عبد الامير رويح
الانتخابات الإسرائيلية بنسختها الثالثة والتي انتهت مؤخراً واسفرت عن فوز طفيف لحزب الليكود بفارق ثلاثة مقاعد عن غريمه حزب أبيض أزرق، ماتزال محط اهتمام واسع داخل اسرائيل خصوصاً وان المشهد السياسي الإسرائيلي وكما نقلت بعض المصادر اصبح أكثر تعقيدا وضبابية، حيث شهدت الانتخابات البرلمانية وما أفرزته من نتائج غير متوقعة، وصولاً إلى مرحلة التكليف بتشكيل حكومة جديدة تطورات دراماتيكية مهمة. وفور إغلاق صناديق الاقتراع في “إسرائيل”، قالت استطلاعات الرأي إن معسكر اليمين الذي يقوده رئيس الوزراء المنتهية ولايته وزعيم حزب “الليكود”، بنيامين نتنياهو، حقق انتصاراً كبيراً بنيله 60 مقعداً، لكن النتائج النهائية أظهرت أقل من ذلك بمقعدين.
وتحظى الحكومة الإسرائيلية المقبلة باهتمام كبير لدى الإدارة الأمريكية؛ لكونها ستكون “رأس حربة” لتنفيذ “صفقة القرن” التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لتسوية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وسط مباركة من دول خليجية نافذة. وخلطت التطورات الأخيرة المشهد الإسرائيلي برمته، مع حدوث تغيرات لم تكن واردة في الحسابات حتى وقت قريب؛ إلا أنه يُمكن القول إن جميع الفرقاء في الدولة العبرية اتفقوا على تنحية نتنياهو ووضع حد لإمساكه بصنع القرار في “تل أبيب”.
مع الإعلان الرسمي عن نتائج انتخابات الكنيست -الثالثة خلال أقل من عام- بتوقف قوة كتلة حزب الليكود وحلفائه بزعامة رئيس الوزراء المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو عند حاجز 58 مقعدا، ورفض الحزب التوقيع على نتائج الانتخابات، في إشارة للتشكيك فيها. وكلف الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، الاثنين (16 مارس)، بيني غانتس رسمياً بتشكيل الحكومة الجديدة، رغم حلول حزبه ثانياً في الانتخابات الأخيرة (33 مقعداً).
ولم يكن غانتس يحلم بتكليفه لتأليف الوزارة الجديدة من دون توصية رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” اليميني بزعامة أفيغدور ليبرمان، الذي زاد الطين بلة وضاعف من سوء أوضاع نتنياهو، ليحصل رئيس الأركان الإسرائيلي السابق على تأييد 61 نائباً من أصل 120. وإلى جانب “أزرق – أبيض” و”إسرائيل بيتنا” حظي غانتس بتوصية القائمة العربية المشتركة (15 مقعداً) وتحالف “غيشر – العمل -ميرتس” باستثناء نائبة (6 مقاعد)، ليصبح أمامه 28 يوماً لتشكيل الحكومة الجديدة، يمكن تمديدها، بموافقة ريفلين، 14 يوماً إضافية، وذلك قبل تكليف نائب آخر بتشكيل الحكومة، في حال فشله. وعقب تسلمه كتاب التكليف قال غانتس إنه سيسعى لتشكيل الحكومة في غضون أيام قليلة، متعهداً بـ “بذل جهده من أجل تشكيلة حكومة وطنية واسعة”.
وتمر “إسرائيل” بأزمة سياسية غير مسبوقة؛ إذ شهدت البلاد 3 انتخابات في أقل من عام، ولم ينجح نتنياهو وغانتس في تأليف الحكومة عقب الانتخابات البرلمانية، التي جرت في أبريل وسبتمبر 2019 توالياً، وسط شكوك هذه المرة في نجاحهما بالمهمة، ومخاوف من الذهاب لانتخابات رابعة. ووسط حالة التشكيك من كتلة اليمين، يراهن تحالف أزرق أبيض الوسطي برئاسة بيني غانتس على سيناريو تشكيل حكومة أقلية بدعم من القائمة العربية المشتركة، “كخطوة أولى تمهد لإقامة حكومة وحدة وطنية، وذلك لتجنب جر إسرائيل لانتخابات رابعة”، بحسب غانتس. لكن سيناريو غانتس تشكيل حكومة بدعم من النواب العرب وبحسب بعض المراقبين يواجه بمعارضة النائبين بالكنيست من تحالف أزرق أبيض تسفي هاوزر ويوعاز هندل، وهي المعارضة التي يعول عليها نتنياهو لإحداث انشقاق بالتحالف يمكنه من تشكيل حكومة يمين ضيقة.
تكليف وتحديات
وفي هذا الشأن ورغم تصدر حزبه الانتخابات الأخيرة، فشل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وكما نقلت بعض المصادر في الحصول على الرقم السحري، أي 61 نائبا كي يُكلف بتشكيل الحكومة. في المقابل تمكن منافسه غانتس في الحصول على ذلك وتم تكليفه بتشكيل الحكومة، حيث كلف الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين اليوم رئيس هيئة الأركان السابق وزعيم تحالف “أزرق أبيض” بيني غانتس بتشكيل الحكومة المقبلة بعد عام من الجمود السياسي وفي ظل أزمة انتشار وباء كوفيد-19.
وعلى الفور دعا غانتس خصمه رئيس الوزراء المنتهية ولايته بنيامين نتانياهو إلى الانضمام إليه قائلا “سأفعل كل ما في وسعي لتشكيل حكومة وطنية واسعة في غضون أيام قليلة (…) أردت دائما الوحدة”. وشدد على أن “إسرائيل يجب ألا تذهب إلى انتخابات رابعة”.
من جهته، قال الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين “من المحتمل أن يتطلب تشكيل الحكومة بسرعة ترتيبات مؤقتة للأشهر المقبلة. وخاطب ريفلين الكنيست الجديد، الذي قيست درجات حرارة أعضائه قبل دخولهم إلى القاعة التزاما بإجراءات الحد من انتشار فيروس كورونا، قائلا: “إن مواطني إسرائيل مرهقون (…) طلبي الوحيد منكم أن تشكلوا حكومة”. وعلى الرغم من التوصية بغانتس، تبقى إمكانية تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة صعبة في ظل الانقسامات العميقة داخل الأحزاب التي دعمته، وخاصة تلك التي بين القائمة العربية المشتركة وزعيم حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان.
وأعلن ليبرمان عن رفض تشكيل حكومة ائتلافية بدعم العرب الذين وصفهم في السابق بأنهم “طابور خامس”. ولم تسفر الانتخابات التشريعية الأخيرة التي كانت الثالثة في إسرائيل خلال أقل من عام، عن نتائج حاسمة. ورغم تصدره في الانتخابات الأخيرة، حالت ثلاثة مقاعد برلمانية دون تكليف نتانياهو بتشكيل الحكومة، إذ حصد وحلفاؤه 58 مقعدا في حين يتعين حشد تأييد 61 نائبا في البرلمان لتشكيل الحكومة.
وإضافة إلى كل هذا، يُعاني زعيم “الليكود” من ملاحقة قضائية؛ بعد اتهامه رسمياً، أواخر يناير الماضي، بتهم “الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة” في 3 قضايا فساد. وكان من المقرر أن تبدأ محاكمة نتنياهو الثلاثاء (17 مارس)، بتهم الفساد، لكن تعليق عمل المحاكم والجهاز القضائي بعد إعلان حالة الطوارئ بسبب فيروس كورونا المستجد، أدى إلى تأجيلها. وعلى الرغم من شعبيته في قواعد حزبه، الذي احتفظ برئاسته عقب فوزه بانتخابات الليكود الداخلية على حساب منافسه جدعون ساعر؛ فإن معارضيه يعتبرونه “مرتشياً” و”غير ديمقراطي”.
الأحزاب العربية
بدت الأحزاب العربية الإسرائيلية مستعدة لأكبر تمثيل لها على الإطلاق في البرلمان (الكنيست)، مدفوعة بما يقول المحللون إنه شعور بالغضب تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحلفائه في الولايات المتحدة. بدا أن ائتلاف القائمة المشتركة التي تهيمن عليها الأحزاب العربية سيشغل 15 مقعدا من أصل 120 مقعدا في البرلمان، بزيادة مقعدين لممثلي الأقلية العربية بنسبة 21 في المئة.
وزاد إقبال الناخبين العرب إلى 64.7 في المئة، وهو الأعلى منذ 20 عاما، وفقا لما قاله أريك رودنيتزكي الباحث في معهد الديمقراطية الإسرائيلي. وقال ساسة ومحللون إن هذا الأداء القوي ساعد في الحد من المكاسب التي حققها حزب ليكود اليميني بزعامة نتنياهو وشركاؤه وذلك بعدم الحصول على أغلبية حاكمة. وقال أيمن عودة رئيس ائتلاف القائمة المشتركة في مدينة شفاعمرو العربية أمام مؤيدين مبتهجين التقطوا صورا شخصية مع السياسيين ”نظام نتنياهو لم يحصل على 61 (مقعدا) لسبب واحد: صعود القائمة المشتركة“.
لكن من غير المرجح أن تترجم القائمة المشتركة هذا الأداء الذي لم يسبق له مثيل إلى ممارسة نفوذ خلال مفاوضات الائتلاف لأنه لم يسبق لأي حزب عربي الحصول على منصب وزاري في حكومة إسرائيلية. ونفى زعيم حزب أزرق أبيض المنافس الرئيسي لليكود أن تعتمد أي حكومة يقودها حزبه على القائمة المشتركة بعد أن حاول ليكود تشويهها خلال الحملة من خلال ربطها بالأعضاء العرب في الكنيست. واحتج كثيرون من مواطني إسرائيل العرب على اقتراح في خطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي أُطلق عليها اسم ”صفقة القرن“، من شأنه أن يضع مجموعة من المدن العربية الإسرائيلية بالقرب من الضفة الغربية في دولة فلسطين المزمع إقامتها في المستقبل.
واستغلت القائمة المشتركة الغضب العربي في تلك المجتمعات الحدودية من احتمال حرمانها من مزايا المواطنة الإسرائيلية، وذلك لتشجيع الناس على التصويت. وقال رودنيتزكي إن القائمة حصلت كذلك على دعم من المواطنين العرب الذين صوتوا للأحزاب الإسرائيلية غير العربية اليسارية في الانتخابات السابقة التي جرت في سبتمبر أيلول. وفي الطيبة، وهي قرية عربية تصطف على جانبيها الأشجار ربما تصبح خارج إسرائيل بموجب خطة ترامب، قال أحمد عويضة إنه أدلى بصوته لمواجهة ما سماه ”عنصرية نتنياهو“ ورفض خطة السلام الأمريكية بالشرق الأوسط. وأضاف عويضة (27 عاما)، ويعمل تاجرا للسمك، ”لقد أثارت صفقة القرن شيئا ما في العرب. لقد دفعتهم إلى التصويت لمحاولة إيقافها“. بحسب رويترز.
وقالت ريناد مصلح جبارة، وهي أيضا من سكان الطيبة، إنها تأمل أن يؤدي الأداء القوي للقائمة المشتركة ”إلى زيادة وعي الناس بضرورة ممارسة حقها الطبيعي والديمقراطي في التصويت في انتخابات الكنيست“. وتنحدر أصول معظم الأقلية العربية في إسرائيل من نسل الفلسطينيين الذين عاشوا تحت الحكم العثماني ثم الاستعمار البريطاني قبل البقاء في إسرائيل بعد إنشائها عام 1948 والحصول على الجنسية الإسرائيلية. وكثيرا ما يدعو الأعضاء العرب في الكنيست إلى إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية ويشكون من أن مجتمعاتهم تواجه التمييز في مجالات مثل الصحة والتعليم والإسكان. وردا على ذلك يقول حزب نتنياهو إن خطته الاستثمارية التي تبلغ قيمتها 15 مليار شيقل (4.34 مليار دولار) للقطاع العربي هي الأكبر على الإطلاق من قبل حكومة إسرائيلية.
أول نائبة محجبة
من جانب اخر شقت نائبة مسلمة من الأقلية العربية في إسرائيل طريقها إلى الكنيست ومن المقرر أن تصبح أول عضو في البرلمان الإسرائيلي ترتدي الحجاب، بعد أن حققت الأحزاب العربية أفضل نتيجة لها في انتخابات على الإطلاق. وفازت إيمان ياسين خطيب (55 عاما) بمقعد على لائحة القائمة المشتركة التي فازت بخمسة عشر مقعدا في الكنيست المؤلف من 120 عضوا.
وكانت إيمان، وهي أم لأربعة أطفال، تعمل مديرة لمركز اجتماعي في قرية يافا الناصرة في الجليل بضواحي الناصرة، وهي المدينة التي نشأ فيها السيد المسيح، قبل أن تدخل معترك السياسة الوطنية. وقالت وهي تتقبل التهاني وتسمح بالتقاط الصور الذاتية (السيلفي) معها بأحد شوارع الناصرة إن من المستحيل ألا يجتذب الحجاب اهتمام الناس لكن الأهم من ذلك هو ما في داخل الإنسان من قدرات ومؤهلات تمكنه من الإسهام في النهوض بالمجتمع.
وأوضحت ”شكلا، قضية الحجاب بارزة لأنه ما في مجال إنه ما تكون مرئية.. ولكن الأهم من كل هذا الموضوع هو كمان الأشياء الموجودة من جوا (داخل الإنسان) اللي هي القدرات والمهارات والإمكانيات والعمل لتقدم المجتمع“. وأضافت أنها تشعر بأن حجابها أثار في بعض الأحيان مشاعر معادية للإسلام في إسرائيل التي يغلب اليهود على سكانها البالغ عددهم تسعة ملايين نسمة.
ومضت قائلة ”واحدة من الدوافع عن جد الأساسية هي التحديات إللي أنا مرقتها (تجاوزتها)، والصعوبات إللي أنا واجهتها نتيجة لبسي للحجاب في قبولي لمواقع معينة بالذات إذا بنحكي عن مجال العمل“. لكنها دعت الناس إلى أن ينظروا إلى ما هو أبعد من الحجاب. وتنحدر الأقلية العربية في إسرائيل في الغالب من نسل الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في ظل الحكم العثماني ثم الاستعمار البريطاني وبقوا بعد إعلان قيام دولة إسرائيل 1948. ويغلب المسلمون على هذه الأقلية لكنها تضم أيضا مسيحيين ودروزا. بحسب رويترز.
وإيمان ياسين خطيب واحدة من أربع نائبات في الكنيست على لائحة القائمة المشتركة. وتنتمي إلى فصيل إسلامي بالقائمة يطالب بزيادة الخدمات والحقوق للعرب في إسرائيل وتؤيد قيام دولة فلسطينية. وقالت إن الوعي يتزايد بين النساء العربيات بأن بوسعهن أن يشاركن بنشاط في المستقبل. وأوضحت قائلة ”رسالتي الأولى.. نعم إحنا قادرات بنكون بكل محل وفيه إمكانية وفيه عنا (لدينا) ناس ومجتمع إللي هو داعم“. وأضافت ”بفكر واحدة من الرسائل المهمة لإلي إني أوصلها كمان للصبايا الصغار في المجتمع العربي الفلسطيني عنا بالداخل وبالذات الصبايا الملتزمات إنه يشوفوا إنه فيه إمكانية.. إنه فيه مجال.. وإنه هاد الشئ (ارتداء الحجاب) ما يحد من قدراتهن ورغباتهن“.
رابط المصدر: