المحادثات القصيرة الأمد بين الولايات المتحدة و”حماس” تشكل تحذيرًا لواشنطن والقدس

لضمان استمرار الضغط على حركة ‘حماس’ والحفاظ على قوة الردع الأمريكية في مرحلة حساسة من المناقشات حول غزة، تحتاج إدارة ترامب إلى تعزيز تنسيقها الدبلوماسي ورسائلها العلنية مع إسرائيل.

في الرابع آذار/مارس، أجرى المبعوث الأمريكي آدم بوهلر محادثات مباشرة مع كبير مفاوضي “حماس” خليل الحية في العاصمة القطرية الدوحة، وذلك في أعقاب محادثات تمهيدية قبل أسبوعوأفادت التقارير أن المفاوضات تركزت على إطلاق سراح الرهينة الأمريكي الإسرائيلي عيدان ألكسندر وتسليم جثث أربعة رهائن أمريكيين إسرائيليين آخرين. ورغم أن تصريحات بوهلر الإعلامية اللاحقة شددت على الضرورة الإنسانية لاستعادة الرهائن المتبقين، إلا أنه أشار أيضًا بشكل إيجابي إلى ما بدا  أنه اقتراح من “حماس” لـ “هدنة تتراوح بين خمس إلى عشر سنوات”، مما أضفى على الاجتماعات وزنًا دبلوماسيًا أكبر بكثير.

في العاشر من أذار /مارس أوضح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الذي بدا متأثراً بالانتقادات الإسرائيلية لتصريحات بوهلر والمحادثات مع الحية، أن الولايات المتحدة لن تشارك مجدداً في مفاوضات مباشرة مع “حماس”، بل ستلتزم بالقناة الدبلوماسية الرئيسية بدلًا من ذلك: ” وكان ذلك وضعًا استثنائيًا… وحتى الآن، لم يؤتِ ثماره بعد. وهذا لا يعني أن بوهلر كان مخطئًا في محاولته، لكن وسيلتنا الأساسية للتفاوض في هذه القضية ستظل عبر مبعوث الشرق الأوسط ستيف ويتكوف والعمل الذي يقوم به من خلال قطر”. وفي اليوم نفسه، دعا ويتكوف إلى فرض موعد نهائي على “حماس” لمغادرة غزة مصطحبةً أسلحتها.كما أشار إلى أنه بمجرد حدوث ذلك، ستكون “جميع الأمور مطروحة على الطاولة”، بما في ذلك الانسحاب الإسرائيلي بشكل ضمني. وعلى الرغم من التوضيحات الدبلوماسية التي قدمتها واشنطن، إلا أن هذه الحادثة تستحق التدقيق بعناية لما تكشفه من ثغرات في التنسيق الأمريكي الإسرائيلي بشأن مستقبل غزة.

لماذا أغضبت المحادثات إسرائيل

ترى إسرائيل أن المحادثات المباشرة، مثل تلك التي أجراها بوهلر، قد تخلق انطباعًا بأن “حماس” تمتلك القدرة على إحداث شرخ بين واشنطن والقدس، مما يعزز الاعتقاد بأنها اكتسبت نفوذاً نتيجة هجومها على إسرائيل واحتجاز الرهائن في 7 تشرين الأول /أكتوبر. وربما تستخدم “حماس” أيضاً هذه المحادثات لإرسال رسالة إلى الحكومات العربية والفصائل الفلسطينية الأخرى والجمهور الفلسطيني مفادها أنها لن تغادر غزة أو الضفة الغربية – وهي رسالة من شأنها أن تزيد من تقويض السلطة الفلسطينية عبر الإيحاء بأن “حماس” لا تزال الجهة الفاعلة الأقوى.

كما أن إسرائيل أبدت انزعاجها من المحادثات لأنها لا تريد تصوير مفاوضات الرهائن على أنها قضية ثنائية بين الولايات المتحدة و”حماس”. فقد اشترطت “حماس” مرارًا وتكرارًا إطلاق سراح أسرى فلسطينيين من السجون الإسرائيلية مقابل تحرير الرهائن، وهو أحد الأسباب العديدة التي تجعل للقدس مصلحة مباشرة في أي محادثات من هذا القبيل. علاوة على ذلك، فإن التفاوض بشكل منفصل على إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين قد يؤدي إلى إعطاء انطباع بأن حيازة جواز السفر الأمريكي تمثل السبيل الوحيد الممكن لخروج الرهائن من غزة، خاصة في ظل التقارير التي تفيد بأن إسرائيل تدرس استئناف العمليات العسكرية واسعة النطاق.

دروس للتنسيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل

تشير مشاركة بوهلر إلى أن الإدارة الأمريكية ربما تغفل جوانب مهمة من وضع “حماس” الحالي- باعتبارها طرفًا خاسرًا في حرب طويلة، وسجلها السابق كحركة دأبت على خرق الهدناتفمن الناحية التاريخية، تعاملت “حماس” مع عروض الهدنةمثل المقترح الذي أشار إليه بوهلرعلى أنها فرصة لإعادة التسلح، ولطالما خرقت الاتفاقات عندما رأت في ذلك خدمةً لمصالحها. “والآن، بعد أن أصبحت “حماس” في وضع حرج داخل غزة، من المحتمل أنها ترى أن الحصول على قدر من الاعتراف الأمريكي يُعتبر عاملًا حاسمًا لبقائها، مما قد يدفعها إلى فعل أو قول أي شيء تقريبًا لتحقيق ذلك. في الواقع، قد يشكّل التفاوض المباشر مع الحركة سابقة خطيرة، إذ يمكن أن يسهم في إضفاء الشرعية على ما تبقى من قيادتها، وتقويض النفوذ الأمريكي-الإسرائيلي، وإضعاف مكانة السلطة الفلسطينية كبديل محتمل لإدارة غزة. وفي حالة بوهلر، فإن ما بدأ كمحادثات إنسانية هادفة تتعلق برهينة واحدة تحوّل فجأة- ولو لفترة وجيزة- إلى نقاش سياسي إسرائيلي-فلسطيني رفيع المستوى تم فيه استبعاد أحد الأطراف.

إن الحد من التعامل مع “حماس” لا يقتصر على منعها من حكم غزة بعد الحرب بشكل رسمي، فكما لاحظت إسرائيل بحق، يمكن للحركة أن تفرض نفوذها على القطاع ببساطة من خلال الاحتفاظ بكوادر مسلحة هناك، تمامًا كما فعل “حزب الله” في لبنان. ولذلك، فإن أي إضفاء للشرعية على وجودها بأي شكل من الأشكال قد يكون موضع إشكال.

وكانت هذه الحادثة أيضًا من أقرب اللحظات إلى حدوث خلاف علني بين واشنطن والقدس منذ بداية إدارة ترامب. فقد كانت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مطمئنة إلى حد كبير بفعل تصريحات الرئيس ترامب الأخيرة بشأن القضايا المتعلقة بإسرائيل، وكانت حريصة على تجنب إظهار أي خلافات علنًا. ذلك أن إسرائيل حريصة بشكل عام على تجنب ظهور أي انقسامات علنية بين واشنطن والقدس، إيمانًا منها بأن الخصوم قد يستغلون هذه الخلافات لصالحهم. ورداً على محادثات بوهلر، أصدر مكتب نتنياهو بيانًا مقتضبًا عبر فيه عن معارضته، ولكن بلهجة شديدة التحفظ، محاولًا إبقاء معظم استيائه ضمن القنوات الخاصةومن المؤكد أن تصريحات الوزير روبيو اللاحقة جاءت بما يرضي رئيس الوزراء، إذ بررت نهج ضبط النفس الذي انتهجه.

وعلى نطاق أوسع، تشير هذه الحادثة إلى أن الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية تعملان وفق جدولين زمنيين مختلفين فيما يتعلق بغزة. فالمحادثات المباشرة التي أجراها بوهلر مع “حماس” تعكس رؤية إدارة ترامب التي تعتبر أن وضع الرهائن بات حرجًا، غير أن تصرفات نتنياهو الأخيرة قد تكون مدفوعة بمخاوفه على مستقبله السياسي الداخلي، الذي قد يتضرر بأي إشارة بأن إسرائيل سنتسحب من غزة. والجدير بالذكر أنه بينما يستعد المبعوث الأمريكي الرفيع المستوى، ويتكوف، للتوجه إلى قطر قريبًا لإجراء مزيد من المحادثات حول غزة، فإن إسرائيل تمتنع عن إرسال كبار مفاوضيها.

وحتى عندما يكون الحليفان متفقين على مواجهة حماس”، يجب عليهما التفكير مليًا في طبيعة الضغط العلني الذي يمارسانه في غزة. على سبيل المثال، قد تهدف التصريحات العلنية لويتكوف بشأن إبعاد “حماس” من القطاع، إلى جانب القرار الإسرائيلي الواضح بتعليق تسليم المساعدات والمياه والكهرباء، إلى ممارسة الضغط على “حماس” للإفراج عن الرهائن، إضافةً إلى تحقيق أهداف سياسية أخرى.  والواقع أن إسرائيل تحقق مكاسب عندما تستطيع الاستناد إلى الدعم الأمريكي لأفعالها، كما أن تراجع انتقادات البيت الأبيض مؤخرًا مقارنةً بمواقفه خلال إدارة بايدن يمنح القدس هامشًا أوسع للمناورة. ففي السادس من آذار/مارس، على سبيل المثال، دافعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية تامي بروس عن قرار إسرائيل بحجب الإمدادات الإنسانية، مرددةً حجة مفادها أن توزيع المساعدات لا يمكن أن يتم في بيئة “غير آمنة”. لكن بصرف النظر عن مدى مصداقية هذه المبررات، فإنها قد تصرف الانتباه عن المناقشات المتعددة الأطراف الجارية بشأن الخطوات المقبلة في غزة، مما يؤجج التوترات مع الحكومات التي ترى أن إسرائيل والولايات المتحدة لا تبديان اهتمامًا كافيًًا بالمخاوف الإنسانية.

التداعيات على الردع الأمريكي

بطبيعة الحال، لم يكن بوهلر يتصرف بمفرده عندما انخرط مع “حماس” – إذ أن الرئيس ترامب نفسه دافع علنًا عن المحادثات، قائلًا: “نحن لا نفعل أي شيء فيما يتعلق بـ”حماس”. نحن لا نقدم المال. يجب عليك أن تتفاوض. هناك فرق بين التفاوض والدفع. نحن نريد إخراج هؤلاء الرهائن”. ومع ذلك، فإن التباينات الواضحة في بعض تحذيرات الإدارة الأمريكية وتصريحاتها قد تؤدي في نهاية المطاف إلى إضعاف قوة الردع الأمريكية.

على سبيل المثال، بعد أن تحدث ترامب عن “تطهير” غزة وإقامة منتجعات شبيهة بمنتجعات الريفييرا هناك، تراجع مساعدوه عن بعض جوانب تصريحاته. وفي حين أشار روبيو إلى أن أي خطة نقل الفلسطينيين ستكون طوعية، فإن الإدارة الأمريكية امتنعت منذ ذلك الحين عن إعادة طرح هذا المقترح.إعادة التطرق مجددًا إلى هذا المقترح منذ ذلك الحين. وفي وقت لاحق، بعدما خرج ثلاثة رهائن من غزة وهم في حالة مُزرية، صرّح ترامب بأنه سيدعم استئناف إسرائيل للحرب ما لم يتم إطلاق سراح جميع الرهائن دفعة واحدة. ومع ذلك، لم تكن إسرائيل مستعدة للمخاطرة بتأمين تحرير المزيد من الرهائن عبر الوسائل الدبلوماسية ولم تأخذ بنصيحة ترامب. وقد أصدر الرئيس الأمريكي إنذارات مماثلة في مناسبات أخرى أيضًا – فقد حذّر “حماس“ منذ أشهر من أن “الجحيم سُيدفع ثمنه” إذا لم تُفرج الحركة عن جميع الرهائن، وكرر التهديد في 5 آذار/مارس، معلنًا أن هذا سيكون “الإنذار الأخير”. غير أنه في اليوم التالي، دافع عن قراره بكسر المحظورات القائمة منذ زمن طويل بشأن المحادثات المباشرة مع “حماس”.

خاتمة 

تشير هذه الحادثة إلى أهمية تعزيز التنسيق الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وإسرائيل فيما يتعلق بغزة قدر الإمكان. وبالطبع، لا يمكن القضاء على الخلافات بشكل كامل، لأن مصالح الحليفين متقاربة، ولكنها ليست متطابقة تمامًا. ومع ذلك، إذا كان ويتكوف يعتقد أن محادثات الدوحة يمكن أن تكون وسيلة لإخراج “حماس” وأسلحتها من القطاع، فإن تحقيق هذا الهدف يتطلب تنسيقًا وثيقًا بين القدس وواشنطن فيما يتعلق بالأهداف والاستراتيجيات والتكتيكات المشتركة. ويشمل ذلك اتساق الرسائل العلنية الأمريكية، بحيث لا تعتقد “حماس” أن واشنطن قد تتراجع في نهاية المطاف وستسمح لها بالاحتفاظ بالسلطة، سواء بحكم الأمر الواقع أو بشكل رسميوتكتسب هذه المسائل حساسية خاصة في الوقت الراهن، عندما تكون فرص تجدد الحرب وحياة الرهائن المتبقين على المحك.

وعلى نطاق أوسع، دأب الخصوم الأجانب دائماً على محاولة استغلال الثغرات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. لذلك يجب على إدارة ترامب وحكومة نتنياهو أن تحرصا على ألا تؤدي تحذيراتهما وأفعالهما إلى خلق المزيد من هذه الفجوات، حتى على المستوى الخطابي.

ديفيد ماكوفسكي هو زميل “زيغلر” المتميز ومدير “مشروع كوريت حول العلاقات العربية الإسرائيلية” في معهد واشنطن.

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M