الاتفاق الدفاعي بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة: الأهداف والعقبات

  • يتجه الاتحاد الأوروبي وبريطانيا نحو إبرام اتفاق دفاعي جديد، يُحدِّد طبيعة العلاقات الأمنية والاستراتيجية بين الطرفين، لأول مرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. 
  • يتوقَّع أن يُغطي الاتفاق مجالات التعاون القائمة، مثل الدعم المشترك والمستمر لأوكرانيا، ومشاركة بريطانيا في مهام وعمليات السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة للاتحاد، وانخراطها في مبادرات الدفاع الأوروبية، التي توفر فرصة اقتصادية هائلة لصناعة السلاح البريطانية.
  • قد يواجه الاتفاق عقبات تتعلق بطبيعة البنود والامتيازات التي ينطوي عليها، وربطه بمسارات تفاوض في قضايا أخرى، كما سيرتبط مصيره بمدى استقرار حكومة حزب العمال، وحدود التأثيرات السلبية لمسارات التفاوض بين لندن وواشنطن بشأن مسائل التجارة والدفاع.

 

يتَّجه الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة نحو إبرام اتفاق دفاعي جديد، يحدد طبيعة العلاقات الأمنية والاستراتيجية بين الطرفين، لأول مرةٍ بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والذي قد يضع أرضية مشتركة حول مواضيع مثل الحرب في أوكرانيا، ومستقبل التصنيع الدفاعي الأوروبي، والاستقلال عن الولايات المتحدة. ويأتي ذلك في ظل توتر العلاقات عبر الأطلسية بسبب فرض إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قواعد جديدة تجارياً ودفاعياً تجاه حلفائها في الضفة الشرقية للأطلسي، وكذلك ضمن سياقٍ أوسعٍ من التقارب بين الاتحاد الأوروبي والحكومة العُمَّالية في لندن، بعد التوترات التي طبعت العلاقات بينهما بسبب خروج بريطانيا من الكتلة الأوروبية.

 

الشراكات الأمنية الأوروبية 

يندرج الاتفاق المرتقب مع بريطانيا ضمن استراتيجية الاتحاد الأوروبي لبناء شراكة أمنية ودفاعية مع جواره الأوروبي، وخاصة مع دول البلقان الغربية وشرق أوروبا، وكذلك مع شركاء رئيسين في المناطق البحرية الاستراتيجية مثل المحيطين الهندي والهادئ. وهذا الشراكة هي جزء من استراتيجية أكبر اعتمدها الاتحاد في عام 2022، بعد أسابيعٍ قليلةٍ من الغزو الروسي لأوكرانيا تحت اسم “البوصلة الاستراتيجية“، وهي خطة عمل لتعزيز سياسة الأمن والدفاع للاتحاد الأوروبي بحلول عام 2030، وتهدف إلى جعل الاتحاد مزوداً أمنياً أقوى وأكثر كفاءة. وتغطي البوصلة جميع جوانب سياسة الأمن والدفاع، وترتكز على أربعة ركائز أساسية: العمليات، والاستثمار، والشراكة، والتأمين.

 

ووقّع الاتحاد بين مايو وديسمبر 2024 ست شراكات أمنية ودفاعية أغلبها مع دول الجوار الأوروبي، مثل النرويج ومولدوفا وألبانيا ومقدونيا الشمالية، فضلاً عن كوريا الجنوبية واليابان. وتختلف هذه الشراكات في مضامينها حسب الاحتياجات المتبادلة، لكنها تشترك في حوالي عشرة مجالات للتعاون. تشمل المشاركة في بعثات وعمليات أمنية وعسكرية مشتركة، والتنسيق في مواجهة الحروب الهجينة، مثل التهديدات الإلكترونية والتلاعب بالمعلومات والأمن السيبراني، وكذلك نزع السلاح وعدم الانتشار، ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، والأمن البحري، والأمن الفضائي، وتعزيز القدرة على الصمود في البنية التحتية الحرجة، وإدارة الحدود المتكاملة.

 

ويندرج الاتفاق المرتقب أيضاً ضمن نهج الاتحاد الأوروبي لإعادة صياغة العلاقات مع المملكة المتحدة بعد خروجها من الكتلة الأوروبية على كل المستويات التجارية والحدودية والدفاعية، وهو نهج تعرَّض للكثير من العقبات في خلال سنوات حكم حزب المحافظين. لكن مع تشكيل حكومة كير ستارمر العُمَّالية، في يوليو الماضي، سعى الأوروبيون إلى إعادة صياغة هذه العلاقة، خاصة في ظل سعي ستارمر المماثل لإعادة ضبط العلاقات مع الاتحاد الأوروبي من طريق استراتيجية تركز على الدبلوماسية بشكل نشط إلى إعادة بناء الثقة مع الاتحاد. واستقبلت بريطانيا الاجتماع الرابع للجماعة السياسية الأوروبية في 18 يوليو 2024، وهي منصة تضم دول القارة الأوروبية، خارج الاتحاد وداخله. وفي 2 أكتوبر 2024 عقد الطرفان أول اجتماع قمة منذ خروج بريطانيا من الاتحاد، جمع في بروكسل كلاً من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس الوزراء ستارمر.

 

السياق الجيوسياسي العالمي المتوتر حفَّز الاتحاد الأوروبي للتوجه نحو تعزيز شراكته الأمنية والدفاعية والتجارية مع جيرانه، وعلى رأسهم المملكة المتحدة (فرانس برس)

 

ويفرض السياق المتوتر الذي صنعته سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة بشأن فرض الرسوم الجمركية على التجارة العالمية، والتوجه نحو انسحاب دفاعي أمريكي غير مسبوق من أوروبا، فضلاً عن غموض مشروع الرئيس ترمب للسلام في أوكرانيا؛ كل ذلك يفرض نفسه على توجه الاتحاد الأوروبي نحو تعزيز شراكته الأمنية والدفاعية والتجارية مع جيرانه، ومع قوى دولية يمكن أن تؤدي دوراً في موازنة الفراغ الذي يمكن أن يتركه فك الارتباط – خاصة الدفاعي – مع الولايات المتحدة الأمريكية على المديين المتوسط والبعيد. لذلك يمكن حصر دوافع الاتحاد الأوروبي في التوجه نحو إبرام اتفاق دفاعي مع المملكة المتحدة في ثلاثة أهداف رئيسة:

 

1. بناء نموذج للأمن الأوروبي يقوم على توسيع الحدود الدفاعية للكتلة الأوروبية نحو خارجها، لاسيما في الجوار، من طريق الشراكات الأمنية مع النرويج والبلقان وبريطانيا، وبالتالي تصبح هذه الدول المحيطة جزءاً من آليات الدفاع عن الاتحاد. وضمن هذه الشراكات يمكن لبريطانيا أداء دور أكبر من أي شريك آخر، بحكم امتلاكها وسائل الردع النووي وقاعدة صناعية دفاعية متطورة، وبفعل تقاسمها مع بروكسل توجهات استراتيجية واضحة ضد روسيا، التي أصبحت التهديد الأمني الأكبر بالنسبة للأوروبيين، داخل الاتحاد أو خارجه.

 

2. تدعم استراتيجية الدفاع الصناعية الأوروبية المشتركة، التي كُشف عنها عام 2023، التعاون مع شركاء الاتحاد الأوروبي الاستراتيجيين والدوليين ذوي التفكير المماثل، وعلى رأسهم بريطانيا. كما تدعم خطة “إعادة تسليح أوروبا 2030” التي أعلنت عنها المفوضية الأوروبية في مارس الماضي بقيمة 800 مليار يورو هذا التوجه، من طريق حشد أدوات مالية وتبادل الخبرات التقنية مع الشركاء، لبناء قاعدة صناعية دفاعية أكثر تطوراً واستقلالاً. لذلك، من مصلحة الاتحاد الأوروبي دمج بريطانيا ضمن هذه الخطط والاستراتيجيات لتعزيز رأس المال الصناعي الدفاعي الأوروبي.

 

3. سعى الاتحاد الأوروبي – حتى قبل التوتر الجاري مع إدارة ترمب – إلى تعزيز استقلاله الاستراتيجي عن الولايات المتحدة، وقد عمَّقت سياسات ترمب هذا النهج. لذلك فهو يحتاج إلى بناء تحالفات تجارية ودفاعية مع جيرانه، وفي مقدمتهم بريطانيا. وقد فرضت التحولات السريعة والجذرية التي قام بها ترمب على الأوروبيين توسيع دائرة التحالفات شرقاً وغرباً استعداداً لموازنة الخلل الحاصل في العلاقة مع الولايات المتحدة وإمكانية تدهورها أكثر.

 

سياسة ستارمر الدفاعية

من الجانب البريطاني، يندرج الاتفاق الدفاعي المرتقب مع الاتحاد الأوروبي ضمن السياسة العامة لرئيس الوزراء كير ستارمر لإعادة بناء العلاقات مع الاتحاد بعد انسحاب بلاده من الكتلة الموحدة. وشرعت الحكومة العمالية منذ الصيف الماضي في التقارب الأمني والدفاعي مع الاتحاد من طريق الحوار لإصدار إعلان مشترك شامل بين الطرفين، لبدء اتفاقية أمنية واسعة النطاق تغطي الدفاع والطاقة وأزمة المناخ والأوبئة وحتى الهجرة غير الشرعية، وكذلك العمل على تعزيز العلاقات مع الدول الأوروبية بشكل منفرد. ووقّع وزير الدفاع جون هيلي إعلاناً مشتركاً مع وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس في 24 يوليو الماضي، لتعزيز كُلٍّ من الصناعات الدفاعية والأمن الأورو-أطلسي والتشغيل البيني، ومعالجة التهديدات الناشئة (الحرب الهجينة، والتهديدات السيبرانية، وتغير المناخ..)، وتنسيق الدعم العسكري طويل الأمد لأوكرانيا. في الوقت نفسه بدأ رئيس الوزراء كير ستارمر محادثات مع نظيره البولندي دونالد توسك في 17 يناير، لإطلاق معاهدة دفاعية وأمنية جديدة بين المملكة المتحدة وبولندا. وفي فبراير الماضي أعلن كير ستارمر في خطاب بمقر خلف شمال الأطلسي، أنه يريد “شراكة أمنية طموحة” مع الاتحاد الأوروبي. كما شارك في اجتماع مع زعماء الاتحاد الأوروبي في بروكسل لمناقشة الأمن والدفاع، وهي المرة الأولى التي يحضر فيها زعيم بريطاني اجتماعاً للمجلس الأوروبي منذ خروج بريطانيا من الاتحاد قبل خمس سنوات، مُشيراً إلى أن بريطانيا تسعى إلى إبرام اتفاق شامل مع الاتحاد الأوروبي يشمل التكنولوجيا العسكرية، والبحث والتطوير، وتحسين تنقل القوات عبر أوروبا، وحماية البنية التحتية الحيوية، وتعميق التعاون الصناعي لتعزيز الإنتاج.

 

يندرج الاتفاق الدفاعي مع الاتحاد الأوروبي ضمن السياسة العامة لحكومة كير ستارمر لإعادة بناء العلاقات مع الاتحاد (شترستوك)

 

ويمكن حصر دوافع بريطانيا من هذا الاتفاق المرتقبّ في ثلاثة أهداف رئيسة:

 

1. ترميم العلاقات مع أوروبا: تاريخياً أدى التحالف الدفاعي دائماً الدور المركزي في طبيعة العلاقات بين أوروبا وبريطانيا، والعامل المُيسِّر للعلاقات السياسية والتجارية. لهذا، يسعى ستارمر إلى بناء تحالف أمني-دفاعي قوي مع الاتحاد الأوروبي من شأنه أن يَفتح ويُسهِّل النقاش حول بقية القضايا العالقة في التجارة وحرية التنقل ومشاكل المصائد البحرية. وعلى نطاق أوسع، من شأنه أن يعيد ترميم العلاقات بين لندن وبروكسل بعد سنوات من التوتر.

 

2. الأهداف الأمنية: يشكل التهديد الروسي المصلحة الدفاعية والأمنية المشتركة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي، لذلك يسعى ستارمر إلى توسيع التحالفات داخل أوروبا لمواجهة هذا التهديد، الذي لا يتعلق فقط بالتهديد العسكري التقليدي، ولكن أيضاً بالحرب الهجينة المتمثلة في الهجمات الإلكترونية والتلاعب بالمعلومات والتأثير على العمليات الانتخابية والهجمات الروسية لتخريب الكابلات البحرية الحيوية، والتي أشار إليها ستارمر بوضوح في كلمته أمام زعماء أوروبا في فبراير الماضي. ويُظهِر هذا التوافق بشكل أوضح في تقاسُم الأعباء لدعم أوكرانيا عسكرياً بعد تعليق الولايات المتحدة دعمها العسكري. وكانت دول القارة عقدت في مارس الماضي اجتماع قمة في لانكستر هاوس في لندن، دعت فيه إلى الوحدة القارية في مواجهة مشروع ترمب من طريق تشكيل “تحالف الراغبين” لتأمين اتفاق سلام بين أوكرانيا وروسيا، تكون فرنسا وبريطانيا في طليعته.

 

3. المصلحة الاقتصادية: تسعى حكومة ستارمر إلى الاستفادة من مبادرات الدفاع التابعة للاتحاد الأوروبي، مثل صندوق الدفاع الأوروبي، وقانون دعم إنتاج الذخيرة، وقانون تعزيز صناعة الدفاع الأوروبية من طريق المشتريات المشتركة، وذلك لتعزيز تنافسية شركات الدفاع البريطانية وسهولة ولوجها السوق الأوروبية. ذلك أن خطط إعادة التسلح الأوروبي التي تؤطرها هذه المبادرات تُقدَّر قيمتها بأكثر من 800 مليار يورو، وهي بذلك تمثل فرصة اقتصادية هائلة للشركات البريطانية في حال نجحت عبر هذا الاتفاق في الاستفادة من الامتيازات الممنوحة للشركات الأوروبية.

 

ملامح  الاتفاق الدفاعي 

من المتوقع أن يتم الكشف عن بنود الاتفاق الدفاعي بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي في خلال القمة الأوروبية البريطانية، التي ستُعقَد في 19 مايو الجاري في لندن. ومن المتوقع أن تكون الشراكة الأمنية والدفاعية أحد العناصر الثلاثة التي من المقرر أن تخرج من القمة. وتتضمن الوثيقتان الأخريان “ميثاق جيوسياسي” يحدد طبيعة الشراكة الاستراتيجية، من المقرر أن يتضمن إعلاناً رسمياً يلتزمان فيه بـ”التجارة الحرة والمفتوحة” في تحدٍّ لأجندة دونالد ترمب المتعلقة بالرسوم الجمركية؛ والأخرى “مذكرة تفاهم مشترك” تهدف إلى “تحديد معايير العلاقة المتطورة بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بشأن عدد من القضايا الثنائية، بما في ذلك حقوق الصيد وقواعد الصحة.

 

ومن المتوقع أن تكون الاتفاقية الدفاعية الجديدة مُصمَّمةً على غرار الشراكة الدفاعية التي وقَّعها الاتحاد الأوروبي مع حلفائه ودول الجوار، ولعل النموذج الأقرب لبريطانيا هي الاتفاقية الدفاعية مع النرويج، التي وُقِّعت في 28 مايو 2024، مع إجراء تعديلات تعكس مكانة بريطانيا الدفاعية. لذلك من المحتمل أن يغطي الاتفاق مجالات التعاون القائمة، مثل الدعم المشترك والمستمر لأوكرانيا، ويضيف إليها مشاركة بريطانيا في مهام وعمليات السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة للاتحاد الأوروبي، وانخراطها في مبادرات الدفاع الأوروبية. وكذلك رفع مستويات التنسيق في سياسات الأمن البحري، والأمن السيبراني، ومكافحة التلاعب والتدخل الأجنبي في المعلومات. وأيضاً، سيوفر الاتفاق المرتقب إمكانية مشاركة مسؤولين بريطانيين في اجتماعات الاتحاد الأوروبي رفيعة المستوى، بما في ذلك اجتماعات المجلس ومنتدى شومان للأمن والدفاع الذي يُعقَد كل عامين. وربما يؤسس إطاراً رسمياً لقمة حول الأمن والدفاع تُعقَد سنوياً بين الطرفين.

 

لكن المسألة الأكثر محوريةً في هذا الاتفاق هي ما سيوفره من امتياز سيُتيح لبريطانيا الوصول إلى أدوات الدفاع الرئيسة في الاتحاد الأوروبي، مثل التعاون الهيكلي الدائم (PESCO)، وهو أداة تتيح مشاركة دول من خارج الاتحاد في مجال القدرات العسكرية الأوروبية، ويمكن لهذا الاتفاق أن يوفر الشروط القانونية لاتفاق بين وزارة الدفاع البريطانية ووكالة الدفاع الأوروبية. وكذلك صندوق الدفاع الأوروبي (EDF)، وهو أداة المفوضية لدعم البحث والتطوير في مجال الدفاع. فضلاً عن قانون تعزيز صناعة الدفاع الأوروبية من طريق المشتريات المشتركة (EDIRPA). وأعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في 25 أبريل، أن المملكة المتحدة قد تتوصل قريباً إلى اتفاق للانضمام إلى خطة المشتريات الدفاعية المشتركة للاتحاد الأوروبي بقيمة 150 مليار يورو، والذي يشمل الدفاع الجوي والصاروخي، وأنظمة المدفعية، والصواريخ والذخيرة، والدرونز، وأنظمة مكافحة الدرونز. وهو ما يعني نظرياً حق ولوج الشركات الدفاعية البريطانية للسوق الأوروبية الدفاعية الموحدة والاستفادة من هذه الأدوات التشريعية والمالية، على قدم المساواة مع شركات الاتحاد الأوروبي، ويستلزم ذلك في المقابل مساهمة مالية من المملكة المتحدة في تمويل هذه الأدوات.

 

تُمثِّل خطط إعادة التسلح الأوروبي، التي تُقدَّر قيمتها بأكثر من 800 مليار يورو، فرصة اقتصادية هائلة للشركات البريطانية (يورونيوز)

 

عقبات أمام الاتفاق 

على رغم السياق الضاغط وطموحات الطرفين، فإن هذا الاتفاق الدفاعي الجديد بين لندن وبروكسل، يواجه عقبات أساسية من شأنها أن تحد من فاعليته، تتعلق بالأوضاع الداخلية لكلا الطرفين، لاسيما وضع الحكومة العمالية في بريطانيا، وكذلك بالسياقات الدولية التي تتسم باللايقين في ظل إدارة الرئيس ترمب. ويمكن تقسيم هذه العقبات إلى ثلاثة أنواع:

 

1. عوائق الصياغة والتنفيذ: إن عملية صياغة بنود الاتفاق قد تحد من فاعليته مستقبلاً، لاسيما إذا ما أصرت بعض الدول الأوروبية على التنصيص على مسألة “التفضيل الأوروبي” والذي بموجبه تُمنَح امتيازات تفضيلية لشركات الاتحاد الأوروبي، وبالتالي لا تتمتع الشركات البريطانية بنفس المزايا مما سيؤثر في تنافسيتها في مجالات المشاركة في الصناعات الدفاعية. وتَحُثُّ شركات تصنيع الدفاع الأوروبية الاتحاد على تنفيذ تفضيل أوروبي للإنفاق الدفاعي المشترك للاتحاد باعتباره “ضرورة استراتيجية”.  ومن المتوقع ألا تمنح الشركات البريطانية حق المشاركة في صندوق الدفاع الأوروبي تلقائياً. وسيخضع الوصول إلى الصندوق لمفاوضات وشروط منفصلة، بما في ذلك مساهمة مالية من المملكة المتحدة. أما فيما يتعلق بمسار تنفيذ الاتفاق، فمن الممكن أن تؤثر ملفات أخرى خلافية في تنفيذ أي اتفاق دفاعي، لاسيما الخلاف بين الطرفين حول مصائد الأسماك. وتريد فرنسا والدنمارك والسويد ربط مسار الاتفاق الدفاعي بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بضمانات واضحة بشأن حقوق الصيد في المياه البريطانية قبل نهاية صلاحية الاتفاقية البحرية بين الطرفين في يونيو 2026. وفي مارس الماضي أشارت جيسيكا روزنكرانتس، وزيرة شؤون الاتحاد الأوروبي السويدية، بوضوح إلى أنَّه من غير المرجح أن تُوقِّع حكومات الدول الأعضاء في الاتحاد على اتفاقية أمنية مع المملكة المتحدة ما لم تُحلّ المفاوضات بشأن “قضايا حساسة” أخرى، بما في ذلك وصول أساطيل الصيد الأوروبية إلى المياه البريطانية.

 

2. الاستقرار السياسي: تتمثَّل العقبة الثانية والرئيسة في الاستقرار الحكومي في بريطانيا. ففضلاً عن الانقسام الأوروبي بشأن مسألة مصائد الأسماك، تُجابِه حكومة حزب العمال تراجُعاً في شعبيتها. ومع أن الانتخابات العامة غير مُرجّحة حتى عام 2029، إلا أن أحدث استطلاعات الرأي تُظهِر أن الساحة السياسية البريطانية تزداد تشتتاً. وظهر ذلك بوضوح في الاختراق الذي حققه حزب الإصلاح – اليميني الشعبوي – بزعامة نايجل فاراج في الانتخابات المحلية بعد فوزه بأكثر من 600 مقعد في المجالس المحلية. ويُعارِض الحزب، ومن ورائه قاعدة شعبية كبيرة، أيَّ تقارب مع الاتحاد الأوروبي، وتتهم الصحافة القريبة من هذا التيار ستارمر بأنه “يستعد لتسليم صلاحيات الدفاع للاتحاد الأوروبي”.

 

3. تأثير ترمب: تُمثِّل سياسات الرئيس ترمب عقبة أساسية، من حيث أنَّها قد تؤدي دوراً في تقليص الانخراط البريطاني، خاصة بعد أن نجحت حكومة كير ستارمر في توقيع صفقة تجارية مع ترمب قبل أيام، تشمل قطاعات أساسية مثل التعدين وصناعة السيارات والزراعة، ومن شأن ذلك أن يدفع ترمب إلى مقايضة تعزيز العلاقات مع بريطانيا مقابل خفض التنسيق الدفاعي والتجاري مع أوروبا، إذ تستهدف إدارة ترمب بشكل أكبر الصادرات الأوروبية مقابل سياسة تفاضلية مع بريطانيا. وعلى الرغم من إصرار رئيس الوزراء البريطاني على أن المملكة المتحدة ليست مضطرة للاختيار بين أمريكا بقيادة ترمب وإقامة علاقات أوثق مع أوروبا، فإنَّ طبيعة ترمب السياسية، التي تقوم على المقايضة، تجعل من خيارات ستارمر في الموازنة بين أوروبا وأمريكا تحدياً صعباً.

 

الخلاصة 

بدفعٍ من مصالح أمنية واقتصادية وجيوسياسية مشتركة وحيوية في سياق عالمي متوتر، يتجه الاتحاد الأوروبي وبريطانيا نحو إبرام اتفاق دفاعي جديد، يُحدد طبيعة العلاقات الأمنية والاستراتيجية بين الطرفين، لأول مرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن تكون الاتفاقية الدفاعية الجديدة مصمَّمة على غرار الشراكة الدفاعية التي وقَّعها الاتحاد الأوروبي مع النرويج العام الماضي. ومن المحتملّ أن تُغطي مجالات التعاون القائمة، مثل الدعم المشترك والمستمر لأوكرانيا، ويضاف إليها مشاركة بريطانيا في مهام وعمليات السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة للاتحاد، وانخراطها في مبادرات الدفاع الأوروبية، التي توفر فرصة اقتصادية هائلة لصناعة السلاح البريطانية.

 

لكن هذا الاتفاق من المتوقع أن يواجه عقبات تتعلق بطبيعة البنود والامتيازات التي ينطوي عليها، وربطه بمسارات تفاوض في قضايا أخرى، وكذلك سيرتبط مصيره بمدى استقرار حكومة حزب العمال وسط صعودٍ لليمين الشعبوي، فضلاً عن التأثيرات السلبية التي يمكن أن تتركُها مسارات التفاوض بين لندن وواشنطن بشأن مسائل التجارة والدفاع.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M