- تمضي الإمارات بخطى حثيثة في مسار تعزيز طموحها لأن تصبح مركزاً عالمياً للعملات الرقمية. وقد أدمجت الدولة تقنية البلوك تشين والأصول الرقمية في استراتيجياتها الوطنية الأوسع للابتكار، كما يجري العمل على مواءمة لوائح العملات المشفرة على المستوى الاتحادي.
- باعتبارها مركزاً للعملات المشفرة، تهدف الإمارات إلى جذب الاستثمارات العالمية، وتشجيع الابتكار، وخلق فرص اقتصادية جديدة. ومع تدفُّق نحو 7% من معاملات الأصول الافتراضية العالمية عبر الشرق الأوسط، ترى الإمارات فرصةً لتشكيل هذه الصناعة.
- تُدرك الإمارات أن التحدي الأساسي أمام طموحها لريادة سوق العملات الرقمية هو ترسيخ بيئة تنظيمية قوية ومتماسكة وشفافة، ولذا تحرص على أن يكون لها مزية أساسية في هذا الحقل الواعد، حيث تتفوق اللوائح التنظيمية الإماراتية في قطاع العملات الرقمية على اللوائح المُجزأة أو التقييدية في العديد من الأسواق الغربية.
تبذُلُ دولة الإمارات جهوداً حثيثة لتعزيز طموحها في أن تصبح مركزاً عالمياً للعملات الرقمية. وقد أدمجت الدولة تقنية البلوك تشين والأصول الرقمية في استراتيجياتها الوطنية الأوسع للابتكار، عبر حديث الاستراتيجية عن تعزيز مكانة الدولة بوصفها مركزاً عالمياً لاختبار الابتكارات الجديدة. وفي سياقِ نهجٍ استباقي، جرّبت إمارة دبي معاملات مثل العقارات الرمزية، كذلك كشفت شركة الإمارات للبترول «إمارات» عن إطلاقها مبادرة للدفع بالعملات الرقمية في محطاتها، في خلال الفترة المقبلة. وفي المسار نفسه، أبرمت «طيران الإمارات» شراكة مع Crypto.com لريادة مدفوعات العملات الرقمية لمعاملات السفر والتجزئة. تُؤكد هذه الخطوة، التي أُعلن عنها في يوليو 2025، وستدخل حيز التنفيذ العام المقبل، رؤية دبي لأنْ تصبح الوجهة الأولى عالمياً لابتكارات تقنية البلوك تشين.
ويلفت مسؤولون في الإمارة إلى أن البنوك العالمية -التي تُواجه جهات تنظيمية متشككة في العملات الرقمية في الداخل- تستخدم دبي حقلَ اختبار للأصول الافتراضية، مُستندةً إلى مكانة الإمارة بوصفها مركزاً مالياً مرموقاً.
وقد أظهر استطلاع عالمي، سابق، أجرته شركة «يوجوف»، أن الثقة بالعملات المشفرة كانت الأعلى بين البالغين في الإمارات العربية المتحدة. ويمتلك نحو 30% من سكان الإمارات عملات مشفرة، ومن المتوقع زيادة سوق هذه العملات بنسبة 8% سنوياً في السنوات الأربع المقبلة أو قبل ذلك. ووفقاً لمؤشر هينلي لتبني العملات المشفرة 2024، احتلت دولة الإمارات المرتبة الثالثة في تبنّي العملات المشفرة عالمياً، خلف سنغافورة وهونغ كونغ. وقد حصلت الدولة على 41.8 من 60 نقطة، بفضل عواملها الاقتصادية القوية، والابتكار، والإعفاء الضريبي. وفي سياق ذي صلة، وفي يونيو الماضي، أعلن الاتحاد الأوروبي إزالة الإمارات من قائمته المحدثة للدول “عالية المخاطر” المتعلقة بغسيل الأموال، ما يمثّل خطوة أخرى تُقوّي فرص الإمارات وطموحها على صعيد الشفافية المالية والتنظيمية.
دمج تقنية البلوك تشين مع البنية التحتية للذكاء الاصطناعي
أسهم إنشاء إمارة دبي لهيئة تنظيم الأصول الافتراضية (VARA) في عام 2022 – وهي أول جهة تنظيمية مستقلة في العالم للأصول الافتراضية – في زيادة حادة في الاهتمام بالإمارة بصفتها وجهة مفضلة لشركات التكنولوجيا. أُنشِئَت VARA لتوفير إطار عمل رقمي مستقر وجدير بالثقة لتنظيم الأصول الافتراضية؛ مثل العملات المشفرة والرموز غير القابلة للاستبدال (المعروفة باسم NFTs). كما أطلقت الإمارة أول محكمة للاقتصاد الرقمي في العالم. وقدَّمت الإمارات بالفعل العديد من المشاريع التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي باستخدام تقنية البلوك تشين مثل المركبات ذاتية القيادة وأنظمة الصحة الذكية، وسيساعد هذا التكامل أيضاً في تأمين المعاملات وهويات المستخدم باستخدام تقنيات التشفير لتعزيز حماية البيانات. وقد كان استثمار أبوظبي في مارس 2025 ملياري دولار أمريكي في منصة بينانس، أكبر بورصة بيتكوين في العالم، جزءاً من سعيها لتحويل اقتصادها الرقمي، والتزامها بدمج تقنية البلوك تشين مع البنية التحتية للذكاء الاصطناعي.
في يناير 2025، أعلنت حكومة أبوظبي عن إطلاق «استراتيجية حكومة أبوظبي الرقمية 2025-2027»، لتعزيز مسيرة التحول في الإمارة نحو حكومة تعتمد على الذكاء الاصطناعي. ومن الواضح أن السياسات الإماراتية تُبنى على أساس أن البيانات والتكنولوجيا المالية هما عملة المستقبل. وتستهدف هذه الاستراتيجية تأسيس بنية تحتية متينة تشكّل أساساً رقمياً مرناً وقابلاً للتطوير، للوصول إلى تبني الحوسبة السحابية السيادية بنسبة 100% في مختلف العمليات الحكومية ورقمنتها وأتمتتها بنسبة 100%، وكذلك إنشاء منصة رقمية موحّدة لإدارة الموارد المؤسسية، بما يسهم في تبسيط العمليات ورفع مستويات الإنتاجية والكفاءة.
كانت أبوظبي من أوائل الجهات التي اتخذت خطوات في مجال الإشراف على العملات المشفرة عبر هيئة تنظيم الخدمات المالية (FSRA) التابعة لسوق أبوظبي العالمي (ADGM). وأصبح السوق الواقع في جزيرة المارية مركزاً قائماً بذاته لابتكار العملات المشفرة والبلوك تشين. في عام 2018، طرحت هيئة تنظيم الخدمات المالية إطاراً تنظيمياً شاملاً للأصول الافتراضية، وهو الأول من نوعه في منطقة مجلس التعاون الخليجي، يُغطي كل شيء بدءاً من ترخيص البورصات ووصولاً إلى قواعد الحفظ. وقد جذب هذا الوضوح التنظيمي في سوق أبوظبي العالمي جهات فاعلة مؤسسية؛ وبحلول أواخر عام 2023، توسعت شركات عالمية مثل Copper، و Paxos، و eToro إلى أبوظبي تحت إشراف هيئة تنظيم الخدمات المالية. يستهدف نهج أبوظبي عادةً أنشطة العملات المشفرة المؤسسية وذات رأس المال الكبير، مما يُكمل سوق دبي الذي يركز بشكل أكبر على التجزئة.
وعلى رغم ما قد يُقال عن تنافس دبي وأبوظبي في هذا القطاع الواعد، فإن دولة الإمارات تعمل على مواءمة لوائح العملات المشفرة على المستوى الاتحادي؛ فقد أبرمت هيئة تنظيم الخدمات المالية (VARA) في دبي وهيئة الأوراق المالية والسلع (SCA) في دولة الإمارات اتفاقية بشأن الاعتراف المتبادل، ما يسمح للشركات المرخصة من VARA بالعمل في جميع أنحاء الإمارات. ويعني هذا أن بورصة العملات المشفرة المرخصة في المنطقة الحرة بدبي يمكنها خدمة العملاء في الإمارات الأخرى، وهو ما يعزز تكامل السوق الوطنية. والأمر لا يقتصر بالطبع على أبوظبي ودبي، إذْ تُطوّر إمارات أخرى أيضاً مبادرات تنظيمية. ومثالاً لا حصراً، أطلقت رأس الخيمة في 2023 واحة رأس الخيمة للأصول الرقمية (RAK DAO)، التي تُعد أول منطقة حرة في العالم مخصصة حصرياً لشركات الأصول الرقمية والافتراضية. وأوضحت رأس الخيمة أن رؤيتها للفضاء الرقمي تتواءم مع الاستراتيجية الشاملة لدولة الإمارات، لتصبح مساهماً رئيساً في الاقتصاد الرقمي العالمي.
فرص وتحديات
باعتبارها مركزاً للعملات المشفرة، تهدف الإمارات إلى جذب الاستثمارات العالمية، وتشجيع الابتكار، وخلق فرص اقتصادية جديدة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي نمو صناعة العملات المشفرة إلى خلق فرص عمل، والتقدم التكنولوجي، وتنويع الاقتصاد، ما يؤدي إلى آفاق اقتصادية وتجارية أفضل لدولة الإمارات.
مع تدفُّق نحو 7% من معاملات الأصول الافتراضية العالمية عبر الشرق الأوسط، ترى الإمارات فرصةً لتشكيل هذه الصناعة. وبالفعل، رخّصت الإمارات نحو 30 شركة، بما في ذلك منصة بينانس الرائدة في مجال تداول العملات الرقمية. ويُعد الرهان على الأصول الافتراضية محوراً أساسياً في هدف دبي لكسب 27 مليار دولار سنوياً من اقتصادها الرقمي بحلول عام 2033. وتحتضن الإمارة مركز دبي للسلع المتعددة (DMCC)، الذي أدى دوراً محورياً في جذب شركات البلوك تشين والعملات المشفرة. وقد سعت قيادة المركز جاهدةً إلى تهيئة بيئة داعمة لازدهار هذه الشركات.
ويمثِّل إبرام «طيران الإمارات» شراكة مع Crypto.com خطوة رائدة، وهي تستهدف شريحة متنامية عالمياً ترغب في توظيف التكنولوجيا في عمليات الدفع، وخصوصاً عبر العملات المشفرة. سيبدو الأمر أكثر مرونة وارتياحاً في ظل توافر الشفافية والمعايير المطلوبة. وبشيء من التفصيل، فإن خطوة «طيران الإمارات» يمكن أن تحقق هدفين اثنين، على الأقل، يمثلان في مجملهما فوائد استراتيجية، وهما:
أولاً، استقطاب العملاء، إذْ أصبح لدى مستخدمي العملات المشفرة -وهم شريحةٌ متنامية من سكان العالم تبلغ قيمتها السوقية 3 تريليونات دولار- حافزٌ مباشرٌ لاختيار «طيران الإمارات».
ثانياً، كفاءة التكلفة (Cost Efficiency)، حيث يتمكّن العملاء من دفع ثمن رحلاتهم ومشترياتهم المعفاة من الرسوم الجمركية باستخدام بيتكوين وإيثريوم وغيرهما من العملات المشفرة. كما يُمكن أن يُعزز إلغاء الوسطاء في معالجة الدفع هوامش الربح. الجدير بالذكر أن تكاليف الدفع عبر الحدود يبلغ متوسطها 7% عالمياً.
وعلى رغم ريادة خطوة «طيران الإمارات»، وجرأتها في التموضع في قلب قيادة ثورة السفر القائمة على تقنية بلوك تشين، والطموح الإماراتي في حيازة بصمة قوية راسخة وممتدة في مجال التكنولوجيا المالية وتطوير إمكانات قطاعات السياحة والضيافة والخدمات اللوجستية، فإن تقلُّب قطاع العملات المشفرة لا يزال يُشكِّل عائقاً. إذ قد يُثني انخفاض سعر بيتكوين بنسبة 20% (الذي حدث 12 مرة في عام 2023) المسافرين عن استخدام العملات المشفرة للدفع. وفي حين أن لوائح الإمارات صارمة، فإن الإجراءات الصارمة العالمية – مثل حظر العملات المشفرة المُقترح من قِبل الاتحاد الأوروبي – قد تُشكّل ضغطاً على المراكز الإقليمية الواعِدة مثل الإمارات.
ويظل التحدي الأساسي أمام الطموح الإماراتي هو ترسيخ بيئة تنظيمية قوية ومتماسكة وشفافة. وعلى ما يبدو فإنّ الإمارات تدرك ذلك، ما يمنحها مزية أساسية في هذا الحقل الواعد، حيث تتفوق اللوائح التنظيمية الإماراتية في قطاع العملات الرقمية على اللوائح المُجزأة أو التقييدية في العديد من الأسواق الغربية. ويُعدُّ توافر الضوابط الأمنية القوية مسألة جوهرية للحيلولة دون الاختراق، ومِن ثمَّ ضمان ازدهار هذا القطاع واستدامته.