في 21 تشرين الأول/أكتوبر، بدأت بولندا والولايات المتحدة برعاية مؤتمر في البحرين يستمر يومين ويتناول المساعي الدولية لمواجهة إيران. ويسجل هذا الاجتماع أحدث متابعة للاجتماع الوزاري الذي عقد في وارسو خلال شباط/فبراير. وبصرف النظر عن المناقشات حول تهريب الأسلحة والقضايا الأخرى، قد تكمن الأهمية الرئيسية للمؤتمر فيما إذا كان بإمكان الأطراف الفاعلة الدولية تعزيز أمن الملاحة البحرية في الخليج العربي والبحر الأحمر وكيف يتم ذلك، بما يترتب عن هذه المهمة من دحض اعتراضات طهران على “التدخلات” الأجنبية، وفي الوقت نفسه مراعاة مخاوف دول الخليج من إلقاء اللوم على إيران علناً على الهجمات الأخيرة التي استهدفت البنى التحتية للنقل البحري والنفط. ومن اللافت للنظر أيضاً حضور وفد إسرائيلي في المؤتمر باعتباره خطوة أخرى محتملة نحو توسيع التعاون الأمني مع [بعض] الدول العربية.
واكتسبت ما تُسمّى بـ “عملية وارسو”، التي تشارك فيها أكثر من ستين دولة، المزيد من التأييد في الآونة الأخيرة، على الرغم من أن محورها يتحول في الظاهر من إيران إلى الاستقرار الإقليمي. ويأتي اجتماع البحرين في أعقاب اثنين من التجمعات ذات الصلة في وقت سابق من هذا الشهر، هما: منتدى دولي في سيول حول الأمن السيبراني الإقليمي واجتماع في واشنطن حول حقوق الإنسان.
وقد شارك ممثلون إسرائيليون في كل حدث، علماً بأن اجتماع هذا الأسبوع يشكل المرة الأولى في “عملية وارسو” التي تشارك فيها إسرائيل على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية بينها وبين الدولة المضيفة. ويجتمع المسؤولون الإسرائيليون في كثير من الأحيان مع نظرائهم البحرينيين على الرغم من انعدام هذه العلاقات، ومع ذلك فإنهم لم يحضروا ورشة “السلام من أجل الإزدهار” التي رعتها الولايات المتحدة وعُقِدت هناك في حزيران/ يونيو بسبب المخاوف الأمنية. وستمثل إسرائيل هذا الأسبوع مسؤولة من وزارة الخارجية الإسرائيلية؛ وقد حظرت الرقابة العسكرية الإسرائيلية على وسائل الإعلام المحلية تحديد هويتها، على الرغم من أن اسمها ومنصبها قد تم الكشف عنهما في تقرير لصحيفة “التايمز أوف إسرائيل”.
وليس من الواضح إلى أي مدى سيتطرق الاجتماع الحالي إلى سلسلة الهجمات التي تعرضت لها ناقلات النفط في الخليج والبنية التحتية النفطية السعودية هذا الصيف، ولا سيما هجمات كبرى بصواريخ وطائرات بدون طيار في الشهر الماضي على منشأة معالجة بقيق. والجدير بالذكر أن التجمع هو أمر منفصل عن المبادرات العسكرية المشتركة التي أعلنتها الولايات المتحدة وأستراليا والبحرين وبريطانيا منذ شن تلك الضربات. فعلى الرغم من كل الأدلة التي تشير إلى تورط إيران، إلّا أن الزعماء الخليجيين ترددوا في توجيه أصابع الاتهام مباشرةً إلى النظام الإيراني، ولذلك ربما يتعين على المجتمع الدولي البحث عن وسائل أقل مباشرةً إذا أراد تدارك أي هجمات مستقبلية.
وتَعتبر طهران أن مسؤولية الأمن الخليجي يقع على عاتق دول الخليج – وهذا التعريف يستثني اثنين من أبرز الأطراف المشاركة في الاجتماع، أي الولايات المتحدة (التي يقع مقر أسطولها الخامس في البحرين) وإسرائيل. وقد طرح الرئيس حسن روحاني مؤخراً منظور إيران الخاص عن أمن الملاحة البحرية المحلية في ما سمّي بـ «مبادرة السلام في مضيق هرمز» (المعروفة أيضاً باسم “الأمل” [“HOPE“])، ولكن هذا الطرح لم يؤخذ على محمل الجد.
وقد يتغير موقف طهران الدبلوماسي قريباً بعد الاعتداء الظاهري الذي استهدف أحد ناقلاتها في البحر الأحمر في وقت سابق من هذا الشهر، لكن إيران لم تصدر بعد أدلتها المصورة المزعومة عن هذا الهجوم، والذي ألقى فيه أحد المسؤولين اللوم على إسرائيل أو السعودية. وعلى افتراض أن إيران لم تخطط للاعتداء بنفسها – وهذا ليس بالأمر المؤكد في هذا الوقت – فقد تحاول إقحام نفسها في “منتدى البحر الأحمر” الجديد الذي تقوده السعودية، ولكنها قد تضطر عندئذٍ إلى القبول بمشاركة الدول غير الساحلية سواء في البحر الأحمر أو في الخليج العربي. على سبيل المثال، اقتصرت الأعمال الدبلوماسية الأولية التي أحاطت بمبادرة البحر الأحمر على الدول الساحلية (باستثناء إسرائيل وإريتريا)، ولكن يمكن لدول أخرى أن تطالب بشكل مبرر الانضمام إليها، نظراً لمرافق الموانئ التي أنشأتها على طول هذا الممر المائي، بما في ذلك إثيوبيا، والولايات المتحدة، والامارات العربية المتحدة، وقطر. وعلى النحو نفسه، سيحتاج أي تحالف بحري خليجي قابل للاستمرار إلى النظر في مشاركة الدول غير الساحلية التي تملك مرافق ومصالح وأنشطة رئيسية في المنطقة.
ولفهم هذه الضرورة، لا يحتاج المرء إلا أن يلاحظ أن الاجتماع الدبلوماسي المنعقد هذا الأسبوع يُعقد بالتوازي مع إجراء مناورة بحرية ضخمة تضم عدة دول برعاية “القيادة المركزية الأمريكية”، وتحمل اسم “آي أم أكس 19”. وسوف تراقب إيران عن كثب كلاً من المناورات العسكرية – التي ستمتد من الخليج العربي إلى خليج عُمان، وخليج عدن والبحر الأحمر – والمناقشات في البحرين، حيث هناك ارتباطاً روحياً يربط إيران بأغلبية السكان الشيعة في الجزيرة، لا سيما تلك الفئات التي تشعر بأنها ضحية تمييز الحكومة السنية.
وفي الوقت الحالي، لا يزال هناك تباين واسع في وجهات النظر حول كيفية التعامل مع إيران، إلى جانب القلق المستمر في بعض عواصم الحلفاء فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية. ويبقى السؤال مطروحاً عما إذا كان اجتماع البحرين سيمثل خطوة مهمة إلى الأمام في معالجة هذه المخاوف وبناء تحالفات فعالة.
رابط المصدر: