- مع أن الاتحاد الأوروبي يتمتع بمؤسسات بحثية عالية المستوى وقاعدة صناعية متينة، ويملك تشريعات رائدة في تنظيم قطاع التكنولوجيا الرقمية، مثل قانون الذكاء الاصطناعي، إلا أنه في الجانب العملي لا يزال متخلفاً عن الولايات المتحدة والصين، وهو ما يمثل فجوة حساسة بالنسبة لاستقلاله الاستراتيجي.
- طرحت المفوضية الأوروبية استراتيجية جديدة للذكاء الاصطناعي في العلوم، هدفها تعزيز مكانة أوروبا الاقتصادية وقدرتها التنافسية في سياق يُغيِّر فيه الذكاء الاصطناعي بعمق طريقة إجراء البحوث العلمية، بدءاً من المساعدة في مراجعات الأدبيات وصولاً إلى أتمتة التجارب المختبرية.
- تقوم الاستراتيجية الأوروبية على إنشاء “المورد الأوروبي لعلوم الذكاء الاصطناعي”، وهو مساحة افتراضية تهدف إلى تجميع ومواءمة وتنسيق الموارد الأساسية، بما في ذلك التميز والمواهب والقوة الحاسوبية والبيانات والتمويل البحثي، عبر الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء والقطاع الخاص، وذلك لتعزيز الأبحاث المبتكرة في الذكاء الاصطناعي واستيعاب الذكاء الاصطناعي للتقدم العلمي في جميع التخصصات.
- رغم ذلك، تُواجِه هذه الاستراتيجية العديد من التحديات، وأساسها تحديات نظام البحث والابتكار الأوروبي، وهي تجزئة الموارد والجهود البحثية، والصعوبات في الوصول إلى الموارد الحاسوبية ومجموعات البيانات، والمنافسة العالمية على المواهب. فضلاً عن التحديات الخارجية المتعلقة بحدة التنافس العالمي، وعمق الفجوة بين أوروبا والصين والولايات المتحدة على المستوى القدرة الحاسوبية، التي تعد الركيزة الرئيسة لتطوير الذكاء الاصطناعي.
في 3 نوفمبر الماضي، أطلقت المفوضية الأوروبية، في خلال القمة الأوروبية للذكاء الاصطناعي التي عقدت بالعاصمة الدنماركية كوبنهاغن، استراتيجية للذكاء الاصطناعي في العلوم. وهي جزء أساسي من الاستراتيجية الأوروبية للذكاء الاصطناعي، وأول بنود مشروع تطبيق استراتيجية الذكاء الاصطناعي، الذي أُطلق في أكتوبر الماضي. وتهدف إلى جمع الموارد الأساسية لتطوير الذكاء الاصطناعي وتطبيقه لتحقيق إنجازات علمية نوعية تتعلق بتحسين علاجات الأمراض وحل المشكلات البيئية، وتحسين التنبؤات بتأثير الكوارث. وتأتي هذه الاستراتيجية في سياق عالمي شديد التنافس حول قطاع الذكاء الاصطناعي، وسياق أوروبي مدفوعٍ بالبحث عن الاستقلال الاستراتيجي، ولاسيما التكنولوجي، عن الولايات المتحدة والصين.
تُحلل هذه الورقة مضامين هذه الاستراتيجية الأوروبية الجديدة، من طريق وضعها في سياق التنافس الدولي حول الذكاء الاصطناعي، واستكشاف أهدافها، والتحديات التي يمكن أن تواجه تنفيذها.
المعضلة التكنولوجية الأوروبية
مع أن الاتحاد الأوروبي يتمتع بمؤسسات بحثية عالية المستوى وقاعدة صناعية متينة، ويملك تشريعات رائدة في تنظيم قطاع التكنولوجيا الرقمية، مثل قانون الذكاء الاصطناعي، الذي يُعد أول قانون شامل للذكاء الاصطناعي في العالم، إلا أنه في الجانب العملي لا يزال متخلفاً عن الولايات المتحدة والصين، وهو ما يمثل فجوة حساسة بالنسبة لاستقلاله الاستراتيجي. فعلى مستوى الاستخدام، فإن 13.5% فقط من الشركات في الاتحاد الأوروبي توظف تقنيات الذكاء الاصطناعي في عملياتها الإنتاجية والإدارية. وفي بعض الدول لا تتجاوز النسبة 3% مثل ما هو الحال بالنسبة للشركات الرومانية. وحتى في فرنسا، الرائدة أوروبياً في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي، لم تستخدم سوى أقل من 10% من الشركات الذكاء الاصطناعي العام الماضي.
أما على مستوى تطوير النماذج، يُظهر مؤشر ستانفورد للذكاء الاصطناعي، أن الولايات المتحدة تُنتج نماذج ذكاء اصطناعي كبيرة أكبر بكثير مما ينتجه الاتحاد الأوروبي. ففي عام 2023 أحصى المؤشر 61 نموذجاً كبيراً من الولايات المتحدة، مقابل 21 نموذجاً من الاتحاد الأوروبي. وعلى مستوى الاستثمار الخاص في القطاع، فقد جمعت شركات الاتحاد الأوروبي بين 2013-2023، وفقاً لأرقام وزارة الخزانة الفرنسية، حوالي 29.5 مليار يورو من الاستثمارات الخاصة للشركات الناشئة. في المقابل جمعت الشركات الأمريكية في خلال الفترة نفسها نحو 289 مليار يورو، أما الشركات الصينية، فقد جمعت نحو 89.3 مليار يورو. وفي عام 2024 بلغ الاستثمار الخاص في الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة حوالي 109 مليار دولار، مقابل 9.3 مليار دولار في الصين، في حين لم يتجاوز الاستثمار في أكبر ثلاث دول أوروبية مجتمعةً في هذا المجال وهي السويد وفرنسا وألمانيا سوى 8.93 مليار دولار.
أما على مستوى براءات الاختراع والابتكار، فقد شهدت براءات الاختراع الصينية في مجال الذكاء الاصطناعي نمواً قوياً، حيث ارتفعت من حوالي 29 ألف براءة اختراع منشورة في عام 2019 إلى ما يقرب من 63 ألف براءة في عام 2023، متجاوزة أرقام الولايات المتحدة في إجمالي البراءات. فيما سجلت الولايات المتحدة تسارعاً في تسجيل الابتكارات الجديدة جذرياً، حيث تضاعف تقريباً من 298 ابتكاراً جذرياً في عام 2019 إلى 571 في عام 2023. في المقابل يظل العدد المطلق للابتكارات الجذرية للمخترعين الأوروبيين متواضعاً مقارنة بالولايات المتحدة والصين، على الرغم من نموه من 70 في عام 2019 إلى 90 في عام 2023. ويشير تقرير نشرته المفوضية الأوروبية في عام 2025 عن “الذكاء الاصطناعي في العلوم”، إلى أن العلماء الصينيين دمجوا الذكاء الاصطناعي في عملهم بسرعة أكبر من نظرائهم في الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة. ويظهر التقرير أن الصين شهدت أداءً ملحوظاً للغاية منذ عام 2016، حيث ارتفع عدد الأوراق العلمية الصينية التي تستخدم مساعدات الذكاء الاصطناعي ارتفاعاً حاداً، متجاوزاً كلاً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ليصل إلى أكثر من 25 ألف ورقة بحلول عام 2022 في قواعد البيانات العامة. في المقابل، نشر الاتحاد الأوروبي حوالي 15 ألف ورقة بحثية فقط باستخدام الذكاء الاصطناعي في عام 2022. وتتصدر الصين أيضاً قائمة أكثر الأوراق البحثية استشهاداً. كما تمتلك أوروبا حصة عالمية منخفضة في القدرة الحاسوبية للذكاء الاصطناعي، تبلغ أقل من 5%، مقارنة بـ 75% للولايات المتحدة و15% للصين.
وكان رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق، ماريو دراجي، قد أشار في تقريره عن “مستقبل التنافسية الأوروبية”، الذي نشر العام الماضي، إلى أسباب هذه الفجوة التكنولوجية، وهي أساساً تراجع القدرة الإنتاجية الأوروبية بشكل عامٍ مقارنة بالصين والولايات المتحدة، وضعف الابتكار، والمستوى التنظيمي العالي، المتمثل في كثرة القوانين والتشريعات وتعقيدها وصرامتها أحياناً، مما يجعل مناخ الاستثمار في أوروبا أكثر تعقيداً وأقل ربحية من الصين والولايات المتحدة، فضلاً عن التجزئة التي يعاني منها الاتحاد بوصفه كياناً كونفدرالياً.
مضامين الاستراتيجية الأوروبية وأهدافها
تدفع الفجوة التكنولوجية أوروبا إلى تسريع صياغة وتطبيق استراتيجيات تطوير الذكاء الاصطناعي، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي في مجال العلوم، الذي لا يزال يحتفظ بإمكانيات كبيرة في قطاعات الصحة والبيئة والطاقة والزراعة والدفاع والفضاء، لاسيما أن لدى أوروبا رأسمال بشري علمي قوي وقدرات بحثية في حال دُمجت بالذكاء الاصطناعي يمكن أن تعطي نتائج نوعية. ومن الأمثلة على ذلك أداة الذكاء الاصطناعي “ألفا فود” التي فاز مبتكروها بجائزة نوبل في الكيمياء لعام 2024، وكانت حصيلة تعاون بين غوغل والمختبر الأوروبي للبيولوجيا. لذلك يريد الأوروبيون البناء على هذه التقاليد العلمية لتطوير استراتيجية أوروبية للذكاء الاصطناعي تقوم على إنشاء “المورد الأوروبي للذكاء الاصطناعي في العلوم (RAISE)”، وهي مساحة افتراضية تهدف إلى تجميع ومواءمة وتنسيق الموارد الأساسية للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك القدرة الحاسوبية، والبيانات، والمواهب، وتمويل البحوث، على مستوى الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء والقطاع الخاص.
وتعمل الاستراتيجية على تحقيق هدفين متكاملين: الأول، تعزيز الأبحاث الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي؛ والثاني، تعزيز تبني الذكاء الاصطناعي من أجل التقدم العلمي في جميع التخصصات. ويعتمد هذا النهج على تحفيز التعاون متعدد التخصصات بين العلماء في أوروبا، للحد من تجزئة جهود البحث، وذلك من طريق بناء شبكات التميز المواضيعية في الذكاء الاصطناعي في العلوم و”الشبكة الأوروبية لمختبرات الذكاء الاصطناعي”. وستجمع هذه الشبكات الباحثين، وتوفر لهم التمويل طويل الأجل، والوصول إلى القدرة الحاسوبية، ومجموعات البيانات على نطاق لا يمكن تنسيقه إلا على المستوى الاتحادي. كما ستدعم أنشطة التدريب للعلماء والموظفين الأكاديميين، بالإضافة إلى الزمالات وشبكات الدكتوراه وبرامج التنقل في جميع أنحاء أوروبا. وستوفر الشبكة مجموعات بيانات جاهزة للذكاء الاصطناعي ونماذج تأسيسية في علوم المواد ومختبرات آلية، مما يُمهِّد الطريق لابتكارات في مجالات مثل الطاقة والدفاع. أما على مستوى البناء والحوكمة، فستُبنَى الاستراتيجية على مراحل، بدءاً بمرحلة تجريبية تُموَّل عناصرها الأولية بموجب برنامجي ”أوريزون أوروبا”، و”ديجيتال أوروبا”. وقد أُطلِقَ البرنامج التجريبي بتمويل قدره 108 ملايين يورو، في خلال القمة الأولى للذكاء الاصطناعي في العلوم، في كوبنهاغن التي جرت في بداية نوفمبر المنصرم.
وتركز الاستراتيجية على قطاعات رئيسة ذات إمكانات عالية لتطبيق الذكاء الاصطناعي، مثل المواد المتقدمة، فمن طريق الذكاء الاصطناعي يمكن تسريع اكتشاف المواد المتقدمة وتصنيعها، حيث يتسارع تبني الذكاء الاصطناعي في علوم المواد بنسبة 50% سنوياً. ويمكن أن يؤدي الجمع بين الذكاء الاصطناعي والروبوتات في أنظمة التوليف ذات الحلقة المغلقة إلى تسريع تحديد المواد الجديدة والتحقق منها بأكثر من ألف مرة مقارنة بالتقنيات التقليدية، وفقاً للاستراتيجية. ومن المتوقع أن تقدم المفوضية الأوروبية “قانون المواد المتقدمة” في عام 2026، كما ستُنشئ “المنصة الأوروبية الموحدة للمواد المتقدمة”. أما القطاع الرئيس الثاني فهو التكنولوجيا الحيوية، ويُعد حاسماً للأمن الاقتصادي للاتحاد الأوروبي. فالذكاء الاصطناعي يحوِّل التكنولوجيا الحيوية بسرعة، مما يعزز جميع المجالات من اكتشاف الأدوية إلى التخمير الدقيق. وتُستخدم نماذج الذكاء الاصطناعي البيولوجية لتحليل الأنظمة البيولوجية المعقدة والتنبؤ بالبنية ثلاثية الأبعاد للجزيئات البيولوجية.
على المستوى العملي، تقوم الاستراتيجية على أربعة أضلاع أساسية، هي:
1. القدرة الحاسوبية: تُعد القدرة الحاسوبية الركيزة الرئيسة لتطوير الذكاء الاصطناعي، حيث تعاني الأوساط الأكاديمية الأوروبية من نقص في البنية التحتية مقارنة بالوضع في الصين والولايات المتحدة. ومند عام 2018 يستثمر الاتحاد الأوروبي في قدرات الحوسبة الفائقة من طريق المشروع المشترك الأوروبي للحوسبة الفائقة الأداء (EuroHPC JU). وتشمل مسألة تطويرالقدرات الحاسوبية تطوير بنية مصانع الذكاء الاصطناعي (AI Factories) لزيادة القدرة الحاسوبية الحالية ثلاث مرات تقريباً، وكذلك مصانع الذكاء الاصطناعي العملاقة (AI Gigafactories) التي تقترح المفوضية دعم إنشائها عبر تجميع موارد الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء والقطاع الخاص، وكذلك من طريق مساهمة مالية بـ 600 مليون يورو من برنامج “أوريزون”، والتي ستمثل مرافق واسعة النطاق مصممة لتطوير وتدريب ونشر نماذج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
2. المواهب: تشكل عملية إدارة المواهب أحد أهم أسس الاستراتيجية الأوروبية الجديدة. ولجذب المواهب، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى توسيع مجموعة المواهب العلمية ذات المعرفة والمهارات القوية في الذكاء الاصطناعي، ويشمل ذلك تدريب الجيل القادم من الباحثين، وتزويد العلماء الحاليين بالمهارات اللازمة، وتطوير القدرات البشرية الهجينة – مثل مهندسي البحث ومشرفي البيانات – وسيتم تحديث “إطار الكفاءة الأوروبي للباحثين” (ResearchComp) ليشمل كفاءة الذكاء الاصطناعي. وكذلك فتح الفرص لجذب المواهب من خارج أوروبا ضمن سياسات جذب تتعلق بقوانين الهجرة والتبادل العلمي. وتجد أوروبا نفسها أمام فرصة غير مسبوقة لجذب المواهب في ظل السياسات التقييدية التي تتبعها الإدارة الأمريكية الجديدة في مسألة الهجرة والضغط على الجامعات والمجتمع الأكاديمي.
3. البيانات: تُعد البيانات عالية الجودة عاملاً أساسياً لتطبيقات الذكاء الاصطناعي العلمية. وحالياً يقود الاتحاد الأوروبي مبادرات كبرى في البنية التحتية التشريعية للبيانات، مثل السحابة الأوروبية المفتوحة للعلوم (EOSC) باعتبارها فضاء البيانات الأوروبي المشترك للبحث والابتكار، وفضاءات البيانات الأوروبية المشتركة الأخرى، مثل منصة البيانات الصحية الأوروبية. وعلى الرغم من ريادة أوروبا في البيانات العلمية المنسقة وعالية الجودة، فإن تجزئة البنى التحتية البحثية، والحواجز التي تعترض تبادل البيانات، ونقص التشغيل البيني، ومخاوف الخصوصية تعيق الاستخدام الكامل لإمكاناتها. ووفقاً للاستراتيجية، ستُنشئ المفوضية مختبرات للبيانات داخل مصانع الذكاء الاصطناعي لدمج البيانات من مصادر مختلفة، بما في ذلك فضاءات البيانات الأوروبية المشتركة. وستقدم هذه المختبرات خدمات تنقية وإثراء البيانات، وتوفير الأدوات التقنية، ودعم الامتثال التنظيمي والقانوني.
4. تمويل البحوث: حالياً يدعم التمويل الأوروبي للبحوث مشاريع الذكاء الاصطناعي في العلوم عبر مجموعة واسعة من التخصصات، وقد زاد تمويل البحوث مع تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعي. حيث استثمر برنامج “أوريزون” حوالي 6.4 مليار يورو في الذكاء الاصطناعي في خلال الفترة 2021-2024، ويُخطط لاستثمار حوالي 700 مليون يورو مخصصة للذكاء الاصطناعي في العلوم ضمن برنامج عمل 2025. كما مول برنامج “ماري سكلودوفسكا كوري (MSCA)” أكثر من ألف مشروع ذكاء اصطناعي، فضلاً عن الدور الذي يؤديه المجلس الأوروبي للابتكار في دعم الشركات الناشئة والمتوسطة في الذكاء الاصطناعي في العلوم. فقد استثمر المجلس أكثر من 150 مليون يورو في مشاريع الذكاء الاصطناعي في عام 2024، وأكثر من 400 مليون يورو في الفترة 2021-2024. ولتحقيق أقصى قيمة من التمويل، تسعى الاستراتيجية إلى تعزيز التنسيق والمواءمة للاستثمارات في الذكاء الاصطناعي في العلوم، وذلك من طريق أدوات التمويل المرنة وسريعة الاستجابة والقادرة على الاستجابة السريعة للاتجاهات الجديدة. وأيضاً خفض التجزئة، ومواءمة الأجندات الوطنية، عبر العمل مع الدول الأعضاء لتطوير ومواءمة الأجندات.
التحديات
على رغم طموحاتها العالية، تواجه الاستراتيجية الأوروبية للذكاء الاصطناعي في العلوم العديد من التحديات، سواءً على مستوى التنفيذ، أو على مستوى تحقيق أهدافها الاستراتيجية في الاستقلال الاستراتيجي التكنولوجي عالمياً. ويمكن توزيع هذه العقبات على نوعين:
1. التحديات الخارجية، وهي ما يتعلق بالمنافسة العالمية، حيث يعاني الاتحاد الأوروبي من فجوة كبيرة بينه وبين الصين والولايات المتحدة، لاسيما في القدرة الحاسوبية، التي تبلغ أقل من 5%، مقارنة بـ 75% للولايات المتحدة و15% للصين، وهو ما يؤثر على قدرة أوروبا على تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي العلمية واسعة النطاق. كما يمتلك الاتحاد الأوروبي حصة صغيرة في السوق العالمية للاعبين في مجال الذكاء الاصطناعي، وحصةً أصغر في براءات اختراع الذكاء الاصطناعي. فضلاً عن الاستثمارات الضخمة للمنافسين، حيث تستثمر دول مثل الولايات المتحدة والصين واليابان والمملكة المتحدة بكثافة في الذكاء الاصطناعي في العلوم والموارد اللازمة له، مثل القوة الحاسوبية ومجموعات البيانات.
2. التحديات الداخلية، وهي تلك المتعلقة بالتحديات الداخلية للنظام الأوروبي للبحث والابتكار، حيث يواجه هذا النظام تجزئة في الموارد والجهود البحثية. ويواجه الباحثون صعوبات في الوصول إلى الموارد الحاسوبية الكافية أو استخدامها بفعالية. كما أن قواعد البيانات العلمية المفتوحة لا تُستخدم بكامل إمكاناتها بسبب تجزئة البنى التحتية البحثية، وحواجز مشاركة البيانات، ونقص قابلية التشغيل البيني، والمخاوف المتعلقة بالخصوصية. فضلاً عن وجود منافسة عالمية قوية على أفضل المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي والعلوم؛ فأوروبا تواجه فجوةً في مواهب الذكاء الاصطناعي، حيث ينتقل العديد من الخريجين المتفوقين إلى الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة نظراً لارتفاع الرواتب، وبيئات البحث الأكثر ديناميكية، وسهولة الوصول إلى مختبرات الذكاء الاصطناعي الرائدة، وهو ما يحتاج إصلاحاً هيكلياً لسياسات العمل. فضلاً عن تحديات الطاقة والاستدامة والبنية التحتية المادية، حيث ستتطلب مصانع الذكاء الاصطناعي العملاقة توسعات كبيرة في القدرة الكهربائية وأنظمة التبريد وإعادة استخدام الحرارة واتصالات الألياف ذات النطاق الترددي العالي ومرافق آمنة لنماذج الذكاء الاصطناعي ذات الاستخدام المزدوج، وقد تفتقر بعض الدول الأعضاء إلى البنية الأساسية اللازمة أو قد تواجه مقاومة عامة لتطوير مراكز بيانات جديدة بسبب المخاوف البيئية.