- تَفرِض سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب التجارية والدفاعية، وخطته الأحادية للسلام في أوكرانيا، تحديات كبيرة على الاتحاد الأوروبي، وتختبر قدرته على حماية مصالحه.
- من المتوقع أن تشكل سياسة ترمب الحمائية مصدراً رئيساً للاحتكاك بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من شأنه أن يؤدي إلى مخاطر اقتصادية، فضلاً عن نية ترمب الانسحاب الدفاعي من القارة وتقليص الانخراط في حلف الناتو. كما أن وجود ترمب في السلطة من شأنه تعزيز النزعات اليمينية المحافظة في أوروبا.
- يُتوقَّع أن تتوزع استراتيجية المواجهة الأوروبية لسياسة ترمب على ثلاثة مسارات محتملة: الصدام، عبر فرض رسوم جمركية مضادة؛ أو التفاوض، عبر السعي إلى إحراز صفقة شاملة أو جزئية، أو التعويل على الذات على المدى البعيد، من طريق بناء دفاع أوروبي مستقبل وانتهاج سياسات تجارية لا تعتمد على السوق الأمريكية.
- يُرجَّح أن تعقِد إدارة ترمب والاتحاد الأوروبي صفقات جزئية في مسائل تجارية أو دفاعية، بموازاة حرب رسوم جمركية متبادلة في قطاعات أخرى. وفي الأثناء، ستواجِه العلاقات عبر الأطلسي المزيد من التحديات، كما سيشهد التحالف التقليدي بين أوروبا والولايات المتحدة قدراً من الهشاشة، مع أنَّه يبقى مهماً للغاية لكليهما.
كما كان متوقعاً، عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بقوة، عبر الأوامر التنفيذية لفرض رسوم جمركية ضد عدد من شركاء الولايات المتحدة التجاريين، وبروز ملامح سياسة خارجية جديدة مختلفة جذرياً مع سياسات جميع الإدارات الأمريكية السابقة. وعلى رغم التحالف التاريخي عبر الأطلسي، فإن سياسات ترمب الجديدة أخذت تصطدم مع مقاربة الحلفاء الأوروبيين، لاسيما في قطاعي التجارة والدفاع، فضلاً عن النهج الذي يريد أن يتعامل به الرئيس الأمريكي في ملف الحرب الأوكرانية. في مواجهة هذا التحول، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إيجاد نقطة توازنٍ في التعامل مع إدارة ترمب، عبر مزيجٍ من الاستقلالية والمواجهة والمسايرة، ضمن سياقٍ دولي ومحلي غير مواتٍ لذلك، وتحديات داخلية تهدد تماسكه.
التناقضات الثلاثة
منذ عودته التاريخية إلى البيت الأبيض، كان واضحاً أن دونالد ترمب سيُعيد إنتاج نهجه الذي اتبعه في ولايته الأولى على نحو أكثر شدةً وعمقاً. ومنذ إعادة انتخابه في نوفمبر الماضي، بدأ الزعماء الأوروبيون في تحديد الكيفية التي يستعد بها الاتحاد الأوروبي لمواجهة أجندة الرئيس الأمريكي، حيث تشكل عودة ترمب إلى السلطة تحولاً رئيساً في صيغة علاقات الولايات المتحدة مع أوروبا، حيث شرعت في الانتقال من وضع الحليف التاريخي، إلى خانة الشريك الضروري. وينعكس ذلك على المستوى الشعبي، إذّ يكشف استطلاع “الشفق عبر الأطلسي“، الذي أصدره المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في منتصف شهر فبراير الجاري، عن أن أغلبية المواطنين الأوروبيين، بمعدل 50% في الدول الـ11 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، يعتبرون الولايات المتحدة الآن “شريكاً ضرورياً” يجب على أوروبا التعاون معه استراتيجياً، وليس “حليفاً” يتقاسمون معه نفس المصالح والقيم. وهذا التغيير الجذري يحدث حتى في المعاقل السابقة عبر الأطلسي مثل بولندا والدنمارك. ويبدو أن هذا الرأي العام الرسمي والشعبي مدفوعٌ بما تواجهه العلاقات الأمريكية – الأوروبية في عهد الرئيس ترمب من خطوط صدعٍ يمكن حصرها، حالياً، في ثلاثة خطوط أساسية:
1. الحرب التجارية: تعد المسألة التجارية أبرز خطوط الصدع في العلاقة بين الطرفين،. إذ تبنَّت إدارة ترمب – منذ ولايته الأولى – موقفاً حمائياً صارماً، مؤكدة على سياسات “أمريكا أولاً” التي تهدف إلى الحد من اختلالات الميزان التجاري الملحوظة. اتهم ترمب الاتحاد الأوروبي بشكل متكرر بالانخراط في ممارسات تجارية غير عادلة، وخاصة في قطاعات مثل السيارات والزراعة والخدمات الرقمية. وندَّد بفرض تعريفات جمركية عالية بشكل غير متناسب على السلع الأمريكية في حين استفاد من التعريفات الجمركية المنخفضة على صادراته إلى الولايات المتحدة.
في عام 2018، فرض ترمب رسوماً جمركية على واردات الصلب والألومنيوم، وفي مواجهة ذلك فرض الاتحاد الأوروبي رسوماً جمركية مضادة على مجموعة من السلع الأمريكية، مستهدفاً منتجات حساسة سياسياً مثل الخمور والدراجات النارية وقطاع النسيج. واليوم يريد الرئيس الأمريكي إعادة فرض رسوم جمركية واسعة النطاق على الصادرات الأوروبية (بنسبة 25 %)، حيث انتقد مراراً الاتحاد الأوروبي لفرضه رسوماً جمركية أعلى على السيارات الأمريكية مقارنة بتلك المفروضة على المركبات الأوروبية التي تدخل السوق الأمريكية. ورداً على ذلك، هدَّد بفرض رسوم جمركية انتقامية على واردات السيارات من الاتحاد. كما اتهم الاتحاد بالحفاظ على سياسات زراعية تقييدية، مثل حظر الكائنات المعدلة وراثياً ومتطلبات تنظيمية صارمة، مما أعاق وصول المزارعين الأمريكيين إلى الأسواق الأوروبية. فضلاً عن نقده القوي لفرض الاتحاد الأوروبي ضريبة على الخدمات الرقمية تستهدف شركات التكنولوجيا الكبرى، وعَدَّ ترمب هذه الضريبة تمييزية ضد الشركات الأمريكية مثل جوجل وأمازون وفيسبوك، مُهدداً باتخاذ تدابير مضادة.
وفي 12 فبراير، ألغى ترمب الاستثناءات والإعفاءات من الرسوم الجمركية التي فرضها على الصلب في عام 2018، مما يعني أن جميع واردات الصلب – بما فيها القادمة من أوروبا – ستخضع لضريبة لا تقل عن 25%. كما رفع ترمب الرسوم الجمركية على الألومنيوم في عام 2018 من 10% إلى 25%. وتهدد هذه الحرب التجارية التنافسية الأوروبية، نظراً لأن السوق الأمريكية هي المجال الأساسي لنشاط الشركات الأوروبية. ووفق بيانات مكتب الإحصاء الأمريكي، فقد صدَّرت دول الاتحاد الأوروبي بضائع بقيمة 605.7 مليار دولار – أي ما يقرب من 20% من إجمالي صادراتها – إلى الولايات المتحدة في عام 2024، مما يجعل الولايات المتحدة ثاني أكبر شريك تجاري للاتحاد.
2. الانسحاب الدفاعي: في المسألة الدفاعية، يدور التناقض الرئيس بين الطرفين حول حلف شمال الأطلسي. فقد انتقد ترمب – منذ ولايته الأولى – مراراً حلفاءه داخل الناتو لعدم وفائهم بالتزاماتهم بإنفاق 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، مما أثار تساؤلات حول التزام الولايات المتحدة الطويل الأجل بالأمن الجماعي. ومنذ ذلك الوقت سعت دول الحلف إلى تحقيق السقف المطلوب من التمويل، وهو هدف حققته 24 دولة عضواً من أصل 32 دولة حالياً، لكن الرئيس الأمريكي يريد الآن رفع ذلك السقف 5%، وهو ما يعني عملياً جهداً مالياً مضاعفاً على الموازنات الأوروبية العامة. ذلك أن رفع الإنفاق الدفاعي يعني إعادة تخصيص جزء من الإنفاق العام، وبالتالي زيادة الجهد الضريبي أو خفض الإنفاق الاجتماعي، الذي يمكن أن يعرض مجتمعات بعض الدول الأوروبية إلى اضطرابات اجتماعية وسياسية وأمنية.
كما تخطط إدارة ترمب لخفض الوجود العسكري الأمريكي في أوروبا بنحو 20%، عبر سحب 20 ألف جندي، في إطار مراجعة التزام واشنطن بحماية أوروبا. وربما يكون هذا الانسحاب عميقاً من الناحية النوعية، حيث يُشير تقرير “ضرورة تحديد الأولويات” الصادر عن مؤسسة التراث، المقربة فكرياً من تيار ترمب، والذي شارك في تحريره، وكيل وزارة الدفاع للشؤون السياسية أليكس فيليز غرين، إلى أن العناصر التي ستُسحَب “ستشمل على الأرجح الغواصات والمقاتلات السطحية، والقاذفات الثقيلة، والطائرات المقاتلة وقدرات الهجوم الإلكتروني والدوريات البحرية والإنذار المبكر والتحكم المحمول جواً؛ والدفاعات الجوية والصاروخية، وبعض المدفعيات الأرضية بعيدة المدى، والذخائر الأساسية للمنصات الجوية والبحرية والبرية، مثل أصول النقل الجوي والبحري والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع”. وهذا التحول من شأنه أن يخلق فجوات هائلة في الدفاع الأوروبي. وقد أكد وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث هذه التوقعات في تصريحات أدلى بها في وارسو في 14 فبراير، قال فيها: “إن الأوروبيين لا يمكنهم أن يفترضوا أن الوجود العسكري الأمريكي في القارة سوف يستمر إلى الأبد”.
منذ إعادة انتخاب ترمب في نوفمبر الماضي، بدأ الزعماء الأوروبيون في تحديد الكيفية التي يستعد بها الاتحاد الأوروبي لمواجهة أجندة الرئيس الأمريكي
3. الحرب في أوكرانيا: تشكل خطة السلام – غير الواضحة حتى اليوم – خط الصدعّ الثالث بين الاتحاد الأوروبي وإدارة ترمب. فقد أعرب الرئيس الأمريكي بوضوح، في خلال حملته الانتخابية، عن تشككه في مستوى الدعم الأمريكي لأوكرانيا، وانتقد المساعدات المالية والعسكرية المقدمة في عهد إدارة بايدن. وقد وضع فريقه منذ يونيو الماضي “خطة لإنهاء الحرب، تتضمن وقف المساعدات العسكرية لكييف في حال رفضت الدخول في محادثات السلام”. وبعد تنصيبه رئيساً، قال ترمب إن الولايات المتحدة ستحتاج إلى 500 مليار دولار من المعادن الأوكرانية لسداد الدعم العسكري والمدني الذي قدمته لكييف منذ بداية الحرب – وهو رقم أعلى بكثير من المساعدات الأمريكية الفعلية. وهذا الشرط فضلاً عن أنه يضرب بشكلٍ مباشر مصالح الاتحاد الأوروبي، لأنه يتعارض مع اتفاق الشراكة الاستراتيجية الذي وقعته أوكرانيا مع الاتحاد في عام 2021 حول المعادن الأساسية، فإنه لا يوفر ضمانات أمنية واضحة لأوكرانيا في مواجهة روسيا. لكن الجانب الأساسي في هذه المسألة هو تصوُّر إدارة ترمب للسلام الممكن في أوكرانيا، والذي سيكون على ما يبدو على حساب أوروبا وأوكرانيا، وفي صالح روسيا. ففي 12 فبراير استبعد وزير الدفاع الأمريكي الجديد بشكل قاطع منح عضوية حلف شمال الأطلسي لأوكرانيا كضمانة أمنية لإنهاء الحرب في روسيا، مُشيراً إلى أن رغبة أوكرانيا في العودة إلى حدودها قبل عام 2014 هي أهداف “غير واقعية” وينبغي استبعادها من أي تسوية سلمية مستقبلية. في الوقت الذي أعلن فيه ترمب، بعد اتصال هاتفي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، أن المفاوضات لإنهاء الحرب في أوكرانيا ستبدأ على الفور.
إلى جانب هذه التناقضات الرئيسة الثلاثة، فإن وجود ترمب في السلطة من شأنه أن يعزز النزعات اليمينية المحافظة في أوروبا، في مواجهة الأيديولوجية الليبرالية التي تهيمن على التيار الرئيس في الاتحاد الأوروبي، وسوف يعمل على تكثيف التحول نحو صعود القوى السياسية اليمينية المتطرفة. كذلك سيكون للتغيرات في السياسات الاجتماعية والاقتصادية المحلية للولايات المتحدة تأثير على السياسات الداخلية للدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي، خاصة على مستوى تطبيق سياسات الهجرة الصارمة، والتراجع عن سياسات المناخ وخفض الضرائب والإنفاق الحكومي، مع الحد بشكل كبير من التدخل الحكومي وتنظيم الأنشطة الاقتصادية.
استراتيجية المواجهة
في بيان التهنئة الذي أصدرته بعد فوز ترمب بالانتخابات الرئاسية، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إن أوروبا تتطلعّ للعمل مع ترمب مرة أخرى لتحقيق أجندة قوية عبر الأطلسي، وإن “ملايين الوظائف والمليارات من التجارة والاستثمار على جانبي المحيط الأطلسي تعتمد على ديناميكية علاقتنا الاقتصادية واستقرارها”. وبعد تلويح الرئيس الأمريكي بفرض رسوم جمركية واسعة النطاق على الصادرات الأوروبية، هددت المفوضية بإجراءات “حازمة وفورية ضد الحواجز غير المبررة أمام التجارة الحرة”. ومنذ فوز ترمب بالانتخابات تخوض المؤسسات الأوروبية نقاشاً واسعاً لتحديد استراتيجية للمواجهة، والتي – على رغم عدم وضوحها – يبدو أنها تتوزع على ثلاث مقاربات محتملة:
1. المواجهة: من المتوقع أن تلحق الرسوم الجمركية التي أعاد ترمب فرضها بنسبة 25% على الصلب والألمنيوم الضرر بالمصنعين في أوروبا، الذين يصدرون حوالي 3 مليارات يورو من الصلب وحوالي 2 مليار يورو من الألومنيوم، وبالتالي يؤثر ذلك على ما يقرب من 1% من إجمالي صادرات السلع إلى الولايات المتحدة. وفي مواجهة ذلك من المتوقع أن يتخذ الاتحاد الأوروبي إجراءات “انتقامية”، وقد أشارت المفوضية الأوروبية إلى أن هذه الإجراءات ستكون “حازمة وفورية ضد الحواجز غير المبررة أمام التجارة الحرة والعادلة، وسوف تعمل على حماية الشركات والعمال والمستهلكين الأوروبيين من التدابير الجمركية غير المبررة”. وقال المستشار الألماني المنتهية ولايته، أولاف شولتز، إن الاتحاد الأوروبي سيكون مستعداً للرد إذا فرض دونالد ترمب رسوماً جمركية. أما الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، فقد أكد بأن الاتحاد الأوروبي سيدافع عن نفسه إذا اُستُهدِفَت مصالحه. وهذا النهج في المواجهة ليس جديداً بالنسبة للاتحاد الأوروبي فقد فرضت الدول الأوروبية رسوماً جمركية مضادة في عام 2018 استهدفت منتجات زراعية وصناعية أمريكية. ولذلك من المتوقع أن تتسع دائرة الرسوم الجمركية الأوروبية ضد الصادرات الأمريكية، وربما تشمل السلع ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، وخاصة في قطاعي الكيماويات والأدوية.
2. الصفقة: النهج الثاني للتعامل مع إدارة ترمب هو التفاوض والتوصل إلى صفقة استراتيجية، تقوم على تنازلات أوروبية من أجل تخفيف الخسائر، وذلك من طريق استعمال أوراق تفاوضية، من بينها تخفيف الرسوم الجمركية التي يفرضها الاتحاد على السلع الأمريكية، من قبيل التعريفة الجمركية التي أثارت غضب ترمب لفترة طويلة بنسبة 10% على سيارات الركاب الأمريكية، مقارنة بمعدل التعريفة الجمركية في الولايات المتحدة الذي يبلغ 2.5%. كما يبلغ متوسط التعريفة الجمركية على المنتجات الزراعية في الاتحاد الأوروبي 11.3%، مقارنة بمعدل 4.8% في الولايات المتحدة. فضلاً عن ذلك، العديد من الحواجز غير الجمركية التي تعوق مبيعات شركات الصناعات الغذائية والزراعية داخل السوق الأوروبية، حيث يمكن للأوروبيين تخفيف هذه الرسوم والحواجز، أو حتى إلغائها، واستخدامها كورقة تفاوض قوية تمنح إدارة ترمب مكاسب مهمة، بدلاً من الدخول في حرب رسوم يبدو واضحاً أن عواقبها ستكون كارثيةً.
ويمكن أن تشمل الصفقة، أيضاً، زيادة المشتريات الأوروبية من الغاز الطبيعي المسال الأمريكي، وهو أمر عبَّر عنه ترمب بوضوح عندما ربط قبل تنصيبه بين زيادة شراء النفط والغاز الأمريكيين وفرض رسوم جمركية على الواردات الأوروبية، وأكدته لاحقاً آنا كايسا إيتكونين، المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية لشؤون الطاقة، في يناير الماضي، عندما أعلنت أن الاتحاد الأوروبي مستعد للتفاوض مع ترمب بشأن زيادة واردات الغاز. وتشمل الصفقة أيضاً الجانب الدفاعي، ذي الصلة بالجوانب الصناعية الاقتصادية. حيث من المتوقع أن تدفع زيادة الإنفاق الدفاعي للاتحاد الأوروبي، دول الاتحاد إلى شراء مزيدٍ من الأسلحة الأمريكية. وقد دعا ترمب إلى ذلك بشكل مباشرٍ “للحفاظ على قوة حلف شمال الأطلسي”.
في الوقت الذي تشكل رئاسة ترمب تحدياً مباشراً للاتحاد الأوروبي، فإن من شأن ذلك أن يمثل فرصةً لأوروبا لفك التبعية التجارية والدفاعية مع الولايات المتحدة
3. التعويل على الذات: في الوقت الذي تشكل رئاسة ترمب تحدياً مباشراً للاتحاد الأوروبي، فإن من شأن ذلك أن يمثل فرصةً لأوروبا لفك التبعية التجارية والدفاعية مع الولايات المتحدة، وبناء الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي، من طريق توسيع السوق الأوروبية، وسياسة الجوار الأوروبي والتوحيد الجمركي مع البلقان وتركيا وشرق أوروبا. وأيضاً من طريق اتفاقيات التجارة الشاملة مع أمريكا اللاتينية وماليزيا، وتسريع مسار التفاوض مع الهند حول التجارة الشاملة، وتعزيز السيادة الاقتصادية وزيادة الاستثمار في الصناعات الاستراتيجية، مثل أشباه الموصلات والخدمات الرقمية والذكاء الاصطناعي، إذ من شأن ذلك أن يُقلل الاعتماد على الواردات الأمريكية، ويعزز القدرة التنافسية.
وفي الجانب الدفاعي، من شأن ذلك أن يعزز التكامل الدفاعي، بما في ذلك إطار التعاون الهيكلي الدائم (PESCO)، وصندوق الدفاع الأوروبي (EDF). وتهدف هذه المبادرات إلى الحد من الاعتماد على القدرات العسكرية الأمريكية، وتوسيع القاعدة الصناعية الدفاعية الأوروبية، وتعزيز الشراكات مع المملكة المتحدة وكندا وغيرهما من أعضاء حلف شمال الأطلسي من غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لإيجاد توازن للمشاركة الأمريكية المتراجِعة.
المسارات المستقبلية المحتملة
يقف الاتحاد الأوروبي – في ظل ولاية ترمب الثانية – أمام وضعٍ جيوسياسي غير مسبوقٍ، يتجه بشكل رئيس نحو ثلاثة مسارات متوقعة:
1. الصِّدام: يقوم هذا السيناريو على مواجهة مفتوحة بين أمريكا وأوروبا، جبهتها الأساسية الحرب التجارية، وانعكاسها الأمني: انسحاب أمريكي واسع من أوروبا، وهشاشة تطال حلف الناتو. على المستوى التجاري يملك الاتحاد الأوروبي أدوات لمجابهة أجندة ترمب الحمائية، ومن المتوقع أن تتعرض الشركات الأمريكية لمصاعب كبيرة، خاصة شركات التكنولوجيا الكبرى التي ستجابه اللوائح التنظيمية الأوروبية الصارمة. كما يمتلك الاتحاد الأوروبي أداة مكافحة الإكراه الاقتصادي، والتي يمكن أن تسبب أضراراً كبيرة للشركات الأمريكية. وسيكون للاتحاد شركاء كُثُر في العالم متضررين من سياسات ترمب مثل كندا والمكسيك، وربما حتى الصين، يمكن تعزيز علاقات الاتحاد التجارية والاقتصادية معهم. وعلى رغم أن هذا السيناريو سيكون قائماً بسبب اللايقين الذي تتميز به سياسات ترمب، فإنَّه لا يزال مستبعداً.
2. إعادة التحالف: يقوم هذا السيناريو على صفقة مفترضة بين الطرفين تكون شاملة للهواجس التجارية والدفاعية، وربما يكون دافعها الأساسي مجابهة متوقعة بين إدارة ترمب والصين. وضمن هذا السيناريو، من المتوقع أن تحافظ الولايات المتحدة على وجود أمني وعسكري في أوروبا، في مقابل زيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي وزيادة شراء الأسلحة الأمريكية، وتخفيف اللوائح التنظيمية في قطاع التكنولوجيا مقابل عدم فرض رسوم جمركية واسعة على الصادرات الأوروبية. وعلى رغم أن هذا السيناريو يبقى قائماً، فإنّ مسار الصفقة الكبرى عبر الأطلسي لا يبدو مرجحاً في الأفق القريب لأن إدارة ترمب تبدو عازمة على إعادة صياغة الشراكة بطريقة تجدها أوروبا غير مقبولة.
3. إدارة التوتر: يقوم هذا السيناريو على نهجٍ هجينٍ من المواجهة الصدامية إلى التفاوض وعقد صفقات قطاعية أو جزئية، مع بقاء التوتر قائماً بين الطرفين. وهذا السيناريو هو الأكثر توقعاً وترجيحاً. حيث من المتوقع أن يتوصل الطرفان إلى عقد صفقات جزئية في مسائل تجارية أو دفاعية، بموازاة حرب رسوم جمركية متبادلة في قطاعات أخرى. وضمن هذا السيناريو، سوف تواجه العلاقات عبر الأطلسي المزيد من التحديات، كما سيشهد التحالف التقليدي بين أوروبا والولايات المتحدة قدراً من الهشاشة، لكنه يبقى مهماً للغاية لكلا الجانبين. كما أن ترمب ومعظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لديهم مصالح مشتركة في حثِّ الدول النامية على فتح أسواقها وقبول المزيد من الواردات من السلع الأمريكية والأوروبية، ومن المتوقع أن يتخذوا إجراءات وسياسات مشتركة في هذا الاتجاه.