الانخراط التركي المُتنامي في الصومال: رهاناتُه وتداعياتُه المحتملة

  • تعكس المشاركة التركية المُتعمِّقة، والمتعددة الأوجه، مع الصومال الرهانات الجيوستراتيجية المتنامية لأنقرة في منطقة القرن الأفريقي، التي تشهد تدافعاً دولياً وإقليمياً كبيراً.
  • يُثير الحراك التركي المكثف في الصومال، لاسيما في مجالات استكشاف البترول والتعدين، الكثير من الجدل في الشارع الصومالي، الذي يبدو منقسماً حيال هذا الحضور التركي المعمَّق، بين مُرحِّب به، ومتوجِّس منه.
  • قد يؤدي تَعمُّق النفوذ التركي في الصومال إلى تغيير ديناميات القوة والتحالفات المتصلة بهذا البلد، بما في ذلك من طريق الاكتشافات البترولية وتأثيراتها المحتملة على أسواق الطاقة، ويجعلهُ عُرضةً لتأجُّج التدافع الخارجي وزيادة مخاطر العسكرة. 
  • يبقى ترسيخ الشراكة الصومالية-التركية مرهوناً بقدرة الفاعلين الصوماليين وأصدقائهم بمن فيهم تركيا ذاتها، على الدفع باتجاه وضع استراتيجية متماسكة لمستقبل الصومال، من طريق صياغة مسار جماعي ونهج موحَّد لمعالجة القضايا الملحة في البلاد. 

 

تمضي تركيا بخطوات حثيثة في تعميق علاقاتها الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية مع الصومال. ومن طريق إرساء وتمتين أسس التعاون طويل الأمد، بخاصة في الأمن والدفاع والطاقة والبنية التحتية وحتى مبادرات الفضاء، تسعى أنقرة إلى تأمين مكاسب استراتيجية ومزايا جيوسياسية ظلَّت متعذرة على سواها من الفاعلين الدوليين والإقليميين، بما في ذلك تلك المكاسب المحتملة المتأتية من طريق إحياء حلم الصومال في التحوُّل النفطي.

 

مداخل الاهتمام التركي المتنامي بالصومال وأبعاده

يحمل الحراك التركي المكثف في الصومال دلالات وأبعاد شارحة لأهداف أنقرة وتصميمها على استكشاف فرص التموضع الاستراتيجي في هذا البلد، ومنه إلى التوسُّع نحو شرق أفريقيا وعمومها، وتتمثَّل أبرز مداخل الاهتمام التركي وركائز تحركاته وأدواته الحاسمة بهذا الشأن، في الآتي:

 

1. المدخل الدبلوماسي

تمضي الدبلوماسية التركية في محاولة تقديم نفسها وسيطاً موثوقاً في القرن الأفريقي، وهو دور حرصت أنقرة على أدائه مبكراً، بما في ذلك من طريق احتضان جولات عدة من المحادثات بين مقديشو وأرض الصومال في خلال العقد الماضي، وتوَّجته مؤخراً باحتواء الخلاف الذي تصاعدت وتيرته بين الجارتين الصومالية والإثيوبية طوال العام الماضي، من طريق وضعهما في مسار تفاوضي يستكشف، بموجب “إعلان أنقرة” الموقَّع بينهما في 11 ديسمبر 2024، إمكانية التوصل إلى اتفاق إطاري بحلول يونيو المقبل، بشأن تسهيل الوصول البحري الموثوق الذي تحتاجه إثيوبيا، وفق صيغة مربحة للجانبين، في إطار السيادة الصومالية.

 

أيضاً، يبرُز النفوذ الدبلوماسي التركي بوصفه أداة مؤثرة في ضبط إيقاع المشهد السياسي الصومالي المضطرب على المستوى الوطني. على سبيل المثال، تُفِيد التقارير بانخراط السفير التركي لدى الصومال في جهود تهدئة التوترات التي كانت في طريقها للتصاعد بين مقديشو وولاية جنوب الغرب في سبتمبر 2024، بما في ذلك عبر تقديمه بعض الضمانات التركية المحتملة لرئيس الولاية عبدالعزيز لفتاغرين، لإقناعه في حينها بالحضور إلى مقديشو، للمشاركة في اجتماع المجلس الاستشاري الوطني المنعقد في أكتوبر الماضي، مع أن هذه المحاولة لم تؤتِ بثمارها في حينه.

 

كثف الجانبان الصومال والتركي تعاونهما المشترك، ووقَّعا العديد من الاتفاقيات، في السنوات القليلة الأخيرة (الأناضول)

 

2. مدخل الطاقة

عززت تركيا والصومال تعاونهما في مجال الطاقة، بتوقيع اتفاقية جديدة للتنقيب عن النفط والغاز في المناطق البرية الصومالية في أبريل 2025. وتزامن ذلك مع إعلان وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان، عن قُرب اكتمال المسوحات الزلزالية التي تُجريها سفن الأبحاث والتنقيب التركية، منذ أكتوبر 2024، في المياه الإقليمية الصومالية، بموجب اتفاق نفطي سابق في مارس من العام نفسه. ومن المقرر شروع شركات النفط التركية المملوكة للدولة، التي مُنحَت امتيازات حصرية وتسهيلات غير مسبوقة، في مراحل الحفر لأول بئر نفطي، بحلول سبتمبر المقبل، بدءاً بـ 3 مربعات بحرية، تُغطّي مساحة 16 ألف كم مربع، قبالة السواحل الصومالية، بدعم من القوات البحرية التركية، وسط حديث عن نتائج مُبشِّرة للمسوحات التركية، والتي تُعزّز التقديرات المتداولة عن امتلاك الصومال احتياطات واعدة من الطاقة واعدة تُقدَّر بنحو 6 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي وأكثر من 30 مليار برميل من النفط، فيما تتجاوز تقديرات أخرى متفائلة حائط الـ 100 مليار برميل نفطي، مما قد يضع هذا البلد ضمن قائمة أكبر منتجي الطاقة الأفارقة والعالميِّين.

 

وعبر هذه المبادرة لقيادة دفة التنقيب عن النفط والغاز الصوماليَّين، لا تسعى أنقرة إلى تأمين حصة مُعتَبَرة من الاحتياطيات الهيدروكربونية، لخفض اعتمادها على الطاقة الأجنبية، فحسب؛ ولكن أيضاً إلى وضع نفسها في صدارة مُستكشفي الطاقة الإقليمية، وتوسيع نطاق خبرتها حديثة العهد في هذا المجال المهم لاستدامة مواردها وتنويعها، وترسيخ استثماراتها في مستقبل المنطقة، باعتبار ذلك جزءًا من استراتيجية طويلة الأمد لمد النفوذ خارج مجالها الحيوي، وتأكيد مكانتها على الساحة العالمية.

 

3. المدخل الأمني

بالنظر إلى طموحاتها الجيوسياسية وشبكة علاقتها الاقتصادية المتناميَين، تجد أنقرة نفسها معنيَّة بتجسيد رؤيتها الاستراتيجية للانتشار العسكري خارج أراضيها، والتي تقتضي أداء أدوار رئيسة ومؤثرة في الأمن الإقليمي، والبرهنة على أنها شريكٌ أمنيٌّ ودفاعيٌّ يمكن الاعتماد عليه لترسيخ الاستقرار في الصومال والقرن الأفريقي بوصفهما البوابة الشرقة للقارة الأفريقية.

 

في هذا الإطار، تحتضن مقديشو القاعدة التركية الوحيدة خارج أراضيها “تركسوم” منذ العام 2017. وتضمَّن “الاتفاق الإطاري للتعاون الدفاعي والاقتصادي ومكافحة الإرهاب”، المبرم بين تركيا والصومال، في 8 فبراير 2024، التزام الأولى بحماية سواحل الصومال ومياهه الإقليمية، لمدة 10 سنوات، والمساعدة على بناء قواته البحرية وتدريبها، وتعزيز قدراته للأمن والاستحواذ البحريين، من بين مجالات وجوانب أشمل للتعاون يُغطِّيها الاتفاق.

 

عزَّزت تركيا مؤخراً وجودها العسكري في الصومال (فرانس برس)

 

ومؤخراً، عزَّزت تركيا وجودها العسكري في الصومال، بإرسال 500 جندي، لينضموا إلى 300 آخرين موجودين بالفعل، في تحرُّك يُعَدَّ جزءًا من خطة أوسع وافق عليها البرلمان التركي في يوليو 2024، لنشر ما يصل إلى 2500 جندي في هذا البلد بحلول عام 2026. كما تتحدث تقارير عن انخراط تركي متزايد في جهود مكافحة الإرهاب، بما في ذلك عبر ارسال 200 فرد إضافي لتعزيز عمليات الطائرات من دون طيار، التي زادت تدريجياً منذ مارس الماضي، وتزويد مقديشو باثنتين متطورتين من تلك الطائرات منتصف الشهر نفسه.

 

ويُصوِّر الأتراك وجودهم المعزَّز على أنَّه يهدف إلى تقوية الموقف العملياتي لحلفائهم في الحكومة والجيش الصوماليَّين في مواجهة حركة الشباب، لاسيما بعد المكاسب التي حققتها الأخيرة وسط البلاد في خلال الأشهر القليلة الماضية. غير أنّ القوات التركية، كما يبدو، تتجنب الاشتباك المباشر مع الجماعة المتطرفة على الأرض، ويتركز الجزء الأكبر من مهامها على التدريب وحماية المنشئات والمشروعات التركية المتنامية، والتي من المقرر أن تشمل تنمية الموارد الصومالية براً وبحراً، بما فيها الهيدروكربونية والاقتصاد الأزرق.

 

موقف الشارع الصومالي من الحضور التركي

يثير تدشين أنقرة مرحلة جديدة من العلاقات الاستراتيجية الشاملة مع الصومال، لاسيما في مجالات استكشاف البترول والتعدين، الكثير من الجدل في الشارع الصومالي، ويبدو الصوماليون منقسمين حيال هذا الحضور التركي المعمَّق، بين مُرحِّب به، ومتوجس منه، على النحو الآتي:

 

أولاً، المرحبون والمستفيدون المحتملون

بالنسبة إلى مقديشو وشريحة كبيرة من الصوماليين المؤيدين لسياساتها الخارجية، والذين ينتمي غالبيتهم إلى مناطق الوسط، التي يتركز الحضور التركي الحالي والمزمع فيها وقبالة سواحلها، يُنظَر إلى تركيا بوصفها حليفاً موثوقاً وأكثر جرأة على الاستثمار بكثافة في الصومال في ظل الظروف الصعبة الراهنة. وتُصوِّر حكومة شيخ محمود الصفقات المبرمة مع الجانب التركي على أنَّها إنجاز سياسي تاريخي لدبلوماسيتها، وتقُوم على المصالح المتبادلة، مؤكدة أنها تُعلي المصالح الوطنية الصومالية فوق كل الاعتبارات، وتُركِّز على الفوائد طويلة الأجل، لوضع البلاد في مسارها الصحيح للتعافي والنمو والاستقرار المستدام، لاسيما من طريق التعاون في مختلف القطاعات، من الدفاع إلى الاقتصاد، وعبر توفير المناخ المناسب لتحفيز قطاع الاستكشافات النفطية، وتعزيز بيئة استثمارية مستقرة، بهدف إطلاق العنان لإمكانات البلاد، ووضع مواردها النفطية في دائرة الاهتمام العالمي، وبالتالي خلق فُرَص للصومال لِأَن يُصبح أحد اللاعبين في أسواق الطاقة.

 

وترى الولايات الإقليمية وسط البلاد (جلمدغ وهيرشبيلي وجنوب الغرب)، بالإضافة إلى إدارة خاتمة الناشئة حديثاً جنوب شرق أرض الصومال، والتي اعترفت بها مقديشو منتصف أبريل الماضي ولاية إقليمية سادسة، مصلحتها في التناغم مع السياسات المركزية، لاعتبارات سياسية وديموغرافية واقتصادية، بما في ذلك أنَّها أكثر تجانساً من الناحية القبَلية، وأكثر اعتماداً على الدعم الفيدرالي، وبالتالي أكثر قناعة بضرورة حصْر الشرعية السياسية والسيادة في القيادة الحالية للحكومة الفيدرالية، ومن ذلك التسليم لها بدور الوصي الحصري على إدارة الموارد الوطنية وتنميتها.

 

ينظر قطاع من الشارع الصومالي إلى تركيا بوصفها حليفاً موثوقاً وشريكاً مهماً لبلادهم في ظل ظروفها الصعبة الراهنة (فرانس برس)

 

ثانياً، المتحفّظون

تُسهم الطريقة التي تدير بها الحكومة الفيدرالية سياستها الخارجية وقطاع الطاقة والموارد الطبيعية، في مفاقمة هواجس مناهضيها، خصوصاً في ولايتي بونتلاند وجوبالاند، اللتين تعترضان مثلاً على الأطر القانونية المنظِّمة، بما فيها اتفاقية تقاسُم العوائد المبرمة في يونيو 2018. على سبيل المثال، حذَّرت غروي في أكتوبر الماضي، من “النزاعات التي قد تنشأ عن عمليات التنقيب والامتيازات التي مُنِحَت بشكل خاص وسري للشركات والدول التي لا تخضع للإجراءات القانونية”، في إشارة إلى صفقة الهيدروكربونات مع تركيا، والتي تُثير شكوكاً متزايدة بشأن غياب الشفافية والتوافق حولها، بينما تخشى ولايات مثل بونتلاند وجوبالاند من استئثار المركز بالجزء الأكبر من العائدات.

 

وينطلق طيف واسع من الصوماليين بمن فيهم المحسوبين على المعارضة، في انتقادهم للاتفاقية الهيدروكربونية المبرمة في 7 مارس 2024، والتي نشر موقع تركي نسخة مُسرَّبة منها بعد تقديمها إلى البرلمان التركي للتصديق عليها في 22 أبريل 2025، من اعتقادهم بأن الرئيس الصومالي وحكومته تعمَّدوا إخفاء تفاصيلها وتمريرها دون تدقيق ومناقشة مناسبة عبر البرلمان الصومالي. وبالتالي، فإن الصفقة برأي هؤلاء تُمثِّل شكلاً جديداً من الهيمنة الاقتصادية، مُغلَّفاً بخطاب “الشراكة التنموية”، إذ تنطوي على بنود مواتية بشكل استثنائي للجانب التركي، بما في ذلك: الإعفاءات غير المسبوقة الممنوحة للشركات التركية من الرسوم السيادية المتعلقة بالتوقيع أو المكافآت أو الإدارة؛ وترتيبات استرداد التكاليف البالغة 90% لتركيا مقابل 5% فقط للصومال، في خلال فترة الاسترداد الأولي؛ ومنح أنقرة الحق في تأمين مشاريعها الاقتصادية داخل الأراضي الصومالية، باستخدام قواتها العسكرية، مع إدراج النفقات ضمن نظام “نفط التكاليف”، ما يعني مزيداً من الأعباء المالية التي ستُقلِّص عوائد الدولة الصومالية، هذا عدا عن القدرة المحتملة على استغلال هذا الوجود في أنشطة غير مشروعة مثل تهريب النفط الصومالي؛ فضلاً عن ضمان الجانب التركي بيئة قانونية صديقة، حيث يتم عرض أي نزاعات قد تنشأ عن تفسير أو تنفيذ الاتفاقية أمام هيئة تحكيم دولية مقرها في مدينة إسطنبول التركية.

 

أما أرض الصومال، فـترفض بشكل قاطع النهج التركي الذي “يتجاهل الواقع” الذي كرسته الحكومات المتعاقبة في هرجيسا لعقود، لجهة ترسيخ نفسها دولة مستقلة، بما في ذلك من طريق التأكيد على حقِّها في التصرُّف بثرواتها الطبيعية. ويُعزى موقف هرجيسا هذا إلى شواغلها من الانعكاسات السلبية المحتملة للانخراط التركي على مستقبلها الجيوسياسي والاقتصادي، لاسيما في حال ساهم في تدعيم الموقف الاتحادي، وتحفيز التوجهات المركزية والوحدوية، لممارسة الوصاية والسيادة عليها، بما ينطوي عليه ذلك من محاولات تهميشها، عبر عرقلة تطلعاتها الإنمائية وإبقائها خارج حسابات الجهات الاستثمارية الأجنبية، الأمر الذي من شأنه أن يُخِلّ بتوازن القوى الدقيق في جنوب الصومال وشماله لصالح المركز.

 

الفرص والتداعيات المحتملة

يرى مراقبون أن هذا النوع الموسَّع من التعاون الصومالي-التركي سيجلب فرصاً جديدة ومستدامة لانتعاش الصومال واستقراره على الصُّعد كافة، لكنَّه برأي آخرين ينطوي على انعكاسات خطرة محتملة، وتتجاوز بتداعياتها المشهدين الصومالي والقرن الأفريقي.

 

الفرص والمكاسب المرجوَّة 

على الصعيد الصومالي، قد يُحدِث الالتزام التركي بتطوير التعاون فرقاً وتحوُّلاً كبيرَين على مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والتنموية والجيوسياسية والأمنية والاجتماعية، بما يتماشى مع أهداف الصومال الأوسع محلياً وإقليمياً ودولياً. فعلى سبيل المثال، يُفتَرض أن يفتحَ استخراجُ البترول الصومالي آفاقاً واسعةً للنمو الاقتصادي، وتعزيز قدرات البلد وإمكانياته الذاتية، وتحفيز التنمية في القطاعات الأخرى الأساسية مثل التعليم والصحة والزراعة والبنية التحتية، كما سيُشجع على تدفُّق رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في البلاد، ويتيح تنويع مصادر الدخل، وتعبئة الإيرادات المحلية، لتحسين الخدمات والأوضاع الاجتماعية، وخفض نِسَب الفقر والبطالة عبر توفير فرص عمل مستدامة للصوماليين، بما يعنيه ذلك من اكتفاء ذاتي واستغناء عن المساعدات الخارجية، والتحوُّل لدولة فاعلة تنعَم بقدر أكبر من الاستقرار والرفاهية.

 

على المستوى الإقليمي والجيوسياسي، يُعوَّل المؤيدون للمشاركة التركية أن تكون إحدى المحفّزات لتسوية المنازعات وتهدئة التوترات داخل دول المنطقة وفيما بينها، وإعادة صياغة وتفعيل الترتيبات الأمنية المتعددة الأطراف، فضلاً عن الضلوع بدور المزوِّد للأمن في المنطقة الأوسع التي تشمل الممرات المائية الحيوية، بما يخدم المصالح المشتركة المتمثلة في تعزيز الاستقرار الإقليمي والبحري. وكل ذلك استناداً إلى ما تتمتع به أنقرة من “علاقات جيدة” بمختلف الجهات الفاعلة في المشهد الجيوسياسي الإقليمي، وقدرة على التوازن في تعاملها مع الحلفاء المتنافسين، وتنسيق تحركاتها مع المنافسين المحتملين، وتوفير وساطة مقبولة، علاوة على وجود مصلحة تركية أكيدة في المساعدة على بلورة مسارات سلمية للتعاون والتكامل الإقليميَّين.

 

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (يمين) يودع سفينة أبحاث زلزالية متوجهة إلى الصومال، في أكتوبر 2024 (الأناضول/فرانس برس)

 

التبعات السلبية المتصوَّرَة

هناك من ينظر إلى النهج التركي بعدم ارتياح وتوجُّس كما سلفت الإشارة، على رغم حقيقة أن النموذج التركي مثل غيره من النماذج الصاعدة (الصين والهند ودول الخليج)، يلقى رواجاً في عدد من الدول الأفريقية في ضوء تراجُع الجاذبية والقدرة التنافسية للقوى التقليدية الغربية في المسرح الأفريقي.

 

وفي الصومال، يُبدي البعض خشيته من أن تكون تركيا غير معنية حقاً بالمساهمة في حلحلة المشكلات الصومالية بقدر تعظيم المكاسب الاستراتيجية والمزايا التنافسية، ممَّا قد يعني إغفال ما قد ينجم عن نهجٍ براغماتي كهذا من تبعات، بما فيها تأجيج النزاعات القبَلية والتوترات المحلية، وزيادة الاستقطاب في بلدٍ يرتكز الحكم فيه على التوازنات والمحاصصة العشائرية، وتكمُن السيادة وتقاسُم السلطة والموارد في قلب التوترات المتزايدة بين نُخَبِه على المستويين الفيدرالي والمحلي.

 

والأمر نفسه ربما ينطبق على التوازن الجيوسياسي والمعادلة الاستراتيجية في المنطقة، وشبكات المصالح الإقليمية؛ فمن شأن الحراك التركي في الصومال أن يُغيّر ديناميات القوة والتحالفات، بما في ذلك من طريق الاكتشافات البترولية والتأثيرات المحتملة على أسواق الطاقة، في ضوء تزايُد الأهمية الجيوستراتيجية لهذا البلد ومحيطه، بما يترتب على ذلك من تأجيج التدافع الخارجي ومخاطر العسكرة وصراعات الوكالة.

 

استنتاجات 

تعكس المشاركة التركية المُتعمِّقة والمتعددة الأوجه مع الصومال الرهانات الجيوستراتيجية المتنامية لأنقرة في منطقة القرن الأفريقي، التي تشهد تدافعاً دولياً وإقليمياً كبيراً. وعلى رغم ما يُثيره الانخراط التركي من جدل وانقسام في الداخل الصومالي، وما يثيره من شواغل لدى المنافسين المحتملين من خارج الإقليم، فإن هناك من يرى أن الحديث عن إمكانية تجسيد هذا النوع من الشراكات الراسخة القابلة للتنبؤ في بلد مثل الصومال لا يزال سابقاً لأوانه، وقد يبقى مرهوناً بقدرة الفاعلين الصوماليين وأصدقائهم بمن فيهم تركيا، على الدفع باتجاه وضع استراتيجية متماسكة لمستقبل الصومال، من طريق صياغة مسار جماعي ونهج موحَّد لمعالجة القضايا الملحة في البلاد، وتجاوز التحديات المزمنة التي تشمل على وجه الخصوص: عدم الاستقرار السياسي؛ والنزاعات حول الحدود الإقليمية وقضايا السيادة والشرعية؛ والفجوة الأمنية الآخِذة في الاتساع بفعل تنامي قدرات الجماعات المتطرفة؛ وحالتي الهشاشة والانكشاف على الصعد الاقتصادية والتنموية؛ والديناميكيات التنافسية الإقليمية المعقدة.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M