محمود جمال
حركات التنقلات داخل صفوف الجيش والتي تم شرحها بالتفصيل في موضوع ” مصر: حركة تنقلات الجيش ـ يونيو 2021″ أمراً ليس بالجديد، وفي العهود السابقة للرؤساء “ناصر، السادات، مبارك” كانت تُجرى حركات تنقُّل كل عام، ولكن لم يكن شرطاً أن تحدث حركات في صفوف كبار القادة في كل حركة، بل كانت استراتيجية ناصر ومبارك تحديداً تثبيت القيادات في أماكنهم لفترات، وكانوا يروا أن هذا التثبيت يؤمِّن حكمهم، ويضمن استمرار ولاء الجيش لنظامهم بصورة أكبر، ويعمل من جهة أخرى على استقرار المؤسسة العسكرية، أما السادات فكانت سياسته مختلفة كلياً عن ناصر ومبارك، فالسادات تولى الحكم بعد ثلاث سنوات من كسر الجيش المصري في نكسة 67، وكان الفريق محمد فوزي وزير الحربية، الذى تولى إدارة الجيش بعد المشير عبد الحكيم عامر بعد النكسة، كان يعمل إلى أواخر حكم ناصر ومع بداية حكم السادات عام 1970، على تفكيك وإعادة تركيب الجيش المصري ، وكان يضع مع قيادات الجيش خطة التحرير.
وقد تصادم الفريق فوزي مع السادات في بداية حكمه بسبب خطة التحرير، ولذلك أطاح السادات بفوزي فيما سُمي وقتها “بثورة التصحيح، ثم تصادم السادات أيضاً مع الفريق محمد صادق ثم مع الفريق الشاذلي بسبب خطط الحرب والتحرير، ثم تصادم السادات مع الفريق أحمد بدوي بسبب عمولات صفقات التسليح التي كانت تتحصل عليها قيادات الجيش المقربة من السادات؛ ووصف الضابط لمعي حافظ في كتابه الفساد الصدام الشرس بين السادات وبدوي، والذي لمَّح فيه أن بدوي تم اغتياله في حادثة الطائرة عام 1981م على أثر ذلك الخلاف. كل هذا دفع السادات لإجراء تغييرات دورية بشكل مستمر داخل صفوف الجيش، للإمساك بمفاصل الجيش ولعدم السماح بتكوين مراكز قوى على غرار ما تم في عام 1971م، داخل الجيش تهدد حكمه.
أولاً: السيسي بين تدوير وتغيير القيادات:
المتابع لحركة تغييرات الجيش منذ يوليو 2013م، وحتى الآن يرى أن كل حركة تتضمن تغييرات جوهرية في صفوف كبار القادة، وفي صفوف المجلس العسكري المصري تحديداً، وسيرى أيضاً أن السيسي قام بتغيير جميع من شاركوه في الانقلاب على أول تجربة ديمقراطية شهدتها مصر في 03 يوليو 2013م، باستثناء ثلاث قيادات مستمرين معه إلى الآن وهم:
1ـ الفريق محمد فريد حجازي، الذي كان يتولى الأمانة العامة لوزارة الدفاع أثناء حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، والذي تم تعيينه بعد ذلك من قبل السيسي رئيساً لأركان الجيش المصري.
2ـ الفريق أسامة عسكر، والذي كان يتولى قيادة الجيش الثالث الميداني أيام حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، والذي تم تعيينه بعد حراك سبتمبر 2019م، رئيساً لهيئة عمليات القوات المسلحة المصرية.
3ـ لواء أركان حرب ممدوح شاهين، مساعد وزير الدفاع للشئون الدستورية والقانونية.
وهناك قائد رابع مستمر إلى الان مع السيسي، ولكنه لم يكن أحد أعضاء المجلس العسكري في يوليو 2013م، وهو قائد الحرس الجمهوري للرئيس الراحل محمد مرسي محمد زكي، والذي تم تعيينه وزيراً من قبل السيسي في منتصف عام 2018م، وتم ترقيته إلى رتبة فريق أول.
بخلاف ذلك أخرج السيسي جميع قيادات المجلس العسكري التي وافقته وشاركته في تنفيذ الانقلاب على التجربة الديمقراطية في 03 يوليو 2013م.
استراتيجية السيسي في الحكم عملت على تحويل منظومة الحكم من حكم المؤسسة العسكرية ككل إلى حكم الفرد العسكري “الحاكم الديكتاتور ومعه دائرة قليلة جداً” المهيمن والمسيطر على كافة المؤسسات والأجهزة، وذلك خوفاً من مصير مبارك الذي انقلب عليه الجيش في يناير 2011م، بسبب ملف التوريث الذي كان يعمل عليه الرئيس الراحل حسني مبارك لنجله جمال، والذي اعتبرته قيادات الجيش خروجا على قواعد الحكم العسكري الذي أسسه جمال عبد الناصر عام 1954م، ولكن لم يجرؤ الجيش على أن يأخذ هذه الخطوة إلا لوجود وزير دفاع متحكم فعلياً في الجيش، فطنطاوي مكث وزيراً للدفاع من عام 1991م، وهي أطول فترة لوزير دفاع مصري من بعد عام 1952م، وبالفعل كانت هناك مؤسسة عسكرية يتحكم فيها طنطاوي بشكل فعلي، ومؤسسة للرئاسة يتحكم فيها مبارك ونجله، وعند الاختلاف بينهما حسمت القوات المسلحة المالكة للقوة موضوع إخراج مبارك. والسيسي، آخر مدير مخابرات حربية في عهد الرئيس الراحل مبارك، يعلم هذا جيداً، ويسد تلك الثغرات حتى لا يقع نظامه في نفس أخطاء سلفه مبارك.
ولذلك يحرص السيسي على عدم تثبيت القيادات العسكرية في أماكنها لمدة طويلة، ودائماً ما تتضمن الحركات والنشرات التي اعتمدها السيسي من 2013م إلى وقتنا هذا، تحريك القيادات ونقلهم من مناصب إلى مناصب أو يقوم بإحالة بعض القيادات الأخرى للتقاعد وتحديداً من يختلفون معه في سياساته تجاه بعض القضايا، وذلك ما تم مع الفريق محمود حجازي صهره الذي أخرجه من منصبه كرئيس للأركان في أكتوبر 2017م، بسبب خلافات بينهم في بعض القضايا الأمنية[1]، وكان من قبله اللواء أحمد وصفي الذي خرج على الإعلام وصرح أن ما تم في يوليو 2013م يسمى انقلاباً عسكريا لو وصل السيسي لمقاليد حكم مصر، ولذلك تم استبعاده من قيادة الجيش الثاني الميداني في فبراير 2014م، ثم تم استبعاده من رئاسة هيئة التدريب في ديسمبر 2016م، بخلاف أخرون، وذلك حتى لا تتكون مراكز قد تشكل تهديداً له في فترة من الفترات عند الاختلاف حول قضايا معينة.
ثانياً: السيسي والتنكيل بالقيادات
السيسي لم يكتف فقط بعدم تثبيت القيادات في مناصبها لفترات طويلة، أو بإخراج من يختلفون معه في الرؤى تجاه بعض القضايا لكي يؤمّن حكمه من أي تهديدات، بل حفاظا على كرسيه، قام السيسي بالتنكيل ببعض القيادات العسكرية التي رأت أن استمرار السيسي في سدة الحكم خطر على الجميع، وقام بالزج بالفريق سامي عنان في السجن الحربي لقيادته جبهة سياسية شملت عسكريين ومدنيين أرادت استبداله عن طريق الانتخابات؛ وقام السيسي أيضاً بالتنكيل بالفريق احمد شفيق قائد القوات الجوية الأسبق بسبب إعلان نية ترشحه في انتخابات 2018 لمنافسته.
وهناك أيضاً ضباط في المستويات الوسطى وصغار الضباط لم تأمن تنكيل السيسي، وما حدث مع العقيد أحمد قنصوه دليل على ذلك؛ فقنصوه ليس فردا، بل كان صوتا عبّر عن أمثاله من الضباط في الصفوف الوسطى داخل الجيش كانوا يرون أن النظام يسير في طريق خطاً. وحاول العقيد قنصوه التصحيح عن طريق المسار القانوني والدستوري، ولكن قوبل بأشد درجات التنكيل من السيسي والدائرة القليلة التي تحيط به وزج به في السجن الحربي، ومن حين إلى آخر تخرج زوجة العقيد قنصوه الدكتورة رشا صفوت وتكتب عن التضييقيات التي تمارس ضد قنصوه داخل السجن الحربي حتى يكون عبرة لغيره من الضباط الذين يريدون التصحيح[2]. وليس قنصوه فقط، بل يقبع في السجن الحربي العديد من الضباط بسبب اختلافهم السياسي مع النظام الحالي.
ثالثاً: السيسي والعصا والجزرة مع القيادات:
جاء قانون معاملة كبار القادة العسكريين الذي أقره برلمان السيسي في 03 يوليو 2018م، وقام على إعطاء امتيازات غير مسبوقة لجميع كبار قادة الجيش المصري وتحصينهم من أي مسالة قانونية سواء كانوا في الخدمة أو خارجها، ففي الماضي كانت الامتيازات بالنسبة لكبار القيادات مرتبطة باستمرارهم في الخدمة، ولكن الان وبعد هذا القانون حتى لو تم استبعاد القائد من منصبة يظل يحتفظ بتلك الامتيازات المالية غير المسبوقة ويظل محصناً من المحاكمات إلا بإذن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وذلك حرصاً من السيسي على ترضية كل كبار قادة الجيش المصري، حتى لا يكتسب عداوتهم بعد استبعادهم وتدويرهم المتسارع.[3]
وفي مقابل هذه الامتيازات جاءت التعديلات على بعض القوانين العسكرية التي أقرها البرلمان في 06 يوليو 2020م[4]، لتكبيل جميع قيادات الجيش المصري بل وعُممت على كافة الضباط حتى لا يستطيعوا أن يأخذوا قرارات منفردة وينتهجوا نهج الفريق عنان والفريق شفيق والعقيد قنصوه ، حيث أقرت تلك التعديلات عدم جواز ترشح جميع قيادات الجيش وجميع الضباط بمختلف مستوياتهم سواء كانوا بالخدمة أو المعاش للانتخابات “الرئاسية البرلمانية والمحليات…الخ” إلا بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية وقائده الأعلى.
الهامش
[1] مصر: إقالة رئيس الأركان ـ الأبعاد والتفسيرات، المعهد المصري للدراسات، الرابط
[2] 25 سنة خدمة بالجيش.. زوجة العقيد أحمد قنصوه تناشد السيسي بالإفراج عنه، الجزيرة مباشر، تاريخ النشر 21 فبراير 2021م، تاريخ الدخول 9 يونيو 2021م، الرابط
[3] قادة المؤسسة العسكرية تحصين أم تأميم؟، محمود جمال، المعهد المصري للدراسات، تاريخ النشر 14 يوليو 2018م، الرابط
[4] البرلمان يوافق على تعديلات 6 قوانين بشأن القوات المسلحة.. تعرف عليها، الشروق، تاريخ النشر 06 يوليو 2020م، تاريخ الدخول 16 يونيو 2021م، الرابط
رابط المصدر: