تقديم :-
في سياق النظام العالمي المعاصر الذي يطالب بسمو المعايير الكونية على الخصوصية الوطنية، فإنه يتم قمع الاختلاف الثقافي والفكري غير الغربي من خلال الحث على التجانس أو “محو الذات” لتصبح “الآخر”، حيث تتحول الكونية المعيار الليبرالي الذي يُنظر إليه على أنه مشجع ليس فقط “للعالمية” ولكن “للتوحيد”، الذي يعني تهجينالقوانين الوطنية للدول غير الغربيةوفقا للمعايير الكونية،والهندسة الاجتماعية التي تفرضها مركزية الفلسفة والأيديولوجية الغربية. مما يصعب على تلك الدول أن تحتكر صناعة قانونها الوطني، خاصة في ظل قيام النظام النيوليبراليالذي يعمل على “المستوى فوق الوطني”، باعتماد قانونه النظامي الخاص (القانون الدولي)، ومن خلال افتراضه أن المرجعية الكونية الغربية لم تعد بحاجة إلى معرفة الاختلاف الفكري غير الغربي، بحيث يقومبإعادةتقديم الآخرين غير الغربيين كغائبين أو صامتينأو يتم تجسيدهم على أنهم “الآخر” أو”الاختلاف”، رغم أن تاريخ الفكر الفلسفي الغربي لم يقتحم الحداثة من تلقاء نفسه، بل تأثر بشدة بكل أشكال الحداثة السابقة. فالفلسفةالقانونية الحديثة ليست شيئاً يستطيع الغرب على نحو مشروع أن يطالب باحتكاره بشكل كامل. حيثتوضح هذه النتائج أهميةالتحليل الثقافي للقانون مقارنة بالمقاربات الداعية إلى المواءمة القانونية الشاملة مع المعايير الكونية. كما أن جهود الدول غير الغربية الرامية إلى الدفاع عن “التنوع الثقافي والفكري” وتعزيزه، قد تمكنها من خلال تمسكها بالخصوصية الوطنية، من أن تتبنىمشروعافكريا وسياسياعالميا يهدف إلى تحدي الكونية الليبرالية، من خلالاتباع معايير وقيم بديلة (غير ليبرالية).