات الثقل الشيعي في البقاع الشمالي، والذي وصف بأنه الأضخم حتى اليوم، وصولاً إلى تحييد العديد من المهربين الكبار الذين كانوا جزءاً مهماً من شبكات تهريب حزب الله عبر الحدود السورية.

 

وتؤدي المملكة العربية السعودية، دوراً في تهدئة الميدان لناحية منع أي اشتباكات قد توتر العلاقات وتؤثر في المناخ الإيجابي الذي أرستْه المملكة في العلاقة الحدودية الأمنية بين البلدين. وتتعامل المملكة مع الطرفين على أنهما يسعيان لتحقيق الهدف نفسه المتمثل بقطع “الكوريدور الإيراني”، ما يجعل من عملية ضبط الحدود جزءاً أساسياً من الاستقرار الإقليمي، وتثبيت دعائم الحكمَين الجديدين في سورية ولبنان. وفي هذا الشأن، استضافت السعودية في يوليو 2025 اجتماعاً أمنياً بين لبنان وسورية، بحضور الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع والأمير يزيد بن فرحان مستشار وزير الخارجية للشؤون اللبنانية، حضره مدير المخابرات اللبنانية العميد طوني قهوجي ومدير المخابرات السورية حسين السلامة، حيث اتفقا على ضبط الحدود اللبنانية-السورية ومنع انطلاق التوترات الأمنية بالاتجاهين وضبط الوضع الأمني وزيادة مستوى التنسيق.

 

قوافل تعزيزات للجيش السوري، مؤلفة من عشرات الآليات العسكرية، تتجه إلى الشريط الحدودي مع لبنان عقب مقتل ثلاثة جنود سوريين على يد حزب الله، 17 مارس 2025 (الأناضول عبر وكالة فرانس برس).

 

2. الجهود السياسية لترسيم الحدود

رعت السعوديةُ ممثلةً بوزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، اجتماعاً بين وزيري الدفاع اللبناني (ميشال منسي) والسوري (مرهف أبو قصرة)، في مارس 2025 في جدة، تمخَّض عن توقيع اتفاقية لترسيم الحدود بين البلدين، فقد اتفق الطرفان على تشكيل لجان قانونية متخصصة وتفعيل آليات التنسيق لمواجهة التحديات الأمنية والعسكرية، خصوصاً على الحدود، مع عقد اجتماع متابعة في السعودية قريباً. كما أكد الجانبان “الأهمية الاستراتيجية لترسيم الحدود”، في إشارة إلى البعد الإقليمي للملف الذي يكتسب بعداً أمنياً عند الحدود الشرقية والشمالية، واقتصادياً عند الحدود البحرية بما يشمل مناطق الطاقة والتنقيب.

 

وإذا كان التنسيق الميداني السعودي مَقصوداً بتعزيز التعاون والتنسيق بين السلطات الحدودية السورية واللبنانية، فإن ترسيم الحدود يهدف إلى تكريس آثار سقوط نظام الأسد عبر قطع “الهلال الشيعي” الإيراني في المنطقة على نحوٍ حاسم ونهائي. ومن هذا المنطلق، فإن دوافع ترسيم الحدود الشرقية بين البلدين هي دوافع أمنية بالدرجة الأولى، ذلك أن التسيُّب الحدودي يعني أن تأثيرات سقوط نظام الأسد على حزب الله وإيران ستنعدم مع الوقت، إذ سيكون الحزب قادراً على استمرار تهريب سلاحه المتروك في سورية، التي غادرها على عجل، أو ذلك الذي تركته قوات نظام الأسد، تحديداً الفرقة الرابعة، إلى لبنان واستخدامها في الداخل اللبناني أو لإعادة فتح الجبهة الجنوبية مع إسرائيل. وفي المقابل، يمكن إعادة توجيه هذه الأسلحة نحو الداخل السوري كما جرّب الحزب عند دعم بعض المجموعات التابعة للنظام القديم عند حصول معارك ومجازر الساحل السوري بعد سقوط النظام. وبالإضافة لذلك، فإن إغلاق ملف الحدود، يعني إغلاق ملف غسل الأموال وتجارة الكبتاجون التي شكّلت الرئة المالية لحزب وإيران ونظام الأسد، إلى جانب حماية الأمن الداخلي السعودي من طريق وقف تهريب الكبتاجون إلى السعودية وبقية دول الخليج.

 

ولا يمكن أيضاً إغفال أن الترسيم الحدودي في أقصى الجنوب الشرقي يحظى بأهمية مضاعفة بسبب ارتباطه بمسألة تحديد هوية مزارع شبعا المحتلة من قبل إسرائيل، وهو أمر يمسّ مباشرة جوهر سردية حزب الله القائمة على التمسُّك بالسلاح طالما بقيت أراض لبنانية محتلة. إلا أن الطرفين اللبناني والسوري وحتى الجانب السعودي يدركون جميعاً أن قضية ترسيم الحدود في المثلث اللبناني-السوري-الإسرائيلي ليست مسألة قانونية ثنائية، بل هي مسألة سياسية أمنية ترتبط بترتيبات أكبر تتعدى لبنان وسورية، لذا لم يكن مستغرباً أن تكون قضية ترسيم الحدود أحد بنود “الورقة الأمريكية” التي تقدّم بها توماس براك، المبعوث الأمريكي إلى سورية، إلى الحكومة اللبنانية في يونيو 2025.

 

وفي المجمل، في الوقت الذي يُعطي البلَدان الأولوية لضبط الحدود، فإن ملف ترسيم الحدود البرية سيتطلب وقتاً، ومن المتوقع تجاوز عقبة مزارع شبعا مرحلياً، عبر إخراجها من اتفاق ترسيم الحدود البرية. وأما ترسيم الحدود البحرية، وعلى رغم أهميته الاقتصادية، فيبدو مؤجلاً في الوقت الحالي، وذلك لتعقيداته الفنية الشائكة، وبخاصة أنه يتعلق بأطراف ثالثة، مثل قبرص.

 

الموقوفون/المحكومون السوريين في لبنان والمفقودون اللبنانيون في سورية 

أعدّت وزارة العدل اللبنانية لوائح مفصلة عن السوريين في السجون اللبنانية مع تصنيف جرائمهم: 1329 موقوفاً، و389 محكوماً، من بينهم 87 في جرائم قتل و82 في الإرهاب و79 في السرقة و181 في جرائم أخرى. وهؤلاء يشكلون نحو 30% من مجمل السجناء في لبنان، ومع الاكتظاظ الشديد في السجون، وخصوصاً سجن رومية، يصبح الإفراج عن بعضهم مصلحة لبنانية أيضاً.

 

تُبدي سورية استعجالاً واضحاً لطي هذا الملف وتحقيق إنجاز سياسي-إنساني سريع. واستخدمت السلطة الجديدة سياسة التسريبات الإعلامية للضغط على لبنان، من دون تأكيد أو نفي رسمي، مثلما نُسب إلى تلفزيون سورية بأن الشرع يهدد بتصعيد ضد بيروت بسبب تجاهل الملف. وبدا أن الحكم الجديد يوظف هذه التسريبات لإبراز الاهتمام بالملف وإبقائه في صدارة الأولويات، حتى لو لم يُترجَم ذلك بخطوات رسمية مباشرة.

 

ما يُعقِّد هذا الملف في شقه السوري هو طبيعة بعض الموقوفين الإسلاميين المتهمين بأعمال إرهابية، وكون “هيئة تحرير الشام” تنظيماً جهادياً عابراً للحدود: فهل يتصرف الحكم الجديد في دمشق بوصفه طرفاً يطالب بالسوريين فقط، أم بصفته تنظيماً عابراً للحدود يطالب بموقوفين من جنسيات مختلفة؟ وقد استثمر إعلام حزب الله هذا الغموض لتأليب الرأي العام ضد أي حلّ، وروّج روايات عن مطالبة الشرع بإطلاق سراح موقوفين لبنانيين متهمين بمواجهة الجيش، بينهم الشيخ أحمد الأسير، لتصوير الأمر كتهديد مباشر لهيبة الدولة.

 

في المقابل، أوضح المسؤولون اللبنانيون لنظرائهم السوريين أنه لا يمكن إطلاق أي سجين أو موقوف إلا عبر مسار قضائي واضح، ومن طريق اتفاقيات ثنائية قيد الإعداد. وتعمل وزارة العدل اللبنانية على مسودة اتفاق تبادل قضائي للإفراج عن الذين لا يواجهون ملفات خطرة، لاسيما الموقوفين من دون محاكمات. كما أن لبنان يترقب في المقابل لائحة من دمشق بأسماء المفقودين اللبنانيين في سجون النظام السابق، وعددهم يقارب 700. وفيما يخص الشق الجهادي للملف، طبقاً لمسؤول حكومي لبناني، فإن الجانب السوري تفهّم في خلال اللقاء الأخير للوفد السوري مع نائب رئيس الحكومة اللبنانية طارق متري في بيروت استحالة إطلاق المحكومين بقضايا الإرهاب، ولم يطلب تسليم غير السوريين، بما في ذلك الشيخ أحمد الأسير أو أي لبناني أو عراقي.

 

وفي المحصلة، وعلى رغم بطء المسار، يسير الملف في الاتجاه الصحيح عبر تبادل اللوائح والتحضير لاتفاق قضائي، ما يعكس وجود هوامش تفاهم أوسع مما يُصوَّر في الخطاب الإعلامي.

 

مجموعة من النساء السوريات ينظمن اعتصاماً أمام قصر الشعب في دمشق، لمطالبة الإدارة السورية الجديدة بالضغط على الحكومة اللبنانية للإفراج عن المعتقلين السوريين في سجن رومية، 30 ديسمبر 2024 (نور فوتو عبر وكالة فرانس برس). 

 

اللاجئون السوريون في لبنان 

يُقدَّر عدد النازحين السوريين في لبنان، وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بنحو مليون و370 ألف شخص. وفي أواخر يوليو 2025 أطلقت الحكومة اللبنانية، بدعمٍ من مفوضية شؤون الاجئين وعدد من الشركاء، خطةً للعودة الطوعية لآلاف اللاجئين السوريين عبر حوافز مالية وإعفاءات من الرسوم. وأوضحت وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد أن كل فرد سيحصل على 100 دولار أثناء وجوده في لبنان، فيما تنال كل أسرة 400 دولار عند وصولها إلى سورية، مع تغطية تكاليف النقل وإعفاءات على الحدود. وقد خُصص نحو 150 مليون دولار من المانحين لتمويل الخطة ضمن خطة الاستجابة للأزمة، إلى جانب التزام قطري بدعم لوجستي والمساهمة في مجالات التعليم والصحة وإعادة التأهيل داخل سورية.

 

تهدف الحكومة اللبنانية، عبر لجنة يترأسها طارق متري وعضوية وزراء الشؤون الاجتماعية والعمل والدفاع والداخلية، إلى تأمين عودة ما بين 400 و500 ألف سوري بحلول نهاية 2025. وفي 2 سبتمبر 2025، أعلنت كيلي كليمنتس، نائبة المفوض السامي لشؤون اللاجئين، أن أكثر من 200 ألف لاجئ غادروا لبنان منذ مطلع العام بعد سقوط حكم بشار الأسد، مُرجحةً ارتفاع العدد، ولافتةً إلى أن معظم العائدين يتجهون إلى حماة وحمص في الوسط وحلب في الشمال. ومع تزايد أعداد العائدين – الذين تصفهم الدولة رسمياً بـ”النازحين” – تتجه بيروت إلى إسقاط هذه الصفة عن أي سوري مقيم على أراضيها، إضافة إلى تنظيم العمالة السورية وفق القوانين المحلية.

 

من جهته، أبلغ الجانب السوري الحكومة اللبنانية أنّه في صدد إنشاء لجنة سورية موازية للجنة اللبنانية لتنسيق العودة وضمان استمراريتها. إلا أن السلطة السورية الجديدة، على عكس لبنان، لا تضع عودة اللاجئين على رأس أولوياتها. وقد يعود ذلك إلى أن العودة الكبيرة تعني تكاليف إعادة إعمار غير متوافرة حالياً، وربما هذا ما يدفع الناس للعودة إلى القرى والمدن غير المدمرة بشكل كلي، حيث يمكنهم استئناف حياتهم بشكل سريع. لكن ذلك يطرح تحديات تتصل بإيجاد فرص العمل.

 

إن الحكم السوري الجديد لا يعرقل عودة اللاجئين، بل يتعاون في هذا المجال مع لبنان، ولا يمارس أي ضغط أمني على العائدين. وقد ساهمت قرارات، مثل إلغاء كل مذكرات منع السفر بحق 5 ملايين سوري والحجر على الممتلكات، بالإضافة إلى إلغاء الخدمة العسكرية، في تشجيع الآلاف، وبخاصة من الشباب، على العودة إلى سورية. مع الإشارة، إلى أن هذه الاجراءات والتسهيلات، لا تشمل أولئك الذي لجأوا إلى لبنان، بعد سقوط النظام وغالبيتهم من العلويين والشيعة، وهم يسكنون في مخيمات على تخوم المناطق الشيعية في الهرمل، بشكل خاص.

 

خلاصة واستنتاجات 

تسير العلاقات اللبنانية-السورية ببطء لكن بثبات باتجاه حل الملفات العالقة، وبالتالي نحو ترسيخ نمط من العلاقات الثنائية القائمة على الندية واحترام السيادة، وحل مسائل تاريخية مثل الحدود، والتي تكرس اعترافاً سورياً نهائياً بالكيان اللبناني لطالما تمنَّع عنه النظام البعثي في دمشق. ويتسارع التنسيق الأمني-العسكري بين البلدين، بوساطة سعودية ورعاية أمريكية، من دون أن ينعكس ذلك على الجانب الدبلوماسي والسياسي. وقد أبدى النظام السوري الجديد ليونةً في الاستجابة للضغطين السعودي والأمريكي، من أجل تحسين فرص انخراطه إقليمياً ودولياً، وهذا أمر يمكن التعويل عليه لتحقيق تقارب ثابت بين البلدين.

 

ويبدو أن الدور الذي يمكن للسعودية أن تمارسه في العلاقات السورية-اللبنانية يتخذ منحى متصاعداً، بعد دعوة أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم في خطابه الأخير، المملكة، إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات مع حزبه، وهذا إقرار بأهمية الدور السعودي حتى من قبل خصوم المملكة، ما يُتوقع أن ينعكس إيجاباً على مُجمَل العلاقات اللبنانية-السورية.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M