ترجمة: ابراهيم قنبر
صادَق تحالفٌ من خمس جماعاتٍ متمرّدة السبت ٣ تشرين الأول/أوكتوبر على اتفاق سلام تاريخي مع السلطات في الخرطوم، خطوةٌ يُنظر إليها أنها حاسمة في السودان الجديد بعد البشير.
قبلها بأيام دوّى انفجار هائل في صحراء شمال السودان، ما حدث هو أن الجيش دمّر رسميًّا ٣٠٠ ألف قطعة سلاح ناري تمت مصادرتها أو جمعها في البلاد على مدى السنوات الثلاث الماضية، بسبب الانفجار تناثرت الرمال لعدة كيلومترات حوله، مع ذلك هذه الخطوة لا تضع نهاية للحرب الأهلية التي مزقت البلاد سبعة عشر عامًا.
ربما ستُحسم هذه الحرب الأهلية بالتوقيع في ضجة كبيرة على اتفاق يوصف بإجماع المشاركين فيه أنه “تاريخي” في جوبا عاصمة جنوب السودان المستقل منذ عام ٢٠١١.
كانت مفاوضات السلام هذه، التي تحققت بعد سقوط عمر البشير العام الماضي، إحدى أولويات السلطة الجديدة في الخرطوم، حيث وبعد عام من المناقشات اتفق المتمردون المجتمعون داخل الجبهة الثورية السودانية، وهو تحالف من خمس مجموعات متمردة وأربع حركات سياسية من مناطق دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، على إلقاء السلاح بشكل دائم.
في هذا المجال، تعتقد روزاليند مارسدن الممثلة السابقة للاتحاد الأوروبي في السودان في تحليل نشره مركز أبحاث تشاتام هاوس أن “ما يجعل اتفاقية جوبا مختلفة عن سابقاتها هو أن الحكومة الانتقالية التي يقودها مدنيون تتطلع إلى السلام والعدالة والديمقراطية بما يتوافق مع أهداف الثورة، وأنه تم التفاوض عليه بين السودانيين أنفسهم، وأن المناقشات قادها أصدقاء سابقون في خرقٍ لأجواء المواجهة التي سادت في عهد البشير”.
وتزعم مارسدن كذلك أن “الاتفاقية تراعي اهتمامات السكان المهمشين تاريخيًّا وتعالج جذور النزاعات، مثل الهوية والحكم وقضايا الأراضي وتخصيص الموارد والعدالة الاجتماعية والعلاقة بين الدين والدولة، كما تنص على تقاسم كبير للسلطة بما في ذلك الحكم الذاتي لجنوب كردفان والنيل الأزرق وإعادة إنشاء منطقة كبيرة في دارفور”.
عدم توازن المرحلة الانتقالية:
سيكون رؤساء المرحلة الانتقالية الثلاثة حاضرين في جوبا، كما سيحضر رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان ونائبه اللواء محمد حمدان دقلو الملقب بحميدتي، وكذلك رئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك. من جانبه أصر رئيس الحكومة على وصف هذا الاتفاق أنه “سلام سوداني صنع بأيدينا ووُلد من جهودنا الخاصة” ويتابع أنها “ليست وثيقة ورقية إنما كائن حي يتطلب عناية واهتمامًا وإرادة سياسية من كلّ منا”.
ستؤدي الاتفاقية على أي حال إلى زعزعة موازين الانتقال السياسي السوداني التي ستُحدَّد لعام واحد (حتى عام ٢٠٢٣) لأنها تنص على دخول ثلاثة من أعضاء الجماعات المتمردة إلى المجلس السياسي، الذي كان حتى الآن متناسقًا (خمسة مدنيين وخمسة عسكريين)، وبالمثل سيتعين على الحكومة توزيع حقائب المتمردين، وسيكون ٢٥٪ من أعضاء الجمعية المستقبلية من الجبهة الثورية السودانية.
حول هذه التشكيلة كتب الباحث المستقل جان بابتيست جالوبين في تحليل لمنصة وورد أون ذا روك “وجودهم سيعقد المشهد السياسي المجزأ بالأصل” ويتابع إن “التنافس حاليًّا مع قوى الحرية والتغيير، وهو تحالف الأحزاب الذي يدعم الحكومة المدنية، والذي تهيمن عليه النخب التاريخية في مناطق وسط النيل، ذلك لأنه سيتوجه بعض المتمردين السابقين للتقارب مع حميدتي، العربي من دارفور والذي كان عدوّهم في الماضي، من أجل تشكيل تحالف من قادةٍ من المناطق النائية”.
ويوضح جالوبين “الآن بعد أن أصبحوا في الخرطوم، قد يفضل قادة الجبهة الثورية السودانية التفاوض مع الجنرالات، لأنهم يرونهم أصحاب السلطة الحقيقيين، بدلاً من التفاوض مع قوى الحرية والتغيير، هنا بالضبط يظهر ضعف العنصر المدني في الحكومة “.
تشكيل قوّة مُدمجة:
تم تحديد حدود اتفاقية السلام عشية التصديق عليها، السبب الرئيسي هو غياب الجماعتين المتمردتين الرئيسيتين بين الموقّعين: حركة تحرير السودان بزعامة عبد الواحد النور/ الحركة الناشطة في دارفور، والجيش الشعبي لتحرير السودان/ الشمالي، بزعامة عبد العزيز الحلو في جبال النوبة.
ويشير كليمان ديشايس الباحث في جامعة باريس الثامنة إلى أن “مجموعات كهذه منظمة بشكل جيد وتمتلك برنامج سياسي قوي، يمكنها أن تتحول في المستقبل إلى أحزاب سياسية”.
لكن في 4 أيلول/ سبتمبر أعلن عبد العزيز الحلو أنه وافق على العودة إلى طاولة المفاوضات، مفضّلاً الحوار مع رئيس الوزراء حمدوك بدلاً من حميدتي، زعيم ميليشيا الجنجويد المندمج الآن في وحدة من الجيش الخاص تحت مسمى قوات الدعم السريع.
وفي تعليق منه يوضح دشايس كذلك أن “الاتفاق لا يحل كل شيء، ومع ذلك فهي خطوة أولى جيدة للغاية، فهو يقدم تفاصيل كثيرة حول الجوانب الأمنية، ولا سيما مسائل دمج المقاتلين، لكنه بالمقابل يبقى غامضًا بشأن مسائل العدالة أو تعويض الأضرار”.
“لكن عودة النازحين من دارفور رغم كونها قضية مركزية، لم تنجح منذ سنوات، لأن القبائل تطارد القرويين الذين يحاولون العودة، ولا يبدو أن حميدتي قادر على السيطرة عليهم، بل على العكس، العنف آخذ في ازدياد”.
ومن أهم ما نصت عليه الوثيقة الموقعة في جوبا تشكيل قوة مختلطة قوامها 12 ألف مقاتل (تتألف من وحدات حكومية ووحدات متمردة سابقة) لضمان حماية المدنيين في دارفور، ستكون فعالية هذه القوة اختبارًا حاسمًا للسلام.
مذكرة توقيف دولية:
يحذر مراقبون من أن تطبيق هذا الاتفاق سيكون له أيضًا تكلفة مالية، خاصة لإدارة تسريح ودمج آلاف المقاتلين. يقول جان بابتيست جالوبين “الدولة السودانية وحدها لا تملك الوسائل لتنفيذٍ كامل لبنود الاتفاق” ويُذكِّر أن “التوقيع على جميع الاتفاقيات السابقة كان خلال فترات كانت فيها موارد الدولة قادرة على تمويل تنفيذها”.
“لكن الاقتصاد السوداني هذه المرة في حالة انهيار، فمعدل التضخم وبتقرير رسمي 167٪ (ويمكن أن يصل إلى 286٪، وهو من أعلى المعدلات في العالم)، واليوم الحكومة عالقة في حلقة فارغة، الأمر الذي يتطلب الكثير من الأموال لدفعها في الأجور واستيراد الضروريات الأساسية فقط “.
يدرك قادة الثورة التي أزاحت عمر البشير العام الماضي جيدًا أن نجاح اتفاق السلام هذا يتطلب جهودًا كتلك التي تؤدي إلى نجاح الثورة، يُشترط لتحقيق أي منهما تحسن الوضع الاقتصادي الذي لا يزال في انهيار مستمر.
لذلك تحذر روزاليند مارسدن من أن “تنفيذ الاتفاقية يتطلب دعمًا سخيًا ومستمرًا من الشركاء الدوليين، وبشكلٍ خاص شطب السودان وبشكل عاجل من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، التي تمنع الخرطوم من أي إعادة تفاوض بشأن الديون، وتعيق الوصول إلى القروض أو إلى الاستثمارات “.
في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، قُتل أكثر من 300 ألف شخص في دارفور، وفي عام 2009 أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس عمر البشير وملاحقته بتهمة “جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية” بسبب مجازر ارتكبها الجيش السوداني والجنجويد.
وصدرت مذكرة ثانية في العام التالي، وهذه المرة بتهمة “الإبادة الجماعية”. ثم بعد عقد من الزمان، أطاحت ثورة شعبية بعمر البشير، وهو الآن يقبع خلف القضبان. ويُفترض أن يقترب البشير بعد اتفاق السلام هذا من محاكمته كشرط آخر للسلام.
سيليان ماسيه لصحيفة ليبراسيون ٣ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٠
رابط المصدر: