الطاقة مفتاح التنمية: القرن الأفريقي وجهة استثمارية مستقبلية واعدة

يُقصد بالقرن الأفريقي تلك الجغرافيا، التي تضم الصومال وجيبوتي وإريتريا، وسُميت بهذا الاسم كون جغرافيتها رسمت داخل المحيط الهندي نتوءًا يشبه، من حيث الشكل، قرن “وحيد القرن”، ويُعد بروزًا يابسًا لأفريقيا داخل المحيط، يجعلها على إطلالة مباشرة على أهم ثلاثة ممرات مائية، هي المحيط الهندي وخليج عدن والبحر الأحمر.

وبالنظر إلى العامل الاقتصادي، نجد أنها تجلس فوق موارد اقتصادية هائلة، مثل النفط الخام والغاز الطبيعي اللذين لم يتم الاستثمار فيهما على نحو يتلائم مع مخزونهما المتحقق منه، ثم ثرواتها من الذهب والحديد والماس والمايكا واليورانيوم، وغير ذلك من الثروات النادرة، كأن الغرب أرادهما مخزونًا احتياطيًا لمصلحة أجياله القادمة في المستقبل.

مدخل

تتعلق معضلات المنطقة بغياب سياسات التنمية المستدامة، وعدم القدرة على استغلال الموارد والثروات الطبيعية، التي تتمتع بها المنطقة، إذ عطلت الحروب المتكررة مسيرة التنمية وأوصدت الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية لما يقارب نصف قرن. بالإضافة إلى الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به المنطقة لتموضعها على أحد أهم الممرات الملاحية في العالم جعلها مطمعًا للقوى الدولية المتصارعة.

تكتسب القارة الأفريقية أهميتها من كونها تُشكل خزان العالم الاستراتيجي من الموارد الطبيعية والمواد الأولية التي يشتد الضغط عليها في ظل التنافس الشديد بين كبرى الدول المستهلكة لهذه الموارد إثر ازدياد الطلب العالمي وتقلص نسبة الاحتياطيات العالمية ومعدلات الإنتاج في أماكن ومناطق أخرى من العالم. ومن الموارد التي تتمتع بها: النفط الخام والغاز الطبيعي والموارد الطبيعية الأولية والمياه والمعادن وغيرها من الموارد الاستراتيجية.

إشكالية الثروات الطبيعية في منطقة القرن الأفريقي

القارة الأفريقية تُشكل حالة من حالات التناقض الواضح، وذلك لأنها تتمتع باحتياطيات ضخمة من الموارد الطبيعية (ثروات متنوعة)، بما يكفي لجعل الاقتصاد الإفريقي من أكثر الاقتصادات في العالم نموًا. وعلى الرغم من ذلك فإن سكان العديد من دول القارة يعدون من أفقر شعوب العالم وأكثرهم معاناة وقد يموتون جوعًا، وذلك بسبب عجزهم عن توفير الغذاء أو حتى زراعته في أراضيهم الشاسعة والخصبة. وتًعد منطقة القرن الأفريقي نموذجًا مثاليًا للتعبير عن الواقع الإفريقي الأليم، حيث قضت الحروب الأهلية على الأخضر واليابس، وجعلتها من بين أفقر مناطق القارة الأفريقية.

إذا لم تنتهِ الأزمة والفوضى والاضطرابات في مكان ما، فاعلم أن هناك صراعًا على المصالح بين الدول الكبرى، والسبب الرئيس لوجود هذه الفوضى في جميع هذه الأراضي هو الثروة الباطنية والسطحية، والمكاسب التجارية، والهيمنة الجيوسياسية.

بشكل عام، تُعد قارة إفريقيا من أكثر مناطق العالم الغنية بالنفط الخام، والتي يعول عليها الدول المتقدمة صناعيًا في الحصول على احتياجاتهم النفطية منها بعد أن ظهرت اكتشافات جديدة في كل من شرق وغرب إفريقيا بجانب الشمال والجنوب الإفريقي، وتأكد للمنقبين عن الذهب الأسود أن القارة الأفريقية عائمة على كمية كبيرة من النفط الخام في الوقت الذي يوشك أن ينفد من مناطق أخرى في العالم، كما يوضح الشكل التالي ثروات القارة الأفريقية الطبيعية.

استكمالًا لما سبق، تنعم منطقة القرن الإفريقي بكميات كبيرة من النفط الخام المكتشف في باطن أراضيها، ففي كينيا بدأ التنقيب عن البترول منذ عثرت شركة تولو البريطانية المتخصصة في الاستكشافات النفطية على النفط الخام في حوض لوكشار شمالي شرق كينيا في عام 2012، وبعدها توالت الاكتشافات النفطية المهمة، وتقدر الاحتياطيات القابلة للإستخراج بحوالي 760 مليون برميل من النفط الخام، وذلك بتكلفة تحقق الجدوى الإقتصادية من عملية استخرج الخام الثمين.

وعليه، أكدت شركة وود ماكينزي للاستشارات احتمالات احتواء حوضين بريين في كينيا وأوغندا على أكثر من أربعة مليارات برميل بالإضافة إلى الاحتياطات الحالية في كينيا ومعها حوالي 1.6 مليار برميل تم اكتشافها في أوغندا أيضًا. ويُعد النفط الكيني من الأنواع الجيدة تجاريًا، حيث أعلنت شركة ريستاد إنيرجي للاستشارات، ومقرها النرويج، أن خام توركانا الكيني يعد من المستويات المرتفعة (جودة عالية) إذا قورن بكبار منتجي النفط كالمملكة العربية السعودية وفنزويلا ونيجيريا. لذلك تولي الحكومة الكينية والهيئات الإقتصادية الدولية اهتمامًا كبيرًا بمشروعات النفط الكيني وخصصت ميزانيات كبيرة بعشرات الملايين من الدولارات لتنمية هذا القطاع الحيوي بالبلاد.

وتعاني دول القرن الأفريقي من فقر مدقع، حيث تعتمد على المساعدات الخارجية، فإريتريا تعد واحدة من أكثر دول العالم اعتمادًا على المساعدات الخارجية، وكذلك الصومال، أما إثيوبيا فكانت تعتمد على المساعدات الخارجية وما زالت كما كانت تصنف من أفقر دول العالم، إلا إنها في السنوات الأخيرة شهدت نموًا اقتصاديًا ملموسًا، كما يوضح الشكل التالي الوضع الراهن في الصومال.

الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي

تبرز القيمة الجيوسياسية لإقليم القرن الأفريقي من إشرافه على بحر العرب والبحر الأحمر والمحيط الهادي أولًا، واشتراكه مع اليمن في الإطلالة المباشرة على خليج عدن ومضيق باب المندب. وثانيًا من المساحة البرية التي تُشكل هي الأخري نقطة الانطلاق من المياه الدافئة إلى البر، وصولًا إلى قلب القارة الأفريقية، وهو الأمر الذي يتحقق بفضله الترابط القوي بين البر والبحر معًا، وهو ما يفسر تاريخ الصراعات الاستعمارية المحتدمة حول المنطقة منذ قرون طويلة، وذلك بهدف السيطرة على مواردها، ما جعل منطقة القرن الأفريقي منذ القدم وحتى اليوم تحت رحمة المتنافسين.

وهنا تجدر الإشارة إلى أنه رغم المشكلات المختلفة التي تعاني منها المنطقة، إلا أنها حظيت باهتمام كبير من جانب القوى الفاعلة في النظام الدولي، سواء خلال فترة الحرب الباردة أو ما بعدها، ولعل ذلك يعود إلى تحكم المنطقة في طرق التجارة العالمية وطرق نقل النفط من الخليج العربي إلى دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

تمتلك منطقة القرن الأفريقي مقومات اقتصادية أخرى لا تملكها دول أخرى حيث تعد ممرًا تجاريًا رئيسيًا لحركة التجارة الدولية، لا سيما عبر مضيق باب المندب، وتمثل حلقة الربط المائية بين المحيط الهندي والبحر الأحمر، وطريق التجارة النفطية بين مناطق الاستخراج ومناطق الاستهلاك، لا سيما وأن حوالي 3.8 مليون برميل من النفط الخام تعبر من مضيق باب المندب، كما هو موضح في الشكل التالي.

استكمالًا لما سبق، تعد إثيوبيا من الدول البكر والواعدة إقتصاديًا بعد إكتشاف العديد من الثروات الطبيعية الكامنة في أراضيها ومنها النفط الخام، الذي تم اكتشافه، بعد أن كانت إثيوبيا من أكبر الدول استيرادًا للبترول العربي لفترات طويلة. حيث أكدت دراسات جيولوجية وجود البترول في جنوب البلاد على نهر أومو ومنطقة مساقط شلالات تانا حول البحيرة التي تحمل نفس الإسم. كما نجحت شركات التنقيب في العثور على النفط الخام في منطقة أوجادين المتنازع عليها بين إثيوبيا والصومال، وفي منتصف عام 2018 أعلنت الحكومة الإثيوبية عن أول تجربة لاستخراج النفط الخام من منطقة أوجادين.

ولا شك أن النفط الأفريقي أصبح محل اهتمام عالمي خاصة في ظل ما يتمتع به من مزايا اقتصادية كبيرة منها وجود 40 نوعًا من النفط الخام بالقارة وتميزها جميعا بجودة عالية، وهو ما يؤهل القارة الأفريقية لتبوأ مكانة اقتصادية واستراتيجية إضافية مهمة إلى جانب مكانتها الحالية في ظل تكالب جهات عالمية على ثرواتها ومنها النفط الخام. إلا أن تحقيق الاستفادة الكاملة لشعوب القارة يقتضي حسن الاستغلال والعدالة في توزيع عوائد النفط وإنفاقها بما يسهم في تحسين مستويات المعيشة لشعوب كادحة عاشت قرونا طويلة تعاني الفقر والتجاهل لمشكلاتها المزمنة.

إجمالًا لما سبق، أن بواعث الاهتمام بالقرن الأفريقي أتت من منطلق أنها تُعد ممرًا مهمًا لأي تحرکات غير اقتصادية قادمة من الغرب في اتجاه منطقة الشرق الأوسط. وتُعزى أهمية هذه المنطقة جغرافيًا أيضًا إلى کونها تقع داخل الإقليم الذي أضحى يعرف باسم قوس الأزمة، والذي يضم القرن الأفريقي وشبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج. بالإضافة إلى أن البعد الاقتصادي، والذي يُعد ملمحًا آخر لأهمية القرن الأفريقي بالنسبة لبعض القوى الإقليمية والدولية، وذلك لأن دول القرن الأفريقي غنية بالثروات الطبيعية والمعدنية، سواءً النفط أو الذهب أو اليورانيوم أو الغاز الطبيعي، وتمتلك المنطقة ثروة مائية هائلة تجعلها أحد أکبر مخازن المياه في العالم، کما تضم کذلك ثروة حيوانية هائلة.

أصبحت الولايات المتحدة بعد حرب الخليج الثانية تُولي القرن الإفريقي أهمية جيوسياسية استراتيجية كبرى، وتجلى اهتمام واشنطن التي تتمسك بمقولة الربط بين الأمن القومي الأميركي وأمن الطاقة النفطية، وحصلت بذلك على قدرة مضافة للتحكم في منابع الطاقة بالمنطقة أكثر منذ أواخر القرن الماضي.

وبالنظر إلى جدول رقم 1 (حجم وحركة الصادرات والواردات الأمريكية من وإلى دول القرن الأفريقيمما يرسخ الهدف من التوجهات الراهنة في منطقة القرن الأفريقي والتي تمثلت في السيطرة على المخزونات النفطية الهائلة والحصول عليها بأسعار منخفضة، ولاسيما بعد الاكتشافات الجديدة في المنطقة، علاوة على ذلك سعى واشنطن إلى تنويع مصادر الطاقة الخاصة بها والحد من المد الصيني في منطقة القرن الأفريقي.

وفي المقابل، وفي ظل ما تذخر القارة الإفريقية عمومًا ومنطقة القرن خصوصًا بكميات كبيرة وغير مستغلة من الثروات الطبيعية، من المعادن النادرة والنفيسة إلى الأخشاب والنفط، فضلًا عن وجود ثروة حيوانية وموارد رعوية مهمة. كل ذلك جعل الصين، الدولة ذات المليار والنصف نسمة وثاني أكبر مستورد للطاقة في العالم، تنظر إلى منطقة القرن الإفريقي كمستودع للثروات الطبيعية قد يساعد الصين على تلبية قدرٍ كبيرٍ من احتياجاتها الضخمة من الموارد والطاقة في مقابل أسعار أو خدمات رخيصة نسبيًا.

فبالنظر إلى أهم الواردات الصينية من دول المنطقة، نجد أنها تتكون بشكل أساسي من البن والجلود والحبوب الزيتية، بالإضافة إلى النفط الخام، وفي المقابل تمنح الصين تلك الدول إمكانية الوصول إلى عدد من الآليات والمعدات الصينية المتطورة، وخاصة في مجالات المنتجات الطبية ومعدات البناء.

القرن الأفريقي في الحسابات الجيوسياسية التركية

أثار إعلان الصومال توقيع اتفاق في مجال الطاقة مع تركيا لاستخراج النفط الخام من الأولى جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والإعلامية، خصوصًا أن الإعلان جاء في ضوء البيانات الناتجة من عملية المسح السيزمي التي كشفت عن أن الموارد النفطية الاحتياطية للصومال تقدر بأكثر من 30 مليار برميل، وهي التوقعات التي تضع البلاد في الترتيب السادس في قائمة الدول ذات أكبر احتياطات نفطية في العالم.

وهنا تجدر الإشارة، أن الاتفاقيات التي أبرمها الصومال مع الجانب التركي تُشكل مصدر تهديد جديدًا مع القوى الغربية لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، إذ تحاول الصومال الاعتماد على الخبرات التركية في استكشاف النفط الخام، خصوصًا بعد شعورهم بأن واشنطن تقف إلى جانب إثيوبيا في صراعها مع الصومال.

هنا تجدر الإشارة إلى أن تركيا تسعى للتواجد في العمق الأفريقي، بهدف تعزيز نشاطها الاقتصادي والسياسي، ولتوسيع نفوذها العسكري، حيث تقييم تركيا علاقات اقتصادية قوية مع الجانب الأثيوبي، إذ تُعد رابع أكبر شريك تجاري لأنقرة في القارة الأفريقية، وتتلقى وحدها حوالي 2.5 مليار دولار من إجمالي حوالي 6 مليار دولار التي تستثمرها تركيا في القارة الأفريقية. في مقابل هذا ينصب اهتمام هذا ينصب اهتمام تركيا الإنساني والعسكري كمزيج من الآداتين (الناعمة والصلبة) نحو الصومال، حيث بلغت المساعدات التركية الإنسانية والتقنية للصومال حوالي 450 مليار دولار.

الصومال موارد طبيعية وثروات هائلة

بشكل عام، تشتهر الصومال بتوفر الثروات والمواد الطبيعية فيها والمواد الخام الضرورية للعديد من الصناعات الحيوية، حيث يتوفر لديها احتياطيات كبيرة من النفط الخام والغاز الطبيعي، علاوة على ذلك فهي غنية بالحديد (حوالي 200 مليون طن ويبلغ متوسط محتواها حوالي 35%)، القصدير، النحاس والملح. وتتميز الزراعة في الصومال بأنها من أكبر المجالات الاقتصادية، حيث تشتهر بوجود ثروة حيوانية ضخمة فيها.

في أواخر الستينيات اكتشف علماء الجيولوجيا التابعون للأمم المتحدة رواسب ضخمة من اليورانيوم ومخزونات معدنية نادرة أخرى في الصومال. وكان الاكتشاف الأكبر من نوعه، حيث قدرت الاحتياطيات الصومالية من اليوارنيوم بحوالي 20% من احتياطيات اليورانيوم المعروفة في العالم والتي بلغت حوالي 800 ألف طن.

وأمام ما تقدم، يمتلك الصومال ثروات ومقومات متنوعة في مجال الطاقة (التقليدية والمتجددة)، والتي من الممكن أن تُسهم في تحقيق نقلة نوعية للدولة، ولكن بشرط ضرورة استغلالها بشكل صحيح وعلمي. ومن الجدير بالذكر أن الصومال يتمتع بأعلى معدلات سطوع وإشعاع شمسي على مستوى العالم، حيث يصل إلى حوالي 3100 ساعة (أساس سنوي)، وهو الأمر الذي يؤهلها لإنتاج الطاقة الشمسية بمستويات مرتفعة وجدوى اقتصادية مؤكدة. بالإضافة إلى طاقة الرياح البرية والتي تتجاوز سرعتها حوالي 7 أمتار لكل ثانية، وذلك بفضل اتساع المساحة والموقع الجغرافي المميز، مما يجعلها فرصة للاستثمار في مشروعات إنتاج الطاقة الكهربائية من طاقتي الرياح والشمس، كما يوضح الشكل التالي موارد وثروات الصومال الطبيعية الهائلة.

التنقيب عن النفط الخام وفرص النجاح

استنادًا إلى البيانات والتقديرات والدراسات الفنية، قدرت الاحتياطيات النفطية (المحتملة) في الصومال بحوالي 30 مليار برميل من النفط المكافئ (الحد الأدنى)، وتُعادل حوالي ثلاث مرات احتياطات النفط الجزائرية وتضع الصومال ثالثة إفريقيًا بعد كل من ليبيا ونيجيريا (في حالة نجاح عمليات البحث والتنقيب). وعليه تشكل الموارد النفطية الهائلة (احتمالات فنية وجيولوجية) في الصومال مصدر اهتمام لكبرى الشركات العالمية والدول الأجنبية في الآونة الأخيرة، إذ بات استخراج النفط الخام أقرب من أي وقت مضى بعد عمليات استكشافية ماراثونية استمرت أكثر من حوالي 65 عامًا، عندما بدأت عمليات البحث والاستكشاف عن النفط الخام والغاز الطبيعي في الصومال خلال خمسينيات القرن الماضي قبل أن ينال استقلاله عام 1960. ومنذ تلك الفترة وحتى عام 1990، عمليات التنقيب في الصومال جرت في حوالي 70 موقعًا بريًا و4 مواقع بحرية، وذلك من خلال كبرى شركات النفط والغاز الطبيعي في العالم، مثل شل وشيفرون وإكسون موبيل وإيني وغيرها من الشركات الكبري (بالنظر إلى تلك الشركات ومكانتها العالمية في مجال النفط الخام والغاز الطبيعي، سنجد أن الصومال تحتل مكانة متميزة وخاصة في البحث والتنقيب عن الطاقة التقليدية).

فالصومال يُشكل آخر الفرص المتبقية لموارد الطاقة البحرية غير المكتشفة في العالم، التي تحوي مليارات البراميل وتحمل فرصًا مالية واقتصادية هائلة للصومال والمستثمرين، كما يوضح الشكل التالي القطاعات السيزمية في المناطق المستهدفة.

وتتعاون تركيا والصومال الذي يتمتع بثروته من الموارد الطبيعية، بهدف اكتشاف النفط والغاز الطبيعي وترسيخ مفهوم أمن الطاقة لكلا الجانبين.

تداعيات اتفاقية التعاون على الصومال وتركيا

في مارس الماضي، وقعت الصومال وتركيا مذكرة تفاهم واتفاقية دولية لتطوير التعاون في مجال النفط الخام والغاز الطبيعي، وذلك بعد شهر واحد من توقيع اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي، تُقدم تركيا بمقتضاها دعمًا أمنيًا بحريًا لمساعدة مقديشو في الدفاع عن مياهها الإقليمية. ويشمل الاتفاق، بالإضافة إلى التنقيب عن النفط في الصومال، تقييمه وتطويره وإنتاجه، في المناطق البرية والبحرية. ووفقًا لوزارة الطاقة والموارد الطبيعية التركية، يتضمن الاتفاق عمليات النقل والتوزيع والتكرير والمبيعات والخدمات للنفط والمنتجات الأخرى من مشروعات برية وبحرية، مؤكدة أنه اتفاق حكومي دولي.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن مشاركة أنقرة في صناعة الطاقة في الصومال تُعد شراكة استراتيجية، وتتماشى مع خطط وتطلعاتها الجيوسياسية الأوسع في القارة الأفريقية، حيث إنه من المتوقع أن تستثمر تركيا بصورة موسعة وضخمة، إذ تشير التقديرات الأولية إلى حجم استثمارات محتمل تصل إلى حوالي نصف مليار دولار. وذلك لأن تطوير تلك الموارد والثروات النفطية الضخمة في الصومال، سيتطلب ضخ استثمارات ضخمة، مع بدء الحفر في مربعات بحرية محددة العام المقبل 2025.

ومن الناحية الاقتصادية، تُشكل الصفقة فرصة مهمة للصومال، من أجل الوصول إلى نقطة ارتكاز حقيقي فى ملف إدارة الموارد والثروات الطبيعية الغير مستغلة، هو الأمر الذي قد يُساهم في تحقيق اكتشافات تجارية ومكامن هيدروكربونية كبيرة (برية وبحرية). وقد يكون ذلك بمثابة حافزًا كبيرًا للنمو الاقتصادي، ما يمنح الاقتصاد الصومالي الدفعة التي يحتاج إليها بشدة للنمو وذلك من خلال تنويع وخلق مصادر جديدة للدخل وفرص عمل للشعب الصومالي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاتفاق قد يضع الصومال في وضع يمكنه من الاستفادة من موارده البحرية، وتعزيز إمكاناته الاقتصادية وتعزيز الاستقرار والنمو الاقتصادي على المدى الطويل.

شهد قطاع النفط والغاز الطبيعي الصومالي تطورات إيجابية (واعدة ومبشرة) خلال السنوات الـ3 الماضية، وذلك مع إعادة فتح أبواب قطاع الطاقة أمام الشركات الكبرى مجددًا للبحث والتنقيب عن مواردها الطبيعية بعد عقود طويلة من الانقطاعات بسبب الصراعات والحرب الأهلية.

وبالنظر إلى الأهداف التركية من هذا الاتفاق المهم، نجد أن تعاون أنقرة مع الصومال في مجال الطاقة يوفر فرصًا هائلة لها للنمو وبالأخص في ملف الطاقة العابرة للحدود (التي تعتمد على تأمين موارد جديدة للطاقة من خلال المنابع الخارجية)، وهو نهج جديد تتبعه الإدارة التركية مؤخرًا. علاوة على ذلك تتمتع الاتفاقية بأهمية إستراتيجية خاصة وذلك من المنظور الجيوسياسي، بالنظر إلى التطلعات الإقليمية الأكبر لأنقرة في منطقة القرن الأفريقي. تتمتع المنطقة بأهمية جيوسياسية واستراتيجية كبيرة ومكانة خاصة في أمن الطاقة العالمي، لأنها تقع عند تقاطع الممرات البحرية المهمة التي تربط البحر الهندي وبحر خليج عدن. وبالتالي تسعى تركيا من خلال الاتفاقية نحو تعزيز موقعها ونفوذها الإقليمي في هذه المنطقة الحيوية.

يتوافق الاتفاق في مجال الطاقة (وبالأخص النفط الخام والغاز الطبيعي) مع الأهداف الجيوسياسية الأوسع للإدارة التركية، وهو الأمر الذي يُسهم في تعزيز مكانتها بصفتها لاعبًا محوريًا في القرن الأفريقي وخارجه. لأن الفراغ الجيوسياسي الذي خلقته المنافسة بين واشنطن وبكين من شأنه أن يخلق بيئة خصبة، قد تسمح للقوى الإقليمية الفاعلة مثل تركيا أن يكون لها حظوظ أوفر في ملء الفراغ الحالي وإعادة ضبط التوازن الإستراتيجي في أماكن المنافسة والصراع المحتملة بينهما كمنطقة القرن الأفريقي.

مجمل القول، إن أهمية القرن الأفريقي ليست وليدة اليوم، فقد كانت ومنذ العصور القديمة محط أنظار القوى والإمبراطوريات المهيمنة، لأهميتها الإستراتيجية وإطلالها على طرق التجارة الدولية البرية والبحرية، ومنذ القرن الـ 15 ازداد التنافس الغربي على النفوذ بهذه المنطقة، بل وتحول لصراع في حالات عديدة. وعليه، لا تقتصر أهمية القرن الأفريقي على اعتبارات الموقع الإستراتيجي فحسب، وإنما تتعداها للموارد الطبيعية، كالنفط الخام، والذهب، والغاز الطبيعي، وامتلاكه احتياطات كبيرة من المعادن، التي تُستخدم في الصناعات الثقيلة والنووية، مثل: الكوبالت واليورانيوم، وتمتلك المنطقة ثروة مائية هائلة. بالنظر للأهمية الإستراتيجية التي تشكلها هذه المنطقة الحساسة فقد أصبحت نقطة جذب وتركيز واهتمام من العديد من كافة الأطراف الدولية والإقليمية، حيث تتصارع على مواطن الثروة والنفوذ ومراكز القوة والحضور.

 

المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/81993/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M