بنود غامضة وشروط تعجيزية: هل يقترب “لبنان” و”إسرائيل” من التوصل إلى اتفاق؟

بعد تسليم السفيرة الأمريكية ليزا جونسون مسودة مقترح هدنة إلى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري في الخامس عشر من نوفمبر الماضي، تتضمن مجموعة من البنود تهدف إلى وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، وتنفيذ قرار مجلس الأمن 1701؛ من المرتقب أن يقدم لبنان ردًا خلال الأيام المقبلة، وسط حديث عن “جولة أولى من المفاوضات الجدية” ستُجرى هذا الأسبوع، مع وصول الموفد الرئاسي الأمريكي عاموس هوكشتاين إلى بيروت عبر باريس، قبل أن يتوجه إلى تل أبيب الأربعاء المقبل حاملًا حصيلة اجتماعاته في لبنان.

ويأتي ذلك وسط مع تفاؤل حذر من المجتمع الدولي، واعتراض إسرائيلي على المسودة؛ حيث تطالب حكومة “نتنياهو” بمزيد من صلاحيات التحرك الإسرائيلي في الجنوب اللبناني في حال تم رصد وجود لحزب الله، وتحفظ لبناني على العديد من البنود أهمها غموض حول ماهية القوة الدولية الجديدة. مما يثير تساؤلات حول نجاح المفاوضات الحالية في أن تصل إلى هدفها في وقف شرارة الحرب الإسرائيلية في لبنان؛ في ظل توسيع العملية البرية ودخولها المرحلة الثانية منذ أيام قليلة، واستمرار سياسية الاغتيالات الإسرائيلية لقادة حزب الله، كان آخرهم المتحدث الإعلامي باسم الحزب محمد عفيف في غارة جوية في بيروت اليوم. ووسط أيضًا ضغط أمريكي من قبل الإدارة التي ستنتهي ولايتها في يناير القادم والتي تسعى إلى تحقيق ما يسمى بـ “الإنجاز الأخير” في أحد الملفات المشتعلة في الشرق الأوسط. وفي ذلك الإطار تحاول السطور القادمة الإجابة على تساؤل؛ إلى أي مدى يقترب حزب الله وإسرائيل من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار؟

منذ تصاعد الغارات الجوية الإسرائيلية العنيفة على جنوب لبنان في منتصف سبتمبر الماضي، وقبل الغزو البري للبنان في الأول من أكتوبر، طُرح العديد من مسودات اتفاقيات لوقف هذا التصعيد، منها ما طرحته الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا في نهاية سبتمبر، والذي كان يتضمن وقفًا لإطلاق النار لمدة 21 يوم في 14 بندًا[1]. لكن سرعان ما أثبتت هذه المحاولات فشلها عندما تعثرت بسبب اغتيال إسرائيل للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وبدء العملية العسكرية الإسرائيلية في لبنان، مما أدى إلى تراجع الجهود الدبلوماسية خاصة الأمريكية في ذلك الوقت لوقف إطلاق النار. [2]

في وقت لاحق، وضعت إسرائيل مجموعة من المطالب لقبول وقف إطلاق النار، أهمها السماح للجيش الإسرائيلي بالانخراط في عمليات للتأكد من عدم إعادة تسليح حزب الله أو إعادة بناء البنية التحتية العسكرية في المناطق الحدودية، وأن تعمل بحرية في المجال الجوي اللبناني، والتي تتناقض مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي ينص على أن الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) هما الجهتان المخولتان بتنفيذ القرار والتواجد في المنطقة الحدودية، وهو بدوره ما أدى إلى تراجع مؤشرات قرب الوصول إلى اتفاق حقيقي، في ظل فرض إسرائيل شروطًا صُنفت بأنها “تعجيزية”.[3].

واستمرارًا للمساعي الأمريكية، طرح عاموس هوكشتاين، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي جو بايدن، خلال زيارته إلى بيروت مقترحًا جديدًا، والذي يتضمن تعديلًا للقرار 1701، والذي يشمل توسيع مهام القوات الدولية بحيث تشمل الحق في تفتيش أي نقطة يشتبه بوجود أسلحة فيه بالتعاون مع الجيش اللبناني، ومنحها الحق في القيام بدوريات مفاجئة دون الحاجة إلى إذن من السلطات اللبنانية، كما تضمن الطرح السماح لتلك القوات الدولية في استخدام الطائرات المسيّرة للمسح المستمر للمنطقة التي يشملها نطاق القرار، بالإضافة إلى نشر أبراج مراقبة ونقاط تدقيق على طول الحدود البرية مع سوريا من عكار شمالًا إلى البقاع الغربي وراشيا جنوبًا، وتوسيع النطاق الجغرافي لسلطة القرار الدولي ليشمل شمال نهر الليطاني بمسافة عدة كيلومترات، على الأقل كيلومترين، وأخيرًا زيادة عدد القوات الدولية العاملة ضمن قوات حفظ السلام ورفع عدد قوات الجيش اللبناني المفترض نشرها في تلك المنطقة.[4]

وقد ردت إسرائيل على ذلك بأن نشرت هي الأخرى عن طريق هيئة البثّ الإسرائيلية مقترحًا يتضمن مزيدًا من التفاصيل، منها أن الجيش اللبناني مسؤول عن تطبيق الاتفاق في الجنوب، وأن ينتشر الجيش على طول الحدود ويصادر أسلحة حزب الله في جنوب لبنان، وستسحب إسرائيل جميع قواتها من جنوب لبنان على مراحل خلال 60 يومًا بعد إعلان وقف إطلاق النار، وتبدأ عملية الانسحاب بمرحلة أولى خلال 7 أيام من التوقف الكامل للقتال، وستحل محلها القوات المسلحة اللبنانية، مع تسهيل انتقال قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. في النهاية سيكون هناك 10 آلاف جندي من الجيش اللبناني على طول الحدود مع إسرائيل. وفي نهاية الستين يومًا، ستعقد إسرائيل ولبنان مفاوضات غير مباشرة من خلال الولايات المتحدة بشأن التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701 وحلّ النزاعات الحدودية.

كما قد يتم إنشاء آلية دولية جديدة للرصد والتنفيذ (IMEM)، برئاسة الولايات المتحدة، تضم إيطاليا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا والمملكة المتحدة ويونيفيل ودول المنطقة. وقد تختار إسرائيل التصرف ضد الانتهاكات ويمكنها الردّ على التهديدات من الأراضي اللبنانية. وإذا لم يتعامل لبنان أو الآلية الدولية (IMEM) مع شحنات الأسلحة، يمكن لإسرائيل ضرب هذه الأهداف بعد التشاور مع الولايات المتحدة. وضمن المسودة، يمكن لإسرائيل إجراء رحلات استخباراتية فوق لبنان، ولكن لا ينبغي أن تكون مرئية للعين المجردة أو تكسر حاجز الصوت[5]. لكن البيت الأبيض علق بالقول إنه توجد تقارير عديدة ومسودات يجري تداولها لكنها لا تعكس وضع المفاوضات.[6]

وبذلك تعطل مسار المفاوضات مرة أخرى، لا سيّما وأن موقف الحكومة اللبنانية كان مؤكدًا على رفض أي محاولة لتعديل قرار مجلس الأمن رقم 1701 بشكل يتضمن التدخل المباشر لإسرائيل أو فرض شروط قاسية على لبنان، بما عبر عنه رئيس الوزراء نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه بري[7].

على مدار العشرة أيام الأولى من نوفمبر الجاري، تضاربت تصريحات إسرائيلية ولبنانية حول وجود تقدم في المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن وقف إطلاق النار، وحول تبادل إسرائيل والولايات المتحدة ولبنان مسودات اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وعن تفاؤل حذر بشأن هذه المحادثات دون وجود نتائج مباشرة. وتزامن ذلك مع إعلان إسرائيل توسيع عملياتها البرية[8]. وفي 15 نوفمبر، قدمت السفيرة الأمريكية ليزا جونسون للبنان مسودة لمقترح هدنة رسميًا، بعد أسابيع من المباحثات والتسريبات بالتزامن مع تصاعد المواجهة بين الطرفين، يتضمن المقترح ملخصًا لكافة الجهود في الفترة الماضية، وذلك في 13 بندًا. وفيما يلي أبرز ما جاء في المسودة:

  • في مدة ستين يومًا، حيث يُتوقع أن يبدأ لبنان في نشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل.
  • إنشاء لجنة مراقبة لتنفيذ القرار الدولي 1701، التي ستكون مسؤولة عن التأكد من تنفيذ بنود الاتفاق، وخاصة تلك المتعلقة بإنشاء منطقة خالية من المسلحين جنوب نهر الليطاني.
  • سيُطلب من حزب الله نقل جميع قواته وأسلحته شمال نهر الليطاني  الذي يبعد حوالي 29 كيلومترًا عن الحدود الإسرائيلية.[9]
  • تطبيق القرار 1701 الذي ينص على انسحاب إسرائيل الكامل من لبنان وتعزيز انتشار قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل).
  • حصر الوجود العسكري في المنطقة الحدودية بين الجيش اللبناني والقوة الدولية. [10]

وفي إطار هذا المقترح، طلب نبيه بري تأجيلًا لمدة ثلاثة أيام مبينًا في السياق أن إسرائيل لم تقدم ردًا بعد هي الأخرى، على الرغم من التفاؤل المحدود والحذر لتلك الخطوة، إلا أن هناك العديد من البنود الشائكة للطرفين في الوقت الحالي، والتي تتطلب دراسة وقياسًا دقيقًا لعواقب أي من قراري قبول أو رفض المقترح.

عكس المقترحات المذكورة في السطور السابقة بدءًا من المقترح الأمريكي الفرنسي والعديد من القوى الغربية والعربية الأخرى وصولًا إلى المقترح الأمريكي الذي تم تسليمه لرئيس مجلس النواب اللبناني، من المهم تسليط الضوء على العديد من النقاط:

أولًا: إسرائيل تصر على حرية الحركة للجيش الإسرائيلي في لبنان: وهو أمر أولًا يرفضه حزب الله بشكل قاطع، وترفضه الحكومة اللبنانية الطرف الرسمي المفاوض، حيث سيشكل ذلك خسارة كبيرة للجانبين، فلا يتوقع أن يوافق حزب الله بعد ما يزيد على عام من الحرب غير المباشرة، وحوالي شهرين من المواجه البرية المباشرة مع إسرائيل، وتصفية قيادات الصف الأول والثاني في الحزب، أن يوافق في النهاية على حرية التحرك الإسرائيلي في البلاد، بما في ذلك أيضًا الوجود في المجال الجوي اللبناني.

ثانيًا: محاولات “الإنجاز الأخير” لإدارة بايدن: يلاحظ أن هناك سعيًا مستمرًا ومتزايدًا من قبل الإدارة الأمريكية الحالية للوصول إلى اتفاق والضغط على الطرفين، اللبناني والإسرائيلي من أجل الوصول إلى اتفاق قبل يناير القادم. ويلاحظ ذلك بشكل واضح من خلال الاتصالات المكثفة بين الإدارة الأمريكية والمسؤولين في لبنان وفي إٍسرائيل، بالإضافة إلى الاجتماعات والزيارات الأمريكية المكثفة للبلدين أو للمنطقة ككل، والاستعداد لطرح مقترحات مختلفة لتحقيق ما يسمى بالإنجاز الأخير لإدارة بايدن قبل نهايتها. لكن من المهم الإشارة إلى أن الإدارة الحالية لا تمتلك أوراقًا متعددة ضاغطة على إسرائيل، في ظل التوترات الموجودة بالفعل بينها وبين الحكومة الإسرائيلية.

ثالثًا: غموض حول الآلية الدولية المعنية بتنفيذ القرار: يثير هذا البند سخطًا ورفضًا لبنانيًا قويًا، حيث أكد نبيه بري أن هذا النص غير مقبول لبنانيًا، ويجرى الآن العمل على اقتراح آلية بديلة، مع التأكيد على الرفض القاطع وعدم قبول هذا البند، وطالب بتفعيل الآلية الموجودة بالفعل وهي “اليونيفيل”، ويعد ذلك انتهاكًا لسيادة لبنان على أراضيها، حيث من المتوقع أن يمثل التدخل الدولي بداية لمزيد من الخلافات والانهيار للدولة اللبنانية، ذلك بالنظر إلى التجارب الإقليمية في وجود قوات دولية معاونة في دولها، والتي أصبحت سببًا في نقل الخلافات الدولية إلى الدولة التي يكون بها تلك القوى.

رابعًا: ضغط عسكري إسرائيلي على لبنان: يتزامن التصعيد العسكري الإسرائيلي في لبنان مع التطورات الدبلوماسية، حيث بات واضحًا أن إسرائيل تسعى من خلال العمليات العسكرية إلى فرض استسلام لبنان في المسار السياسي. فعلى الرغم من الجهود المبذولة للوصول إلى تفاهمات، نفذت إسرائيل قصفًا عنيفًا في مناطق عدة مثل صور والنبطية والبقاع، مستهدفةً الأحياء الجنوبية من العاصمة لتعزيز موقفها التفاوضي من ناحية ومن ناحية أخرى يأتي ذلك بعد رفض رئيس مجلس النواب إدخال أيّ تعديلات على قرار مجلس الأمن 1701، خاصة وأن صور تشكّل مقر حركة أمل التي يرأسها “بري”.

في إطار ما تم تناوله في السطور السابقة؛ من المهم الإشارة إلى أن إسرائيل تسعى إلى تكثيف عدوانها على لبنان لتحقيق أهدافها في تغيير المشهدين السياسي والميداني، يتمثل هذا الهدف في إضعاف قدرات حزب الله العسكرية واستهداف شبكة خدماته الاجتماعية والصحية والتعليمية، مما قد يسهم في دفع حاضنته الشعبية إلى التخلي عنه.

وقد يظهر ذلك في المفاوضات المرتقبة خلال الأسبوع الجاري، والتي من المتوقع أنها ستحتوي على اعتراضات من الجانب الإسرائيلي ومحاولته فرض شروطه المتمثلة في ضمان حرية وجوده العسكري بدون قيود في حال حصل على معلومات تفيد بوجود تهديدات أخرى من حزب الله، وهو بالطبع ما يرفضه لبنان بشكل قاطع. من ناحية أخرى، على الرغم من وجود مؤشرات حالية على تسارع وارتفاع وتيرة الأعمال العسكرية من الجانب الإسرائيلي ضد لبنان في الوقت الحالي بهدف الضغط على لبنان من أجل قبول الشروط الإسرائيلية، فإن لبنان من المتوقع له أنه لن يكون سببًا في عرقلة المفاوضات، ولكن بدلًا من ذلك سيطرح مجموعة من الأسئلة حول النقاط الأساسية في المسودة أهمها البند الخاص بالقوات الدولية المرتقب إنشاؤها، وعن السبب وراء عدم إعادة تفعيل اليونيفيل، كما أنه من المتوقع أن يسلط الضوء على الانتهاكات التي يقوم بها الجانب الإسرائيلي في عملياته العسكرية من استهداف هذه القوات الأممية، كما سيؤكد رفضه القاطع لأي محاولات لانتقاص السيادة اللبنانية.

من ناحية أخرى ستعد الجولة المرتقبة هي الأولى والأخيرة في إدارة بايدن، والتي من المتوقع لها أن تفشل في ظل الشروط التعجيزية التي ستعيد إسرائيل طرحها من جديد، وأيضًا في ظل التساؤلات التي سيطرحها الجانب اللبناني ووصفه لبعض بنود الاتفاق بأنه غامض، وبالتالي سيتم إرجاء الجولات الأخرى من المفاوضات إلى أن يتولى ترامب الرئاسة الأمريكية رسميًا في يناير القادم ومن المتوقع أن يطرح حلًا للسلام ما بين إسرائيل ولبنان يفضي إلى وقف العمليات العسكرية في الأراضي اللبنانية، خاصة مع وجود مؤشرات حالية تؤكد ذلك، كان آخرها تصريح “بري” بأن ترامب أعطى الضوء الأخضر لوقف الحرب في لبنان، وبالتالي فمن المتوقع أن يسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية للعديد من الأهداف أهمها إثبات ضعف الإدارة الحالية وقدرتها على السيطرة على الوضع في الشرق الأوسط، خاصة في ظل العلاقة الجيدة بين “نتنياهو” و”ترامب” والاتفاق حول العديد من الملفات والرؤى.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M