- يأتي طلب محامي نتنياهو رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ بمنح العفو عن نتنياهو في التهم الجنائية الموجهة له، في سياق حاجة نتنياهو إلى توسيع خياراته السياسية الداخلية مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية، إلى جانب أن العفو يُحرّره من ارتباطه بأحزاب اليمين المتطرف ويستطيع التحرك بحرية أكبر في الملفات الإقليمية التي يضغط ترامب عليه للتوصل إلى تسويات فيها، وبالذات غزة وسورية ولبنان.
- يطالب نتنياهو بعفو ولكن من دون أن يُقر بالذنب أو أن يقبل الخروج من المشهد السياسي، وهذا الموقف يضع تحديّات جمة أمام العفو، من أهمها غياب سابقة لعفو رئاسي بدون استحقاقات وأثمان شخصية يدفعها طالب العفو.
- من المتوقع أن يتخذ رئيس الدولة قراراً بمنح العفو إلى نتنياهو بشرط وقف التغييرات الدستورية ومجموعة من القوانين التي تغير النظام السياسي، من دون أن يطالبه باعتزال الحياة السياسية، أو أن يطالب النيابة وطاقم الدفاع بالتوصل سريعاً إلى تسوية قضائية تُنهي محاكمات نتنياهو ولكن مع تحقيق ذلك الشرط.
أرسل مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بطلب إلى رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ بالعفو عن نتنياهو من التهم الموجهّة له في ثلاثة ملفات جنائية، وبُرّر الطلب بضغط المحاكمات على نتنياهو التي تمنعه من أداء مهامه وحاجته إلى تفريغ وقته للعمل لصالح دولة إسرائيل، وأهمية ترميم المجتمع الإسرائيلي المنقسم حول هذه المحاكمة. وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه قد طالب الرئيس الإسرائيلي غير مرة بالعفو عن نتنياهو. ومن شأن قبول رئيس الدولة بطلب العفو أو رفضه أن يحمل تداعيات ليس على المشهد السياسي الداخلي فحسب، بل أيضاً على المشهد الخارجي في خضم التصعيد العسكري في جبهات مختلفة في الإقليم.
تناقش هذه الورقة الدوافع التي وقفت وراء طلب العفو عن نتنياهو من رئيس الدولة، وخيارات رئيس الدولة في هذا الشأن، وتأثيرات قراره على المشهد السياسي الداخلي والمشهد الخارجي.
طلب العفو لنتنياهو: الخلفية والدوافع
بعث محامو رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في 30 نوفمبر 2025 برسالة إلى رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ يطالبونه بمنح العفو إلى نتنياهو عن التهم الموجهة له في ثلاثة ملفات مُتهم فيها بالفساد والرشوة وخيانة الأمانة. وأُرفق بالطلب الطويل (المؤلف من 13 صفحة) رسالة قصيرة من نتنياهو مُوجهة إلى الرئيس عرتسوغ يبرر فيها طلب العفو. وأشار نتنياهو في رسالته إلى أنه على الرغم من مصلحته في استمرار المحاكمة بشأنه ليُثبت براءته الكاملة من التهم المُوجهة إليه، فإنه من موقع المسؤولية يطالب بالعفو لأن محاكمته أدت إلى انقسام شديد في المجتمع الإسرائيلي، إذ إن إلغاء المحاكمات سوف تُساهم في تجسير الانقسامات داخل المجتمع وتُعزّز الوحدة الداخلية. وانتقل بعدها إلى تبرير الطلب بوجود تحديّات أمنية وفرص سياسية لإسرائيل، وأن العفو ووحدة الداخل الإسرائيلي ستساهم في مواجهة هذه التحديات واقتناص الفرص.
ويمثل طلب المحامين بالعفو عن نتنياهو حالة فريدة في السياق الإسرائيلي، وذلك لسببين: الأول أن طلب العفو لم يأتِ بعد قرار قضائي نهائي يُدين نتنياهو، وهي الحالة القانونية التي يعالجها عادة رئيس الدولة ضمن صلاحياته، ويتم تقديمها من وزارة القضاء إلى رئيس الدولة. والثاني هو أن نتنياهو في طلب العفو لا يعبر عن اعترافه بالتهم، لا بل يبرر الطلب ببراءته ومصالح الدولة الأمنية والاجتماعية، ولا يصرح باستعداده لدفع ثمن مقابل العفو، وهي حالة غير مسبوقة في تاريخ ملفات العفو في إسرائيل.
شهدت إسرائيل حالة عفو واحدة سبقت تقديم لوائح اتهام ضد المتورطين، وكان الاعتبار هو الحفاظ على أمن الدولة، وكان ذلك في منح العفو إلى المتورطين في قضية حافلة “خط 300″، عندما استولى مسلحون فلسطينيين على حافلة عام 1984 وطالبوا بالإفراج عن الركاب بتحرير أسرى فلسطينيين، وبعد عملية عسكرية ناجحة، وقتْل المسلحين، تم أسر فلسطينيَّين وقتلهما لاحقا بوحشية بعد التحقيق معهما في الميدان من طرف ضباط في جهاز “الشاباك”، والإعلان أنهما قتلا خلال عملية تحرير الرهائن، ولم يعلم الضباط أن صحفياً صور المسلحين الفلسطينيَّين وهما على قيد الحياة بعد اعتقالهما، ونشر صورهما في اليوم التالي.
منح رئيس الدولة حاييم هرتسوغ (والد الرئيس الحالي) عفواً لرئيس الشاباك وثلاثة ضباط عاملين في الجهاز، وذلك بعد إعلان المستشار القضائي للحكومة بضرورة فتح تحقيق جنائي ضد المتورطين بالقضية، ولمنع ذلك والحفاظ على أمن الدولة قرر رئيس الدولة منحهم العفو بشرط إنهاء عمل رئيس الشاباك وباقي الضباط، وهذا ما حصل.
انقسم السجال في إسرائيل حول طلب العفو إلى ثلاثة مواقف: الأول يطالب رئيس الدولة برفض الطلب لأنه لا يستوفي الشروط القانونية لطلب العفو، ومنها الاعتراف بالتهم والخروج من المشهد السياسي. والثاني يطالب رئيس الدولة بالموافقة على العفو مع وضع شروط له، وفي مقدمتها خروج نتنياهو من المشهد السياسي، أو وقف جميع خطط التغييرات الدستورية. والثالث يطالب بالموافقة على العفو كما جاء في نص الطلب.
وجاء توقيت طلب العفو في أعقاب التطورات الآتية:
أولاً، اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية؛ إذ تشير أغلب استطلاعات الرأي إلى أن نتنياهو لن يستطيع تشكيل حكومة من القوائم الحزبية الحالية التي تتألف منها، ولا من قوائم المعارضة التي ترفض التحالف معه لتشكيل حكومة بسبب لوائح الاتهام الموجهة ضده، لذلك فإن منحه العفو سوف يوسع خياراته السياسية الداخلية لضم قوائم جديدة إلى الحكومة في حال تم تكليفه بتشكيلها في أعقاب الانتخابات المقررة في أكتوبر 2026.
ثانياً، قانون تجنيد الحريديم؛ إذ يخشى نتنياهو من تشريع قانون تجنيد للحريديم، خوفاً من سقوط حكومته وتراجع شعبيتها الانتخابية، وزاد الضغط عليه من أجل تشريع قانون معقول لتجنيد الحريديم بعد الرفض الكبير لاقتراح القانون الأخير الذي عرضه رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، والذي أثار غضباً واسعاً في إسرائيل، لذلك فإن منحه العفو سوف يحرّره من التبعية للأحزاب الدينية الحريديّة، ويشجعه على تشريع قانون يتفق عليه أغلب الإسرائيليين.
ثالثاً، الضغط الأمريكي لتسويات سياسية في غزة وسورية ولبنان؛ إذ يزداد الضغط الأمريكي على نتنياهو للتقدم بالمسارات السياسية على مختلف الجبهات، وتحديداً بدء المرحلة الثانية من اتفاق إنهاء الحرب في غزة، وإبرام اتفاق أمني مع إدارة الشرع في دمشق، وتهدئة الجبهة مع لبنان لإعطاء فرصة للرئيسَين جوزيف عون ونواف سلام لتطبيق خطة نزع سلاح حزب الله. ويُدرك نتنياهو أن التقدم سياسياً بأي من هذه المسارات قد يُهدد حكومته، دون أن يكون له بديل، لذلك فإن العفو يُحرّره من ارتباطه بأحزاب اليمين المتطرف ويستطيع التحرك بحرية أكبر في هذه الملفات (انظر بتوسع لاحقاً).
رابعاً، بدء مرحلة جديدة من المحاكمة؛ فمنذ بدء محاكمات نتنياهو في نهاية العام الماضي يضطر نتنياهو للمثول للمحكمة ثلاث مرات أسبوعياً، وهذا الأمر قد يستمر لسنوات، وهو أمر يُعيق عمل نتنياهو كرئيس للحكومة، فضلاً عن تخوفه من أن المداولات التفصيلية قد تكشف المزيد من أفعاله وتُظهره كاذباً، وبخاصة في هذه المرحلة التي بدأت فيها النيابة بمرحلة الاستجواب ومواجهته بالحقائق.
خامساً، تدخُّل ترامب في الملف؛ فقد بادر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عدة مرات بطلب منح نتنياهو العفو بدعوى أن التهم الموجهة إلى نتنياهو ذات دوافع سياسية، وكان آخرها تقدمه برسالة خطية إلى هرتسوغ في نوفمبر الماضي يطالبه فيها بمنح العفو عن نتنياهو، بعد أن تحدث بذلك علانية في خطابه في الكنيست في أكتوبر الماضي. وكل ذلك شجع نتنياهو لتقديم طلب العفو، ولم يُخف نتنياهو أن تدخل ترامب بهذا الملف عدة مرات في الشهور الأخيرة دفعه إلى تقديم هذا الطلب.
انعكاسات خارجية
برّر كلٌّ من ترامب ونتنياهو المطالبة بالعفو بوجود فرص استراتيجية إقليمية، وأن منح العفو لنتنياهو سوف يُساهم في تحقيق هذه الفرص، مما ينعكس إيجابياً على إسرائيل والمنطقة. ولم يتم التطرق في السجال الإسرائيلي لهذه النقطة، فالمشهد السياسي الداخلي عشية الانتخابات طغى على النقاش حول منح العفو لنتنياهو. ويبقى السؤال الذي سنحاول الاجابة عنه في هذا المحور هو: ما علاقة العفو (وهي مسألة قضائية سياسية داخلية) بالفرص الاستراتيجية التي تحدث عنها كل من نتنياهو وترامب؟
هناك علاقة بين الواقع السياسي الإسرائيلي الذي يتحرك فيه نتنياهو وبين الفرص الاستراتيجية. وكانت لوائح الاتهام والمحاكم واحدة من العوامل المهمة التي أدت بنتنياهو إلى شرعنة اليمين المتطرف في المشهد السياسي وإدخاله الحكومة، لأن خياراته أصبحت معدومة لتشكيل حكومة إلا من خلالهم. فالتيار الذي يطلق على نفسه “باستثناء نتنياهو”، يرفض المشاركة في حكومة بقيادة نتنياهو المقدمة ضده لوائح اتهام.
ومنح العفو إلى نتنياهو وإلغاء لوائح الاتهام بحقه، ستوسع خياراته لتوسيع الحكومة في انتخابات مقبلة، والأهم من ذلك ستدفعه إلى اتخاذ قرارات في المرحلة الحالية يرفضها اليمين المتطرف حتى لو أدت إلى إسقاط حكومته. وفي المقابل، فإن بقاء لوائح الاتهام والمحاكمة ستجعله أسيراً للتركيبة الحالية للحكومة، سواء في اتخاذ قرارات داخلية (مثل قانون تجنيد الحريديين) أو عدم اتخاذ قرارات استراتيجية متعلقة بالمنطقة، بما في ذلك الملف الفلسطيني.
يُعوّل نتنياهو على أن منحه العفو في ظل بقاء الليكود الحزب الأكبر في الكنيست في أي انتخابات تجري لاحقاً، سيمنحه الفرصة لتشكيل حكومة مركز-يمين بدل حكومة يمينية متطرفة، وسيُحرج خصومه في حال عدم الانضمام له بعد منحه العفو، لا سيّما أن مبرر هؤلاء لعدم المشاركة في حكومة مع يتمثل بكونه يواجه ثلاث لوائح اتهام، ومنها الفساد. وتشكيل حكومة يمين-مركز ستكون قادرة على اتخاذ قرارات متعلقة بالبيئة الإقليمية، وحتى الموافقة على مسار لقيام دولة فلسطينية، مما يفتح من جديد خيارات توقيع اتفاقيات تطبيع في المنطقة.
ترفض قوائم اليمين المتطرف في الحكومة أي تنازل سياسي في الموضوع الفلسطيني حتى لو كان الثمن التخلي عن فرص التطبيع في المنطقة، أو تسويات سياسية في ملفات أخرى في سورية ولبنان، وحتى نتنياهو نفسه يرفض ذلك في ظل الواقع السياسي الحالي، فليس من مصلحته الذهاب إلى أيّ تسويات قد تُهدد حكومته أو تمنعه من الفوز في الانتخابات أو تشكيل حكومة في المستقبل، لأنه يدرك أن وضعه القضائي لا يمنحه فرصة لتشكيل حكومة إلا مع هذه القوائم.
وقد أقنع نتنياهو ترامب بهذه المعادلة، أي العلاقة بين العفو والمضيّ معه في مخططاته الإقليمية. وترامب من جهته لا يستطيع انتظار الانتخابات الإسرائيلية في أكتوبر 2026 ليفوز شخص آخر في الانتخابات غير نتنياهو، فالملفات المطروحة لا تحتمل الانتظار عاماً آخر وتحتاج إلى تقدم سريع بشأنها، ومنح العفو لنتنياهو سوف يشجعه على اتخاذ قرارات صعبة حتى في ظل الحكومة الحالية ولو بثمن إسقاطها.
يدرك ترامب، وحتماً بعد مباحثاته مع نتنياهو، أن خطته في غزة ستُواجه الكثير من العثرات مع التركيبة الحالية للحكومة الإسرائيلية، وظهر ذلك في بعض المؤشرات:
أولاً، امتناع الائتلاف عن التصويت في الكنيست على تبني بيان مؤيد لخطة ترمب، والذي عرضته المعارضة على الكنيست، فقد أيّد البيان 39 عضو كنيست، كلهم من المعارضة، وغاب كل نواب الائتلاف الحكومي عن التصويت، وهذا دليل على أن الائتلاف الحكومي يضم مكونات وأعضاء كنيست لا يؤيدون جميع البنود في خطة ترامب، ولا يريدون تسجيل موقف رسمي بالتصويت مع الخطة.
ثانياً، اختيار اللجنة الوزارية الإسرائيلية التي ستتابع تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف الحرب في غزة، وتشمل الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريش اللذين عارضا خطة ترامب، ومن الصعوبة التقدم مع هذه اللجنة في تطبيق سلس للخطة من الجانب الإسرائيلي.
ثالثاً، تصريحات وزراء في الحكومة حول أنهم يفضلون الوضع القائم فيما يتعلق بالسياسات الإسرائيلية تجاه الملف الفلسطيني على التطبيع أو السلام الإقليمي، وكان التصريح الأكثر حدة وعنصرية ما قاله سموتريتش بخصوص التطبيع مع السعودية.
المعوقات أمام العفو والتوقعات
يُطالب نتنياهو بعفو من دون دفع أي ثمن أو استحقاق شخصي أو سياسي. وهذا الموقف يضع تحديّات جمة أمام العفو، وأمام مخطط ومرمى نتنياهو منه. ويُمكن الإشارة إلى مجموعة من هذه التحديّات:
أولاً، غياب سابقة لعفو رئاسي من دون استحقاقات وأثمان شخصية يدفعها طالب العفو، وهذا الأمر يضع رئيس الدولة أمام معضلة كبيرة جداً في منح نتنياهو عفواً بدون تدفيعه أي ثمن، كما يطالب نتنياهو، والذي من شأنه أن يضعه في موقع المتواطئ مع نتنياهو وأهدافه السياسية، ومخالفاً بذلك تيارات وشرائح اجتماعية تؤيد العفو ولكن مع فرض استحقاقات شخصية على نتنياهو.
ثانياً، منح نتنياهو عفواً بدون دفع ثمن شخصي سيؤدي إلى تقديم التماسات إلى المحكمة العليا ضد العفو، إذ إن السوابق القضائية للعفو تُلزم تدفيع المعفو عنه ثمناً شخصياً أو اعترافاً بالتهم الموجهة إليه، وفي حالة نتنياهو فإن أياً من هذه الاستحقاقات غير قائمة مما قد يدفع المحكمة العليا إلى إبطال العفو.
ثالثاً، الانقسام في الشارع الإسرائيلي حول العفو، وهو واحد من الاعتبارات التي سيأخذها رئيس الدولة في الاعتبار في قراره حول طلب نتنياهو بالعفو، ففي استطلاع حول موقف الشارع الإسرائيلي من العفو يتبين أن 38% يؤيدون منح نتنياهو عفواً بدون شروط، و27% يؤيدون ذلك بشرط انسحاب نتنياهو من المشهد السياسي، و21% يعارضون منحه العفو. ويوضح الاستطلاع أن هناك أغلبية لمنح نتنياهو عفو، وفي المقابل فإن 48% يعارضون العفو كلياً أو إذا كان من دون استحقاقات شخصية يدفعها نتنياهو.
ويُتوقع أن يتخذ رئيس الدولة هرتسوغ قراراً بالموافقة على طلب الإعفاء بشرط أن يوقف نتنياهو التغييرات الدستورية ومجموعة من القوانين التي تغير النظام السياسي، دون أن يطالبه باعتزال الحياة السياسية، أو أن يطالب النيابة وطاقم الدفاع بالتوصل سريعاً إلى تسوية قضائية تُنهي محاكمات نتنياهو، وقد يتضمن قرار هرتسوغ كلا العنصرين معاً.
سيلقى هذا القرار تأييداً من أغلب مكونات المشهد السياسي والاجتماعي من اليمين ومن المركز أيضاً. ومن الصعوبة توقع قبول هرتسوغ العفو من دون شروط، في حين أن من المخاطرة الاجتماعية أن يقبلها بشرط تنحي نتنياهو السياسي، فنتنياهو نفسه لن يقبل بعفو كهذا وسيستمر في المحاكمة، ففي تصريح له في مؤتمر صحفي مع المستشار الألماني فريدريك ميرتس خلال زيارته لإسرائيل في 7 ديسمبر، قال نتنياهو بشكل واضح إنه لن يقبل عفواً يعزله عن المشهد السياسي.
استنتاجات
يحمل طلب العفو خلاصاً شخصياً لنتنياهو على المستوى السياسي، ولكنه في الوقت نفسه يحمل تداعيات سياسية تتعدى المشهد الداخلي الإسرائيلي، فمن شأن منح العفو لنتنياهو أن يسّرع الحراك في الكثير من القضايا الإقليمية العالقة التي باتت تتأثر أكثر فأكثر بطبيعة النظام السياسي الحاكم في إسرائيل عموماً، واقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية، وشغف نتنياهو بالبقاء في السلطة. ونجح نتنياهو في إقناع ترامب بوجهة نظره هذه، وهو بذلك استفاد مرتين: مرة بتجنيد ترامب لطلب العفو له، وهو عامل سيؤثر في موقف رئيس الدولة، ومرة بالمناورة أمامه فيما يتعلق بالملفات الإقليمية تحت طائلة أزمته السياسية التي لا ذنب له فيها، كما يزعم.